عن الزواج المدني: زيجات قسرية في سويسرا


إلهام مانع
الحوار المتمدن - العدد: 7577 - 2023 / 4 / 10 - 17:01
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات     



قضيتان.
حدثت مجريات الأولى في سويسرا.
والثانية في مصر.
ويجمعهما هم واحد: القانون المدني!
ذاك الذي يحمي المواطنة المتساوية.

القضية الأولى عن زيجات قسرية، حدثت في مسجد معروف، في سويسرا.
والثانية عن قضية الطفل شنودة، الذي أُعيد إلى والديه بالتبني بعد أن انتزع منهما قبل عام، بسبب بلاغ من أبنة اخ والده بالتبني.
احدثكما اليوم عن القضية الأولى.
وأعود إلى الثانية في المقال القادم.
----

زيجات قسرية.
حدثت في مسجد معروف في بيت الأديان في بيرن، العاصمة السويسرية. بيت أقيم على مفهوم التسامح والحوار بين الأديان.
المسجد هو واحد من مجموعة من بيوت الله التي تعمل (كلٌ بشكل مستقل) ضمن إطار هذا البيت. سأحدثكما عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، عن هذا البيت في مقال قادم. لأنه نموذج يحتذى به في الواقع. خاصة مع الضجة الغريبة التي أثيرت حول بيت الأديان الإبراهيمية في الإمارات العربية المتحدة.
ليس هذا موضوعنا اليوم.
بل قضيتنا تتعلق بما حدث داخل هذا المسجد.
مسجد معروف. وإمامه شخصية عامة محترمة. أخذت مواقف قوية ضد القوى التكفيرية والجهادية في سويسرا وخارجها.
أعرفه وأحترمه.
سُلطت الأضواء على هذا المسجد بعد أن كشف تقرير استقصائي للتلفزيون السويسري حدوث زيجات قسرية داخل هذا المسجد.
دون علم ذلك الإمام.
على حسب ما أظهره التقرير، كان إمامٌ أخر يأتي إلى المسجد ويعقد هناك زيجات شرعية دينية. ولا يطلب رؤية شهادة الزواج المدني.
في سويسرا، وفقا للقانون المدني المادة 97، للزواج المدني الأولوية على الزواج الديني. وهذا يعني أن الزواج الديني غير مسموح به ما لم يكن الزوجان قد تزوجا أولا في مكتب التسجيل المدني.

تم تطبيق هذه القاعدة منذ عام 1874.
والسبب كان ضروريا.
قبل ذلك التاريخ، وتحديداً في المناطق الكاثوليكية، كانت هناك عوائق كثيرة للزواج، منها اختلاف المذهب والدين.
المواطنة لم تكن تكفي للزواج. بل المذهب والدين الذي يتبعه الشخص.
اختلاف المذهب والدين كانا عائقين للزواج بين المواطنين.

كما أن الحد الأدنى لسن الزواج في هذه المناطق للفتاة كان 12 عاماً، على حين ان القانون الفيدرالي المدني حدد الثامنة عشرة كسن أدني للزواج.
ولكي يتم تلافي هذه العوائق والانتهاكات، صدر القانون عام 1874، الذي أصر على ان يتم الزواج المدني قبل عقد الزواج الديني. وعقاب من ينتهك هذا القانون.
هكذا أصبح من الممكن للمواطنين والمواطنات الزواج على الرغم من اختلاف مذهبهما أو دينهما.
المواطنة تكفي.
هكذا تم منع زواج الصغيرات.
الرشد هو سن الزواج.

إذن تم تطبيق هذه القاعدة منذ عام 1874.
وللأسف الشديد فإن البعض من الجماعات الدينية لا تحترم هذه القاعدة.
لاحظا عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أني قلت "الجماعات الدينية" ولم احددها بالمسلمة فقط.
الزواج القسري يحدث في العديد من الجماعات الدينية في سويسرا، منها الهندوسية، اليهودية الأرثوذكسية، وداخل جماعات مسيحية متطرفة.

يحدث ايضا في بعض الجاليات المسلمة.

ولذا فأن دور الإمام هام جداً في منع الزواج القسري.
فالقانون يطالب كل من يحق له عقد الزواج دينياً، ان يتأكد من حدوث الزواج المدني.

بذلك يتم تلافي حدوث زواج الطفلات. لأن اي زواج مدني يُصر على احترام السن القانونية (18 عاما) للزواج للطرفين.

ويتم تلافي حدوث الزواج القسري. لأن مقدرة الولي على تزويج الصغيرة كما نعرفها في الفقه الإسلامي لا تسري في القانون المدني. من يتزوج في السن القانونية، هو وهي أولياءُ أنفسهما.

كما ان القانون المدني يحترم حقوق الزوجين المتساوية اثناء الزواج وفي حالة الطلاق، النفقة وتوزيع الممتلكات والحضانة، الخ.
وكما نعرف فإن قواعد الفقه الشرعية لازالت تصر على دور الولي وتميز ضد المرأة في الطلاق والنفقة وتوزيع الممتلكات والحضانة...

ولو تتذكرا، عزيزتي القارئة عزيزي القارئ، كتبت في مقال سابق عن محاكم الشريعة في بريطانيا. واشرت إلى أن الكثيرين والكثيرات من الأسر البريطانية المسلمة لا يدركن أن الزواج الديني لا يتم الاعتراف به ما لم يتم تسجيله مدنياً. وفي احيان كثيرة، تكتشف المرأة أن كل حقوقها المضمونة في القانون المدني البريطاني لا تسري عليها، لأنها تزوجت زواجا دينياً فقط.

نفس الشيء يسري هنا في سويسرا.
الزواج المدني يحمي حقوق المرأة.

من المهم التأكيد على هذا الموضوع ونشره خاصة وأن الكثيرين والكثيرات ممن نزحوا من الشرق الأوسط إلى سويسرا وأوروبا بسبب ظروف الحرب، لا يدركون اهمية هذه القضية. وضرورة الزواج المدني لحماية حقوقهن/م.

إذن دور الإمام هام جداً.

وفي الوقت الذي يطبق كثير من الأئمة المسلمين في سويسرا القانون السويسري.

ينتهك البعض ذلك القانون.
يعقدون لزيجات قسرية وزيجات الطفلات.
وينتهكون بذلك حق الفتاة في ان تتزوج وهي راضية وراشدة.
كأن الله يقبل بالقهر في الزواج؟ كأن الله يقبل باغتصاب الطفلات؟


هذا ما كشفه التقرير، بعد أن هربت فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، تم تزويجها زواجاً قسريا من قبل ذلك الإمام في المسجد.
أظهر هروبها ما حدث.
وكشف النقاب عن نحو 12 زيجة دينية حدثت غصباً في ذلك المسجد، وفرضت على الفتيات، التي اجبرتهن عائلاتهن على الزواج من شخص ما يفضلونه.
وفتحت السلطات السويسرية تحقيقاً في الموضوع ، لا زال قائما.
وإمام المسجد، ذلك الذي لم يكن على علم بما يفعله إمام الزيجات القسرية، تحمل مسؤولية ذلك التقصير، وقدم استقالته.

-----


إذن.
قضيتان.
حدثت الأولى في مسجد معروف سويسرا.
والثانية عن الطفل شنودة في مصر.
ويجمعهما هم واحد: القانون المدني!
ذاك الذي يحمي المواطنة المتساوية.
أعود إلى القضية الثانية في المقال القادم.