ملاحظة أولية الى ثلاثة و رابعهم بصدد الشكوى ضد مجلة الآداب البيروتية


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 2256 - 2008 / 4 / 19 - 09:57
المحور: الصحافة والاعلام     

لم أتوقع أن يُزج الرفيق "عزيز محمد" وسط معركة قضائية معروفة الأسباب والنتائج ضد مجلة الآداب (البيروتية موقعاً والعربية والتقدمية والإنسانية فعلاً ودوراً) بهذه السهولة، وبصفته الأمين سابقاً على أسرار حزبنا ـ الحزب الشيوعي العراقي قبل مهادنة الاحتلال، وأن يُجرجر معه إثنين من أعضاء المكتب السياسي السابقين، وأن تـُنتزع منه شهادة عجلى، خاصة وهو يعلم بأن الهدف من هذه المعركة (الشكوى) مجرد محاولة بائسة ورعناء لإخراس الأصوات الحرة المساندة للشعب العراقي المحتل، المحتل قهراً وعدواناً، وأيضاً محاولة فاشلة قطعاً لإخراس ولتخويف بقية الأصوات المتألمة على شعبنا، الشعب الذي أكد بأنه باسل على الرغم من هول المعركة وضخامة آلياتها العسكرية والمالية والاعلامية والنفسية والتجسسية والتجنيدية الموظفة فيها من جانب المحتل وحلفائه، ومن جانب بعض القوى المحلية التي غامرت بشرفها من اجل أوهام مكاسب، او من أجل آمال زائفة، هذا الى جانب أن الشكوى إنطوت على محاولة تبرئة شخص دون وجه حق، وبما يضر بمصلحة الحزب وسمعته وعلاقاته وتاريخه، وإنها شهادة تجاهلت وحدة المصير والضمير والوجود المشترك بين مواطني البلاد العربية، وتجاهلت أيضاً موقع العراق في نفوسهم وذاكرتهم. أليست بغداد في يوم ما كانت عاصمة الكل وحاضرة الدنيا جمعاء.

وألا يكفي أن الشكوى موضوع الحديث مرفعة من شيوعي سابق، ومستشار حالي لـ (رئيس جمهورية العراق) تحت خيمة الاحتلال، مستشار الى جانب لواء الإستخبارات السابق "وفيق السامرائي" وغيره من جماعة "المستشارين"...، ولكن مع هذا طرحت إستدراكاً مع نفسي حول إستدراجك، مفاده: أنهم كما نجحوا في جرجرتك لمقابلة الحاكم المدني للإحتلال "بريمر" قد نجحوا هذه المرة أيضاً في سحبك الى هذه الدعوى، ولكن سحبك ليس الى الذروة أو السفح وإنما الى ... كما فعلوا في المرة السابقة، وأقول لك هذا التقدير بكل حرص وإحترام لأيامنا المشتركة السابقة على الأقل...

ولأننا لم نتصادف سوية خلال هذه السنوات العجاف الأخيرة، وبعد إحتلال الوطن، وهتك الأعراض، وتكديس البشر في السجون والمقابر، وسرقة الزرع والضرع، وأمن البيوت والمدن والتاريخ والقتل المجاني والمفخخات وحتى الجرائم التي لا تخطر على بال إنسان سوي ووو... هذه المآسي دفعتني للسؤال عما يدور في خاطري حول بعض مواقفك، وأقول: لا أعلم هل هزك اللقاء مع "بريمر"؟. وأقول إبتداء عن حسن نية: هل هذا الشعور الذي إفترضه فيك قد ساعد هذا المتعجرف الغازي على الشعور بالإنقباض عند ذهابك إليه؟ ربما أن هذا الرجل المرعوب من رد فعل العراقيين على الاحتلال، وبحسه الأمني لم يثق بك، ورأى فيك بقايا شبح من شبح فهد، أو حتى من الراحل برجينيف، مما ترك عنده شعور بعدم الإرتياح، أو خانتك القدرة على الإقناع، والإنشراح أمامه، ليشير الى شيء من هذا في مذكراته، وهذا هو بعض من تفسيري لجملة وردت في مذكرات هذا الجاني بحق شعب العراق، حبذا لو عرفت ذلك منك على سبيل العلم بالشيء.

