طريق الفيلسوف حسب جان فال من مقالة في الميتافيزيقا إلى التفكر في الوجود، مقاربة أنطولوجية
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 13:39
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مقدمة
يُعتبر جان فال (25 مايو 1888 – 19 يونيو 1974) أحد الفلاسفة الفرنسيين البارزين في القرن العشرين، وقد تميزت أعماله بالتركيز على الأسئلة الأنطولوجية والوجودية، مع محاولة إعادة صياغة دور الفلسفة في مواجهة التحديات المعاصرة. في مقالته الشهيرة "في الميتافيزيقا"، يقترح فال رؤية فلسفية تنطلق من الميتافيزيقا التقليدية لتصل إلى التفكر في الوجود بمعناه الأنطولوجي العميق. تناقش هذه الدراسة مفهوم "طريق الفيلسوف" كما يطرحه فال، مع التركيز على الانتقال من التفكير الميتافيزيقي التقليدي إلى التفكر الأنطولوجي في الوجود، وتسليط الضوء على دلالات هذا التحول في السياق الفلسفي المعاصر.
الإطار النظري: الميتافيزيقا والأنطولوجيا
الميتافيزيقا، كما عُرفت تقليديًا، هي دراسة الوجود بما هو موجود، وتتناول الأسئلة الأساسية حول الواقع، العلة، والماهية والجوهر[1]. ومع ذلك، في القرن العشرين، واجهت الميتافيزيقا نقدًا حادًا من تيارات فلسفية مثل الوضعية المنطقية، التي اعتبرتها مجرد تأملات مجردة لا أساس تجريبي لها. في هذا السياق، يأتي جان فال ليحاول إعادة تأسيس الميتافيزيقا على أسس جديدة، ترتبط بالتجربة الإنسانية والتفكر في الوجود بوصفه تجربة حية وليست مجرد بناء نظري. يؤكد فال أن طريق الفيلسوف لا يكمن في تقديم أنظمة فلسفية مغلقة، بل في الانفتاح على الوجود بما هو "لغز" أو "سر" يتطلب التفكر المستمر[2].
هذا التفكر يتجاوز التصورات الميتافيزيقية التقليدية، التي ركزت على المقولات المجردة مثل "الجوهر" و"العَرَض"، وينتقل إلى مقاربة أنطولوجية ترى الوجود كتجربة ديناميكية ومتعددة الأوجه.
جان فال ومفهوم طريق الفيلسوف
في مقالته "في الميتافيزيقا"، يقدم فال رؤية تتجاوز التصورات التقليدية للفلسفة. يرى فال أن الفيلسوف لا يسعى إلى بناء نظريات شاملة تحيط بالوجود، بل إلى الانخراط في عملية تفكر مستمرة تُبقي الأسئلة مفتوحة. يصف فال هذا المسار بأنه "طريق"، للدلالة على أن الفلسفة ليست وجهة نهائية، بل رحلة مستمرة نحو فهم الوجود[3].يرتبط مفهوم "طريق الفيلسوف" عند فال بفكرة الانفتاح على الوجود. على عكس الميتافيزيقا الأرسطية، التي ركزت على تصنيف الكائنات وتحديد خصائصها، يدعو فال إلى مقاربة أنطولوجية تستلهم من فلاسفة مثل مارتن هيدجر، الذي يرى أن السؤال عن الوجود هو السؤال الأساسي للفلسفة[4]. يؤكد فال أن هذا التفكر يتطلب التواضع الفكري والانفتاح على التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها، بدلاً من السعي إلى "حقائق" نهائية.
