أحلام ماركس للقضاء على الظلم والتحرر والانعتاق


عبد السلام أديب
الحوار المتمدن - العدد: 7477 - 2022 / 12 / 29 - 16:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

1 – قدم كارل ماركس وصفا مقتضبا لماهية الشيوعية في رسالته سنة 1843 الى روج حينما قال: "سوف يصبح من الواضح بعد ذلك أن العالم كان يحلم منذ فترة طويلة بامتلاك شيء ما، وأنه ينقصه الوعي الواضح فقط لكي يمتلكه حقيقة في الواقع. سيظهر أنها ليست مسألة حل فكري عميق رابط بين الماضي والمستقبل، وإنما انجاز أفكار الماضي. أخيرًا، سيتضح أن الجنس البشري لا يبدأ عملًا جديدًا، ولكنه يستكمل بوعي عمله القديم". فالشيوعية هي ذلك الشيء الذي يبحث عنه الانسان وهو كامن في أعماقه لانها شكلت ازيد من 99,99 في المائة من حياة البشرية الى ان تم اغتصابها منه اعتصابا، فتوالت عليه اشكال من العبودية والظلم والاقطاع والاستعمار حيث نصبت الأقلية نفسها سيدة على الأغلبية.

2 – ولتحرير الوعي من قيوده يقول كارل ماركس في نفس الرسالة المشار اليها: "من الواضح لدينا ما يتعين تحقيقه في الوقت الحالي؛ إنه النقد الراديكالي لكل النظام القائم، توجيه النقد بلا رحمة، بدون خوف من النتائج التي قد نصل إليها ودون الخوف من خوض الصراع ضد القوى المهيمنة". إن هذه الروح التي بعثها ماركس في النقد الراديكالي لتحرير الوعي من أجل ادراكه للفكر الشيوعي، وهي المهمة التي طبعت كافة أعماله الفكرية والعملية هو ورفيقه في النضال فريدريك انجلز طيلة حياتهما، وشكلت ثورات 1848 في عدد من دول أوروبا وسنة 1872 في كمونة باريس، بمثابة نقش بالنار على الرخام، موجه للأجيال المتلاحقة.

3 – حمل لينين المشعل بعد ماركس وحاول بأفكاره وعمله الميداني تكريس أفكار ماركس ميدانيا وعبر النقد الراديكالي للعالم الرأسمالي الامبريالي الذي استعبد الانسان في القارات الخمس بقوة الحديد والنار، مستهدفا تحرير هؤلاء العبيد من عبوديتهم. لقد استطاع في ظرف 17 سنة تفجير ثورة بروليتارية طبقية في روسيا التي كانت تعتبر جزءا من العالم المتخلف. وقد مكنت هذه الثورة من تحرير العمال والفلاحين الفقراء ومن نقل روسيا من العالم الرابع الى العالم الأول وخاصة من تحرير الطبقة العاملة من قيود الظلم والعبودية.

4 – نفس الشيء قام به ماو تسي تونغ في الصين في مواجهة النظام الاقطاعي الابوي المتخلف المهيمن والتابع للامبريالية، بالنقد الفكري والنضال الميداني وقيادة مسيرة تاريخية للفلاحين الفقراء للاستيلاء على السلطة وتحرير العبيد واقنان الأرض من عبوديتهم. لقد أدى تجاح الثورتين في روسيا وفي الصين الى انبهار وتعاطف شعوب المستعمرات التي كانت تأن تحت قيود العبودية والاستغلال الذي فرضته عليها الشعوب الغربية التي تعتبر نفسها شعوب العالم المتحضر والمتعالي والتي كانت تنظر بعجرفة الى شعوب العالم الثالث. ومن هنا انطلقت شرارة حركات التحرر من الاستعمار.

5 – بطبيعة الحال سينظر الغرب الامبريالي الاستعماري الى تلك الثورتين والى حركات التحرر من الاستعمار العالمية نظرة حقد وضغينة، وبطبيعة الحال أن يشحذ لها امضى سكاكين الثورة المضادة، وحيث ظل يحاربها منذ نجاح الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917، ويحاول اقناع شعوب الصين وروسيا والعالم الثالث، بان الشيوعية شر وشيطان ويوظف ضدها مختلف ادواته الأيديولوجية والمخابراتية والبوليسية داخل كافة البلدان. ولعل الماكارتية التي حاربت كل من تشتم فيه رائحة الشيوعية منذ الخمسينات من القرن العشرين في الولايات المتحدة الامريكية وفي أوروبا وفي مختلف الدول الافريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية. ولم تتوقف هذه الحرب الباردة الى اليوم ضد الشيوعية.

6 – لقد شكلت تلك الشرارة التي أوقدها كل من ماركس وانجلز ولينين وستالين وماو تسيتونغ، روحا إنسانية تضامنية عمت العالم في مختلف القارات، وقد شهدنا أوج مكتسبات هذه الروح خلال ثلاث عقود مجيدة هي الخمسينات والستينات والسبعينات، خاصة على مستو الادب والشعر والغناء والابداعات المختلفة. من جهة أخرى عملت الثورة المضادة ومحاصرة الشيوعيين واغتيالهم وتمويل الانقلابات لتغيير الأنظمة ذات الميول الاشتراكية ودعم الثورات الدينية الفاشية لمحاصرة المد الشيوعي كما حدث في ايران. لقد نجحت هذه الاستراتيجية المضادة للثورة الى إطفاء نسبي لجدوة تلك الشرارة التي بثها كارل ماركس في النفوس وأحيت ذلك الحلم الجميل بعودة الانسان الى انسانيته والقضاء المبرم على الظلم والاستعباد.