وقعّ الدفاع المشؤوم معك عضوا المكتب السياسي السابقين (كريم أحمد وعبد الرزاق الصافي) ولم أتوقع إعتراضاً من "أبي سليم" عند الطلب منه للإدلاء بشهادته، ولم أستغرق كثيراً في البحث عن أسباب موقف "أبي مخلص"، كما لم أستغرب منه ذلك لأسباب كثيرة معروفة لكم جميعاً، ولكن على أي حال بدفاعكم المستميت ـ ربما إكراهاً ـ عن "فخري كريم" قد نقلتم القضية بأكملها الى المستوى السياسي بحكم المواقع في الحزب التي إحتلها الثلاثة (أنت وهما) في ذلك الحين الذي يجري الحديث عنه، وهنا أصبحت مقولة التمسك بقواعد الصراع الفكري في موقع وحالة يُرثى لهما وعليهما، والصمت يعني المشاركة في حالة شائنة من جراء تزكية "فخري".

يا "عزيز" هل أنت غير مطلع على الخروقات المالية؟ على الأقل أستطيع التحدث عن بعض التحقيقات التي أنت على إطلاع تام بها، والتي طالب أصحابها بإيداع رسائلهم عندي شخصياً، وللتاريخ عند الضرورة، ومن واجبي الأخلاقي أن أصرح بذلك اليوم، خاصة حول تلك الرسائل المتبادلة مع "فخري"، وقد أخبر هولاء الحزب رسمياً بذلك، أي بما أقدموا عليه.

وهل يا "عزيز" أن "فخري" هو الذي حصل على تعاقد لدعم "الثقافة الجديدة" من مجلة "السلم والاشتراكية"؟. وماذا عن سحب مسؤوليته عن "الثقافة الجديدة" في دمشق نتيجة لضغوط من داخل الحزب؟ وقد أظهر ذلك الإجراء ضعف "فخري" وقلة شطاريه وحيلته وحتى مستوى مهارته المهنية، وتحول الى عاطل عن العمل، وكان حبل نجاته الإحتراف الحزبي على الأقل الظاهر لنا حيث لا موراد معلنة عنده، وأنت أعطيته الضوء الأخضر لتأسيس مجلة "النهج" الناطقة باسم الأحزاب الشيوعية العربية، وأنت تعرف ما رافق ذلك من مشاكل مع الأشقاء، ولكن على الصعيد الشخصي ذلك أطلق يد "فخري" ودون حسيب أو رقيب، وضاع الخيط والعصفور، مما أثار إستياء الأشقاء، إلاّ أن المشاكل حـُلت نتيجة لسمعة الحزب، وأيضاً على طريقة سوق الحميدية وشارع الحمرا، وهناك ظروف أخرى ساعدت في تكدس الأموال حيث أغدقت موسكو الأموال على "النهج" بفعل تطابق المصالح بين التحريفية "الغورباتشيوفية" و"البيريستورويكا ـ تها" من جهة و"المستعدين" كما قلنا قبل 20 عاماً بإستبدال النجمة الخماسية بالنجوم المتعددة على الضفة الأخرى من الأطلسي من الجهة الأخرى، وقد أقيمت الندوات والمؤتمرات لنشر مفاهيم "غورباتشيوف" التصفوية التحريفية المتسربة من خلال عباراتها وشعاراتها الغامضة وغير الجدية حول العلانية والشفافية وغيرهما من سلع غورباتشيوف ويلتسين وغيرهما، من أجل تدمير الحركة الشيوعية، ليس في الاتحاد السوفيتي وحده بل وفي كل مكان بما فيها البلاد العربية، وهذه الأموال التي أتخمت البعض قد وصل رذاذها الى بعض أعضاء اللجنة المركزية في إجتماع برلين الإستثنائي للحزب، ذلك الإجتماع سيء النتيجة والممارسة والصيت.

كتبت منذ إنفجار الأزمة الأخيرة بين الكاتب والمناضل العربي الذي يهمه مصير العراق وكرامة شعبه وبين أطراف أقل ما يقال عنها إنها لم تقيم وزناً للوطنية العراقية، ولا لشرف الأمة ومستقبلها، وذلك من خلال تصريحاتهم المعلنة بمناسبة ومن غير مناسبة، وأقول هذا ليس إعتماداً على تفسيرات وتقديرات الآخرين أو "إفتراءاتهم" عليهم، أو من خلال أحاديث في غرف مغلقة لا يمكن إثباتها بوثيقة ما.

