ليس توقا لأمس بل حزنا علي اليوم


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 8449 - 2025 / 8 / 29 - 07:51
المحور: المجتمع المدني     

زمان كان عندنا.. رجال صحافة يعتد برايهم .. مثل التابعي و مصطفي أمين و أحمد بهاء الدين وجلال الدين الحمامصي ولفترات إحسان عبد القدوس واحمد حسين و فتحي رضوان ..
كانوا يشكلون إتجاهات الراى العام بتحرى الصدق و الدقة .. و يدخلون معارك سياسية .. قد تؤدى للتغيير أو لإسقاط وزارة .. فكان الشارع السياسي علي درجة وعي ملحوظة .
في نفس الوقت كان لدينا أحزاب شعبية ..و سياسين ومفكرين و علماء وفلاسفة ينيرون حياتنا بأفكارهم وثقافتهم و كتبهم .
و لكننا اليوم لا نجد مثيل لهم .. سواء في الجامعة و المدرسة أو الجريدة و التلفزيون و الراديو و وسائل التواصل الإجتماعي أو في تلال الكتب التي تنتجها المطابع و لا تساوى ثمن ورقها .
.من يطلون علينا ( كتبة ) أكيلة عيش .. مرتزقة ..يكتبون بناء علي توصيات من (المتحدة ) أو من يشبهها يشكلون كورس حكومي قبيح الصوت و اللحن منفر .. فتجاهلناهم ..و نسيناهم ..و تهنا كشعب لا تجمعنا وحدة فكر أو إسلوب حياة أو حلم بمستقبل افضل .
.
نعيش في تنافر مضجر و إنفصام واضح بين سكان الكومباوندات والساحل و العواصم الفاخرة من جهه ..و بين سكان المدن القديمة .. و أبناء العشوائيات ..و القرى و التوابع .
نمثل عدة قبائل لا تربطها حتي اللغة و الدين التي تشكلت بقراءات متعددة .. تعكس وضع البيئة التي إحتوتها .
الجزء المحزن في هذه الملهاه .. هو وضع سكان الريف .والعشوائيات .
لا شك أن الحياة في المدينة حتي لو كانت دسوق أو المنيا أو دمنهور.. تختلف تماما عن الحياة في القرية بكل تقاليدها المكبلة لسكانها .. لذلك يهرب القادرون علي العمل والمتعلمون من قراهم للمدن ..و لو كانت في الخليج يصبح هذا أفضل .
معني هذا الهروب تجريف الريف بشكل مستمر من عناصره الشابة القادرة علي الإنتاج و التجدد ..وأن يدير العمل في القرية مسنيها ونساؤها و هو أمر يبق علي القرى المصرية دون تطور أو تغيير ..
بمعني تظل مجتمعا راكدا .. يكررنفس الأساليب المتوارثة .. سواء في التربية أو السلوك و التعامل ..والسلبية ليصبح مصدرا لا ينضب لاصوات يوردها المتعهدون لصناديق الإقتراع لقاء بعض جنيهات.
الحكومة لا يعنيها الأمر ..مادام الناس مستقرون و لا يتسببون في مشاكل و يدعمون إستفتاءاتها و ديموقراطيتها المشبوهه و يدفعون الضرائب ..و يستهلكون ما تضع عليه قيمة مضافة مرتفعة ( سجائر و تليفونات محمولة ..ومواصلات و مستلزمات إنتاج ) .
و أغنياء القرية .. لا يريدون التغيير .. فليس من صالحهم أن ابو العلا .. يعرف حقوقة .. و يرفض أن يطلق فاطمة ليتزوجها العمدة ..
ورجال الدين سعداء بنفوذهم ..و تحولهم لمرجعية يستشيرهم سكان القرية في كل كبيرة و صغيرة بالإضافة لما يحصلون عليه من دخل يقدمة أباء تلاميذ الكتاتيب المتزايد أعدادهم بسبب فشل المنظومة التعليمية
لا يوجد الأ أعداد قليلة للغاية .. من ابناء القرية المتنورين الذين يريدون .. تطوير و تحسين الحياة فيها ..يعيشون لا حول ولا قوة لهم .. امام جبروت السلطة ..و التقاليد و الإحتياج و الجهل المتوارث .
