العدوان على ملجأ -معسكر أشرف- وأشياء أخرى


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 3399 - 2011 / 6 / 17 - 17:10
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة     

في البدء لابد من الإعتذار من شيوخ ونساء وأطفال معسكر أشرف اللاجئين في بلدنا لأننا تأخرنا في تخصيص بيان ضد الإعتداءات الرعناء عليهم، تلك الإعتداءات التي مارستها حكومة خدم الإحتلال الغرباء على بلدنا في كل شيء، بلدنا الذي عُرف عنه كرم الضيافة، وشرف إحترام الغريب، بل إن الأخلاق التاريخية لأبناء الشعب العراقي ترى عيباً حتى في سؤال الضيف عن الغرض من زيارته إلا بعد حين، حين هو يشاء، هذا على الصعيد الفردي. وعلى النطاق العام لم يُسجل تاريخ العراق جريمة مثل جريمة ما جراى ويجري في أشرف. إن ما هو أكثر فظاعة من الزاوية الإنسانية في الأوضاع المأساوية لسكان أشرف اللاجئين في العراق، ضيوف بلادنا، أن تستغل حياتهم لأغراض سياسية وخدمة لبرامج أقل ما يقال عنها أنها شريرة، خاصة ونحن شعب قد ذاقت وما زالت أعداد كبيرة منه مرارة وحساسية وضع اللاجيء، وكانت مرارة الغربة بمفردها حتى دون إضطهاد تعصر القلوب والعقول والحياة نفسها.

ربما يُطرح سؤال عن مبررات الإعتذار على عدوان إذا لم نكن من المشاركين فيه أو المتغاضين عنه، نقول أن الإعتذار يقتصر على الإعتذار عن عدم قدرتنا في الظروف الحالية على درء العدوان عن الضيوف في بلدنا، وإغاثة المستغيثين، وعدم تناول هذا الموضوع بصيغة قائمة بذاتها. ولكن من جانب آخر ربما يكون شفيعنا أننا كننا نحتج بغضب على كل عدوان جبان يُشن على لاجئين عزل نيابة عن أولياء نعمة الأحزاب المعممة والعمياء، وكننا نحتج ونحن نواجه واجبات قاسية ضد الإحتلال وخدمه، هذا الى جانب إنضمامنا لكل جهد سعى الى إستثارة المنظمات والهيئات الدولية لتسوية مأساة سكان أشرف، وربما شفيعنا أننا نكاد أن نشاهد الهلع الذي يُصيب أطفال أشرف ونحس به بعد كل مرة يصبحون فيها هدفاً لأشباه الرجال. وقد نخفف الروع عن أنفسنا بالسؤال: هل يبقى إحساس إنساني للمتشبهين بالرجال بعد أن باعوا شرفهم وشرف البلاد؟.

هؤلاء اللاجئون العزل في مخيم أشرف يحملون هموم شعبهم، وقد لجؤوا الى هجير جوار وطنهم، وليس الى ربوع أوروبا الخضراء. وكم إحترمنا ترددهم في قبول طلب الإتحاد الأوروبي للجوء إلى دوله السبع والعشرين لمنع وقوع مذبحة كبرى ضد لاجئي أشرف، حيث قد لا يحتمل الرأي العام الإنساني مثل تلك الجريمة لو وقعت كلياً وليس جزئياً أو بالأقساط كما يحدث الآن. في حين أن القوى السياسية الرخوة لدينا لا تتضامن مع قوة مظلومة خشية أن يلحق بها ولو بعض الضرر، أو أن التضامن الذين لا يولد لهم إمتيازاً لا معنى له حسب قواعد عملهم.

أين مصلحة الشعب العراقي في إذلال لاجئين عزل، وقتلهم دهساً بالعربات العسكرية، وترك بعضهم ينزف حتى الموت، والتطاول على جثامين الضحايا ومنع دفهم، لماذا هذا الحقد السادي، خاصة بعد فشل إمكانية تسويق إتهامهم بأنهم قد وظفوا قبل الإحتلال من قبل النظام السابق ضد أي مواطن عراقي أو قرية أو مدينة أو فئة إجتماعية عراقية. ومن حيث الأواصر الفكرية فلا يوجد بين النظام السابق وضحايا معسكر أشرف أي رابط فما خلا ما يراه النظام السابق مصلحة دعائية له، وما يرى فيه اللاجئون مصلحة إضطرارية جداً حين وضعهم نظام الملالي في طهران قسراً أمام هذا الوضع المرير، إنهم تحملوا مصاعب اللجوء الى العراق لسبب موضوعي هو قريب المكان من حدود بلادهم، وكما هو معلوم وعلى الدوام تضع الأنظمة القمعية خصومها أمام خيارات صعبة وصعبة جداً كحال سكان أشرف.