نعم نازعتني رغبة شديدة لإدانة نقل الصراع حول تقدير المواقف والآراء والأفكار الى القضاء، كما فعل فخريكم، فعوضاً عن تبادل الحجة بالحجة، والرأي بالرأي، هرول الى المحاكم. ونقول له بأن أصحاب الفكر شجعان في الدفاع عن أفكارهم، وهذا ينطبق على القائمين على مجلة الآداب المعروفة والمرموقة، التي لم يقدم لها البنتاغون بنساً واحداً، وأخشى أن أقول فلساً واحداً خشية ألاّ يفهم قصدي من جانب حديثي النعمة، خاصة إذا كانت النعمة من مصادر اجنبية، وفي عهد بناء الديمقراطية تحت حراب المحتل، ومن دم أبطال العراق ومدنه الخوالد: "فلوجة" البطولة، و"ثورة" الكادحين، كما هو حال في كربلاء والبصرة والموصل، والسليمانية اليوم وغداً أيضاً، ولا أتجاهل أربيل العزيزة، خاصة وقد أقحمت المدينتان (أربيل والسليمانية) بما لا يريد ضميرهما الجمعي الحر والعراقي الأصيل. أما فيما يتعلق بالعراقيين عامة أقول: فمن واجه بهجت العطية وناظم كزار وصولاغ وبقية المجرمين لا يخشون أرانب أو قطط التربية المنزلية مهما كانت متخمة وسمينة.

نعم لقد شعرت بواجبي تجاه الشهداء في قبورهم، وتجاه الثكلى والأرامل، وكل من إنتهكت كرامته وحقوقه، وعلى أساس كل ما تقدم إتخذت قراراً بالإعتذار من السيد "سماح يوسف إدريس" بإعتباري من أكبر الشيوعيين العراقيين سناً وأقدمهم بين الأحياء في عضوية الحزب على الاطلاق، لأقول له: أن أحرار العراق والشيوعيين الحقيقين الفهديين منهم تحديداً يشعرون بالإمتنان لتعاطفك مع شعبهم، وهو في ذات الوقت شعبك كما شعب لبنان شعبنا، وهذا بعد إعلان التقدير البالغ لدور مجلته المناضلة، التي خدمت الفكر والإبداع التقدميين، ونضال البلاد العربية عامة من أجل التقدم والحرية والسيادة.

لم أتعرف شخصياً على السيد سماح، ولكن الذي أعرفه معرفة يقينة أن أجيالاً من المناضلين في حزبنا وحوله كانوا يحتضنون مجلة الآداب وكأنها من متطلبات مدرستهم الثورية، التي تقوم على مبدأ صيانة حرية واستقلال الشعوب صغيرها وكبيرها، وعلى قيم التضامن، ولكنني مع هذا لم أرسل خطابي الى الدكتور إدريس الإبن، وقلت لرفاقي ولنفسي أنا أحد المناضلين السياسيين، ولست من العاملين في الحقل الثقافي، بالمعنى الضيق للكلمة، وكل معاركي تقوم على أساس سياسي وفكري وليس لإعتبارات ثقافية مباشرة، أو لما قد تبدو معركة شخصية، حتى ولو بهامش بسيط، على أهمية هذا الهامش والميدان الثقافي ككل، وفي كل الأحوال والحالات.

لقد ترددت في إرسال إعتذاري للأخ سماح كي لا يبدو الموقف وكأنه خوض معركة ضد "فخري كريم"، علماً إني لا أشعر بتقصير في كشف مواقف هذا الناشر وتصرفاته في الصحافة الوطنية وفي نشرنا الداخلي منذ عقدين على الأقل، ولكن على أساس الإعتبارات الحزبية والفكرية، وكل ما هو مشروع، وبروح أعتقد أنها كانت موضوعية جهد المستطاع.

