نجاح الجيدين ولكن بدون أي برنامج! قراءة في نتائج الانتخابات القاعدية في نقابة المهندسين ريف دمشق


ناهد بدوي
الحوار المتمدن - العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 20:33
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تجري حالياً انتخابات الوحدات الهندسية في نقابة المهندسين، وهي الانتخابات القاعدية التي تنتخب هيئات الفروع حيث يوجد في كل محافظة فرع لنقابة المهندسين يدير شؤون المهندسين المباشرة في هذا الفرع. الانتخابات على هذا المستوى هي انتخابات حرة فعلا، وكلمة حرة هنا تعني حرية الترشح وحرية الانتخاب فقط.
وحدات المهندسين الموظفين:
أول مانلاحظ أن هذه الحرية تمارس في وحدات المكاتب الخاصة الانتخابية، أما في وحدات المهندسين الموظفين فالأجواء مختلفة تماماً، على الرغم من توافر الحرية نظرياً، إلا أن الواقع يقول أن المهندس الموظف لا يمارسها، والدليل على ذلك أن قوائم وحدات الموظفين تنجح على الأغلب بالتزكية أو عبر منافسة محدودة، مع مشاركة انتخابية محدودة. ويعود ذلك لأسباب كثيرة، ولكن، أعتقد أن أهمها هو عدم حضور النقابة في الحياة المهنية للمهندس الموظف، وصلته المباشرة ومصلحته مع مديريه ورؤسائه في العمل، لا مع نقابة المهندسين، التي لا يعرفها إلا مرة في السنة، عندما يدفع الرسوم السنوية المترتبة عليه. وبما أن مصالحه المباشرة واليومية لا تدفعه إلى الاهتمام بالعملية الانتخابية، تبقى الساحة فارغة من الإرادات الحرة، وتلعب فيها الأوامر العليا الدور الرئيسي، سواء من الحزب أو المسؤول أو المدير.....الخ. في حين تتعلق مصالح مهندس المكاتب الخاصة وصلته المهنية المباشرة بهيئة المكاتب الهندسية الخاصة، التي تتولى إدارة العمل المباشر الذي يهم مهندسي المكاتب الخاصة، وهذا ما يفسر تفاعلهم الكبير مع العملية الانتخابية.
هيئة المكاتب الهندسية:
تنتخب وحدات المكاتب الخاصة أعضاء هذه الهيئة، ومن بين أعضائها يشكل مجلس إدارة الفرع لجاناً تتولى المهام النقابية أهمها لجنة المكاتب الخاصة، ولجان التدقيق الفني والمالي، ولجان المناطق الست. وتتغيير في مطلع كل سنة ميلادية. وتنتخب هذه الهيئة من بين أعضائها مراقبي الصندوق المشترك فقط، كل سنة.
تدير لجنة المكاتب الخاصة، مع المدققين الفنيين والماليين ولجان المناطق المختلفة، عملنا المباشر المؤلف من آلية المصادقة على التراخيص وعملية تشكيل لجان التقارير الفنية اللازمة لتقييم المباني ولجان تدقيق المشاريع والكشف على المباني...الخ (أي إن رزقتنا في يدها). لذلك يهم المهندس صاحب المكتب أن تكون هذه اللجنة مؤلفة من مهندسين لطفاء نظيفي اليد متقنين لعملهم ومتمكنين في القوانين النقابية التي تنظم العمل الهندسي في المكاتب الخاصة.
يعين مجلس الفرع، في بداية كل سنة، لجنة المكاتب الهندسية تعييناً، من بين أعضاء هيئة المكاتب المنتخبين فقط،، ولكن النظام الداخلي يسمح بانتخاب هذه اللجنة، لذلك أدعو إلى تطبيق مبدأ الانتخاب، لأن من شانه أن يعمق العلاقة الجيدة مع ناخبيهم وإرضائهم بتقديم الخدمات النقابية الجيدة بدلاً من محاولة إرضاء مجلس إدارة الفرع، الذي سيقرر استمرارهم في هذه اللجان من عدمه، في مطلع كل سنة.
