إرهابيّو سيناء.. الأسئلة المُلحة!


أحمد بهاء الدين شعبان
الحوار المتمدن - العدد: 4103 - 2013 / 5 / 25 - 22:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الحمد لله أولاً وأخيراً أن عاد الجنود (المخطوفون) إلى حضن الوطن، سالمين، دون أن تراق دماء أي منهم، أو يسقط من بينهم ضحايا أو مصابون.

وكما هي العادة، ومثلما هو متوقع في مثل هذه الحالات، فسوف تدق الطبول، وتدبج الأهازيج، وتُزجى قصائد المديح والتهليل لـ"حكمة السيد الرئيس" و"صبره"، و"رباطة جأشه"، التي حققت النصر، وأعادت الجنود المخطوفين إلى حضن مصر! وهو فحوى ما قرأناه في أولى بيانات جماعة "الإخوان"، وحزب "الحرية والعدالة"، في أعقاب الواقعة!

لا بأس فيما تقدم، فهذا دأب "حاملي المباخر" و"المطبلاتية" في كل العهود. لكن الأمر لا يجب أن ينتهي عند هذا الحد أبداً.

فمنذ أن وصلت جماعة "الإخوان" للسلطة، وهي تقوم بإجراء عمليات تدمير منظمة للهوية الوطنية المصرية، ولطبائع الدولة التاريخية الموروثة، بهدف تفكيكها، واستبدالها بهوية الجماعة، وبمؤسسات دولتها، وبأجهزة سيطرتها، تحت مسميات "التمكين" و"الأخونة"، وغير ذلك من أوصاف. الأمر الذى أدى إلى إرباك جسد الدولة المنهك، وتحميله فوق ما يحتمل، خاصة وهو لم يتعافَ بالفعل من زلزلة الثورة وتوابعها.

وكان من أخطر ما فعله رئيس "الجماعة"، أن أطلق سراح المئات من الإرهابيين المعتقلين في جرائم قتل المئات من المصريين والسيّاح بلا ذنب، أُضيفوا إلى أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل مُدرب، عائد من أفغانستان، كانوا قد رجعوا إلى مصر في ظل حكم المجلس العسكري السابق، و"دخلوها آمنين"! دون أدنى تدقيق، في خطوة بالغة الخطورة والإبهام! والتقى الجميع مع منتجات التطرف المحلي الجديد وقد ترعرعت في الجانب المصري "الرخو"، سيناء، التي تعاني من مشكلات متراكمة، ومرارات متوارثة، بفعل الإهمال وسوء التعامل مع مواطنيها، على مدى العقود، بعد استرجاعها عقب حرب أكتوبر 1973.

وتحت عباءة الحماية التي أسبغها وصول أول رئيس "إسلامي" للحكم في مصر (ويكفي للتعبير عنها تعليمات مرسي بالحفاظ على حياة الخاطفين!!) ومع قفز الأحزاب الدينية على السلطة، وتغول الفكر الوهابي المدعوم بفيض ملايين ممالك النفط "الأمريكو-إسرائيلية"، "تسرطن" الوجود الإرهابي (المتستر بالدين) في سيناء، التي أصبحت مرتعاً لجماعات العنف والإرهاب، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة"، التي وجدت فيها مناخاً مواتياً للتمدد والانتشار، وقضم سيادة الدولة، وإزاحتها من أقسام متعاظمة فيها!

ولم يقف الأمر عند هذا الحد الخطير، وإنما بلغ لحظة أن رأينا أعلام "القاعدة"، وصور "ابن لادن" ترفرف في ميدان تحرير مصر، ميدان الثورة، وسمعنا فيه شعارات : "يا أوباما.. يا أوباما.. اسمع صوت أولاد أسامة!!" تدوي فيما أطلق عليه "جمعة الشريعة"، أو "جمعة تورا بورا"، أو "جمعة قندهار"!

ومن نافل القول، أن نزيد، فضلاً على هذا، أن سيناء، المفتوحة على مصراعيها بلا رابط أو ضابط، أغرت المئات من غلاة الإرهابيين، المطلوبين للعدالة في بلاهم والعالم، بالقدوم إليها، وكذلك فقد تدفقت عليها كميات هائلة من الأسلحة والمعدات الحربية والعتاد والذخيرة، من أطراف عديدة، يهمها زعزعة استقرار البلاد، وتفتيت وحدتها التاريخية، وجدوا في عهد سيطرة أصحاب نظرية "طظ في مصر" الملاذ الآمن، والفرصة السانحة!