القرية المصرية لها وضع خاص .. فهي في مكانها منذ الأف السنين .. عندما كان الفيضان يغمر الأرض لذلك إختار الناس سكنهم في أماكن مرتفعة .. و كانت عصابات البدو تسرقهم .. فبنوا منازلهم كالحصون .. مغلقة من الخارج و تفتح علي صحن في الداخل يضم الشون والبهائم تنام بجوار البشر يحرسونها من السرقة .
البيوت متلاصقة و المسافات قريبة و الشوارع ضيقة ..لتقطعها الدواب بسهولة ..
هذا الشكل التقليدى .. تشوه مع التطورات التي حدثت فيما بعد القرن التاسعة عشر .. فظهر بعيدا قصر الباشا تحيطة الحدائق و الأسوار و الحراسات ..و هدمت المساكن التقليدية و قامت مكانها أخرى مبنية بالطوب الأحمر قبيحة و متنافرة ..و تكاثرت الحشرات والقوارض ..و مع نقص الماء و الصرف الصحي أصبحت القرى .. مكانا بائسا .
في زمن حكم عبد الناصر كانت هناك خطة لكهربة الريف بعد السد العالي و شكلوا لذلك هيئة تتبع وزارة الكهرباء .. في نفس الوقت خططوا لإدخال المياة النقية أو علي الأقل حنفية مركزية تريح شابات المكان من الذهاب للترعة يوميا لملء البلاليص..
و مشاريع للصرف الصحي و خطوط التليفونات .. شملت قرى عديدة .. و كان من المفترض أن تقوم الجمعيات التعاونية الزراعية بتوجية الفلاح و تقديم خدمات له لمساعدته .
هل إنتقل الريف .. من حالة زمن الإستعمار العثماني .. ليصبح مثل ريف أوروبا .
لا لم يحدث رغم حسن النوايا .. التغيير الذى عاصرناه أن الفلاح لم يعد يخبز في البيت ..و ذهب للفرن لشراء العيش ..و للسوير ماركت لشراء البيض و السمن و الحليب ..
و الفلاحة لم تعد تستيقظ قبل الفجر لتعمل في تربية الدواجن و حلب الجاموسة و صنع الجبنة و القشدة ..و الفطير .. بعد أن سهرت امام التلفزيون لساعة متاخرة .
و الأولاد ذهبوا للمدارس ..و هجروا المكان و لم يساعدوا ابوهم في الزراعة
والأرض بسبب الوراثه تفتت لقطع صغيرة .. تجريفها أو تحويلها لمباني يصبح أكثر ربحية لهاجرى قراهم ....و تركت لتزرعها النساء أما الرجال فهم في المدن .. يعملون
.
السبب في فشل خطط تنمية الفترة الناصرية .. أن من نفذوها كانوا موظفين بعضهم من خارج المكان ..و لم يشكل الإتحاد الإشتراكي لجان من اهل البلد لإدارتها ..و لم يستطع الفلاح عضو مجلس الشعب تغيير وضع قريته للأفضل بقدر ما غير مكانه الطبقي .
لماذا نجحت هذه الخطط في الإتحاد السوفيتي و الصين و أوروبا ..
لان الناس هناك لم يهربوا ..و لم يجرفوا قراهم من المتعلمين و يتركونها فريسة للتخلف و الفقر .. و سطوة الأغنياء و سيطرة رجال الدين .
و هكذا نضع أيدينا علي المشكلة و الحل .. إنه سياسي من الدرجة الأولي
مطلوب حزب فلاحي واسع الإنتشار .. يفهم جيدا مشاكل مجتمعة .. ينضم إليه الكوادر المتعلمة من أبناء المكان .. يوجههم .. للقيام بإعادة تخطيط الحياة في قراهم ..
عمل جماعي.. بعيدا عن ناس الحكومة .. تقوم به مؤسسات المجتمع المدني .. التي تعرف مشاكل أهلها جيدا .