طاحونة التضخم ومحاصرة احتجاجات الجماهير


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 7261 - 2022 / 5 / 27 - 11:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 - تؤكد مختلف نشرات المندوبية السامية للتخطيط على جسامة المؤشر السنوي للتضخم الأساسي الذي بلغ مؤخرا في مايو 2022 4,7 في المائة وشهريا بمعدل 0,8 في المائة. وقد طال التضخم بالدرجة الأولى المواد الخام كمواد البناء (الخردة المعدنية، والخرسانة الفولاذية، والزجاج، والألمنيوم، والنحاس)، ومصادر الطاقة (البنزين، والديزل، والوقود والفحم)، ومواد غذائية (من قمح صلب، وأصناف مختلفة من دقيق القمح الطري، وأسمدة مغذية، وزبدة، وعدس، وحليب مجفف).

2 - تعرف أسعار المنتجات من مواد غذائية ومواد خام عدة تقلبات وعدم استقرار واختلافات بين الأسعار المسجلة عند الإنتاج أو عند الاستيراد وبين اسعارها عند الاستهلاك. وهكذا نجد مثلا أن سعر القمح المستورد قد شهد اتجاهاً تصاعدياً بالفعل من 2.288 درهماً في 2018 إلى 3.062 درهماً للطن في 2021، بزيادة قدرها 33.8٪. بينما سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، خلال شهر أبريل 2022، ارتفاعا ب 1,8% بالمقارنة مع الشهر السابق. وقد نتج هذا الارتفاع عن تزايد الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية ب 3,0% والرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية ب 0,9%.

3 - ويغطي الإنتاج الوطني من الزبدة ما يقرب من 30٪ من الاحتياجات الوطنية بينما يتم استيراد الباقي. وقد شهد هذا المنتج حسب مجلس المنافسة ارتفاعًا في سعر استيراده من 39.983 درهمًا للطن في عام 2021، إلى ما يقرب من 43.258 درهمًا للطن في عام 2022، بزيادة قدرها 8.2٪. كما ارتفع هذا السعر بنسبة 37٪ تقريبًا في يناير 2022 مقارنة بنفس الشهر من العام السابق (2021). وتلعب الوساطات والمضاربة على هذه المواد دورا في ارتفاع أسعارها.

4 - ومن بين مواد البناء الرئيسية التي شهدت زيادة واضحة في الأشهر الأخيرة هو قضيب التسليح المستخدم في البناء. هذا الأخير يعتمد على أسعار الخردة. وبذلك ارتفع سعره من 2.668 درهماً للطن في 2020 إلى 3.962 درهماً للطن في 2021 بنسبة تزيد عن 48٪. في يناير 2022، ارتفع سعره بنحو 36.6٪ مقارنة بشهر يناير 2021.

5 - وفيما يتعلق بمنتجات الطاقة، فيعتمد المغرب كليًا على محتكري استيراد الديزل والبنزين وزيوت الوقود ومن بينهم طبعا عبد العزيز أخنوش رئيس الحكومة الحالي. وتشهد هذه المنتجات المستوردة أعلى ارتفاع في الأسعار منذ أن سجلت الأخيرة 5.193 درهم للطن، بزيادة بنحو 38.5٪ على أساس سنوي. ونظرا لدخول هذه المواد في أسعار النقل وانعكاس تكلفتها على جميع السلع والمواد المنقولة فقد أصبح من السهل المضاربة على أسعارها وانفجار جميع الأسعار وتضرر المستهلك النهائي من انعكاساتها على قوته اليومي، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المنخفض والمحدود.

6 - مع غياب التفاعل الجماهيري الفوري ضد انفجار التضخم، وتراجع المثقفين والأحزاب السياسية والمركزيات النقابية عن أية مقاومة لإرادة التحالف الطبقي الحاكم والباطرونا وتوصيات المؤسسات المالية الدولية التي تعمل على تقليص منهجي لعائدات الأجور والتقاعد عبر العديد من المناورات ومن بينها مثلا رفع سن التقاعد عدة مرات بدعوى وجود ازمة في هذه الصناديق في حين ان الامر لا يعدوا ان يكون ازمة مفتعلة من أجل تحقيق ادخارات على عاتق الأجراء والموظفين. نفس إرادة الاستيلاء على المزيد من الادخارات عبر القضاء على صندوق المقاصة وخوصصة كافة المرافق العمومية ورفع أسعارها بعد ذلك كما حدث مع رفع أسعار فواتير استهلاك الماء والكهرباء عدة مرات. كما ان سياسات الزيادات المتواترة في الأسعار تم اللجوء اليها باستمرار كلما لاحت أزمة في الأفق وارادت الحكومة ضخ الاموال الساخنة في صناديق الشركات الرأسمالية مباشرة من مداخيل الجماهير المقهورة ماديا.

7 - وتتواطؤ الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية مع هذه السياسات عبر لعبة الحوار الاجتماعي المغشوش، والتصفيق للفتات المتفق عليه بين الحكومة وهذه الأطراف لكسب المزيد من ما يسمى بالسلم الاجتماعي، (بالأحرى الظلم الاجتماعي) وحيث اصبح الزعماء السياسيين داخل المربع الحكومي يحرضون حتى على عدم متابعة الفاسدين من المنتخبين من طرف منظمات المجتمع المدني المستقلة.

8 - ان تراكب وتداخل مختلف هذه العناصر، ولد ضغطا اجتماعيا انفجاريا، وهو ما رفع من حدة اضطراب الهاجس الأمني لدى التحالف الطبقي الحاكم وسماحه بمطلق اشكال القمع لمختلف الحركات الاحتجاجية أو النقابية، واخراس مختلف الأصوات المنددة الفردية أو الاجتماعية. ولعل المنع الأخير لتنظيم مسيرة الدار البيضاء ضد الغلاء والقمع والتطبيع مع إسرائيل، يفسر من جهة مدى الضغط الاجتماعي الوشيك الانفجار، ومن جهة أخرى لأشكال القمع الموازية لهذا الضغط.