وصلتني مناشدات على صدر الصحافة، وفي مكاتبات مباشرة من عدد مرموق من الرفاق والمقاتلين السابقين في حركة الأنصار يطالبون فيها بشهادتي فيما جرى وما يدور حول "فخري" وحول إفتعال الأزمة الأخيرة مع مقال لمجلة الآداب، ووصلتني رسالة في وقت سابق من الكاتب العراقي التقدمي "جمعة اللامي" إبن ميسان الدامية اليوم، يطلب فيها شهادة صادقة ونزية حول ما تعرض ويتعرض له المثقفون في وحول حركتنا وحزبنا من بعض قادتنا الحزبيين، وكما تعلمون بأني لا اشير الى رسالة شخصية في أي حال، ولولا إن السيد اللامي نفسه شاء أن يضعنا على المحك لقول الحق حلواً أو مراً، أو هذا وذاك، وعلناً، ويقيناً أنكم إطلعتم على هذه المطالبة ومطالبات أخرى كثيرة غيرها منشورة في أماكن عدة، أنا شخصياً أريد أن أقول كل شيء، ولكن بما لا ينحدر الى مستوى المماحكات الشخصية والإبتذال والتشهير، ولكن إذا كنّا في موقع الرد، أو فـُرض علينا الرد، أو أخذت بعض القضايا الشخصية بعداً سياسياً يمس نضالنا الراهن ضد الاحتلال، أو حياة الناس، فعند ذاك نقول كل ما نملك بأمانة وشرف وشعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية والحزبية، كما نسعى الى تحقيق توازن وموازنة عادلة في نشر الحقائق مع الحفاط على المعايير السالفة الذكر على أن لا تكون على حساب الحقائق نفسها، ولا على حساب مشروعية مواصلة النضال ودفعه الى أمام، ولا على مهمات إعادة البناء لنكون قادرين على الوقوف مع الشعب من أجل كنس الاحتلال، وعزل خدمه من كل الأنواع والمراتب، إن التريث في فضح المواقف الباطلة له أصوله ووقته، وهذه عوامل لا تدخل في إطار حجب المعلومات عن الشعب أو عضوية الحزب وأصدقائه.

على الصعيد العام، الوطن تعرض لإحتلال غاشم بإعتراف المجتمع الدولي والمحتل نفسه، ولا توجد بشاعة على المستوى الفردي أو العام أبشع من بشاعة الإحتلال نفسه، طبعاً فيما عدا محاولات تسويقه، أو التستر عليه، أو خدمته، والتاريخ لا يرحم في هذا المجال.

أما ما حلّ بالشعب العراقي فلا يحتاج الى دليل، كما لم تعد أدوار الأفراد والجماعات بسر على أحد، وعلى الثلاثة وحتى رابعهم أن يعرفوا بأن الشعب ورجال الفكر الذين هم مصابيح رائعة تضيء طريق الشعب والطبقة العاملة يقارنون بين الحمية المتوقدة من ثلاثتكم على كرامة "فخري كريم" وتناسيكم كرامة ومصير الشعب العراقي كله، مشكورة مساهمة مجلة الآداب في هذا المجال، ولا يقلل من أهمية مساهمتها الشريفة قولي بأن الشعب العراقي وجميع الشعوب الحرة تعرف الكثير الفادح مما يحل بالشعب العراقي وأدوار الخونة وحتى إجورهم بما لا تستطيع أية مجلة إستيعابه حتى ولو خصصتكل صفحاتها للشأن العراقي.

إطلعت على شهاداتكم المجروحة، وحزنت عليكم ولأجلكم، وكان من الأنسب أن تطالبوا "فخري" بأن يقدم شهادة ملموسة ليس على غرار تلك التي طرحها عبر قناة العربية، خاصة في الجوانب المالية حيث تحدث عن دعم مالي من هذه الجهة وتلك، وعن حجم المالية، ولكنه لم يحدد الفترة التي يغطيها المليون دولار الذي وصفه بأعلى مبلغ وصلت إليه مالية الحزب، وهل هذا المبلغ هو عائد شهر أو سنة أو مجرد أعلى رقم وصلت إليه المالية على الإطلاق، وما الى ذلك من أسئلة، ما دامت القضية قد أصبحت قضية رأي عام من خلال الصوت المرتفع لـ "فخري".

ولا أسمح لنفسي بالصمت بعد تلك الشهادة "شهادتكم" التي طـُرحت أمام الشعب، ولأن الفترة موضع الحديث كنت فيها بموقع يفرض على من كتبوا تلك الشهادة إطلاعي على العوائد المالية، بما فيها التي صرح عنها "فخري" لتلفزيون "العربية" وغيره، وإنه مجرد عدم علمي وبقية المسؤولين في القيادة بها يعني أن ثمة شيء وراء الوراء أو خلف الزاوية، هذا من حيث المشروعية الحزبية والسياسية.