إن كل تصرفات خدم الإحتلال تجري ضمن ملهاة سوداء في مشهد مثير للسخرية والحزن والقرف، وفي الوقت ذاته يكون وقود ذلك المشهد عيشة وكرامة ووحدة العراقيين. هذه المأساة التي تُعرف بـ "العملية السياسية" بدأ ينحصر سلاحها الأمضى، حيث يتنامى حالياً الإعتبار للوحدة الوطنية، وإن كان الهوينا، وهذا أثار الرعب في صفوف أعداء العراق والعراقيين، إنهم يبحثون عن كل قشة قد تُعيد بعض من الإعتبار للأوهام المريضة، ومنها التعدي على سكان أشرف، وما يحمل ضمناً من إعتبارات إقليمية قد تجد أثراً محلياً محدوداً. واليوم عاد خدم الإحتلال الى لعبتهم المفضلة التي تقوم على إثارة بعض الغرائز البدائية، حيث بدأ هذا بعد سنوات يشرب من دم "عروس الدجيل" وذاك من مذبحة "عائلة السيدية" في سيرك جنوني وحاقد على الشعب بأسره، وفي مقدمته الضحايا أنفسهم في حفلة إستذكار جبانة ومهوسة.

إن قرابة خدم الإحتلال مع نظام الملالي في طهران كان وما زال يتم تحت وطأة العديد من العوامل وبدفع من الإحتلال أو بتغاض منه تحقيقاً لتضليل أكبر يقع ضمن إتفاق المصالح، ولكن ساعة القرار هي بيد الأمريكيين فقط وليس بيد الموظفين عندهم، وليس جديداً على الأمريكيين ممارسة الألعاب البهلوانية عند الضرورة، وهم سريعو الحركة، وقد تتغيير ألعابهم بسرعة، وأحياناً تتغيير بسرعة مذهلة بسرعة صواريخهم التي دمرت منشآت الكهرباء والمياه في بلدنا، وحالت دون إعادة بنائها عبر اللصوص الشرهين، ومن كل الأصناف، الذين جلبتهم معها، وأمّرتهم على شؤون البلاد والعباد.

يوجد تمتمل قوي في الشارع العراقي، تحرك يريده الشعب، ولكن أيضاً يحاول أعداء وخونة الشعب اللعب عليه قدر الممكن، والإحتلال في هذه الساعات يطلق تحركين إثنين في وقت واحد ويختبر اللعبة، سفيرهم قال يُمكن الإصلاح من خلال الحكومة الحالية، ومفاز أخرى تسير على درب مناقض.

ومن ضمن محاولات دعم المالكي، السماح له بممارسة الإعتداءات ضد معسكر أشرف، وقد تكون تلك الإعتداءات مادة لمحاسبته في المستقبل من قبل أسياده أنفسهم، ولكي تكتمل مساحيق اللعبة لا بأس أن تطلق الحكومة حتى بعض العبارات النارية ضد طلب أحد إعضاء وفد الكونغرس الأمريكي الذي زار بغداد مؤخراً، وطالب بتعويضات مالية من العراق إجوراً لنقل تلكم الحثالات البائسة الى مركز تقرير مصائر العراقيين، وأطلق أيديهم بحدود لا تمس مصالح المحتل. إن الشعب العراق قبل الجميع طالب كحق تاريخي مطروح على الزمن بالتعويضات عن الأضرار التي لحقت به من جراء الحصار الإقتصادي الإجرامي، ومن جراء العدوان المسلح والإحتلال، إن بعض الحقوق التي توضع في ذاكرة الشعوب الضعيفة تخيف وتثير رعب المحتلين الأقوياء والمتغطرسين، وهذا منطق لا يدركه ضعاف النفوس وطلاب الرفاهية تحت خيمة العار والإهانات والذل والدماء.

أطلق العملاء تصريحات عنترية ضد أولياء نعمتهم البائسة كأنهم لم يعوضوا الأمريكيين قبل أسابيع فقط 400 مليون دولار لمواطنين أمريكيين أزعجهم النظام السابق نفسياً. إن من سخرية الأقدار أن يتحدث الخدم عن موقف سيادي، وقد سمحت لهم السفارة الأمريكية في بغداد بالإعلان بأن حكومة المالكي قد منعت وفد الكونغرس من زيارة معسكر أشرف، هذا بعد أن وصل الوفد الى بغداد دون أن يكلف نفسه بإخطار الحكومة العراقية، إذ لا حاجة لمثل هذا الإخطار لحكومة هم شكلوها، ويمارسون حمايتها الى يومنا هذا. وقال وفد الكونغرس لهم علانية: نريد "ثمن الإحسان" الذي قدم لكم بتخليصكم من النظام الدكتاتوري ووضعكم على رأس السلطة وإمتيازاتها، التي هي في الغالب دون وجه حق.

