كمتيون أنتم أم مصريون


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 16:48
المحور: قضايا ثقافية     

هرب ثيسيوس وأريادن من جزيرة كريت إلي اليونان بواسطة سفينة تحتوي على ثلاثين مجدافًا.. حافظ الأثينيون عليها بعد رسوها كرمز للتحرر.. وذلك باستبدال الأجزاء التي تتهالك مع الزمن واحدًا تلو الآخر ليحلوا محله عناصر جديدة .. حتي تغيرت مكوناتها بكاملها ..
السؤال الذى طرحة الفلاسفة الإغريق .. هل السفينة المجددة .. هي نفس القديمة التي هرب بها ثيسيوس.. ثم لو أن شخصا ما أخذ الأجزاء المتهالكة هذه و بني بها سفينة أخرى .. هل تعتبر هي نفس سفينة الهروب.
(( يعتقد البعض أن السفينة تصبح مختلفة بمجرد تغيير قطعة واحدة، بينما يعتقد آخرون أنها تظل هي نفسها ما دامت هناك قطع أصلية متبقية أو طالما أن الشكل والتصميم لم يتغيرا.)) .
وجهة نظر ثانية (( إذا استبدلت كل قطعة بأخرى جديدة واحدة تلو الأخرى، فالسفينة لم تعد هي نفسها)) و (( إذا تم بناء سفينة من القطع المستبدلة ، فهذا يُطلق عليه (سفينة ثيسيوس) الثانية و ليست سفينة الهروب الاصلية )) .
بكلمات أخرى .. ما هي العوامل التي تحدد هوية السفينة .. هل هو الجسم المادى أى المواد المصنوعة منها التي إذا ما إستبدلت بأخرى تنفي هويتها .. أم التصميم و الشكل و الوظيفة التي بقت علي حالها .
هذة الأطروحة الفلسفية .. حيرتني كثيرا .. خصوصا عندما إستبدلت السفينة ببلد يعود تاريخ سكناه لالاف السنين الماضية مثل سومر و بابل و مصر و فارس و الهند .. و الصين ..و أمريكا القديمة و غيرها من البلاد التي شهدت حضارات نهرية مزدهرة .
.
فبلدنا تبدل حالها عبر الزمن .. لتصبح كميت ... مصر , الجمهورية العربية المتحدة .. ثم مصر العربية ..و يعيش علي ارضها أحفاد اقوام .. تبقوا من غزوات متتالية .. و حالات إستعمار إستيطاني دامت لالاف السنين
.
فهل كميت .. بارضها و نيلها .. هي مصر التي تغير شكل النهر بها بالسدود و الترع و المصارف و توقف الفيضان ..و تعددت جنسيات سكانها و مهنهم و لهجاتهم و دياناتهم .. و طموحاتهم .
هل مصر ما قبل الغزو الفارسي 525 ق.م .. هي مصر التي إستعمرتها اسرة يونانية لمدة 360 سنة .. هي تلك التي تحولت لمزرعة قيصر الروماني لمدة 630 سنة .. هي التي غيرت لغاتها و دينها بعد الغزو الإستيطاني للعرب و المماليك و العثانيين .
لقد إستبدلت كل أجزاء السفينة ..حتي اصبحت رغم ثبات الأرض و دوام ورود مياة النيل مختلفة عن تلك التي شهدت ميلاد الضمير الإنساني .
لقد تبدلت .. شكلا ..و سكانا .. و تواجدا بين بلاد الكون .. و زالت تلك الشمخة القوبة القادرة .. فقد راحت مع وباء الإستعمار المستمر ..
نحن نعيش بين أطلال حضارات قديمة لا علاقة لنا بها .. لقد إندثر أهلها ..و نبت مكانهم قوم يكرهونهم ..و يدينونهم ..و يرون أنهم كفارا ..و الحمد لله علي نعمة الإسلام .
بمعني أن مصر القرن الثامن عشر التي كتب عنها الفرنسيون خلال إحتلالهم .. تختلف جذريا عن كميت الزمن القديم .أو كما قال البعض بعد زيارة معابد الاقصر .. من بني هذا شعب متحصر .. خسارة أنه إنقرض .
