جنيف الثاني وصفقة تبادل الأسرى والطائف


ناهد بدوي
الحوار المتمدن - العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 11:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نستطيع أن نستشرف سمات مؤتمر جنيف الثاني من وقائع صفقة تبادل الأسرى التي جرت وقائعها مؤخرا في اعزاز. فكل وقائع تلك الصفقة تتحدث بأن السمة الرئيسية للمفاوضات التي سوف تجري في المؤتمر على نحو فعلي تتجلى بأنها مفاوضات بين أطراف غير سورية. وهذا يعكس جانب كبير من الواقع الفعلي للصراع على الأرض ويظهرالسمات غير السورية التي بدأ يتسم بها الصراع بعد مقتل خلية الأزمة في تموز عام 2012. فالنظام السوري كان مجرد منفذ مباشر لنتائج المفاوضات ولم يضف أو يفرض من جانبه أي اسم من أسماء رجال نظامه المعتقلين أوالمختطفين على قائمة تبادل الأسرى. وبناء على هذه السمة الرئيسية نستطيع أيضا أن نعرف لماذا تبدو تصريحات ممثلو المعارضة السياسية السورية المدعوون إلى جنيف خارج السياق.
أعتقد أنه منذ عام تقريبا نجحت الثورة السورية باسقاط النظام ولكنها لم تتسلم السلطة. الثورة السورية التي صرف فيها الشعب السوري طاقة تسقط عشرة أنظمة، لم يُسمح لها بتسلم السلطة، بل استلم الحرس الثوري الايراني السلطة والقرار ولكن مع إبقاء بشار كواجهة "للشرعية" الدولية ومن أجل "احترام" القانون الدولي!. واستنفر ذلك قوى اقليمية معادية لايران، لذلك غرقت الأراضي السورية في مستنقع من العنف والعنف المقابل بخصائص غير سورية، ولكن باستثمار واستغلال كل المكونات السورية. وعلى حساب دماء أجمل الشباب السوريين. منذ ذلك التاريخ تحول الوضع في سورية من قضية سورية تتعلق بثورة شعب يريد حريته ضد نظام ديكتاتوري إلى قضية من نوع آخر. تحول الوضع في سورية إلى صراع اقليمي ودولي على الأراضي السورية ووقوده الدم السوري و اتخذ منحى طائفيا بغيضا بين الكتلة الاقليمية الشيعية وبين الكتلة الاقليمية السنية. وأصبح هذا الصراع الجديد يولد مجموعات مسلحة متعددة الولاءات والانتماءات ومتقاتلة على البرامج الاقليمية والدولية مما يذكر تماما بالحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت بمؤتمر الطائف حيث تفاوضت القوى الأقليمية والدولية ودفع ثمن ذلك كلا من الشعبين اللبناني والسوري.
أما الثورة السورية فقد تحولت منذ نحو عام تقريبا إلى مقاومة، وانتقل ثوار الحرية والجيش الحر والحركة المدنية الثورية إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة المقاومة الشعبية للدفاع على الوجود السوري ضد حرب الإبادة والتدمير التي يتعرض له هذا الوجود. وأضحى ثمانون بالمائة من التنسيقيات وشباب الثورة في الداخل والخارج يعملون بالإغاثة لأن الشعب السوري تحول الى شعب منكوب بكل ما للكلمة من معنى. وهم يشكلون ضمانة استمرار مطلب الحرية للشعب السوري مهما طال زمن هذا المستنقع. وإذا كان ممثلو المعارضة السياسية بكافة تلاوينهم يعبرون قليلا عن الحراك الثوري فيما سبق، فهم الآن مقطوعون الصلة تماما عن الواقع السوري ولم يعد المطلوب منهم موقفا أو مساهمة في الحلول، بل أضحى دورهم يقتصر على ضرورة شكلية تتطلب وجود من يمثل المعارضة السورية في المؤتمر. تماما مثل شكلية ضرورة وجود من يمثل النظام فيه.
تتجلى الخصائص غير السورية أكثر ماتتجلى في المجموعات المقاتلة التي لم تفرزها الثورة السورية ولم تكن جزءا من مكوناتها في السابق. وتحمل أجندات مموليها، لذلك لم يكن غريبا عليها أن تقاتل وتعتقل وتختطف الثوار والناشطين. داعش مثالا. ولا يغير من الأمر شيء إذا كان الكثير من ثوار الأمس يشاركون ويقاتلون مع بعض هذه المجموعات سواء نتيجة التجييش الطائفي الحاد، أو نتيجة نقص الأسلحة والموارد لدى الجيش الحر وعجزه بسبب ذلك عن استقطابهم. وكذلك تتجلى الخصائص غير السورية في المجموعات المقاتلة التي لم تكن من مكونات النظام في السابق، وفي هذا السياق وحزب الله والمجموعات المسلحة التابعة للب ك ك وجيش الدفاع الوطني والميليشيات الطائفية.
الخصائص غير السورية في النظام تتجلى كذلك بالطائفية الجديدة التي يمارسها. كان النظام طائفيا منذ أربعين سنين ولكن بخصائص سورية. بغيضة ولكن سورية. كان طائفيا تحت غطاء الأيدلوجية القومية ويستخدم الطائفة العلوية للحفاظ على حكم العائلة المالكة. لكن العلويون الموجودون في السلطة معتادون على وجود السنة معهم في الحكومة حتى ولو كان وجود من الدرجة الثانية ولكنهم معهم على نفس الطاولات. لا بل على العكس يفضل العلويون الشراكة مع السنة على كثير من الأصعدة. أما التخلص من تركماني والشرع والبوطي وهم كانوا من خدمهم فهذه من خصائص النظام الايراني ذو المشروع الاقليمي الإيراني ولكن بايدلوجية طائفية صريحة وغير معتادة على وجود شريك سني مهما كان مواليا لهم.
أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تستنزف ايران، وروسيا التي تدافع على آخر وجود لها في الشرق الأوسط، وايران واسرائيل وتركيا والسعودية والعراق الذين يتصارعون حول السيادة الاقليمية عبر الدماء السورية، وكذلك كل العوامل غير السورية، سوف يسيطر كل ذلك على مؤتمر جنيف بحال انعقاده وسوف يكون وجود الشعب السوري وحريته موضوعا نافلا في المؤتمر.
ولكن إذا قدر لنا أن نحلم بأن جنيف يمكن أن يكون بوابة الانعتاق للشعب السوري ووقف شلال الدم، فلن يكون ذلك بدون انتزاع شروطا ثلاثة: رحيل بشار ووحدة الأراضي السورية وقوات أممية تحمي البلاد من الفوضى وتضمن السلم الأهلي لمدة سنة واحدة على الأقل كي يتاح للشعب السوري تحضير نفسه لإجراء انتخاباته الحرة.