ما بعد وزارة الصاغ كمال
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن
-
العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 13:42
المحور:
قضايا ثقافية
التعليم صناعة مركبة شديدة التعقيد و الحساسية .. و تركها بيد الهواة أو رجال الدين أو العسكر أمر شديد الخطورة يؤثر علي تشكيل الإجيال التالية ..و مستقبل البشرية و الأوطان .. و قد يؤدى في حالة الإنحراف إلي فساد لا يمكن علاجة .
العناصر المؤثرة في العملية ..التعليمية ثلاثة .. المكان الذى يتم فيه ، المدرس أو المنظومة التي تتولاه.. ثم سياسة التعليم و أهدافه و مناهجة ..و قياس درجات التحصيل ..و الإستفادة .
بالنسبة للمكان .. هناك العديد من فلسفات التصميم .. عليك أن تتجنب بعض المحظورات .. ثم تبدع .
تصميم المدرسة يخالف تصميم السجون .. فالمكان يجب أن يكون جاذبا للعين ..مريحا .. متوافقا مع البيئة .. ملتصقا بالطبيعة .. يحتوى علي أعمال فنية ترتفع بذوق المستخدم .
التلميذ أو الطالب أو المدرس الذى يمضي يومه فيه للدراسة .. يحتاجة مضاء و نظيفا .. و متجدد التهوية .. بصورة طبيعية ..دافيء .. غير مزدحم بالاثاث أو بالبشر ..
يسهل التواصل فيه بين الأستاذ و المتلقي ..و إدارة الحوار .. يوجد به وسائل للراحة و مزاولة الانشطة الرياضية و الثقافية و الإجتماعية ..
و مكان لتناول طعام نظيف و صحي .. مبهج كثيف الشجر و الزهور و المزروعات المعتني بها .. الجاذبة للطيور و الفراشات .
مكان الدراسة .. يجب أن يكون بسيطا سواء في مواد البناء .. أو إمكانية الحركة .. و سهولة الوصول للمعامل و الورش و الإستوديوهات لمزاولة الأنشطة المتنوعة التي تشغل زمن امناسبا من العملية التعليمية .
بعض مدارس التصميم .. لا توصي بوجود أسوار ..و لكن تضع القواعد لضمان تأمين المكان .. من إقتحام الغرباء .
مدرستي .. فاروق الأول الثانوية .. في زمن الكيف لا الكم .. كانت نموذجا .. لم يتكرر حتي في المدارس التي يدفع الأباء فيها ثروات كمصاريف تعليم الأبناء .
في نفس الوقت .. يحاول البعض بضيق افق إلغاء دور المدرسة بالكامل .. و إجراء العملية التعليمية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ..جاهلين أن العلم ليس حشو الراس بمعلومات .. بقدر ما هو إخراج مواطن قادر علي التوافق مع مجتمعه و بيئته .
المنظومة التي تتولي التعليم .. تخالف أى منظومة إنتاجية أخرى .. فهم يتعاملون مع بشر و يؤثرون .. في تكوينهم النفسي و العقلي والسلوكي .. فإذا ما كانت القيم الحاكمة لهذه المنظومة .. راقية .. اصبحت مكانا صحيا .. ينتهي بشعب .. متحضر ..
و لا داعي أن أتكلم عن العكس .فانتم تعرفونه جيدا.. أو عن القرار الوزارى الأخير الخاص بحظر النقاش السياسي و الديني في المدارس .. و اللي حيخالف حيبقي يومه أسود من قرن الخروب
القيم العليا المتناسبة مع الزمن الحالي .. تدور حول حرية البشر و حقوقهم .. و إلتزاماتهم الذاتية .. و هذه لن تأتي بالتلقين .. بقدر ما يمتصها الأفراد من سلوك الأخرين ..
فإذا سمعك إبنك تطلب من زوجتك إنكار وجوده بالمنزل لمتحدث يطلبك بالتليفون .. فهو لن يؤمن ابدا بقيمة الصدق مهما قلت له من مواعظ ..
