حول الحزب الذي كان يُمثل أملاً للناس


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 5143 - 2016 / 4 / 25 - 17:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في الذكرى الـ 82 لتأسيس حزبنا ـ الحزب الشيوعي العراقي شارك الشيوعيون وغيرهم في إحياء هذه المناسبة الكبيرة، التي لم تَعد وقفاً على الشيوعيين حصراً بل إرتقت حقاً الى مستوى الوطن العراقي ككل، فتضحيات الشيوعيين كل الشيوعيين كانت عاملاً هاماً في تعميق الوعي الوطني، وفي الدفاع عن مصالح فئاته الكادحة.

ساهم الحزب خلال مسيرته الطويلة في تعزيز القيم التقدمية مثل الإعتراف بحقوق المرأة وتوسيع التعليم وتنظيم العمل النقابي والمهني عامة وغير ذلك الكثير. وكان للشعار الذي رفعه الرفيق فهد بوعي عميق دوراً كبيراً وحيوياً في ذلك كله، حين قال: قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية.

تلقيت بمناسبة تأسيس الحزب دعوة كريمة من منظمة حزبنا في الجمهورية التشيكية للمشاركة في أمسية ثقافية أقيمت على شرف المناسبة الجليلة، وبسبب الظروف الصحية أرسلت للرفاق تهنئة، وتمنيت لتلك الأمسية أن تُوصل رسالة قوية للشيوعيين وأصدقائه تؤكد على أن الحزب ليس مجرد قيادة، أو حتى كامل عضوية الحزب، بل هو أكبر بكثير، فهو الى جانب ذلك تاريخ وتضحيات وإمتداد بين الجماهير صاحبة الحق في العيش بكرامة في وطنها، وهو أولاً وقبل كل شيء نظرية ومشروع للحاضر والمستقبل. ولكن أخيراً تحاملت على نفسي وقررت الحضور والمشاركة المباشرة في تلك الأمسية، وليس عبر التهنئة فقط ، وشهدت الأمسية تمثيلاً واسعاً من جانب القوى السياسية الشقيقة والصديقة.

وبهذه المناسبة أود الإشارة الى أهمية تنظيم الحزب في الخارج، فخلال تجربتي مع الرفيقين فهد وسلام عادل، تأكد لي أن تنظيم الخارج رصيد للحزب في أوقات الشدة، إذ في كل الأحوال لا تستطيع القوى المعادية النيل منه.

أشير هنا الى النظرة الثاقبة للرفيق الشهيد سلام عادل الذي كان يؤكد على ضرورة أن يكون جزء من جسم الحزب الأساسي في الخارج بعيداً عن محاولات الإستهداف. وعندما جاء إنقلاب 8 شباط 1963 الدموي الذي وجه ضربات موجعة للحزب، وعمل على تصفية قيادته بكل وحشية، وفي مقدمة مَنْ إستهدفهم الإنقلاب الفاشي بالتصفية الشهيد سلام عادل نفسه، ولكن خطة الشهيد أثبتت جدارتها وبعد نظرها، فبعد الضربة الموجعة لتنظيمات الحزب في الداخل تولى الرفاق في الخارج عملية إعادة البناء، وساروا بالحزب نحو تكوين قوة يحسب حسابها من قبل القوى المعادية للشيوعية في الداخل والخارج، وتُعقد عليه الآمال من جهة الشعب وقواه الوطنية.

وعلى الرغم من قسوة الظروف التي أحاطت بالحزب بعد إنقلاب شباط إستطاع رفاق الخارج تنظيم أكبر حملة تضامن مع الشعب العراقي، وعقدوا أول إجتماع حزبي للقياديون والكوادر في الخارج للتمهيد للعودة المُنظمة الى داخل الوطن، وشارك رفاق من الداخل في ذلك الإجتماع، كان من بينهم الرفيق عزيز محمد من كردستان والرفيق باقر أبراهيم من منظمة الفرات الأوسط.