تخيلوا أن الناطق بإسم الحكومة يقول: "منعناهم، يقصد أسياده الذين إستجلبوه من السوق الحرة في دبي، لأن هذه مسألة سيادية ومن غير المسموح لأي كان أن يتجول في أرضنا مثلما يشاء" منعناهم من زيارة معسكر أشرف. وكبيرهم قال: لن نمدد للقوات الأمريكية في العراق ولو ليوم واحد. هل هنالك صلف مثل هذا الصلف، خاصة بعد أن قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية المرشح لتولي منصب وزير الدفاع "ليون بانيتا" في الكونغرس يوم الخميس الموافق 9/6/2011، "إن الولايات المتحدة يجب أن تبقي قواتها في العراق بعد الموعد النهائي للانسحاب نهاية 2011 إذا طلبت بغداد ذلك." وأضاف بانيتا إنه يتوقع أن يطلب العراق من واشنطن "في مرحلة ما" إبقاء بعض القوات بعد الموعد النهائي المحدد للانسحاب، ودون أدنى شك قال: "من الواضح لي أن العراق ينظر في إمكانية التقدم بطلب لإستمرار وجود قوات هناك بشكل ما". وأردف: "كلي ثقة في أن طلباً مثل هذا هو شيء أعتقد أنه سيأتي في وقت ما".

لا تلعبوا مع شعب بات يعرفكم جميعاً حق المعرفة، وإن مقاومة الشعب العراقي هي التي سوف تطرد الإحتلال، وهل خرج الأمريكيون يوماً دون قتال، إن الإجتياح الثوري الذي يعم البلاد العربية لن يُبقي العراق بعيداً عنه، ومن المناسب هنا التأكيد على أن الأعمال الثورية لا تنطلق بقرارات من القوى العظمى، وإن المناخ الثوري في المنطقة عملية تاريخية كبرى لا تسير بخط مستقيم، ولا يمكن لأحد أن يتجاهل صيرورتها، ومن العبث تجاهل محاولات اللعب عليها، ولكن الوعي الجديد في المنطقة أقوى وأنضج وأذكى مما يتصور حتى بعض الثوريين، ولا نقول أن سموم الماضي المديد وما زرع من سموم وأوهام جديد بدون فعل معرقل في بعض المناطق من البلاد العربية، التي إستكثروا عليها حتى إسمها لتصبح في الإعلام المعادي، وحتى غير المعادي أحياناً، مجرد المنطقة في أحسن الأحوال، أو بما هو أوسع إنتشاراً "شمال أفريقيا والشرق الأوسط"، وكأنهم يتوهمون بأنهم بتلك العبارات المصنعة والمغشوشة سوف يكتبون من خلالها تاريخ المنطقة ويومها الراهن وحياتها المستقبلية.

اليوم، حطمت المقاومة الباسلة لشعبنا بكل أشكالها الكثير من أوهام المحتل وخدمه، وألحقت بهم جميعاً العار والخسائر، ولن توقف مسيرة الشعب جرائمُ المجرمين بكل ألوانهم. ما كان لواشنطن أن تمارس سياسة لعبة الحبل مع عملائها شداً وإرتخاً، وهم المتعاقدون، لولا ضربات شعبنا الموجعة لها ولهم جميعاً، وجعلت مسألة إنسحاب قوات الإحتلال تُطرح ملقاً وكأنها قضية فيها نظر إذا لم توافق حكومة العملاء، هذا مع العلم أن الشعب يعرف بأن أمر متخذ وقد إستوى بينهم. منذ نهاية الحرب العالمية لم تنسحب أمريكا من قواعدها بل توسع إنتشارها كونياً مع الفارق في الظرف، إن كفاح الشعب العراقي بكل الوسائل هو الذي سوف يدفع أمريكا الى إتخاذ قرار الإنسحاب.

لقد تأسد العملاء على سكان أشرف العزل، وهذا الوضع الإجرامي يدفعنا الى تأكيد إشارة فكرية بين قوى الشعب تفيد بأننا نبلغ الرقي الحقيقي سياسياً وإنسانياً عندما نرفض إذلال حتى عدونا عندما يقع في أسرنا، ونرفض الإنتقام أو الإذلال حتى لخصومنا من قبلنا أو من قبل طرف آخر أياً كان. وعندما ندعو للكرامة فهي كرامة للجميع، وعندما ندعو الى أن تكون مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان مسألة مبدأ، وليس شعار يرفع حين تكون هنالك مصلحة، ويحرق عند إمتلاك بعض مظاهر القوة. إن القوى السياسية الرخوة في بلادنا لا تدافع عن أحد إلا حين يكون ذلك الدفاع دون مسؤولية ومبرراً لمصلحة ما، وفي غالب تكون مصلحة من النوع الرخيص.

من العار أن تتحول قضية لاجئين الى لعبة تمويه ومصالح سياسية.
وليعلم كل من يساهم في هذه اللعبة المجرمة بأنه يرتكب جريمة ضد الإنسانية.
إن شعب العراق لا يذل مستضعفاً شريفاً خانته الظروف.
ولنا يا سكان أشرف عزاء في محنتكم الراهنة بأن قطاعات كبيرة من شعبنا قد تضامنت معكم، وهم وأنتم في محنة كبرى واحدة.
وليعلم خدم الإحتلال بأن دائرة المخدوعين تتقلص يومياً، ولسان حال الناس يقول من باع نفسه مرة لا يوجد ضمان من أن يبيعها مرات أخرى، وهو غير جدير حتى بأن يلبس ثوب الوطنية زوراً، ومن يظلم لاجئاً غير خليق بالوقوف بوجه المحتل حتى بالكلام بعد توزيع الأدوار مع المحتل.
لا نامت أعين الجبناء.