لقد فضحت قضية السياسة المالية للحرب، وما يحيطها من لغط في رسائل علنية قبل 19 عاماً والى اليوم من الزاوية السياسية وتأثيراتها التنظيمية، ولما طـُرحت هذه المسألة اليوم وبهذا الحجم أمام الناس بات من المسؤولية الفردية والأخلاقية لـ "فخري" وللحزب رسمياً أن يطرح الحسابات أمام أعضاء الحزب والشعب إذا كانت هنالك إمكانية لدحر "الأكاذيب" كما تدعون، وإن شرف الحزب في كل الأحوال أغلى من كشف بعض الأسرار المالية، خاصة وإن "فخري" تحدث عن هبات لا يعرف بما المكتب السياسي للحزب أو على الأقل أهم غالبية أعضائه.

لست بصدد إتهام المومى إليه بمريض حب الشهرة، بغض النظر عن نوعها، ويبدو من خلال السيرة الذاتية له فلا مانع لديه، بل يستطيب، أي شهرة حتى ولو كانت "شهيرة" وحتى ولو كانت شهرة في الحضيض وليس في القمة، وقد وأفشى لبعض خلانه بأن هنالك نقطة قد يفقد الإتهام ضده قيمته من جراء التسرب، أو التكرار، وما ترشحه الذاكرة، وما الى ذلك. وأحيانا يُحاجج بأنه مستهدف من الآخرين بفعل جدارة دوره الاستثنائي، وهذه حجة مردودة للغاية حيث تفيد وقائع اليوم والأمس وربما المستقبل، بأنه لم يحصل في تاريخ الحزب وحتى الشعب ككل أن تعرض شخص لهذا الكم والنوع من الإتهامات ولنقل حتى ـ التشهير ـ ونسأله ومعه شيوخ الطريقة الجديدة في العمل الثوري ـ أي العمل الثوري تحت رعاية "بريمر" ومن جاء من بعده ـ نسأل الثلاثة (بعد أن مسّ "فخري" في أكثر من مناسبة وحدث بسمعتهم وكرامتهم وتأمر عليهم بمن فيهم بل في مقدمتهم كبيرهم): هل "فخري" إجدر من فهد وسلام عادل والحيدري وتوفيق منير وكامل قازانجي وضاري المحمود ومحمود الحفيد والجواهري والرصافي والزهاوي والشبيبي وضياء الخطيب الهيتي وعبد الكريم الماشطه وماجد أمين وعبد الكريم قاسم وأحمد صالح العبدي أو أي شخص آخر عرفته الحياة السياسية أو العلمية أوالدينية في البلاد، ومن كل الإتجاهات والمواقف الفكرية والسياسية، وفي كل الفترات التاريخية بمن فيهم أنتم الثلاثة، أو حتى بعض الموظيفين عند المحتل بمن فيهم أترابه من مستشاري الرئيس و"الرئيس" نفسه، هل "فخري" أجدر من كل الناس، الأحرار منهم والخونة، لتشن عليه كل هذه الحملات بقصد حرمان الشعب والحزب منه، ومن عطاءاته التي لا تنضب، ومن روائح العطرة وكرمه السخي؟.

إني أسعى الى إيقاف هذه المهزلة (الشكوى) الآن وفوراً، وأقول للثلاثة ورابعهم: هل تريدون أن تأتون على آخر ما تبقى لحزبنا من شرف ومجد ومآثر؟. وأعني هنا تحديداً الماضي المجيد حيث لا أمجاد حالياً ولا حتى (قول قرد)، لم يبقى شيء مستور من موبقات هذه الأيام والأيام الخوالي؛ الموبقات التي فاحت في أوساط الحزب وأصدقائه وأمام عامة الجماهير، تعرفون لو صارحتم أنفسكم حول هذه "الدعوى" وأضرارها، وأين هي من معانات وهموم شعبنا، ومن ماذا يعاني البلد، وحجم الأضرار التي لحقت بنا وبكم من جراء تلك الشكوى الصبيانية لسارعتم الى إيقافها، ليس من أجل السيد "سماح إدريس" وتصحيح العلاقة معه، ومع عامة المثقفين غير المأجورين في آلة العدوان، ومن أجل الحفاظ على الأقل على الذكريات الطيبة لتضامن المبدعين في البلاد العربية معنا، بل على الأقل من أجل ألاّ يحتل السيد "سماح" الذي صنعتم منه عدواً وهمياً هذه المكانة الكبرى في ضمير كل من يناضل من أجل حرية الكلمة، هذا اذا كنتم كارهين له الى هذه الدرجة الفظيعة.

