عواصف هوجاء تتعاقب على بلادنا


ارا خاجادور
الحوار المتمدن - العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 15:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لم نعترف بكل مبررات العدوان الأمريكي البشع عام 2003 على بلادنا قبل وبعد العدوان، ومن ثم لم نعترف بكل الخطوات، التي إتخذها الإحتلال وإفرازاته العدوانيه المشؤومة: إكذوبة تصدير الديمقراطية، صناعة الدستور الملغوم، خياطة برقع برلمان، لجنة الإنتخابات "المستقلة" التي مهدت شكلياً لتشكيل الحكومات المتعاقبة من المتعاقدين مع المحتل، وقاومنا مع أبناء شعبنا العدوان بكل ما نستطيع.

وأكدنا ونؤكد الآن أيضاً على أن كل ما قلناه سابقاً كان ينطلق من حقيقة أن ما جرى ويجري هو إستهداف للشعب العراقي في حاضره ومستقبله، وحتى ماضيه، ولن يكون في مصلحة أي جزء من أجزاء الشعب العراقي، والشواهد على ما نقول باتت موضع إعتراف حتى من جانب الإحتلال نفسه، وأحياناً من بعض السائرين في ركابه. وتواصل نضالنا ضد المحتل والمتواطئين المحليين معه أفراداً وجماعات وأحزاباً.

وتواصل الرفض الشعبي، وتواصلت حركة مقاومة المحتل بكل الوسائل المشروعة من أبسطها الى أرقاها، واليوم يتواصل النضال ضد تركة الغزو وآثاره الدامية والمجرمة والتخريبية ونفوذه المستتر منه والبارز، وتواصلت تحذيراتنا من مخاطر المحاصصة، وزرع وتغذية الطائفية، والتعصب العرقي، وسرقة المال العام، وتدمير ركائز إقتصادنا الوطني صناعة منها وزراعة. وعملنا كل ما في وسعنا أيضاً لفضح تضاؤل وإنحسار الخدمات العامة بكل مجالاتها.

واليوم كما في الأمس نقول أن جميع الذين شاركوا في المشروع الإحتلالي مسؤولون مسؤولية سياسية وأخلاقية وجنائية عما حلّ بشعبنا، ومنذ البداية حذرنا من إكذوبة ما أطلقوا عليه "العملية السياسية"، والتي هي في الواقع وصفة مخادعة ومحسنة لوصف الإحتلال نفسه، ومن ثمة نتائجه وتأثيراته ونفوذه.

الى يومنا هذا لا نجد بين "القادة" الذين إستجلبهم الإحتلال من يستحق الذكر، وتوجيه السخط إليه بالإسم، ونعتبر ذلك من سخرية الأقدار، ومن المعلوم أن الشعب ساخط عليهم جميعاً، ولكن لضرورات مواجهة خداع السلطات العراقية، التي نصبها الإحتلال مباشرة أو عبر وسائله، التي باتت مفضوحة، بات علينا واجب التحشيد ضدهم والتحريض والدعاية السياسية والنضال السياسي وبجميع الأشكال الأخرى الممكنة ضدهم. ولا ينبغي أن يقوم ذلك النضال والتحرض أو يقف عند الخطوط العامة للنضال السياسي والإقتصادي أو الوطني العام، وإنما يتطلب الخوض في التفاصيل، بل تفاصيل التفاصيل، وبالإسم عند الضرورة، والتحذير من الإستباحة العامة لحقوق شعبنا وخلق مخاطر أشد إلتهاباً، وفي مقدمة ذلك سعيهم الى إفتعال الأزمات المنطلقة من دستورهم الملغوم، والى خلق حرائق جديد تكون أكثر بشاعة من المآسي السابقة، ومن الآن نقول: سوف لن يخرج أحد منهم يستطيع حتى الإدعاء بأنه رابح.

