الطريق نحو الشيوعية في القرن الواحد والعشرين


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 7547 - 2023 / 3 / 11 - 10:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 – ان كانت هناك من ضرورة لشق الطريق دائما وأبدا نحو الشيوعية فذلك لأن هذه الأخيرة كما سبق لكارل ماركس أن قال في رسالته الى روج سنة 1843 انطلاقا من "اصلاح الوعي من خلال تحليل الوعي الغامض الذي لا يمكن فهمه في ذاته، سواء كان تجليًا في شكل ديني أو سياسي. سوف يصبح من الواضح بعد ذلك أن العالم كان يحلم منذ فترة طويلة بامتلاك شيء ما، وأنه ينقصه الوعي الواضح فقط لكي يمتلكه حقيقة في الواقع(إعادة بناء المجتمع الشيوعي). سيظهر أنها ليست مسألة حل فكري عميق رابط بين الماضي والمستقبل، وإنما انجاز أفكار الماضي. أخيرًا، سيتضح أن الجنس البشري لا يبدأ عملًا جديدًا، ولكنه يستكمل بوعي عمله القديم".

2 – ان الحنين الى المجتمع الشيوعي الذي عاشته البشرية في مهد نشأتها وتطورها، يصطدم بفظاعات تطور المجتمعات الطبقية ابتداء من هزيمة العنصر الانثوي الذي ينتج ويعيد انتاج الحياة المباشرة، لصالح العنف الذكوري الذي ما فتئ يتزايد ويفيض على المستوى الكوكبي. انها فظاعات الملكية الخاصة ووقوفها وراء العنف السيزيفي الذي اريد له الا ينقطع. فظاعات التناقض في صلب أنماط الإنتاج المتعاقبة التي تجعل قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج في مواجهة مستمرة تنشأ عنها اشكال الاستغلال الطبقي لاستملاك الإنتاج وبالتالي خوض الحروب التجارية الفتاكة لتحقيق تداول الإنتاج وتحويله الى نقد عبر تصريف المنتجات في مناطق النفوذ التي يتم غزوها امبرياليا.

3 – ان سيرورة الصراع الازلي الناشئ نتيجة الملكية الخاصة واشكال العنف الفضيعة الناجمة عنه يحدث بالضرورة استقطاعات متعددة الاشكال والى اغتراب انساني ما فتئ يتفاقم مما حول البشرية الى عبيد للرأس المال الميت. أن اخراج الإنسانية من دوامة الاغتراب هذه ويضعها على طريق الشيوعية هي مسألة وعي ثوري.

"إن المبدأ الاشتراكي برمته كما قال كارل ماركس هو جانب واحد فقط من حقيقية الوجود الإنساني. لكن علينا أن نولي نفس القدر من الاهتمام للجانب الآخر، للوجود النظري للإنسان، وبالتالي لجعل الدين والعلوم، وما إلى ذلك، موضوعا لنقدنا الثوري. فكيف يمكننا تحقيق ذلك؟ هناك نوعان من الحقائق التي لا يمكن إنكارها. في المقام الأول، الدين من جهة، والسياسة من جهة أخرى. علينا أن نأخذهما، على حالتهما حاليا، كنقطة انطلاق لدينا".

4 - تعتبر الملكية الخاصة في فلسفة كارل ماركس أساس الاغتراب الإنساني وأساس العنف والحروب، وفي ظلها تحدث المواجهة العنيفة بين العمل الحي والعمل الميت، حيث يكون النصر لهذا الأخير (العمل الميت كعمل حي سابق، كرأس المال الثابت، كرأس المال)، حيث تصبح القيمة التبادلية سيدة للقيمة الاستعمالية، وحيث يصبح العامل الحي عبدا لعمله الميت، فيتعمق الاغتراب الإنساني ويتفاقم الانقسام الموضوعي بين الطبقات، خاصة بين مالكي وسائل الإنتاج والمحرومين منه، وتزداد حدة هذا الانقسام وعدوانيته، محليا ودوليا، وتتفاقم الحروب التجارية لتحقيق رأس المال النقدي عبر امتلاك مناطق النفوذ ومناطق تصريف الإنتاج الزائد لتحويله الى رأس المال نقدي، فالتناقض واضح بين عملية الإنتاج وعملية تداول هذا الإنتاج.

5 - وتطغى الإيديولوجية الإمبريالية في ظل هذا الاغتراب انطلاقا من النظريات الفاشية عن العنف والمتأصلة في التقليد التوراتي لإضفاء الطابع الإقليمي على الأرض، وتقسيمها بين الخير والشر على غرار البورجوازية التي تفصل بين القيمة التبادلية وقيمة الاستعمالية، متبوعًة بمبدأ التفوق العرقي وشعب الله المختار والعرق الرئيسي.