وهكذا، فالمسألة -حتى الآن- محاطة بغموض كبير، لم تكن هذه العملية هي العملية الإرهابية الأولى، مؤكدٌ. ولن تكون الأخيرة، قطعاً، وهناك من الأسرار خلف هذه العملية ما لو عُرف لزُلزلت عروش، ولسقطت نُظُم، وهُزّت دول، (وستُعرف هذه الأسرار حتماً!) والخشية كل الخشية أن تتم وسط هذه الجلبة الراهنة، التعمية على حقائق الأزمة المريعة، وأن يكون القصد من خلف هذه "الغاغة" التغطية على الضرورة المُلحَة التي توجب الرد على عشرات الأسئلة بالغة الأهمية، التي تطرح نفسها بقوة على المجتمع كافة، وخاصةً بعد الفيديو المشين، الذي لن يُنسى مطلقاً مهما مرَّ من زمن، وكرَّ من أحقاب، لجنودنا المعصوبي الأعين، "المُذلين المُهانين"، رمز اختطاف الدولة المصرية، والشعب المصري، بل الدين الإسلامي نفسه، واعتبارهم رهينة لدى التيارات الإجرامية المتسترة بالدين، والمساومة عليهم لتحقيق غايات هذه الجماعات المجرمة.

الأسئلة عديدة، ولا يجب أن يشغلنا شيء عن طرحها، ما دام المخطوفون لم يُحرروا بمعركة عسكرية، وإنما عبر عملية التفاوض مع الجماعات الإرهابية (وهناك معلومات بدأت في التسرب حول هذا الأمر)، ومنها:

1ـ ما الثمن المدفوع لقاء ترك الخاطفين للمخطوفين؟! (هناك شائعات لا نعرف مدى صحتها عن إطلاق سراح ثمانية عشر إرهابيًّا)، وما الطلبات الأخرى التي أجيبت لهؤلاء؟!

2ـ ما هوية الخاطفين؟! وإلى أي التنظيمات الإرهابية ينتمون؟! وما مصدر تسليحهم وتمويلهم؟! وما طبيعة علاقتهم بالأحزاب الدينية القائمة، وبـ"الأهل والعشيرة"، وبالمسئولين الكبار في الدولة؟! وهل سيتركون بعد إطلاق سراح المخطوفين، مكتَفين بـ"الحمد لله، وعفا الله عما سلف"، أم كيف سيكون التعامل معهم ومع جريمتهم؟!

3ـ هل ستستكمل القوات المسلحة حقاً دورها في استعادة السيطرة على سيناء؟! وما تبعات ذلك في ظل الاتفاقات مع إسرائيل، وحدود التواجد والتسليح المصري المسموح بمقتضاها؟!

4ـ هل تعني الإجابة على السؤال السابق بـ"نعم"، كما أوحى البعض من المسئولين والعسكريين بذلك، أن القوات المسلحة وجهاز الأمن المصري سيقودان معركة شاملة وحاسمة، لتطهير سيناء من الإرهاب؟! (وبالمناسبة: لماذا توقفت العملية "نسر"؟! ومن أصدر التعليمات بذلك؟! وما مصلحته ؟!).

5ـ ما دور إسرائيل ومصلحتها في استمرار هذا الوضع؟!

6ـ ما طبيعة العلاقة بين هذه الجماعات الإرهابية وبين الذراع الفلسطينية لجماعة "الإخوان".. "حماس" في تهيئتها وتدريبها؟! وما دور الأنفاق بين مصر وغزة في دعم هذه الجماعات لوجستياً؟!

7ـ لماذا لم نرَ هذه الاستعدادات الكبيرة لدى مقتل الستة عشر جندياً، غيلةً، في رمضان المنقضى، وقبلها مع خطف الضباط الأربعة؟! وما علاقة حماس -على الأقل- بجريمة الخطف؟! وما صحة ما يشاع أنهم بعهدة "حماس" في غزة؟!

8ـ هذا الذي جرى كله، والذي يُشبه في جوانب عديدة منها، أفلام "الأكشن"، وروايات "السيما"، ذات النهايات الرومانسية السعيدة: لماذا حدث الآن فقط؟! أيكون صحيحاً ما يردده البعض من أن الأمر برمّته تمثيلية مرسومة؛ للتشويش على جمع ملايين التوقيعات على بيانات سحب الثقة من مرسي، في مبادرة "تمرد"، والمطالبة بالنزول إلى الشارع في آخر يونيو القادم لتحقيق هذه الغاية، وبهدف رفع معدلات شعبية الرئيس و"الجماعة" التي تهبط بوتيرة متعاظمة في الفترة الأخيرة؟!

هذه الأسئلة، وعشرات غيرها، التي لا يتسع المجال لسردها، تطرق الرأس بشدة بمطرقة من حديد، ولا بد من جوابٍ شافٍ لها، ومن واجب النظام الحاكم أن يرد عليها، فعهد اللعب من وراء الستار انتهى، والشعب يريد أن يعرف الحقيقة!