وفي جميع الأحوال، ينشط هؤلاء المهندسون عادة، في أثناء التحضير للانتخابات، في صفوف المهندسين لكسب تأييدهم، ويطرقون أبواب وهواتف كل مهندس مهما كان مغموراً، ويكونون في هذه الفترة في ألطف أحوالهم، ويشعر كل مهندس ناخب في هذه الفترة بأهميته وأهمية صوته، على عكس المستويات الأعلى من الانتخابات النقابية، أي انتخابات مجالس الفروع ومجلس نقابة المهندسين، التي يطرق فيها المهندس أبواب المسؤولين والأجهزة "الخارج نقابية"، كي ينجح في المناصب النقابية العليا.
انتخابات وحدة المكاتب في داريا:
سأجري قراءة في العملية الانتخابية التي جرت في وحدة المكاتب الهندسية في داريا، وحدتي، وفي نتائجها، وهي نموذج للمناطق الست الأخرى، التي تشكل الوحدات الانتخابية لمحافظة ريف دمشق، والتي تجري العملية الانتخابية في كل منها، وتتحدد نتائجها، على الأغلب، بطريقة مشابهة.
لم تحلم النرويج بنسبة مشاركة عالية في الانتخابات كالتي حصلت في وحدة المكاتب الهندسية الخاصة في داريا؛ فقد بلغ عدد المشاركين 1205 من أصل 1690 ناخباً، أي بنسبة 71% (وفي وحدة دوما شارك في الانتخابات 1100 ناخب من أصل 1300 مهندس يحق لهم الانتخاب في هذه الوحدة، أي بنسبة تقارب 85%. أدعو وحدة دوما إلى تحليل نتائج انتخاباتها لأهميتها). والشيء الجديد في هذه الدورة الانتخابية هو وضع شاشات في القاعة التي تجري فيها الانتخابات وعملية فرز الأصوات، بحيث يستطيع الزملاء المهندسون رؤية الورقة في أثناء فتحها وقراءتها عبر كاميرات التصوير التي تتابع عملية الفرز.
تنافس في وحدة داريا للمكاتب الهندسية الخاصة 113 مرشحاً على 38 مقعداً كان من بينهم خمس مهندسات فقط، نجحت اثنتان فقط، مع أن عدد المهندسات في هذه الوحدة كبير، ويبلغ 313 مهندسة، أي نسبة تقارب 19% ، أي كان من المفترض أن تنجح 7 مهندسات على الأقل كي تحصل المهندسات على تمثيل يتناسب مع حضورهن في عالم المكاتب الهندسية. إلا أن هذا الموضوع له شؤون وشجون أخرى، سأبحثها في مقال آخر.
يتصف معظم الناجحين بصفات ومزايا جيدة. ولكن، ماذا تعني الصفات الجيدة؟ تعني أن معظم الناجحين هم من المهندسين النظيفين والمحترمين والخدومين وهذه من المزايا الشخصية المهمة والضرورية واللازمة التي يجب أن يتحلى بها الناشط النقابي. إلا أن هذا وحده لا يكفي. أي إنه شرط لازم وغير كاف، حسب المفهوم الهندسي والرياضي. إذ من المفترض أننا ننتخب ممثلين بناء على برامج انتخابية تستند إلى مهام نقابية ومهنية، وتدافع عن حقوقنا ومصالحنا، لا من أجل أن نزوجهم بناتنا!.
لذلك فمن غير المعقول أن تجري عملية انتخابية لنقابة مهنية وتعطي نتائجها المرجوة في ظل شروط يمكننا أن نسجل عليها الملاحظات الآتية:
1- غياب البرامج الانتخابية للمرشحين: أعتقد أن السبب في ذلك هو غياب الحريات الأخرى التي تجعل من طرح البرامج عملية ممكنة ومعتادة ومعروفة، وهي حرية التعبير، والاستقلال عن كل ما هو غير نقابي، وتوفر المنابر الحرة. مع العلم أن حق توزيع بيان انتخابي يوفره القانون الانتخابي في نقابة المهندسين، إلا أن الخوف من شبهة الاهتمامات السياسية، وهي المحرم الأكبر في بلادنا، يجعل المرشحين يمتنعون حتى عن التعبير حتى عن القضايا المطلبية النقابية.