بكلمات أخرى بعد الوعي بتاريخ هذا المكان نستطيع أن نقول لقد تغيرت أجزاء السفينة و أصبحت (سفينة ثيسيوس) الثانية.. أو مصر الثالثة او الرابعة .. او يمكن العشرين .. التي تبعد كثيرا .. عن السفينة الأصلية .. ذات الأمجاد .
أختلف مع الدكتور ميلاد حنا .. في طرحة عن الأعمدة السبعة للشخصية المصرية((العمود الأول: انتماء مصر الفرعوني، والعمود الثاني الانتماء اليوناني والروماني، والعمود الثالث: الانتماء القبطي، والعمود الرابع الانتماء الإسلامي، والعمود الخامس الانتماء العربي، والعمود السادس الانتماء للبحر المتوسط، والعمود السابع: الانتماء الأفريقي)) ..
فهذه كلها تغييرات تمت علي سفينة الوطن .. جرى فيها إستبدال مكوناتها الاصلية .. باخرى بعيدة تماما عن ما كانت عليه في زمن حتشبسوت و تحتمس الثالث و رمسيس الثانى..و أصبح شعبها منقطع الصلة عن السكان القدماء .
خلال القرن العشرين تغيرت هوية بلدنا لخمس أو ست مرات فالسلطان الحاكم برعاية عثمانية أصبح ملكا يحكم بدستور و برلمان و وزارة .. ثم رئيسا لجمهورية يتحكم فيها الضباط .. ثم دولة قومية إشتراكية .. فراسماية طفيلية .. لتعود في بداية القرن الحالي إلي دولة تابعة للإستعمار الأمريكي .. تطبق الليبرالية المستجدة .و يديرها صندوق النقد ... و عم كامل و ناسه
لقد تغيرت .. أجزاء السفينة كلية .. بحيث أن الذى عاصرها في منتصف القرن الماضي .. اصبح لا يتعرف عليها في الربع الأول من القرن الحالي
أخر التغييرات التي حدثت علي سفينة بلدنا كانت بعد يناير 2011 عندما ثار اهلها من أجل الحرية و العدالة الإجتماعية .. فحولها كبار ضباطها إلي مصرالصامتة الساكنه التي يتغير كل يوم دستورها و قوانينها .. و ينفصل سكانها إلي طبقتين مختلفتين .. تقود الأقلية الغنية فيه الأغلبية المتعثرة إلي هلاكها ..
من نحن و كيف كانت سفينتنا في زمن البداية ..و كيف تغيرنا لنصبح فرق متنافرة .. متضاربة يلعن بعضنا بعض ..
و ما هو الإنتماء الذى يجمعنا .. هل هو مصلحة الوطن .. أى وطن ننتمي له .. وطن المليونيرات و الضباط و رجال الدين الأغنياء .. و عم كامل .. أم وطن الجنود ..و الفلاحين ..و المساكين الذين لا يجدون سقفا يعيشون أسفلة في حين أن قصور الباشوات تبني في كل مكان .. و ينفق عليها المليارات
.هل نحن كميتيون .. أم عرب .. أم من ابناء حضارات البحر المتوسط .. بصراحة لا أعرف ..
هل نعادى إسرائيل و أمريكا و بتوع الجاز لإضرارهم بنا و تسويد حياتنا أم هم الاصدقاء الذين نتسول منهم مقومات وجودنا .
بالتأكيد مصر التي أعرفها غير تلك التي يحكمها مدبولي باشا و كامل باشا في نفس الوقت لا أشعر بأنني و هؤلاء العربان أقارب و لو من بعيد حتي لو كان جدى العاشر منهم ..
و مع مقابر و معابد القدماء اشعر بغربة .. و عدم فهم لغة غامضة مكتوب بها علي الجدران ..
كل الأعمدة السبعة بتوع أستاذى ميلاد حنا .. لا أنتمي لاى منها..
معي بطاقة شخصية و باسبورت .. يقول أنني من مواطني جمهورية مصر العربية .. و لكنني لا أحمل من هذه العروبة إلا تلك اللغة التي أكتب بها الأن ..
في نفس الوقت لم أعد اتعرف علي ماهية مصر ما بعد 2014 .. لقد غيروا كل الواح السفينة و مجاديفها ..و دفتها .. و اصبحت غير قادرة علي الإبحار .