لماذا نرفض خطة -التعويم- ورفع الأسعار !


أحمد بهاء الدين شعبان
الحوار المتمدن - العدد: 5334 - 2016 / 11 / 5 - 12:49
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     



الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى
فى خطوة مُتَوَقعة، وإن صدمت الكثيرين، أقدمت الحكومة، بواسطة "البنك المركزى"، على اتخاذ إجراء "تعويم" الجنيه المصرى، أو ما أسمته "تحرير سعر الصرف" على سبيل التجميل، وصاحب هذا الإجراء رفع سعر سلعة مهمة للغاية، هى البنزين، وهو ما كانت الحكومة قد وعدت بتنفيذه، لتمرير قرض الـ 12 مليار دولار، من "صندوق النفد الدولى".
وهناك عدة ملاحظات أساسية على هذا الإجراء:
اأولاً: "تعويم" الجنيه، بالصورة التى تمّـت، يعنى وبشكل مباشرة، تخفيض قيمة دخل المواطن المصرى محدود الدخل، أى عشرات الملايين من المصريين، بنحو 48 % من قيمته، فى الفترة الأخيرة، وهو ما يُضاعف من حجم معاناته التى تحملها صابراً طوال المرحلة الماضية، فى ظل عجز الحكومة عن منع تلاعب شرائح الرأسمالية الاحتكارية، والجماعات المرتبطة بجماعات الإرهاب و"الإخوان"، المهيمنة على النقد الأجنبى، وعلى استيراد وبيع واحتكار السلع الأساسية، والمتحكمة فى تخزينها وحجبها عن المواطنين، بالوضع، فى ظل ظروف البلاد الحرجة، وقيامها بالتحكم فى سعر الدولار، وبالتالى الجنيه، ورفع أسعار السلع الأساسية، دون سقف!.
ثانياً: أن هذا الإجراء سيؤدى بالضرورة، وعلى عكس كل ما تروج له الأصوات المؤيدة، إلى زيادات ملحوظة فى أسعار جميع السلع والخدمات الأساسية، التى لا غنى عنها بالنسبة للطبقات محدودة الدخل، وخاصةً لأن أغلب هذه السلع والخدمات، كالقمح، والزيوت، واللحوم، والبترول، ومستلزمات الإنتاج، ... إلخ، تُستورد من الخارج بالعملة الصعبة.
كما أن عملية "التعويم"، لن تُؤدى إلى خفض أسعار أغلب السلع الأساسية، كما يُشاع، حسب خبرتنا فى التعامل مع ميكانزمات ارتفاع سعر أى سلعة، طوال العقود الماضية.
ثالثاً: ويُفاقم من هذا الخطر غياب آليات الرقابة الحكومية الفعّالة على الأسواق، وفقدان الدولة لوسائل السيطرة على الأسعار، وتغول الفساد، وترهل جهاز الدولة، وفشل كل المحاولات الرسمية الساذجة السابقة، لمناشدة السادة الاحتكاريين، والتجار الجشعين، بأن يلتزموا بضبط الأسعار من تلقاء أنفسهم !.
كما لايبدو فى الأفق مايدل على توفر القدرة، أو الإرادة، لوضع حد لاستشراء ظواهر الفساد الهيكلى، الذى يعوق بشدة حركة الدولة والمجتمع.
رابعاً: سيظل الوضع الراهن، الذى يشهد تَرَنُّح الجنيه المصرى قائماً، مهما تعددت محاولات نفخ الروح فى جنباته، لسبب منطقى وبسيط، هو خطط الهدم المنهجى للمنظومة الإنتاجية المصرية، فى الزراعة والصناعة، على مدى العقود الماضية، ببيع المصانع، وتسريح العمالة المؤهلة، وتجاهل مساندة المتعثرة منها، وتدهور قيم العمل والإتقان والابتكار، تدهوراً شاملاً، وهو وضع حرج للغاية، لاتبدو أمامنا خطة واضحة لمواجهته فى المستقبل المنظور، فى ظل انحطاط النظرة إلى ثقافة العمل المنتج، كركيزة أساسية تستند عليها، فى المقام الأول، ارتفاع قيمة، وثبات سعر، أى عملة وطنية، كعملتنا !.
خامساً: إن ظروف تجاوز إخفاقاتنا، أمر يحتاج تلافيه إلى شروط مُفتَقَدَة فى معظمها، وبالذات مع تَجَذُّر النظرة السلبية التى ينظر بها المسئولين الأساسيين فى النظام، إلى العلم، كقاعدة أولى للانطلاق، وعدم اقتناعهم بأولويته، أو ضرورته الراهنة، اللازمة لتحقيق الحد المقبول من درجات النهضة المنشودة، على نحو ماتم التعبير عنه مراراً، فى الفترة الأخيرة !.
خامساً: كما سينعكس تخفيض سعر الجنيه، بالصورة التى حدثت، على إجمالى عائدات ما أعلنت الحكومة عن انتوائها بيعه، أو بيع حصص منه، من شركات وبنوك، حيث لن يتحقق من عملية البيع إلا نصف ماكان مُقدراً الحصول عليه، قبل عملية الـ "تعويم".
هذه الملاحظات الأوليّة الست، هى الأساس الذى ينبنى عليه، رفض القرارات الأخيرة، وإدراكنا أنها لن تحقق الغايات المُدّعاة، كما أن السلطة لم تسع بأى صورة إلى إدارة حوار مجتمعى واسع ومُعمّق، مع كل طبقات الشعب، وبالتحديد تلك التى ستتضرر بصورة مباشرة من الإقدام على اتخاذها، كما لم تستنفذ، قبل الشروع فى هذه الإجراءات، الخطط البديلة المتاحة، ولا سعت إلى فرض مشاركة الطبقات الغنيّة فى المجتمع، ولو بنسبة ضئيلة، فى تحمل مسئولية مواجهة الأزمة التى صنعت جانباً كبيراً منها، لأنها كانت صاحبة القرار السياسى والاقتصادى، على امتداد نصف القرن الماضىعلى الأقل.
أما أمر التعامل مع نتائج هذه الإجراءات، لتقليل آثارها الضارة على حياة الأغلبية العظمى من الشعب المصرى، وحماية الدولة والمجتمع من النتائج الحرجة للانزلاق فى مستنقع الديون، فأمرٌ يحتاج إلى حوار هادئ، ورؤية متعمقة، ومسئولة، ينبغى للغيورين على المصلحة العامة، أن يشرعوا فوراً فى البدء به، حتى لا تفجأهم السيول بطوفانها المدمِّر المّرة بعد المرّة!.