عندما ترتفع الأرباح وتنقل للخارج، يتحول المغرب الى مجرد ورشة لاستغلال العمال
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن
-
العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 10:52
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كشفت تقارير صناعية عن تحول جذري في خريطة القدرة التنافسية العالمية لقطاع السيارات، كما وضع "تقرير حول تكلفة السيارات مقابل تكلفة العمالة لعام 2024" المغرب على رأس قائمة الدول ذات أدنى تكاليف العمالة لتصنيع السيارات.
وتؤكد الأرقام المثيرة للقلق في هذا التقرير، والتي تعد من بين أهم الدراسات في تحليل الكفاءة الصناعية، أن المغرب أصبح بمثابة المغناطيس الجديد للاستثمارات الرأسمالية الكبرى في هذا المجال، وخاصة الاستثمارات الصينية.
الرقم الذي لفت انتباه الشركات الرأسمالية الأوروبية الكبرى هو أن تكلفة اليد العاملة اللازمة لتصنيع سيارة في المغرب تبلغ 90 يورو فقط.
وهذه التكلفة أقل بكثير من تلك المفروضة في أوروبا الغربية؛ ففي إسبانيا تبلغ 820 يورو، وفي إيطاليا تصل إلى 1770 يورو، بينما تصل في ألمانيا إلى مستوى قياسي قدره 2840 يورو.
هذا يؤكد أن ما يجذب كبرى شركات صناعة السيارات إلى المغرب هو العمالة الرخيصة، نظرًا للاستغلال والأرباح الطائلة التي تحققها على حساب العمال. هذا الواقع يختبئ وراء الدور البيروقراطي لأكثر من ثلاثين مركزية نقابيًة. يتمثل هذا الدور في خداع الطبقة العاملة والتفاوض من وراء ظهورها مع أرباب العمل (الباطرونا الصناعية) في قطاع السيارات بهدف تقليص مطالبهم وتقويض نضالاتهم وإضراباتهم. ورغم التواطؤ السافر لهذه النقابات البيروقراطية مع السلطات لبث الخوف في نفوس العمال وثنيهم عن تكثيف نضالاتهم، إلا أنهم يواجهون باستمرار مقاومة عمالية شرسة تهدف إلى تغيير الهيكل البيروقراطي الداخلي لهذه النقابات، وهي مقاومة غالبًا ما تؤدي إلى الطرد أو التهديد بالسجن.
لكن رغم هذه العتبة من استغلال العمال في قطاع السيارات لصالح الشركات المتعددة الجنسيات، يبقى المغرب مجرد ورشة عمل في هذا المجال.
فغالبًا ما يُحتفى بصناعة السيارات المغربية كقصة نجاح، فهي تشكل الصادرات الرائدة للبلاد، والقوة الدافعة للميزان التجاري، ورائد "الانطلاقة الصناعية" المتوقعة منذ ثمانينيات القرن الماضي. لكن وراء هذه الأرقام المبهرة، تكمن حقيقة أكثر غموضًا.
فالمغرب ينتج، ولكن الآخرين هم من يحصدون؛ فالبلاد تجمع، ولكن فائض القيمة يتبخر؛ الورشة تعمل، ولكن الأرباح تعبر البحر الأبيض المتوسط.
في عام 2024، تجاوزت صادرات السيارات 170 مليار درهم. إنجازٌ باهر؟ ربما. فخ؟ بالتأكيد. فوفقًا لبيانات الاتحاد العام لمقاولات المغرب، 96 % من أرباح هذا القطاع تذهب إلى المساهمين الفرنسيين. بمعنى آخر، المغرب يُنتج الثروة، وفرنسا تحصد الريع. إن التوازن الصناعي الذي يُباع لنا، عند التدقيق فيه، ليس سوى غطاءٍ خطابيٍّ لتبعيةٍ هيكلية واستغلال بشع للطبقة العاملة.
سيارات رينو-طنجة، اتفاق مالي أصبح يشكل رمزا لخلل هيكلي
فالقصة معروفة جيدًا، لكن نادرًا ما تُروى كاملةً. في عام 2007، عندما انسحبت نيسان من مشروع طنجة، كان صندوق الايداع والتدبير (CDG) الذي يضم: المدخرات العامة المغربية، والمعاشات التقاعدية، والودائع المُنظَّمة - هو من أنقذ فرع رينو.
فصندوق الإيداع والتدبير ضخ 47 % من رأس المال الفرع لإنقاذ المصنع من الانهيار الوشيك. مخاطرة كبيرة، تمّت بأموال عمومية.
ثم في عام 2012، وبعد تمويل البنية التحتية، وتجهيز الأرض، واعتماد الإعفاءات الضريبية، وتجهيز الماكينة بالكامل، انسحبت شركة CDG بهدوء. أما شركة رينو، فقد ظلت هي المتحكمة الوحيدة في المشروع، مستفيدة من منصة صناعية استراتيجية... بتمويل من الدولة المغربية.
