اليوم التالي ل -كورونا- (1)


أحمد بهاء الدين شعبان
الحوار المتمدن - العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 12:13
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

على الرغم من أنه من المبكر ادِّعاء القدرة علي إصدار أحكام نهائية، حاسمة وقاطعة، بشأن المتغيرات والتطورات والنتائج، التى ستترتب، حتماً، على معركة العالم التى يخوضها، فى الوقت الراهن، فى مواجهة هجمة فيروس كورونا المتجدد، إلّا أنه يكاد كل الخبراء والمفكرين يُجمعون على أن "اليوم التالي" لكورونا، أى المرحلة التى ستتبع القضاء على شروره المُتفشية، ومحاصرة أضراره المُستشرية، لن يكون بأى حال من الأحوال، على وتيرة اليوم السابق لانتشاره، أو حتى امتداد له مع بعض التغييرات الهامشية، بعد أن تكشَّف أمام العالم، طبائع وخافيات أوضاع الدول كافة، وبانت أمام مليارات البشر، وعلى رؤوس الأشهاد، حقائق القدرة، وكفاءة الإدارة، دون محاولة للتجميل أو فرصة للتأويل.

وعلى ماتقدم يمكننا أن نرصد مجموعة من المؤشرات العامة، أولها إن عالم الأحادية القطبية، التى تربّعت فيه الولايات المتحدة، على عرش الهيمنة على شئون الكون، منذ ثلاثين عاماً، بعد انهيار"الاتحاد السوفييتى السابق، دون أن يُنازعها أحد، يوشك على أن يطوى صفحته، بعدما عرّت مواجهات "كورونا" واقع أمريكا، زعيمة المجتمع الرأسمالى العالمى فى حقبته النيوليبرالية، وكشفت عورات الطبقة الحاكمة فيها، التى تفرغت لتكديس تريليونات الدولارات، وإشعال الحروب، ونشر الأسلحة، وأدوات الدمار الشامل فى أرجاء المعمورة، وللهجوم على أى دور اجتماعى للدولة هنا وهناك، دون أن توفر الحد الأدنى من احتياجات المجتمع الأمريكى الصحيّة، وتركته نهباً للقلق والذعر والموت، حتى اجتاحته الجائحة، وهو يفتقد الوسيلة التى تُعينه على النجاة.

ولم يكن هذا حال الولايات المتحدة وحدها، بل نافستها فى سوء التقدير، وعجز القيادة، وبؤس الأداء، وبدرجات متباينة أغلب دول المنظومة النيوليبرالية، وعلى رأسها انجلترا، وإيطاليا، وأسبانيا، وألمانيا، وغيرها من الدول، التى ضربها الوباء حتى فى رأس مسئوليها، والأخطر أن هذه الأزمة أبانت عن أنانية هذه الدول، وهشاشة العلاقات البينية التى تجمعها، رغم انتمائها إلى تحالفات ومنظمات سياسية واقتصادية وثقافية واحدة: "المجموعة الأوروبية"، و"السوق الأوروبية المشتركة"، و"حلف الناتو"، وغيرها، فحين حمَّ القضاء، تسارعت كل دولة للنجاة بنفسها، ولو على حساب الآخرين، وشعار كل منهم: "أنا ومن بعدى الطوفان"، بل ورأينا دولاً تسلك سلوك القراصنة فتستولى على محتويات طائرة هبطت للتزود بالوقود فى أحد مطارتها، مليئة بمواد إغاثة طبية، أرسلتها الصين كمعونة عاجلة لإيطاليا المنكوبة، وشاهدنا "ترامب" يسعى لشراء براءة اختراع مصلٍ شافٍ من الوباء، مُشترطاً ألا يستخدمه أحد من خارج بلاده، ورأينا رئيس دولة صربيا وهو يكيل المديح للصين وشعبها وقيادييها، بعدما سارعوا بإنقاذ بلاده ومدّها باحتياجاتها من الأطباء والأجهزة المساعدة، بعدما أدارت له بلاد المنظومة التى انتمت إليها بلاده عقب تحلل الكتلة الاشتراكية، ظهرها، وأصمت آذانها، عن سماع استغاثات بلاده!

وفى المقابل، كان أداء الدول التى تؤمن بمركزية إدارة الدولة، وبدورها القائد ومسئوليتها الاجتماعية، أكثر كفاءة وفعالية، حيث استطاعت الصين، على سبيل المثال، امتصاص صدمة الانتشار الوبائى للفيروس فى منطقة ووهان بمجرد حدوثه، وأن تفرض سياسة حكيمة لمحاصرته والتعاطى العلمى الصحيح معه، بحشد كل طاقات المجتمع على قلب رجل واحد، وشاهد العالم التزاماً طوعياً من ألف وأربعمائة مليون مواطن، بكل التعليمات والتوجيهات الصادرة من القيادة لمحاصرة الخطر، وتابع مليارات البشر على شاشات التلفزيون ووسائط التواصل الاجتماعى، كيف اجتمعت كفاءة القيادة، وحُسن الإدارة، واستخدام أحدث وأرفع منتوجات العلم والمعرفة التكنولوجية، فى هذه المعركة حتى تم الانتصار فيها.

بل أن دولة صغيرة كدولة كوبا الاشتراكية، مُحاصرة منذ أكثر من ستة عقود من الولايات المتحدة المُتَجَبِّرة، ولا تملك إلا أقل القليل من الإمكانات والثروات، نجحت، رغم ويلات الحصار، فى أن تُقيم نظاماً رائداً للضمان الصحى، يدعمه نظام علمى متقدم، استطاع أن يحمى البلاد من مخاطر الوباء، وأكثر من ذلك، أن يُقدم، بكل أريحية، دعماً مشكوراً لمن أصابتهم الجائحة فى مقتل، ضارباً نموذجاً مُغايراً للغيرية والتضامن الإنساني، والإيمان بوحدة مصير الإنسانية.

ومن هنا فإن أول نتائج جائحة كورونا، حسب تقديرى، ستكون بدء أفول نجم الرأسمالية المتوحشة، وتطبيقاتها النيوليبرالية التى فُرضت فرضاً على العالم، فى إطار "العولمة" الأمريكية، خاصةً وأنها تعاني من ملامح أزمة اقتصادية لا مخرج منها، مقابل عودة الروح إلى الفكرة الاشتراكية، بتجلياتها المُستحدثة، ذات الأفق المنفتح والبُعد الإنسانى، ليس خارج المنظومة الرأسمالية وحسب، وإنما فى أعماقها ذاتها، مؤذنة ببزوغ عصر جديد.

ولا عزاء للبروفيسور "فوكوياما"، ونظريته لـ "نهاية التاريخ" عند محطته "النيوليبرالية"، التى، واعترف هو بذلك، قد ولّى عهدها!