يوميات كورونية 1


إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 21:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


غريب كيف يأتي الطوفان!
فجأة.
لم نسمع فعلاً عن الوباء،عندما بدأ في شهر ديسمبر 2019 في مقاطعة ووهان في الصين. لا. ليس فعلاً.
كان هناك، بعيدا وراء الأفق.
وكم من مَصاب وألمٍ يعاني منه الإنسان في زماننا؟
فما الجديد إذن؟ قال البعض.
هناك بالطبع من بدأ يتابع ما يحدث. ولعله تألم لحجم المصاب. أليس إنسان من يعاني هناك؟
وغيره تشفى، كأنه يصر أن يظهر لنا الوحش الرابض فينا وهو يهلل. أما الأغلبية فكانت غير عابئة.
لكن السؤال ظل معلقاً. ما الذي يعنيه ما يحدث هذا؟
بدأت ملامح الإجابة تتحدد مع انتشار الوباء. لا يريد أن يظل هناك بعيدا وراء الأفق. يصر على القدوم علينا. ضيف ثقيل.
يأتي في البداية متمهلاً. والناس تسخر منه غير مكترثة. يظنونها مزحة.
يأخذ وقته.
ثم يصبح واقعاً بغته. أعداد المصابين تتزايد، يوماً بعد يوم. والحكومات، هي ونظمها. بعضها ينام والأخر يتثاءب، وغيرها تدرك ان الطوفان قادم.
يحذروننا. إياكم/ن والتهاون. عليكن بغسل اليدين جيداً. كفوا عن مصافحة الغير. خذن مسافة من الأخرين. فالمرض ينتقل من خلال الاستنشاق والعين والفم، ولأننا نلمس وجوهنا بدون أن نحس، فانتقاله إلينا من خلال أيدينا التي صافحت مريضاً أو لمست سطحا يتمدد عليه الفيروس، يصبح ممكناً.
ما تحاول الحكومات فعله الآن هو إبطاء أنتشار المرض. فالمشكلة تصبح خطيرة عندما تبدأ المستشفيات تغضُ بالمرضى، والنظام الصحي يئن من حجم الضغط عليه، وحينها من يصاب بالفيروس ومن يعاني من أمراض أخرى، الكل لن يجد من يعالجه. ينهار النظام.
إذن ما تحاول الحكومات فعله هو في الواقع إبطاء انتشار المرض. لأنه سينتشر. إن عاجلا او آجلا. المهم ان يحدث ذلك آجلاً. حتى تتمكن من مواجهة تبعاته وهي تلتقط أنفاسها وعندما يتمدد بين البشر، لن يجد من يصيبه بعد ذلك، فيصبح مرضاً اعتدنا عليه. لأن جسدنا تعرف عليه.
إلى أن يحدث ذلك، يظل الأضعف بيننا هم الأكثر عرضة للخطر.
الكبار في السن، أو الذين يعانون من أمراض القلب، والسكر والرئة، وارتفاع الضغط، او من أمراض تضعف مناعتهم. هؤلاء هم من سيعانون. هن من سيعانين.
إذن أعود إليه من جديد. ذاك الوباء.
يأتي في البداية متمهلاً. والناس تسخر منه غير مكترثة. يظنونها مزحة.
يأخذ وقته.
ثم يصبح واقعاً بغته. وكما كنا نسخر منه وهو يدنو، نجد انفسنا ننظر إليه بدقة الآن، وندرك أن شيئا ما فيه يستدعي التوقف.
وكما يصيبنا بالمرض، يكشف لنا في الوقت ذاته عن أنفسنا. عن قوتنا وضعفنا. الخير والشر الذي فينا.
عن الإنسان فينا، وعن ذاك الوحش الرابض فينا.
عمن يعمل ليل نهار يبحث عن مصل تطعيم يعين البشرية على مواجهة الطوفان. وذاك الذي يرى في الوباء فرصة جشعة للربح. أو للتشفي.
يكشف لنا الكثير هذا الوباء.
ولأنه كذلك ابدأ هذه السلسلة، يوميات كورونية.
غريب كيف يأتي الطوفان! فجأة.