إن المناسبة التي إحتفل بها الشيوعيون وأصدقاؤهم ـ 31 /آذار/ 1934 ـ برزت في معترك النضال على النحو التالي الذي يحمل الكثير من الدلالات الغنية المشبعة بالمرونة والموضوعية والأصرار ونكران الذات وروح الجماعة؛ كنّا في السجون نحتفل بأعيادنا الوطنية وأعياد الأحزاب الشقيقة والفعاليات الأممية الأخرى، وذات مرة في جلسة بسجن الكوت أحاط الرفاق بقائد حزبنا ومؤسسه الرفيق فهد، وتوجه أحد الرفاق الى الرفيق فهد قائلاً: نحن نحتفل بيوم تأسس هذا الحزب الشقيق أو ذاك، ولكن ما هو يوم تأسيس حزبنا؟

قال الرفيق فهد: إسألوا الأستاذ المثقف الشيوعي الرفيق زكي خيرى عن يوم تأسيس حزبنا. قال الرفيق زكي هو يوم 31 /آذار/ 1934. قَبِلَّ الرفيق فهد ذلك اليوم كيوم لتأسيس الحزب، على الرغم من أن فهد أصدر في الناصرية أول بيان موقع بإسم عامل شيوعي، وهو الوحيد بين الرفاق يقود تنظيماً يحمل كل مواصفات التنظيم الشيوعي.

يُذكر أن الرفيق زكي في تلك الفترة نُقِل حديثاً الى سجن الكوت حيث كان الرفيق فهد، وكان الرفيق زكي قبل إعتقاله يقود خلية في بغداد. وبعد وثبة كانون 1948 جرت إعتقالات واسعة في صفوف الشيوعيين القدامى من بينهم الرفيق زكي ويوسف متي وبقية الرفاق الذين ساهموا مساهمة نشيطة في الوثبة، وإرسلوا الى سجن الكوت. وعند وصول أبي يحيى الى السجن ألحقه الرفيق فهد بالتنظيم، ورحب به، وقدمه الى الرفاق في السجن بأجمل ما يكون الترحيب والإستقبال والتقديم.

ومنذ ذلك اليوم إعتمد هذا التاريخ يوماً لتأسيس الحزب. لم يكن الرفيق فهد ذاتياً ليؤكد على أنه أول من أعطى طابعاً تنظمياً لنشاطه الشيوعي في بغداد والبصرة والناصرية، فالرفيق فهد أبدى كل الإحترام والتقدير لكل إرهاصات التأسيس الأولى ونشاطات المثقفين والحلقات الماركسية والشيوعية.

توحدت الخلايا الشيوعية في يوم 31 آذار1934 بإجتماع عُقد في بغداد، وكان أغلب الحاضرين من خريجي الجامعات في بغداد وبيروت والغرب، إتخذوا فيه قراراً بقيام الحزب الشيوعي العراق تحت إسم (لجنة مكافحة الإستعمار والإستثمار)، وضم ذلك الإجتماع رفاق بارزين من بينهم: فهد؛ عاصم فليح؛ زكي خيري؛ عبدالوهاب محمود؛ نوري روفائيل؛ سامي نادر؛ مهدي هاشم وآخرين. وبعد نحو عام أبدلت المنظمة إسمها الى الحزب الشيوعي العراقي.

كان جل إهتمام المناضلين في الحلقات الماركسية أو الشيوعية قبل الرفيق فهد منحصراً في الحديث عما حققه الإتحاد السوفيتي في مجالات البناء والتطوير وحرية ومساواة المرأة وغير ذلك. إن حرص الرفيق فهد على قيام حزب شيوعي لم يقيده بمسالة الأسبقيات، ومَنْ هو المؤسس؟ على الرغم أن الواقع يدعمه، وفهد كان بمثابة القلب في التأسيس وما أعقبه، وبعد عودة الرفيق فهد من موسكو عام 1941 أعطى للحزب دفعة قوية الى أمام في تعزيز تنظيماته، ودحر الكتل الإنشقاقية نهائياً، إن فهد ظل الأكثر وعياً طبقياً والأكثر جذرية وتقدماً.

ومن المعلوم أن التنظيم يضم حلقة من المناضلين إستمروا في النضال سوية لفترة طويلة في السراء والضراء، ونشأت بينهم علاقات ثقة وود، وهم على إستعداد للتضحية في سبيل الشيوعية، وهؤلاء يشكلون هيئة أركان التنظيم الحزبي، والحزب من وجهة نظرهم ليس هذا القائد أو ذاك أو هذه القيادة أو تلك، إنما القدرة على قيادة النضال صوب الأهداف الإستراتيجية للحزب.

قبل نحو ثلاثة أعوام زرت كردستان وقد أثار العديد من الرفاق الأنصار الشيوعيين أسئلة حول الأسباب التي تدفع الشيوعيين الى إيلاء أهمية خاصة للرفيقين فهد وسلام عادل من دون غيرهما من القيادات الحزبية. هذا الى جانب إهتمامات أخرى حول العلاقات الأممية والتنظيم. وبعد عودتي من كردستان كرست وقتاً غير قليل للتوثيق والكتابة عن الرفيقين فهد وسلام عادل. وهنا أقول: لا شك في أن الإستشهاد البطولي للرفيقين لعب دوراً هاماً في خلق المكانة الرفيعة لهما، ولكن من الظلم لهما التوقف عند قدرتهما على التضحية فقط دون النظر الى الأدوار الكبيرة لهما في حياة الحزب وفي النضال الطبقي والوطني.

