طالبان تتهم باكستان بالوقوف وراء الانفجارات التي وقعت في كابول وسط تواصلها مع الهند
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 02:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
تأتي هذه الانفجارات والهجمات على كابول وسط تصاعد التوترات مع إسلام آباد التي تتهم طالبان بإيواء الجماعات المسلحة المناهضة لباكستان.
تتولى حركة طالبان الأفغانية السلطة منذ غشت 2021 بعد استيلائها على البلاد في أعقاب انسحاب القوات الأمريكية. وألقت باكستان باللوم على حكام بالوكالة لتوفيرهم ملاذات آمنة للجماعات المسلحة؛ الشيء الذي تنفيه كابول.
ألقت حركة طالبان باللوم على باكستان في انفجار وقع في كابول وآخر في إقليم باكتيكا شرق أفغانستان يوم الخميس، وسط تصاعد التوترات بين الجارتين وتغير الولاءات في جنوب آسيا مما أثار قلق إسلام آباد.
وكان المتحدث باسم حكومة طالبان ذبيح الله مجاهد قد أكد سماع دوي انفجار في كابول، قائلا إن السبب قيد التحقيق منذ يوم أمس الخميس، لكنه قلل في ذلك الوقت من خطورته. ولم يلق أي لوم.
قال في منشور رأى النور على منصة التواصل الاجتماعي (X) باللغة الباشتونية: “سُمع دوي انفجار في مدينة كابول. لكن لا (داعي) للقلق، كل شيء على ما يرام. يجري التحقيق في الحادث، ولم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات حتى الآن. لحد الساعة، لا يوجد أي تقرير عن أي ضرر حدث.”
لكن وزارة الدفاع الأفغانية ألقت باللوم يوم الجمعة على باكستان بسبب تفجيرات كابول وباكتيكا، دون أن تشارك أي تفاصيل.
جاء الحادث وسط تدهور العلاقات بين أفغانستان وباكستان، التي اتهمت حكومة طالبان – التي تتولى السلطة في البلاد منذ غشت 2021 – بتوفير ملاذ للجماعات المسلحة، وخاصة حركة طالبان الباكستانية، المعروفة باسمها المختصر TTP، والتي تتهمها إسلام آباد بالوقوف وراء تصاعد الهجمات على قواتها الأمنية.
تزامنت الانفجارات أيضا مع وصول وزير خارجية إدارة طالبان أمير خان متقي يوم الخميس إلى الهند لحضور اجتماع زيارة لمدة ستة أيام، وهي الرحلة الأولى من نوعها منذ عودة طالبان إلى السلطة.
وفي أعقاب انفجارات كابول، انتشرت تكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن باكستان كانت وراء الهجوم، الذي زُعم أنه استهدف كبار قادة حركة طالبان الباكستانية، بما في ذلك زعيمها نور والي محسود. وقال مسؤولون أفغان منذ ذلك الحين إن محسود آمن وسالم غير منقوص.
وردا على سؤال في مؤتمر صحفي يوم الجمعة عما إذا كان الجيش الباكستاني قد هاجم أفغانستان لاغتيال قادة حركة طالبان الباكستانية، لم يؤكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني أحمد شريف هذا الاتهام ولم ينفه.
وقال شريف: “يتم استخدام أفغانستان كقاعدة للعمليات ضد باكستان، وهناك أكثر من دليل على ذلك، مصرا على أنه “سيتم اتخاذ التدابير اللازمة التي ينبغي اتخاذها لحماية حياة وممتلكات شعب باكستان وسيستمر اتخاذها.” غير أن وزارة الخارجية الباكستانية أحجمت عن الرد على استفسارات الصحفيين بشأن الانفجار.
وكانت حركة طالبان الأفغانية، التي كان يُنظر إليها ذات يوم على أنها تحظى بدعم كبير من باكستان، تحاول إعادة ضبط سياستها الخارجية، من خلال إشراك القوى الإقليمية مثل الهند، خصمها السابق، في محاولة لتأمين الاعتراف الدبلوماسي في نهاية المطاف.