إن هذه العملية، التي لم يتم الإبلاغ عنها، تلخص النموذج تمامًا، فالمغرب يمول عملية الإقلاع، والشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات تستحوذ على المدار.
- المفارقة الجديدة، كلما زاد إنتاج المغرب، قلّت سيطرته منذ عام 2023، أصبح هناك قانون واضح يحكم المساعدات العامة للصناعة:
لا يمكن لأي شركة أن تطالب بالدعم إذا لم تدمج ما لا يقل عن 40 % من المحتوى المحلي.
في المرحلة الأولى من الميثاق الوطني الجديد للاستثمار (2023-2024)، صرفت الدولة ملياري درهم كمساعدات. وأمام ضغوط إعلامية، اضطرت اللجنة الوطنية للاستثمار إلى الإقرار بضرورة الكشف عن قائمة المستفيدين.
لكن تبقى أسئلة جوهرية: هل حقق الرأسماليون بالفعل نسبة الـ 40% المطلوبة قانونًا من المحتوى المحلي؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يتلقون بالفعل إعانات حكومية؟
وفقًا للتوقعات الرسمية، تأمل صناعة السيارات الوصول إلى نسبة 55% من المحتوى المحلي بحلول عام 2026. وهو طموح جدير بالثناء. لكنه يُشير ضمنيًا إلى أن هذه العتبات لم تُبلَّغ بعد، على الرغم من أن الدعم يُوزَّع بالفعل.
بعبارة أخرى، نحن ندعم الوعد، وليس الأداء.
- السيارات الكهربائية، سوق جديدة وعادات قديمة، حيث يُصوَّر وصول المركبات الكهربائية على أنه فجر تحول نحو نموذج أكثر استقلاليةً وابتكارًا وتحكمًا. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم - ما هي المكونات المحلية الحقيقية للسيارة الكهربائية المُنتَجة في المغرب؟ - يبقى الجواب غامضا.
البطاريات؟ مستوردة. إلكترونيات الطاقة؟ مستوردة. البرامج المدمجة؟ مستوردة. الخلايا والوحدات؟ مستوردة. المكونات الاستراتيجية؟ مستوردة.
في كثير من الأحيان، يتم تقليص "المحتوى المحلي" إلى مجرد هياكل السيارات والكابلات وبعض حزم الأسلاك والتجميع... أو بعبارة أخرى، إلى ما قامت الاقتصادات المتقدمة بتعهيده إلى جهات خارجية خلال الثلاثين عامًا الماضية.
- نموذج للجذب، وليس للتحول، فقد نجح المغرب بلا شك في استقطاب الصناعيين. لكنه لم ينجح بعد في تغيير علاقته بالشركات متعددة الجنسيات، التي لا تزال تُملي قواعد اللعبة.
والنتيجة لا يمكن إنكارها:
• إنتاجية عالية،
• تسجيل الصادرات،
• الوظائف التي تم إنشاؤها،
أكثر من ذلك:
• محتوى تكنولوجي منخفض،
• نقل المهارات المحدودة،
• الأرباح المنقولة بشكل كبير،
• السيادة الصناعية المتبقية.
هذه هي متلازمة الورشة العالمية:
• الدولة تعمل ولا تقرر.
• الدولة تجمع ولكنها لا تمتلك.
• الدولة تصدر ولكنها تستورد القيمة المضافة.
-النقاش الحقيقي: ماذا تبقى في المغرب؟
لقد حان الوقت لطرح السؤال الوحيد المهم، ما الذي يكسبه المغرب فعليا من هذه المعادلة الصناعية؟
ليس من حيث أرقام التصدير، ولكن:
• استخدام التقنيات المتقنة،
• في براءات الاختراع المقدمة،
• في مراكز البحث والتطوير الوطنية،
• في المهارات الاستراتيجية،
• كنسبة من القيمة الملتقطة،
• مع انخفاض الاعتماد.
واليوم، أصبح الجواب قاسياً: عدد قليل جداً.
النتيجة، قوة صناعية بلا سيادة.
لا ينبغي للمغرب أن يتخلى عن صناعة السيارات، فهذا سيكون سخيفا.
ولكن يجب عليها أن تتحرر من هذا النموذج من الانفتاح الإنتاجي، حيث تمتلك الشركات المتعددة الجنسيات الجهاز الصناعي بينما توفر الدولة فقط الإدارة اللازمة لهذا الجهاز.
لأن التصنيع الذي يثري الدول الأجنبية أكثر مما يقوي الأمة ليس نموذجاً، إنه وهم.
وهم تخفيه الأشكال، وتزينه الخطب، ولكن الواقع الاقتصادي يكشفه دائما.