أمر أمام سجن بولمهارز مرفوع الرأس..


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 8102 - 2024 / 9 / 16 - 02:55
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

عندما أزور مدينتي، مدينة مراكش، كثيراً ما أمُرّ قُرب سجن بولمهارز المهجور، خاصة عبر شارع يعقوب المنصور (الآن، سجن الأوداية في طريق مدينة اكادير). وفي الآونة الأخيرة، كثيرا ما تعمّدت (عن سبق الإصرار) المرور وبشجون "حاقدة" من أمام هذا السجن/المقبرة السيء الذكر. والسبب بدون شك هو إلقاء نظرة تنديد واحتقار على جدرانه البئيسة وأشواكه وزنازينه وكاشُّواته وتسجيل إدانة سجانيه وجلاديه وأسيادهم للتاريخ. والحقيقة، لا يُحسّ بنفسي غير نفسي، إني أبصق على وجه هؤلاء الحثالة التي كبّلتنا وأخضعتنا للموت البطيء قبل حينه. كنت حينذاك في سن الخامسة والعشرين (25). لقد حاولوا بمكرهم وشراستهم تدمير حياتنا كشباب متحمّس ومتطلع الى الحياة الجميلة، عبر "المؤامرة الغاية منها قلب النظام".
الجميل، أني ورفاقي انتصرنا في معركة غير متكافئة..
لقد قدّم الرفيقان الرائعان الشهيدان بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري حياتهما لنحيا نحن..
المؤسف، من يتذكرهما اليوم؟!!
من يُخلّد تضحيتهما البطولية؟!!
أمُرّ مرفوع الرأس كما كنت ورفاقي مرفوعي الرأس داخل زنازينه وكاشواته في مواجهة سجانيه وجلاديه، وعلى رأسهم المدعوين الهراوي والبركاوي، وأتشبث بمحاكمتهما يوم انتصارنا الأخير..
أمُرّ مفتخرا لأننا هزمنا سجن/مقبرة بولمهارز المُخيفة التي هزمت "أسلافنا" ببشاعتها ودمويتها..
أمُرّ مفتخرا لأن معركتنا كانت معركة المناضلين والرفاق والعائلات وجنود الخفاء (محامين وسجناء الحق العام وبعض الإداريين...)؛ وعموما، كانت معركة بنات وأبناء شعبنا..
ولا أنسى كوميسارية جامع الفنا اللعينة، إنها المحطة/المقبرة الأولى لاستقبالي..
وكلما زرت ساحة جامع الفنا، أتذكر التعذيب والتجويع والإذلال والروائح الكريهة...
وكقوس اعتراف، شكرا لمن خدمنا رغم شدة الحراسة والمراقبة...
أتذكر صوت الطاغية المدعو الخليلي ومجموعته الإجرامية، صوت لن يفارق أذني حتى نهايتي..
أتذكر معاناتي ومأساة عائلتي..
لقد انتزعوني كجماعة كاوبوي (COW BOY) من بين أحضان عائلتي في الصباح الباكر من يوم الاثنين 27 فبراير 1984..
لقد تلذذوا باقتناص أحد "الهنود الحُمر"؛ نعم، أحد المغاربة الحُمر، شكلا ومضمونا (15 سنة سجنا نافذا)..
زُوّار ساحة جامع الفنا يتمتعون بأجوائها المرحة، وأنا أغرق في ذكرياتي القاتلة..
لا ولن أتصالح، ولم أستفد من "دراهم" هيئة الإنصاف والمصالحة، سواء القليلة أو الكثيرة..
مرآتنا التاريخ، ولا تنازل عن حقنا المشروع في الحقيقة ومحاكمة المتورطين في الجرائم السياسية، بالأمس واليوم...