وفي الوقت نفسه، اتهمت باكستان الهند بدعم الجماعات المسلحة العاملة على أراضيها، وهو ما تنفيه نيودلهي.
ذوبان الجليد الهش بين كابول وإسلام آباد
بعد عام 2024 الدموي، وهو أحد أكثر الأعوام دموية في باكستان منذ ما يقرب من عقد من الزمن، حيث قُتل أكثر من 2500 شخص في أعمال عنف، حاول البلدان إعادة ضبط علاقتهما.
لهذا الغرض، زار نائب رئيس الوزراء الباكستاني إسحاق دار زار كابول في أبريل الماضي، وعقدت القيادة العليا في كلا الجانبين سلسلة من الاجتماعات، في كثير من الأحيان بوساطة الصين. وأدت هذه العملية إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية وهدوء قصير في أعمال العنف خلال الصيف.
ومع ذلك، وفقا للمعهد الباكستاني لدراسات الصراع والأمن، وهو مركز أبحاث مقره إسلام أباد، فإن العنف في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2025 كاد أن يضاهي إجمالي حصيلة عام 2024.
وتظل حركة طالبان الباكستانية السبب الوحيد للهجمات المتزايدة منذ عام 2021، وفقا لبيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح ومقرها الولايات المتحدة.
“تظهر بياناتنا أن حركة طالبان الباكستانية شاركت في ما لا يقل عن 600 هجوم أو اشتباك مع قوات الأمن في العام الماضي وحده. وأشار تقرير حديث صادر عن المعهد الباكستاني المذكور إلى أن نشاطها في عام 2025 حتى الآن يتجاوز بالفعل ما شوهد في عام 2024 بأكمله.
في الأيام الأخيرة، شهدت باكستان المزيد من التصعيد في أعمال العنف. وأسفرت سلسلة من الهجمات عن مقتل عشرات الجنود، معظمهم في مقاطعة خيبر بختونخوا شمال غرب البلاد، والتي تشترك في حدود طويلة يسهل اختراقها مع أفغانستان. وقال الجيش الباكستاني يوم الجمعة إنه قتل أكثر من 30 مقاتلا متورطين في حادث الهجوم الأخير في منطقة أوراكزاي القبلية.
وفي شتنبر الماضي وحده، قُتل ما لا يقل عن 135 شخصاً وجُرح 173 آخرون. وبعد زيارة الجنود الجرحى في أعقاب الغارات التي أسفرت عن مقتل 19 فردا، أصدر رئيس الوزراء شهباز شريف تحذيرا صارخا لأفغانستان.
“لا بد من أن نختار أحد المسارين. إذا كانوا يرغبون في إقامة علاقات مع باكستان بحسن نية وإخلاص وصدق حقيقيين، فنحن على استعداد لذلك. ولكن إذا اختاروا الوقوف إلى جانب الإرهابيين ودعمهم، فلن يكون لنا أي علاقة بالحكومة الأفغانية المؤقتة”، حسبما قال شريف يوم 13 شتنبر.
كما اتهم وزير الدفاع خواجة آصف يوم الخميس أفغانستان بممارسة العنف على باكستان أثناء حديثه أمام البرلمان حيث قال: “على الرغم من سنوات من المفاوضات مع الحكومة الأفغانية والوفود القادمة والذهاب إلى كابول، فإن إراقة الدماء في باكستان لم تتوقف. وتقام جنازات يومية للأفراد العسكريين. وزاد قائلا: “إننا ندفع ثمن 60 عاما من الضيافة لستة ملايين لاجئ أفغاني من دمائنا”.
في هذا الإطار، استضافت باكستان ملايين اللاجئين الأفغان منذ الثمانينيات، أولا بعد الغزو السوفييتي، ثم خلال حكم طالبان الأولي في التسعينيات، ومرة أخرى بعد استيلائهم على السلطة في عام 2021.