وتجدر الإشارة هنا الى أن كتابي (نبض السنين) الذي صدر العام الماضي يحتوي على قدر كبير من المعطيات والتقديرات حول الرفيقين الخالدين فهد وسلام عادل الى جانب العديد من القضايا الفكرية والسياسية وبعض المواقف والأحداث والذكريات التي تستخلص العبرة من تجارب الماضي لإعادة توظيفها في خدمة الحاضر والمستقبل.

إن فهد إنطلق في التأسيس من واقع المجتمع العراقي نفسه، مراعياً ظروف البلاد القومية والدينية والقبلية، ووحد الوعي الوطني من خلال مواجهة الإستعمار بإعتباره العدو الرئيس. وركز جهده على البروليتاريا الناشئة وعلى عموم الطبقة العاملة والفقراء في الريف والمدينة، ووضح الفرق بين النضال العمالي ضد الشركات الأجنبية وبين النضال ضد الشركات المحلية. وأهتم بالنوع في التنظيم الحزبي فأين يوجد الشيوعي فعليه أن يتصرف بما يمليه عليه دوره كقائد للطبقة العالمة، ففي بعض المنشآت قاد الشيوعيون الإضرابات العمالية، وأحياناً كان يوجد شيوعي واحد في البعض الآخر منها، ولكنه يُنظم إضراباً بمفرده.

وعمل فهد على إقامة فروع للحزب تأخذ بنظر الإعتبار الفورق الإجتماعية واللغوية والثقافية، ومن خلال تلك الفروع يجري التقريب الإجتماعي الوطني العراقي بين الرفاق على مختلف أنواع جذورهم العرقية والدينية والمذهبية واللغوية وغيرها، فعلى سبيل المثال في تلك الأيام كان معظم الأرمن لا يجيدون العربية، مما تطلب في عام 1943 وجود فرع أرمنى، وفي عام 1945 فرع كردي، وجرى التخطيط لإقامة فرع تركماني وآثوري.

أذكر أن نقاشاً جرى بيني وبين الرفيق الراحل البطل حميد عثمان ـ أبو خسر في سجن نقرة السلمان حول الفروع. قال أبو خسر: لا ضرورة لفرع أرمني لوجود أرمينيا السوفيتية، ولكن هناك ضرورة لوجود فرع كردي حيث لا جمهورية للأكراد. وهنا يتضح عدم الإقتراب من الفهم العميق لخطة الرفيق فهد التي تسعى الى الدمج الهادىء بين الفئات العراقية، فالفروع تعبير عن روح أممية نحو تعزيز الوحدة الوطنية.

بعد أن وافق الإتحاد السوفيتي على حق أرمن الخارج في العودة الى وطنهم، البعض منهم قال: نريد العودة لدعم الحزب الشيوعي الأرمني. فجاء الرد عليهم أن يدعموا ويفيدوا العراق حيث يوجد في العراق حزب شيوعي أيضاً، وعليهم العمل حيث هم، فأرمينيا لا تحتاج الى أعضاء من خارج أرمينيا لدعم الحزب الشيوعي. وربما لو تشكل فرع تركماني وآثوري لحققنا توسعاً أكبر لتنظيماتنا بين العراقيين التركمان والآثوريين.

إن تراكم الخبرات التنظيمية حاجة ضرورية لكل حزب ثوري بحق، ففي بعض الأحيان نقص الخبرة يؤدي الى أضرار فادحة، فعلى سبيل المثال عندما تولى مالك سيف قيادة الحزب إعتقد بعدم وجود ضرورة لحزب التحرر الوطني، ودمج كوادره بكوادر الحزب مما أضعف مستوى نوع الكادر في الحزب. ومن المعلوم أنه خلال وزارة السيد سعد صالح تقرر إتاحة الفرصة لتشكيل الأحزاب. وقد دفع حزبنا عدد من كوادره وقيادييه لتشكيل حزب التحرر الوطني، وتقدم حزب التحرر الوطني بطلب إجازة كبقية الأحزاب الأخرى، وقد إجيزت تلك الأحزاب عدا حزب التحرر الوطني. وفي وقت لاحق جرى التراجع عن هامش الحريات التي إعتمدها سعد صالح. إن عدم إجازة حزب التحرر الوطني ليس مبرراً كافياً لدمج عضويته بعضوية الحزب حيث كانت شروط العضوية في ذلك الحزب متساهلة مقارنة بالشروط المطلوبة في عضوية الحزب الشيوعي، ومثل ذلك القرار يمثل خسارة كبيرة للحزب ولحزب التحرر الوطني.

