عن الصمت في ضجيج التهليل


إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 7759 - 2023 / 10 / 9 - 21:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



عندما يعلو الصراخ والضجيج والتهليل يصبح الصمت حكمة.
وقد تعودت على فترات الصراخ والتهليل.
وعلى صمتي حينها.
الفرح الجنوني.
التهليل.
وبهجة.
يغيب معها العقل. يغيب معها الإنسان فينا.
تصفقون وتصفقن.
لترويع الآمنين في بيوتهم.
للقتل والسحل والاغتصاب، واختطاف الأطفال والنساء والشيوخ.
وتصفقون. وتصفقن.
ومسكين من يعترض. الكثيرون والكثيرات صمتن. يعرفون ويعرفن ما سيحدث عند رفع صوتهن.
كل من يرفع صوته يعترض، يتم سحله على وسائل التواصل الاجتماعي. يشبه السحل والتنكيل الذين رأيناه وهم ينكلون بالجثث الميتة.
أسكتوا يا من "تدعون الإنسانية". "اسكتن. أين كانت تلك الإنسانية في التنكيل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني من قوات الاحتلال". "نقطونا بسكاتكم يا أصحاب الإنسانية."
ذاك لا يبرر هذا.
وهذا لا يبرر ذاك.
ذاك لا يبرر هذا.
وهذا لا يبرر ذاك.
كلاهما انتهاك للقانون الدولي. الذي يحاول، يحاول، أن يحمي الإنسان من نفسه.
كلاهما انتهاك للقانون الدولي.
وإلا فعلاما تصرخون كلما انتهكت إسرائيل حقوق الفلسطيني والفلسطينية في أرضها في حياتها في أمانها. وتلجئون إلى مجلس حقوق الإنسان.
او هو خيار وفقوس؟
وحماس.
حماس!
حماس ستعيد الحق الفلسطيني؟
وهو حق لا جدال فيه.
لكن حماس هي من ستعيد ذاك الحق؟
فعلا؟
نفس حماس التي رمت اخوتها من أتباع حركة فتح من فوق السطوح؟
رموهم من فوق السطوح!
نفس حماس التي هلل لها حينها الشيخ القرضاوي من مأواه في قطر.
نفس حماس التي يدعمها حزب الله.
حزب الله الذي اعتبرتموه مقاومة إلى أن التفت بسلاحه على مواطنيه ومواطناته في لبنان، ثم انضم الى النظام السوري في تنكيله بمن ثار مطالبا بدولة مواطنة؟
ستعيدون الحق الفلسطيني؟
سنعيد الأرض.
كل الأرض.
لكن الحق الفلسطيني في دولة مستقلة، في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، في حياة كريمة بلا قيود، في الحركة والحياة، في مزارعها، في منع الاستيطان، هذا الحق لن تعيده لكم حماس.
لن تعيده لكم حماس.
أتذكرون عندما قلتم "لا صوت يعلو فوق صوت الثورة"؟
عندما ضربوا الشباب والشابات في الساحة في اليمن؟
وأنا كتبت حينها: حقاً؟
ماذا حدث بعد ذلك؟
أتذكرون عندما هللتم لصدام حسين عندما أحتل الكويت؟
كنت حينها في اليمن. صامتة، وسط محيط يقسم بالله ألف مرة، أن قوات التحالف لن تجرؤ على العمل العسكري لتحرير الكويت. وانا كنت على يقين أن التحالف لم يأت من اخر الدينا كي يشرب الشاي مع صدام.
ماذا حدث بعد ذلك؟
أتذكرون عندما رقص الكثير منكم في احداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية؟
ماذا حدث بعد ذلك؟
أتذكرون عندما اختطف حزب الله الجنود الإسرائيليين؟
ماذا حدث بعد ذلك؟
كنتم في كل ذلك تهللون.
ماذا حدث بعد ذلك؟
واليوم تصرون، هذا ما سيعيد الحق الفلسطيني.
ومن يعقد مقارنة بين حرب أكتوبر 1973 في مصر، والحرب التي شنتها حماس، يخطئ.
تلك دولة، وهذه مليشيا. ومصر ارادت تغيير موازين القوة للدخول في مفاوضات سلمية. حماس لا تقبل بوجود الدولة الإسرائيلية من أساسه. تريد أن تمحيها من البسيطة.
ولنا ان نرى من دعم موقفها: كل مليشيات المنطقة الأصولية، والقاعدة، وماذا يقولون؟
وكي لا تزايدون علي.
كل ما قلته إلى الآن لا يعني أني لا أعترف بحق الفلسطينيين في المقاومة. لايعني أني اقبل بالاحتلال الإسرائيلي. لا يعني أني اقبل بالمستوطنات التي تتمدد بلا رقيب. لا يعني أنى اقبل بالطريقة التي ظلت إسرائيل تدير بها الصراع مع الفلسطينيين منذ أكثر من عقدين. فتحت الباب على أوسع ابوابه للمتطرفين من الجانبين في الاستحواذ على الخطاب والهيمنة عليه.
لكن ما رأيناه على شاشات التلفزيون لم يكن مقاومة. كانت عمليات ذبح يدينها القانون الدولي.
وهي لم تنجح إلا في التفاف الإسرائيليين على هذه الحكومة اليمنية المتطرفة.
"يريدون ذبحنا".
تحولت إلى لحظة يشبهونها بالحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، وسيدفع الفلسطينيون والفلسطينيات في غزة ثمنها لعقود قادمة.
حق الفلسطينيين والفلسطينيات في تقرير مصيرهم/ن، في بناء دولتهم، لن تحققه حماس.
هي تغرف من وعاء نعرف مضمونه.
ولذا، عندما يعلو الصراخ والضجيج والتهليل يصبح الصمت حكمة.
وقد تعودت على فترات الصراخ والتهليل في منطقتنا.
وعلى صمتي حينها.
الفرح الجنوني.
التهليل.
وبهجة.
يغيب معها العقل. يغيب معها المنطق. ويغيب معها الإنسان فيها.
وانا انتظر.
انتظر الوجوم الذي سيحط على الرؤوس ونحن نعد جثث أمواتنا.
كم جثة، كم قتيل، كم حلم تدمر؟
أنتظر، لأن الوجوم قادم.
أنتظر، وأنا أقول كما قلت في كل مره: "أخشى أيها المهلل الفرح أن الطريق الذي اخترته لن يوصلك إلى القدس. سيوصلك إلى الجحيم لا محالة."
وحنظله لازال يدير لكم ظهره.