إن تطوير أساليب نضالنا قام على حقيقة أن الإحتلال بدأ يدير لعبته عبر بعض القوى والأسماء المحلية، وإن هؤلاء لم يكتفوا بسرقة المجتمع ومستقبله، وإنما أيضاً بدؤوا يمارسون ألعاباً خطيرة للغاية على مختلف الأصعدة الوطنية والعربية والإقليمية. حيث كان العدوان الأمريكي ينفذ مشاريعه عبر قواته العسكرية ودسائسه، واليوم يمنح الغلبة للدسائسه السياسية، وعلى هذا الأساس نذكر من منطلق المسؤولية الوطنية أن سلاح الطائفية بدأت تخور قواه أمام تزايد الوعي الوطني بخطورته، وبدأ الإنتقال الى تجريب مواطن ضعف أخرى في وعينا الإجتماعي والوطني، لقد قلنا في مقال سابق حذاري من تحشيد القوى ضد الشعب الكردي، وفي هذا التحذير لا يوجد إي إنحياز للقيادات القومية الكردية المهيمة، ولكن ننبه الى الخطر الرئيسي الراهن، الذي يتهدد شعبنا من محاولات إستنفار المشاعر القومية العربية العادلة، ولكن في الأساس هو إستنفار زائف لتوجه تلك المشاعر النبيلة الى غايات بدائية وغير عادلة، بل معادية للعرب أصلاً، وببساطة نقول إن تاريخهم لا يوجد فيه ما يدل يوماً على أنهم من أنصار الحقوق القومية العادلة، ولقد إختبرت البلاد العربية سلسلة طويلة من أعمال المعادية لها. إن الحرب ضد الشعب الكردي هي حرب ضد العراق كله، وهي حلقة جديدة من حلقات تدمير العراق المنطقة العربية أيضاً.

نعم قلنا أن العملية السياسية الإحتلالية تتفجر من داخلها لأنها بُنيت على أساس التفريط بمصالح الشعب العراقي كله، وهذا الإنحدار الراهن في عمليتهم السياسة لم يأتي بمعزل عن النضال العادل لشعبنا بعربه وكرده وكل بقية مكوناتة ضد الإحتلال والمتواطئين معه، ولكن علينا في الوقت ذاته أن لا ننفي بأن للإحتلال أوراق إحتياطية أخرى في إثارة الإنقسامات المجتمعية في العراق والبلد العربية والعالم الإسلامي، واليوم بدأت تنكشف أحدى حلقاته الخطيرة.

إن حكومة المالكي تقرع طبول الحرب، وإننا نحذر من زج الجيش العراقي الحالي ضد أية فئة من فئات الشعب العراق، وهذا الجيش سوف يجد بين صفوفه من يقاوم في حالات غير قليلة الى جانب الشعب، ونفسر ذلك بأن العديد من منتسبه جاؤوا الى التطوع إضطراراً، ولأسباب إقتصادية قاهرة، حيث خلى الوطن من كل إمكانية لإيجاد فرص عمل في المؤسسات الإنتاجية بعد عمليات التدمير الممنهج لها.

إننا نقوّم ما يجري اليوم على أنه إستدعاء لعواطف الشعب العادلة في غير محلها، والمعركة التي يتم الآن إعداد مسرحها ليست معركة العرب أو الأكراد، إنما هي معركة طلاب الحكم والمصالح الأنانية الضيقة، إنها معركة القوى الطفيلية والقوى الإقليمية، التي تسعى لأدوار خاصة بها، أو لدرء مخاطر تحس بها على حساب العراق وإستقراره ورفاهيته وأمنه ووحدة شعبه. إنهم يريدون تمرير مشاريعهم البائسة على أساس التفريط بالمصالح العليا للشعب العراقي.

إن الأزمة العامة للرأسمالية تدفعها الى تنشيط تجارة بيع الأسلحة من خلال خلق بؤر توتر وحروب في أكثر من مكان ومنها العراق، وأيضاً مواصلة تدمير بناء الإقتصادي الوطني للدول التابعة لكي يظل إقصادها مجرد أسواق لهم.

إن الأزمة الراهنة بين ما بات يُعرف بالمركز والإقليم تدعونا الى أخذ العبرة من الماضي غير البعيد، حيث أن جميع الحكومات المركزية جرى إضعافها من خلال زجها في حروب ضد الشعب الكردي، وإن الذين يساعدون في الدفع بإتجاه الحرب هم القوى الخفيّة ذات المصالح المعادية لكل الشعب العراقي على ضفتي معادلة الحروب غير المثمرة السابقة والمحتملة، وإن جميع الحكومات لم تتوجه جدياً لمعالجة المسألة، حيث كان يجري منح الإمتيازات في مراحل الضعف، والتنصل منها في فترات القوة أو الإحساس بها، إن جوهر القضية لا ينفصل عن الفهم الصحيح للمسألة القومية، ودور المركز والإقليم وطبيعة العلاقات بينهما، وقضية الأرض، التي تبقى مؤجلة، ويجري إستدعاؤها عند الحاجة وعند الضرورة لإفتعال الأزمات، أو يجري تحريكها عند حاجة أصحاب المصالح المحلية والإقليمية والدولية.