وحتى بعد ثورة 14 تموز 1958 فُتح باب الترشيح لعضوية الحزب على نطاق واسع مما أدى الى إضعاف صلابة العضوية. سألت الرفيق سلام عادل عن هذا التوسع والتساهل في الترشيح لعضوية الحزب الذي يؤدي حتماً الى إغراق الحزب بأعداد كبيرة. قال الشهيد يمكن أن يفيدونا في الإنتخابات. والنتيجة أن قاسم لم يعقد إنتخابات، وفي كل الأحوال ليس من مصلحة الحزب إضعاف نوعية العضوية.

وعلى الصعيد الفكري كان لفترة خروشوف تأثير بالغ على الوضع الفكري في حزبنا خاصة طروحات سمة العصر، وما تبع ذلك عندنا من نمو للنزعات اليمينية منذ عام 1964، وقد أصطلح على هذه الحالة تسميتها بخط آب اليميني التصفوي؛ ومنها التقويم المفرط في التفاؤل بما عُرف بالإصلاحات في عهد عارف، وذات السياسة بعد مجيء البعث الى السلطة، وقيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وإنتشار أوهام بناء الإشتراكية معاً. إن عقلية الإعتماد على الخارج هي نفسها التي مهدت للإنضمام الى مجلس الحكم تحت ظل حاكم الإحتلال الأمريكي، إن الإعتماد على الخارج هو خلل فكري ما زال قائماً الى يومنا هذا، وهو يعني عدم الثقة بالنفس وعدم الثقة بالتنظيم.

وإذا قلنا أن البعث عام 1963 جاء بقطار أمريكي، فإن الذين جاؤوا الى الحكم بعد إحتلال عام 2003 جاؤوا خلف الدبابات ألأمريكية الغازية، وأقاموا تحت رعاية المحتل والملالي الإيرانيين ما سموها بالعملية السياسية التي أوصلت البلاد الى هاوية سحيقة تبدو وكأن لا قرار لها. وبلادنا اليوم تشهد غرائب لا نظير لها في الجريمة والسرقة والعدوان والقتل المجاني والمأجور والتفريط بالسيادة والإستقلال الوطني وخيرات البلاد وثرواتها وعلمائها وبمستقبل الأجيال القادمة، لأول مرة في تاريخ العراق يبدو الشعب وكأنه بدون قيادة وطنية، وقد أجبرته الظروف الملموسة على القيام ببعض التحركات العفوية، وبديهي أن سفينة بلا ربان لن تصل الى ميناء محدد، وهذه الحالة تنذر بخطر فادح على الجميع.

ومن غرائب العمل السياسي أن يكون الحزب الشيوعي العراقي وسيط بين أطراف فاسدة، والوساطة في هذه الحالة، تعني عدة إفتراضات أحسنها أن "أبطال" العملية السياسية لا ينظرون الى حزبنا كقوة حقيقية ذات إعتبار.

ومن الأعمال التي تُعد أخطاءً ذات طبيعة فكرية وسياسية وتنظيمية إغراق الحزب بأصحاب المواقف السياسية الضعيفة، فنحن بالوقت الذي نتضامن مع كل من فرضت عليهم مواقف ضعيفة من خلال القمع والتعذيب والإرهاب، ونلقي اللوم على الجلاد، ولكن فتح باب الحزب أمام هؤلاء، وحتى على مستوى الكوادر يُعد إضعافاً مؤلماً لمستقبل الحزب، والأنكى من ذلك قبول من كانوا في تنظيات البعث، ونحن نعلم أنهم أكرهوا على مثل تلك المواقف، ونحن أول من أعلن معارضته الصارمة ضد إجتثاث مؤسسات الدولة العراقية على أساس العقوبات الجماعية، ولكن فتح عضوية الحزب أمامهم هؤلاء شيء آخر.
وأخيراً، سوف يعجز كل أعداء الشيوعية عن إخضاعها.
وستظل سلاحاً قوياً بيد الفقراء وكل الكادحين.
والمجد لتضحيات الشيوعيين.