عن القانون المدني: قضية الطفل شنودة


إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 7590 - 2023 / 4 / 23 - 22:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

إذن.
قضيتان.
حدثت الأولى في مسجد معروف سويسرا.
والثانية عن الطفل شنودة في مصر.
ويجمعهما هم واحد: القانون المدني!
ذاك الذي يحمي حقوق المواطنة المتساوية.

في المقال السابق، عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، حدثتكما عن حالات الزواج القسري لقاصرات، حدثت في مسجد معروف في العاصمة بيرن.
زيجات دينية، لم تحترم القانون المدني السويسري، الذي يعكس جوهرا وفعلاَ مضمون المادة السادسة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
بكلمات أخرى، ينص القانون ان الزواج يتم بين شخصين أدركا سن البلوغ (أي الثامنة عشرة)، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وأن هذا الزواج لا يُعقَد إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه.
ولضمان احترام هذا المضمون، وعدم انتهاكه، ينص قانون السويسري على ان يتم تسجيل الزواج مدنياً قبل عقد أي زواج ديني.

-----
تلك كانت القضية الأولى.
القضية الثانية تتعلق بالطفل شنودة، الذي شغل وسائل الأعلام المصرية والعربية، وتحول إلى قضية الساعة وحديث الشارع في مصر.
تفاصيلها معروفة.
بدأت عندما تقدمت سيدة ببلاغ إلى النيابة العامة انكرت فيه نسب الطفل شنودة إلى والديه بالتبني.
دافع البلاغ هو طمع السيدة. الطمع في ورث خالها، والد الطفل شنودة بالتبني.
كان الوالدان بالتبني وجدا الطفل عام 2018 وعمره يوم واحد في دورة مياه إحدى الكنائس.
كلاهما مسيحيان.
و محرومان من الإنجاب، ولذا جاء الطفل ك "هدية من السماء"، على حد تعبير والدته بالتبني.
ونسباه إلى والده بالتبني فاروق وأطلقا عليه اسم شنودة، وعاش كأبنهما أربع سنوات.
لكن ابنة شقيقة الوالد خافت على ميراثها من خالها، فأقدمت على البلاغ.

مصر دولة عريقة في القدم. لكن قوانينها تظل هجينا، بين ما هو مدني، وما هو شرعي.
وعادة ما تعاني الأقليات والنساء من هذا الهجين.
لاحظا ما حدث بعد البلاغ.
فتحت النيابة تحقيقاً، وخضعت الأسرة والطفل لتحليل الحمض النووي، الذي اثبت عدم بنوة الطفل للأسرة المتبنيه.
القانون المصري يعتبر فاقد الأهلية (أي من لم يعرف هوية والديه) "مسلما بالفطرة".
ولذا تقوم هيئة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية بمصر باختيار اسما ثلاثيا وتنسبه إلى الدين الإسلامي.
القانون هنا لا يقف موقفا محايدا من المواطنين والمواطنات، بغض النظر عن دينهم ودينهن.
بل يبدو متحيزا لدين الدولة، الإسلام.
ولذا، تم إصدار شهادة ميلاد جديدة للطفل، وغيرت اسم الطفل شنودة إلى يوسف، وتحويل ديانته إلى الإسلام، رغم أنه تربى على دين والديه بالتبني المسيحي!
ثم أودعته في دار أيتام!
بعد ذلك، احالت النيابة القضية الى مفتي الجمهورية بشأن ديانة الطفل، وأصدر الأزهر الشريف فتوى اكدت على أن "ديانة الطفل مجهول النسب تصبح على دين من وجده".
وبناءاً عليه أصدرت النيابة العامة المصرية قرارا بتسليم الطفل شنودة "مؤقتا" للسيدة التي عثرت عليه، كعائل له، بعد أن أخذت تعهدا عليها بحسن رعايته وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته. وقررت النيابة التوجيه بإعادة تسمية الطفل باسم مسيحي، بناءاً على رأي مفتي الجمهورية وفتوى الأزهر.

دعيني عزيزتي القارئة أؤكد لك اولاً أني رحبت بفتوى الأزهر.
وفرحت بها.
رحبت بها وفرحت بها عزيزي القارئ لأنها منطقية وإنسانية.
الطفل على دين من وجده، وأحسن رعايته.
منطق إنساني رحيم.
لكنها لم تحل المعضلة الأساسية في كل هذه القضية. وهي أن القانون الهجين في مصر يظل متحيزا ضد المصريين والمصريات من غير اتباع الديانة الإسلامية.
تغيير أسم ودين الطفل، رغم أنه نشأ على الديانة المسيحية، اظهر لنا ذلك التحيز.
اللجوء إلى سلطة دينية مسلمة لحسم الأمر، يظهر ذلك التحيز جَلياً.
تخيلا لو أن تلك السلطة الدينية ارادت ان تتعنت. أو تتبع مذهبا متطرفا. وقررت أن تصر على ان فاقد الأهلية "مسلم بالفطرة".
كيف كانت ستكون النتيجة؟
واللجوء إلى القانون العرفي في المناطق الريفية في الخلافات بين المسلمين والمسيحيين، رغم وجود القانون المصري المدني، يظهر لنا ذلك التحيز، خاصة وان القانون العرفي في تطبيقه يظل متحيزا ضد الأقليات المصرية.
تماما كما ان الإصرار على مفهوم الكفالة لا التبني، بسبب موقف الشريعة من التبني، يظهر لنا ذلك التحيز.
احترام المواطنة المتساوية لكل المصريين والمصريات يتطلب وقفة جادة مع أنفسنا. والإقرار ان الوقت قد حان لإصدار قوانين مدنية عادلة تتعامل مع كل المواطنين والمواطنات بحياد بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس.
ولعل قضية الطفل شنودة فرصة حانية لمراجعة نوعية القوانين التي نلجأ إليها في مجتمعاتنا.
فالقانون الذي لجأت إليه النيابة هو الذي فرض عليها فرضاً تغيير اسم الطفل وديانته. ونزعه من حضانة والديه بالتبني.
أما القانون المدني، إذا تأسس على مفاهيم تحترم كرامة الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية، فكان سينظر أولا وأخيرا إلى مصلحة الطفل. ذاك الذي وجدته اسرة وتبنته.
مصلحة الطفل أولا وأخيرا.
أيهما أفضل، ان يودع الطفل في دار أيتام، ام أن يترك في رعاية الأسرة التي احبته ورعته كأبنها منذ ولادته؟
-----

إذن، القضيتان متصلتان.
قضية الزواج القسري في سويسرا، والطفل شنودة في مصر.
يجمعهما هم واحد.
القانون المدني.
في سويسرا، كشفت لنا حالات الزواج القسري في المسجد أهمية القانون المدني، الذي ينص على أن الزواج يتم بين شخصين أدركا سن البلوغ (أي الثامنة عشرة)، دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وأن هذا الزواج لا يُعقَد إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه.
وفي مصر، أظهرت لنا قضية شنودة أهمية مراجعة القوانين الهجينة التي نتعامل بها، وتبني قوانين مدنية تحترم مفهوم المواطنة المتساوية قولا وفعلاً.
القضيتان متصلتان.
يجمعهما هم واحد.
القانون المدني.
ذاك الذي يحمي مفهوم المواطنة المتساوية. والحقوق المتساوية: حقوق المرأة المتساوية وحقوق المواطنة المتساوية.