2- فرص المرشحين من المهندسين الجدد ضعيفة جداً، لذلك تكرر عدد كبير من الأسماء القديمة نفسها، وجاءت الأرقام على النحو الآتي : بلغ عدد المقاعد المطلوبة للهيئة 38 مقعداً، أي بزيادة ثمانية مقاعد، نجمت عن ازدياد عدد المهندسين في شعبة داريا، إذ كانت حصة منطقة داريا في هيئة المكاتب الهندسية 30 مهندساً ومهندسة، لم يترشح منهم اثنان فقط، ونجح منهم 24 مهندساً وخسر أربعة، ونجح 14 مهندساً جديداً منهم تسعة مهندسين ينالون عضوية الهيئة لأول مرة، والخمسة الآخرون هم من العائدين إلى الهيئة .
نلاحظ هنا أن علينا العمل على تحسين الشروط لدخول وجوه جديدة، وعدم تكرار الأسماء نفسها عدة دورات انتخابية متتالية، وذلك بتبني آلية جديدة لتعريف الناخبين بالمهندسين الجدد عبر طرح فرص متساوية للتعبير عن برامجهم.
3- غياب المنافسة الحرة في المراحل الانتخابية التالية، حيث تحضر قوائم الجبهة الوطنية التقدمية، عند انتخاب مجلس إدارة الفرع، والعملية نفسها تتكرر في المؤتمر العام، عند انتخاب مجلس النقابة. وهذا ما يفسر انخفاض سقف مطالب المرشحين، وعدم اهتمامهم الجدي بالبرامج، وذلك لأنهم لا يأملون كثيراً بالوصول إلى المناصب العليا، التي تخولهم إحداث تغييرات فعلية وجوهرية، لأن الذي سيصل ليس في حاجة إلى دعاية انتخابية وبرنامج، لأنه ينظر إلى الأعلى، أي لا ينظر إلى طموحات أصحاب المصلحة الحقيقية في العمل النقابي، أي عموم المهندسين. وهذا ما يفسر أيضا عزوف الكثير من الكوادر الهندسية الحقيقية ذات الحضور المهني القوي، عن ترشيح نفسها أصلا.

دعوة للاستدراك وطرح البرامج قبل فوات الأوان:
لذلك دعونا ندعو الفائزين في الانتخابات إلى استدراك غياب البرامج في أثناء انتخابات المرحلة الأولى ومحاولة طرح برامج في انتخابات هيئات الفروع والمؤتمر العام. وسأذكر من جهتي محورين رئيسيين:
1- التركيز على استقلالية النقابة، وسحب الانتخابات الحرة بشكلها القاعدي على جميع المستويات النقابية.
2- تطوير حضور دور النقابة في حياة المهندس، كما في مهنة الهندسة على حد سواء. إذ تتسم هذه الدورة الانتخابية تحديداً بالأهمية القصوى، واستحقاقات وواجبات كبيرة على الصعيد المهني الهندسي، وعلى الصعيد الاجتماعي للمهندس على حد سواء. إذ تجري في ظل انفتاح المنافسة على الصعيدين العربي والعالمي، وفي ظل أزمة اقتصادية عالمية ومحلية بدأت تنعكس منذ الآن على أوضاع المهندسين الاجتماعية. لذلك يجب:
أ‌- على الصعيد المهني: تأهيل المهندسين علمياً، وتوفير فرص عمل جديدة ومتطورة، عبر حضور النقابة كشخصية اعتبارية حاضرة وفاعلة مع الحكومة في سن القوانين العلمية والمهنية الحديثة، وذلك من أجل رفع سوية المنتج الهندسي السوري ليستطيع المنافسة على الصعيدين العربي والأجنبي.
ب‌- على الصعيد الاجتماعي: آن الأوان لتوفير التأمين الصحي الكامل للمهندس العامل والمتقاعد فما زال المهندس يبيع ما فوقه وما تحته في حالة المرض، مع أن نقابة المهندسين نقابة غنية وتستطيع القيام بذلك. وكذلك تطوير الخدمة الإدارية المباشرة المقدمة للمهندس في مراكز الفروع والشعب، إذ كان من المفترض أن تكون نقابة المهندسين مدرسة للبنوك الخاصة عندنا، ولشركات الاتصالات الخليوية، من حيث المفهوم الحديث للمكان الذي يليق بالبشر المحترمين، وتعامل الموظف اللائق، وآلية إنتاج الخدمة الإدارية، لا العكس!. وغيرها وغيرها من المتطلبات، التي يمكن تحقيقها، في حال توافر الإرادة النقابية الحقيقية والجادة والحرة.