إن خطوة "فخري" إستكملت رسم خط الدائرة الشيطانية للحط من مكانة الحزب عربياً، علماً أنكم اليوم مجرد أحد أطراف الحركة الشيوعية في العراق، والطرف الذي يتحمل مسؤوليات خطيرة، ويعتمد في بقائه على الآخرين، وهل يليق بتاريخكم وبكم ممارسة الدعوة للديمقراطية من خلال محاكمة الفكر عبر القضاء، وليس عبر الحوار بين الجماهير، وتكون أداتكم للوصول إليها ـ أي الديمقراطية ـ عبر المحتل المتحالف مع القوى الظلامية... هل هذا ممكن؟ وهل يمكن لحزب يدعي أنه حزب الطبقة العاملة أن يتحالف مع برجوازية الطوائف ولصوصها ضد الكادحين ومدنهم، علماً أن هذا الحالة الرعناء وسلوك البرجوازية الطفيلية العميلة قد بات يغطي العراق بأسره، من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، أليس كذلك؟ وإذا كان عندكم غير ما نقول، نطلب طرحه على الناس ... أفتونا!.

لو كنتم حقاً لا تريدون الانتقام من "فخري" ـ وهنا لا أحرضه عليكم. لا تخافوا ـ لطلبتم منه سحب شكواه، وهي على منوال (ضربني بكى وسبقني وإشتكى). لأنها خاسرة، هذا على الصعيد الشخصي، ولكن الكارثة الكبرى في الصعيد العام حيث ساهمت هذه الدعوى في تحويل حزبنا في نظر المبدعين العرب ـ وطبعاً لا أضع بينهم كتاب البترودولار الرخيص، ولا المترجمين المرافقين للإحتلال حيث تغتصب الكرامة العراقية ـ لأن ملف هؤلاء من فحم. وأرجو ألاّ ترفعوا دعوى ضدي تحت طائلة المساهمة في تشويه سمعة "المحررين". وعلى أية حال الوثائق بهذا الصدد وغيره كثيرة حتى لو رفعتم الدعوى في واشنطن، وليس في رمز حرية الكلمة العربية من الناحية الموضوعية والتاريخية بيروت العظيمة، على رغم من كل مصاعبها، وسوف تظل بيروت عصية على كل غاصب ومحتل ومحتال، وذلك بأبنائها من أمثال "سماح" وبحب الأحرار لها وليس الفاسدين، سوف تظل شعلة للتنوير الذي لا يخمد نوره.

لقد قرأت مساهمة الرفيق "باقر إبراهيم" عضو المكتب السياسي للحزب سابقاً الى جانب مساهمات طيبة أخرى حول بعض الجوانب المتعلقة بقضية محاولة تخويف مجلة الآداب، وفي مقالة "باقر" بعض الإشارة الأمنية بصدد "فخري كريم" و"عادل حبه"، وفي إتصال هاتفي مع الرفيق أجريت بعض التذكير بحادثة أخرى غير الحادثة المروية في مقالته، وذكرت الرفيق بمحاولة إعتقال المذكورين بعد لقائهما مع موفد إيراني في بغداد، والإتهام الخطير الذي وجه لهما بعد اللقاء، والإشارات الى العلاقة بينهما والدولة الايرانية، والذي أنقذهما أن النظام السابق كان بحاجة الى التحالف مع الحزب، وربما من أجل إنعكاس ذلك على العلاقة مع السوفيت كما يعتقد النظام، وقضية طلب مكتب صدام لأعداد من الثقافة الجديدة من "فخري" مباشرة، وإعتقال "عادل" في إيران، وتدخل الرئيس الأسد الأب، والملابسات المحيطة بهذه القضية وغيرها، وقد أشرنا في وقت سابق الى شهادة أو معلومة قـُدمت لنا من نائب سابق لمدير الأمن العام العراقي، قدمت للحزب في الشام، ولكن في وقت أصبح فيه فخري أقوى من الحزب كله بفعل عوامل لا تتعلق بجدارته، ولا ضعف الآخرين، ولكن بظروف الإستضافة، ولنا عودة الى مثل هذه الموضوعات عند الضرورة، هذا مع إتفاقي مع الجوانب الأخرى في المقالة المشار إليها، وقد أكد الرفيق من جانبه ما ذهبت إليه.