إتخذت حكومة المنطقة الخضراء من قضية أشقائنا؛ اللاجئين السوريين ذريعة للتوتر الراهن في معبر الخابور، متجاهلة موقفها مخزي للغاية من اللاجئين السوريين في العراق، حيث غلق الحدود في البداية، وإعادة فتحها تحت ضغط ظروف داخلية ودولية، ثم جرى تحويل اللاجئين السوريين الى سجناء في المناطق الحدودية، وثم حملات الترهيب من خلال إتهام أعداد منهم بالإرهاب، دون مبررات فعلية، وإنما من أجل الحد من اللجؤء، وتقديم الدعم المعنوي لكل من يقمع شعبه، وأخيراً للتصعيد مع الإقليم في مناطق متنازع عليها داخل بلد واحد، وياللعجب العجاب.

نؤكد الآن كما أكدنا في الماضي على ضرورة الوحدة الوطنية بين القوى الصادقة في وطنيتها والمناضلة فعلاً ضد الإحتلال والمتواطئين معه، ولم يعد من المقبول إستمرار نزعات التفرقة غير الضرورية، في وقت يلاحظ فيه أي متابع أن القوى، التي دمرت البلاد، والمهيمنة الآن على مقاليد الحكم بسبب ظروف معلومة تتحدث عن الوحدة الوطنية في الوقت الذي يبذلون فيه الجهود من أجل إضعاف الروح الوطنية بعد أن أدركوا إستحالة تدميرها تدميراً مبرماً. علينا الإعتراف بالمقابل بأن القوى الوطنية الحقة لم ترتقي الى المستوى اللازم في ميدان التعاون المشترك، وفي التعبير عن مصالح الفئات المسحوقة من المجتمع، ولم ترتقي حتى الى مستويات سابقة على صعيد النضال الوطني أيام الوثبات والإنتفاضات والتحركات الجماهيرية الكبرى، هذا على الرغم من أن عصرنا الراهن يُقدم وسائل جديدة أثبتت بعض الشعوب، خاصة شعوب بلادنا العربية، قدرتها الرائعة والمذهلة على إستخدامها، وتوظيف كل وسائل الإتصال الحديثة في معارك الحرية والتقدم الإجتماعي وإستعادة الكرامة الفردية والعامة.

هل لنا أن نقول بأن التاريخ يُعيد نفسه مرتين؛ مرة مأساة وأخرى مهزلة، إن واشنطن تشجع الطرفين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم على الإحتراب، فكما دفعت الكويت ضد العراق، وشجعت الرئيس العراقي السابق صدام حسين على غزو الكويت، وذلك حين قالت السفيرة الأمريكية في بغداد أبريل كلاسبي: "إن اميركا لن تتدخل في الشؤون العربية – العربية." بمعنى إدخلوها آمنين. فاهو نائب الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم يكرر ذات اللعبة بعد إعلانه للقيادات الكردية بأن العراق لم يخرج بعد من إطار إلتزامات قرارات مجلس الأمن. ومن جانب آخر يطمئن المالكي، ويؤكد دعم واشنطن لبسط بغداد نفوذها على الحدود، وهذا نص ما نشره موقع إذاعة سوا الأمريكي في 2/8/2012: "بحث رئيس الوزراء نوري المالكي ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن في إتصال هاتفي اليوم التطورات الإقليمية وسبل تطوير العلاقات بين البلدين. وذكر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء أن بايدن أبدى تأييده لجهود الحكومة العراقية في تعزيز سيطرتها وإتخاذ الإجراءات الكفيلة بتأمين الحدود باعتبار ذلك شأناً خاصاً بالحكومة الإتحادية. من جهته، أكد المالكي ضرورة العمل على تطوير العلاقات الثنائية طبقا لإتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الجانبين، وشدد على أن العراق ماض في ضبط حدوده للحيلولة دون حصول أي إنتهاك يتعارض مع سياسة الحكومة الاتحادية القاضية بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومنع أي تسلل أو تحركات تسيء للأمن الداخلي.".

وبهذه الأوضاع ننهي كلمتنا بالقول: "فذكر إن نفعت الذكرى".