6 - إن أيديولوجية الإله الذكر العنيف هي التي يتم تسييدها. وعليه، فإن تفوق الذكر (في شكل "الروح القدس" المغترب) لا يلغي حقوق الأم والعناصر الأمومية في المجتمعات الأمومية فحسب، بل يغتصب المجال الأنثوي للإنجاب. يمكن للمرء أن يقول أن هذا هو المكان الذي يتم فيه الكشف بوضوح عن العنف المتمحور حول الذكور، حيث يشن الذكر باعتباره روحًا مغتربة هجومًا عدائيًا على الأنوثة نفسها بالقول إنها كانت صاحبة الخطيئة الأصلية. في هذه الرواية الكتابية، يدعي الإله الذكر أن المبدأ الأنثوي لم يعد مطلوبًا في الإنجاب. يُصوَّر الخلق على أنه ينشأ من خلال كلمة الإله الذكر. إنه ليس الرحم، ولكنه ترتيب الإله الذكر الذي يتم بموجبه "الخلق" (أي كلمة أكثر وحشية لأسلوب الإنتاج). سيكون هذا بمثابة المبدأ الأول لأصول الإقصاء والعنف الذكوري.

7 – لقد تم قتل الإلهة الأم النابضة بالحياة للمجتمعات الأمومية. وتم توليد الأم العذراء. ربما تم رسم الصورة الأكثر شهرة للقمع هنا، وكذلك قصة استعباد البشرية. لنتذكر قصة الخلق الكتابية مرة أخرى، والتهديد بالإخصاء، واحتكار الإله الذكر، وحواء الخاطئة، والتهديد باللعنة الأبدية. يتم رسم الاختلاف الصارم والصراع بين الأب (الله / الدولة) والابن (آدم / المجتمع المدني) هنا، حرم الله (الدولة) على الابن (البروليتاريا) من أكل الفاكهة المحرمة (ثدي الأم / فائض الانتاج). فالابن العاصٍي(البروليتاريا)، يحاول الاستيلاء على الفائض الذي أنتجه بنفسه، فيُطرد من الجنة. بما أننا أبناء وبنات العصيان والمنفيين للعصيان الأبدي، يبقى السؤال: ما العمل؟

8 - سيحتاج المرء إلى حشد تاريخ ماركس وإنسانيته لفهم عمليات الثورة في القرن الحادي والعشرين. فعلى المرء أن يعي أولا أن هذه العملية الماركسية هي في الأساس مناهضة للدولة، تمامًا كما أنها في الأساس إنسانية وبالتالي فهي مناهضة للعنف. يجب أن نتذكر مع ماركس أن البروليتاريا لا تستطيع ببساطة أن تمسك بآلة الدولة الجاهزة وأن تمارسها لمصالحها الخاصة. وبالتالي يتم نفي استخدام الأدوات الاستبدادية للمجتمعات الطبقية واستخدامها لأغراض بلوغ المرحلة الشيوعية. سيحتاج المرء ثانيا الى إعادة النظر في مرحلتي الثورة نفسهما – خاصة فيما يسمى بالمرحلة الدنيا (الاشتراكية) للتمكن من القفز نحو"المرحلة الأعلى" الشيوعية، دون السقوط في الاستبداد والتيهان عن طريق الشيوعية.

9 – إن البرجوازية لا تفهم سوى العنف ولا علاقة لها بالإنسانية. وهذا ما يدعو البروليتاريا الى التمسك بتجسيد النظرية الماركسية للإنسانية كإنسانية، والارتقاء بها الى نظرية إنسانية جديدة للحيوية المادية. فالماركسية ليست فوضوية، علما أن الفرق بين الشيوعية والفوضوية هو أن الأولى تصر على أن الجماهير العمالية تصنع التاريخ، بينما تؤكد الفوضوية على الارتقاء عبر أعمال العنف ضد الدولة الاستبدادية التي يقوم بها عدد قليل من الأفراد الابطال.

10 - ان الفلسفة الماركسية تشكل فلسفة الشعوب الكادحة، وهي فلسفة بالضرورة إنسانية. وإذ تدعو الماركسية الى الإطاحة بالرأسمالية والإمبريالية، فأن الشيوعية باعتبارها أصل الوجود الإنساني وتحقيقًا لإرادة الأفراد الأحرار واستعادة لمجتمع لا طبقي، ودفع الصراعات والحروب الى الماضي. فماركس يحثنا على أنه حيثما توجد حروب رأسمالية، يجب أن تكون هناك ثورات بروليتارية. فيتعين على البروليتاريا أن تعمل على تجاوز بنية المجتمعات الطبقية من خلال النظر إلى الأساس البشري للمجتمع. كما يقول ماركس في مخطوطاته الباريسية لسنة 1844:

"الشيوعية باعتبارها التخطي الإيجابي للملكية الخاصة، أو لاغتراب الذات الإنساني، وبالتالي باعتبارها التملك الحقيقي للماهية الإنسانية من جانب الإنسان وللإنسان، وبالتالي الشيوعية باعتبارها عودة الإنسان الكاملة إلى ذاته ككائن اجتماعي (أي إنساني) – عودة تصبح واعية ومكتملة في إطار كل ثروة التطور السابق. وهذه الشيوعية – كطبيعية مكتملة التطور – تساوي الإنسانية، وكإنسانية مكتملة التطور تساوي الطبيعية، إنها الحل الحقيقي للنزاع بين الإنسان والطبيعة وبين الإنسان والإنسان – الحل الحقيقي للصراع بين الوجود والماهية، بين التموضع وتأكيد الذات، بين الحرية والضرورة، بين الفرد والنوع. الشيوعية هي لغز التاريخ وقد حل، وهي تعرف نفسها باعتبارها هذا الحل".