سلوكيات المدرس و المشرف الخارجة عن قياسات العدالة .. ستسبب عاهه نفسية .. لمن يلتقطها .. من الطلاب ..
الحياة الديموقراطية بالمدرسة .. و خوض الإنتخابات التي لا توجه أو تزور .. ستخرج ناسا يرفضون .. أن يقفوا في الطوابير منتظرين الهدايا .. ليصوتوا لصاحبها ..
المدرسة .. هي المكان الأول لممارسة السياسة الموجبة .. التي تمنع التلاعب باصوات الناخبين .
بكلمات أخرى .. طاقم التعليم .. يجب إختيارة من المؤمنين .. بالفضيلة كما تعرفها الدول المعاصرة ففاقد الشيء لا يعطيه ..
و عليه أن يكون متوافقا من مدير المكان للفراش البسيط علي عدم الخداع أو الإبتزاز أو تحصيل أموال بدون أسباب تعاقدية .. مع إحترام الأخر .. و إتاحة الفرصة له لإبداء رايه حتي لو كان غير تقليديا .. دون عقاب .
بدون مواربة او تجميل .. عصا سيدنا في الكتاتيب كان لها تاثيرا مدمرا في من تلقوها بصبر و إسالوا طه حسين
طاقم التدريس .. مسئولية لا يصلح لها .. ضباط الجيش أو رجال الدين .. فهم غير متخصصين .. غير تربويين .. ليست لهم مناهج عمل أو أنماط سلوك .. تسمح بالتأثير الحضارى علي المتلقي .
العامل الثالث هو المناهج الدراسية .. و هو أمر شديد الحساسية .. فنحن كبشر نختلف .. في طبيعتنا و ميولنا و قدرتنا علي الإستيعاب ..
و عمل مناهج دراسية موحدة ..قد تلائم البعض لكنها .. كابوس لأخرين يجب الا يتعرضوا له ..
لذلك من الهام تنوع المناهج .. و الإختيار .. مع تقديم النصح من المتخصصين للطلاب .. حتي يزاولوا ما يناسبهم ..
و لكن .. هناك أمورا من المفضل أن يستوعبها الجميع .. كيف تطور الكون .. و ماهيته اليوم باعداد لا تحصي من الشموس و الكواكب و السدم ..و المجرات .. و لهذا فزيارة المتاحف المتخصصة ..و مشاهدة الأفلام المعنية قد تكون وسيلة أفضل من الشرح و التلقين ..
كذلك تطور الحياة عبر مليارات السنين .. رحلة البشر من التوحش للإنسانية ..
العلوم الطبيعية و النظريات الحديثة و شرح جسد الإنسان و طريقة عمل اجهزته ..
مباديء الحساب و الرياضيات و الميكانيكا .الحديثة . الفلسفة خلال تطور فكر البشر و العلوم الإجتماعية ..و النفسية .. الفنون و تطورها .. و دورها في ترقية ذوق الناس و تهذيبهم .. ثم الحرية ..و حقوق الإنسان و السلوك غير العدواني تجاه البيئة و البشر .
نحن لن نخترع العجلة .. ففي بلاد الدنيا نظم تعليم .. متقدمة .. جرى تجريبها ..و تطويرها .. وملاحظة تأثيرها في تطور المجتمعات .. إبعد عن الفاشيست الذين يحكمون بالإرهاب و القهر ....و عن الذين لا يقراون إلا كتابا واحدا و يقسمون أنهم لا يحتاجون غيرة ..
ثم ناقش الجشتالت ..و جون ديوى .. و مدارس الطبيعة الطاغورية .. و كيف يدرب اليابان أو الصين الابناء .. ثم أوجد النظام الذى يناسبك ( المدرسة ، المعلم ..و المنهج ) ..
و إنتظر عشر او عشرين سنة لتعرف كيف أتلفنا حياتنا ..و اضعنا ثلاثة أرباع القرن منذ تولي كمال الدين حسين .. مكان طه حسين .. وزارة المعارف و حولها للتربية و التعليم ..ثم شوهها ومن تلاه بحيث لم تعد تعلم او تربي