منذ نونبر 2023، تنفذ إسلام أباد أ حملة الطرد الجماعي، مما أجبر الأفغان – الذين عاش الكثير منهم في باكستان لعقود من الزمن – على العودة إلى ديارهم. وتقول أرقام حكومية إنه تم إرسال ما يقرب من مليون شخص حتى الآن.
تعميق عدم الثقة
كما تصاعدت التوترات بين باكستان وطالبان في السنوات الأخيرة إلى اشتباكات عسكرية. وقد سبق للجيش الباكستاني أن شن غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية، وهو أكبر عدد من الضربات الجوية الأخيرة في غضون دجنبر 2024.
ويقول المحللون إنه إذا كانت باكستان وراء الانفجارات الأخيرة، فإن التداعيات قد تكون خطيرة. في هذا السياق، قال تميم بهيس، المحلل الأمني المقيم في كابول، إن طالبان نفت باستمرار إيواء مقاتلي حركة طالبان الباكستانية، وأي اعتراف رسمي بضربات داخل العاصمة قد يؤجج التوترات. ثم أضاف إلى ذلك قوله: “رأينا قبل تلك كيف أن الضربات الجوية الباكستانية السابقة داخل أفغانستان لم تسفر عن نتائج ملموسة. وبدلاً من ذلك، لم يؤد ذلك إلا إلى تعميق انعدام الثقة وجعل التعاون في مكافحة حركة طالبان الباكستانية أكثر صعوبة”. وقال لقناة الجزيرة إن هذا الحادث الأخير من المرجح أن يزيد من تصلب المواقف، مما يجعل الحوار والتنسيق أكثر تعقيدا.
للتذكير، وقعت آخر ضربة كبيرة مستهدفة في كابول في عام 2022، عندما قُتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في هجوم بطائرة أمريكية بدون طيار.
وقال إحسان الله
تيبو محسود، المحلل الأمني المقيم في إسلام آباد، إنه إذا كانت باكستان متورطة في الهجمات، فربما كان المقصود منها أن تكون بمثابة تحذير في أعقاب الهجمات الأخيرة على الأراضي الباكستانية. وأضاف محسود، الذي شارك في تأسيس جريدة “مذكرات خراسان”، وهي جريدة إخبارية تركز على الأمن، إن الانفجارات قد تشير إلى نية باكستان ملاحقة أهداف عالية القيمة عبر الحدود. وأوضح محذرا أنه “يمكن لباكستان أن تحاول استهداف الأفراد في كابول، وهي العاصمة السياسية، وكذلك أولئك الموجودين في قندهار، التي يُنظر إليها على أنها العاصمة الروحية لطالبان، في حالة استمرار الوضع الأمني في باكستان مزريا وعدم كبح جماح طالبان الأفغانية”.
لكن باهيس حذر أيضا من أن أي ضربات عبر الحدود قد تأتي بنتائج عكسية. وقال بصريح العبارة؛ “إذا استمرت باكستان في توسيع ضرباتها داخل أفغانستان، فقد يبدأ المزيد من الأفغان في التعاطف مع حركة طالبان الباكستانية. وأكد أن هذا التعاطف يمكن أن يترجم إلى مجندين جدد، وتمويل، وربما حتى دعم هادئ من بعض القطاعات داخل حركة طالبان الأفغانية.
وأضاف أنه إذا كانت باكستان تستهدف بالفعل قادة حركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان، فقد يؤدي ذلك إلى استفزاز الجماعة لتصعيد هجماتها داخل باكستان. ثم استطرد قائلا: “إذا تم بالفعل استهداف قادة حركة طالبان الباكستانية أو قتلهم داخل كابول، فسيكون ذلك أيضا بمثابة تحذير للجماعة، مما يوضح أنهم ليسوا آمنين حتى في العاصمة”. وأضاف باهيس أنه “من المرجح أن تتكيف حركة طالبان الباكستانية من خلال تشديد إجراءاتها الأمنية، ونقل قيادتها، وربما الانتقام من خلال هجمات أكثر عدوانية في باكستان”.