وعي و جيتار ودموع شفيفة أسلحة الثورة الجديدة


ناهد بدوي
الحوار المتمدن - العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 03:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

رفع رامي جمال أحد شهداء الثورة المصرية جيتاره شعارا وإيذانا ببدء عصر مدني جديد وولادة إنسان مصري جديد يعيد الاعتبار للحياة والحب والموسيقى والفرد وإعلانها أهدافاً جديدة بدلاً من الموت والحرب والعمليات الانتحارية.
كما انهمرت دموع شفيفة لوائل غنيم أحد مهندسي الثورة المصرية، انهمرت دموعه على زملائه الذين استشهدوا من أجل الثورة، انهمرت دموعه لتعلن ولادة نمط جديد من البطولة والشجاعة والرجولة يعيد الاعتبار للعلم والثقافة والحب والمشاعر الرقيقة كمكون أساسي للبطولة بدلاً من العضلات والبلطجة والقسوة وجفاف المشاعر كما كان سائدا.
إن ما يحصل الآن في مصر وما حدث في تونس هو ثورة وليس انتفاضة لأن النتائج لن تنعكس على شكل أنظمة الحكم فحسب بل ستنعكس على جميع الأصعدة والمستويات وسوف تؤدي إلى تغير منظومة كاملة من المفاهيم السائدة. ولذلك أصر على تسميتها ثورة لا انتفاضة لأن التغيير الذي يحدث جذري ونوعي.
التغيير جاري في انتقال مفهوم الكرامة من الخارج إلى الداخل: كان المواطن العربي من الممكن إن يكون واقفا أمام حاوية القمامة ويبحث عن شيء يسد به جوعه، ويأتيه بيان من الإذاعة بأن الجيش قد أعاد كرامته في المعركة ضد العدو. كان يقف باستعداد ويؤدي التحية ويحتفل بعودة كرامته بكل صدق وعفوية. ولكن مفهوم الكرامة اليوم يتلخص في أن لا يسمح لأحد أن يكذب عليه أو يستخف بشخصه وعقله وأن يعيش حياة كريمة ولو على الكفاف.
التغيير جاري في مفهوم الوطنية وتحوله من سلوك الحكم تجاه العدو الخارجي إلى سلوك الحكم تجاه حماية ثروات البلاد وحماية المواطنين وضمان سلامتهم وحريتهم. ويتكرر كثيرا الآن أن موقف الجيش التونسي كان موقفاً وطنيا وأن الجيش المصري لعب دوراً وطنيا مع أنهما لم يخوضا حرباً ضد عدو خارجي.
التغيير في الثقافة السياسية وفلسفة الحكم في المنطقة العربية، فقد اعتادت الأنظمة العربية في أسلوب حكمها وفي خطابها على أنها طرف وحيد في الملعب وتوجه خطابها إلى الفراغ ولا ترى أحدا أمامها. والآن تغير الوضع بعد أن أجبر الشعب حكامه على رؤيته، وقد رأينا كيف تفاجأ الرئيس التونسي بوجود شعبه أمامه فقال لهم : فهمتكم، ولكن بعد فوات الأوان. أما الرئيس المصري حسني مبارك فقد كانت رؤيته ضبابية حتى اللحظة الأخيرة ولم ير شعبه إطلاقاً، حتى في آخر لحظة كان يردد شكل الخطاب نفسه الذي اعتاد عليه أمام الفراغ.
وابتدأ خطاب سياسي جديد ومفردات غير معهودة من قبل: الانتقال السلمي للسلطة، تحرك الناس مشروع، والأهم من ذلك كله هو انتقال مصدر المشروعية من القصور إلى الساحات العامة، وكذلك مصدر القرار في اللحظات الحاسمة.
أجل إنها ثورة، بجميع المعايير، ثورة سلمية بيضاء، شفيفة مثل موسيقى رامي جمال ودموع وائل غنيم ودموع أمهات الشهداء.