وبصدد التواطؤ مع المحتل على امل الديمقراطية نقول إنها ذريعة خسيسة، فالذين خانوا مرة يخونون مرات، وكما معروف عند الجميع أن الأنانية أقصر الطرق للغدر، والذين يؤمنون بالجواري غير خليقين بالدفاع عن حقوق المرأة، والذين تورمت جيوبهم من السحت الحرام غير جديرين بالدفاع عن حقوق الكادحين، والذين سكتوا على الظلم داخل صفوفهم أو مارسوه غير مؤهلين لبناء مجتمع الحرية والعدل، ومن هانت عليهم كرامة بيوتهم لن يدافعوا عن شرف العراقيات والعراقيين وبيوتهم، وعن الجار والأخ في العقيدة والدين والمذهب والقومية، أنه عالم وقيم المصالح الواطئة في صراعها الدائم ضد نقيضها.

أقول من خلال التجربة الملموسة وحسب، بأنه في كل حزب توجد أو تظهر فئات في حياته العملية أو النضالية يمكن توزيعها على ثلاثة مراتب، أناس سخروا كل حياتهم للحزب المعني، وآخرون سخروا كل الحزب نحو خدمتهم، وهناك فئة ثالثة هي بين بين، وينطبق عليها قول "ساعة لي وساعة لربي" وفي الغالب ينطبق على هؤلاء وصف "لا غالب ولا مغلوب" وأحياناً تتأرجح هذه الفئة بين المرتبتين. ونعود الى تلك المراتب في الواقع العملي، فالأولى هي التي تضحي وتجترح الأمجاد، والثانية هي التي تستثمر التضحيات، وفي الغالب تـُحرف الواقع والوقائع والنتائج، وأحياناً ببشاعة تثير القشعريرة في أصلب الأبدان، وهي لا تتورع في البيع والشراء، وتظل الثالثة على الهامش، وأحياناً تتنقل هنا وهناك، أو تعيش أسيرة لقوة العادة، وأقرب ما تكون الى الجثة الهامدة.

وأخيراً، من الناحية العملية يتبنى الحزب الشيوعي (جناح فخري) صيغة جديدة لبرنامجه الجديد الذي يجنح الى أيديولوجية ما دون الاشتراكية الديمقراطية، ويمارس اللعب على الحبال الخطيرة دون إعلان عن ذلك علناً، أي فقط دون وضعه في العنوان الرئيس لصحافته التي لم تعد حمراء، ويعتمد على التحالفات مع القوى العرقية والطائفية وحتى الإمبريالية (تجربة مجلس الحكم وما بعدها)، ويستثمر الظروف الطارئة حيث محنة الشعب ومناضليه.

في الختام:
أطلب بحزم سحب الشكوى ضد مجلة الآداب ومسؤوليها فوراً، وإذا كان موعدها يحلّ غداً فتسحب اليوم، لأن إستمرارها يـُعد إهانة، على الأقل، لماضينا المشترك وإلاّ أكون في حل من التقييد بقواعد مسك اللسان من أجل المصلحة العامة، ولحد ما من أجل المصلحة الحزبية الضيقة، وإن شهادتكم أيها الثلاثة ودفاعكم عن "فخري كريم" قد وضع القضية في إطار سياسي لا يمكن السكوت عنه. هل حقاً لا تدركون ما أصاب سمعة الشيوعية في العراق من جراء تلك البهلوانيات العابرة والرعناء والخائفة في ذات الوقت؟.

إني اليوم أتريث من أجل الرفاق ذوي النوايا الطيبة، والذين ما زالوا يعتقدون بأن التواطؤ الذي يطبع سلوك البعض مع المحتل والقوى العرقية والطائفية مجرد شطط وليس منهجاً، وعلى الرغم من قناعتي بأنه أبعد من ذلك، وإن الزبد يذهب جفاء، ويبقى الحزب الذي هو من طراز فهدي ثابت في الضمائر والقلوب، ونسعى ليكون في الساحات أيضاً مع الفقراء والكادحين من زاخو الى الفاو.
ولن يضيع حق لشعب يقاوم ..
ولا نامت أعين الجبناء وتجار الحروب والظروف...
وأخيراً أسأل الثلاثة:
أين موقع ترهات الدفاع عن فلان من محنة الشعب العراقي؟.
يا حسرتاه على حال من غرقوا في صغائر همومهم وفقدوا الإحساس بمعانات الضحايا من أبناء شعبهم.