من الميتافيزيقا إلى التفكر في الوجود
1. نقد الميتافيزيقا التقليدية
يبدأ فال بتحليل الميتافيزيقا التقليدية، التي يراها مقيدة بالتصورات المجردة. على سبيل المثال، ينتقد فال النزعة الأرسطية التي تسعى إلى تحديد الوجود من خلال مفاهيم مثل "الجوهر" و"الصورة"، معتبرًا أن هذه المفاهيم تبعدنا عن التجربة الحية للوجود. يقترح فال أن الفلسفة يجب أن تتحرر من هذه القيود وأن تركز على الوجود بما هو تجربة ديناميكية ومفتوحة[5]. في هذا السياق، يمكن مقارنة رؤية فال بنقد هيدجر للميتافيزيقا الغربية، التي يراها قد نسيت السؤال عن الوجود لصالح التركيز على الكائنات[6]. لكن فال يضيف بعدًا خاصًا، حيث يرى أن التفكر في الوجود يتطلب نوعًا من الحساسية الشعرية والوجودية، التي تتجاوز المنطق الصوري.
2. التفكر الأنطولوجي
التفكر في الوجود، حسب فال، هو عملية تأملية لا تهدف إلى إنتاج معرفة نهائية، بل إلى الانخراط في علاقة حية مع الوجود. يستلهم فال هنا من فلاسفة مثل سورين كيركغارد، الذي ركز على التجربة الذاتية والقلق الوجودي، وغابرييل مارسيل، الذي دعا إلى التفكير في الوجود كـ"سر" وليس "لغزًا" يمكن حله[7]. يؤكد فال أن التفكر الأنطولوجي يتطلب الانفتاح على التجربة الإنسانية بكل أبعادها، بما في ذلك العواطف، القلق، والشعور بالمحدودية. هذا الانفتاح يجعل الفيلسوف في حالة حوار دائم مع الوجود، بدلاً من محاولة السيطرة عليه من خلال أنظمة فلسفية مغلقة.
المقاربة الأنطولوجية في سياق فال
المقاربة الأنطولوجية عند فال تتميز بالتركيز على التجربة الحية والعلاقة الديناميكية بين الفيلسوف والوجود. على عكس الميتافيزيقا التقليدية، التي تسعى إلى تقديم إجابات شاملة، تدعو مقاربة فال إلى الانخراط في أسئلة مفتوحة. يمكن تلخيص هذه المقاربة في النقاط التالية: الانفتاح على الوجود: يرى فال أن الفيلسوف يجب أن يكون في حال انفتاح وجودي.
خاتمة
يُقدم جان فال في مقالته "في الميتافيزيقا" رؤية فلسفية عميقة تؤكد على أن طريق الفيلسوف هو رحلة مستمرة نحو التفكر في الوجود، بعيدًا عن القيود الميتافيزيقية التقليدية. من خلال مقاربته الأنطولوجية، يدعو فال إلى الانفتاح على التجربة الحية للوجود، مع التركيز على الأسئلة المفتوحة بدلاً من الأجوبة النهائية. في السياق العربي، يمكن أن تكون هذه المقاربة مصدر إلهام لمواجهة التحديات الفكرية والثقافية، من خلال تعزيز التفكير النقدي والانفتاح على التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها.
الاحالات و الهوامش
[1]: أرسطو. الميتافيزيقا.
[2]: Wahl, Jean. Vers la métaphysique. Paris: Payot, 1953.
[3]: Wahl, Jean. Philosophies of Existence: An Introduction to the Basic Thought of Kierkegaard, Heidegger, Jaspers, Marcel, Sartre. London: Routledge, 1969.
[4]: هيدجر، مارتن. الوجود والزمان.
[5]: Wahl, Jean. Vers la métaphysique.
[6]: هيدجر، مارتن. مقدمة في الميتافيزيقا.
[7]: مارسيل، غابرييل. الوجود والسر.
المراجع
أرسطو. الميتافيزيقا.
Wahl, Jean. Vers la métaphysique. Paris: Payot, 1953.
Wahl, Jean. Philosophies of Existence: An Introduction to the Basic Thought of Kierkegaard, Heidegger, Jaspers, Marcel, Sartre. London: Routledge, 1969.
هيدجر، مارتن. الوجود والزمان.
هايدغر، مارتن. مقدمة في الميتافيزيقا.
كيركغارد، سورين. الخوف والرجفة.
مارسيل، غابرييل. الوجود والسر.
كاتب فلسفي