ومضة..حطام ماقبل الثورة


ناهد بدوي
الحوار المتمدن - العدد: 4175 - 2013 / 8 / 5 - 03:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

المشهد الأول الذي يطالعك في الفيديو المسمى بومضة هو مشهد الخراب.. خراب في المكان وخراب في الذائقة..خراب المكان يتبدى في منظر أسقف الاترنيت والفوضى في البناء.. حتى تظن في البداية أنه في قرية نائية منسية.. لتعرف فيما بعد أنه في قلب مدينة دمشق، وفي أغلى حاراتها، في حي الشعلان الراقي!! المشهد يذكرك بأن التدمير الذي نشهده الآن للمدن السورية ماهو إلا شكل آخر للتدمير المنظم والممنهج القائم في سورية منذ أربعين سنة.. والحدث الثقافي الذي يدور أيضا يذكرك بالحطام الثقافي الذي عانينا منه هذه الأربعين سنة..
مدينة دمشق التي صنفت في عام 1936 بأنها أجمل مدينة في العالم.. تحولت إلى مدينة من مدن الصفيح خلال الأربعين سنة الماضية.. العشوائيات هي الأساس وهي المتاح إذ بقيت دمشق ثلاثين سنة دون أن تفتح فيها منطقة تنظيمية واحدة.. تركت مدينة دمشق يتيمة بدون دولة تخطط لها، تركت تتوسع بدون عقل هندسي مدني تنظيمي حديث.. توسعت مدينة دمشق إما عبر العشوائيات أو عبر ماسمي بالمناطق التخطيطية والتي يمكنك أن تأخذ رخصة بناء على ملكيتك .. ولا تختلف النتيجة كثيرا عن المناطق العشوائية.. وتوسع ركن الدين والمهاجرين والشيخ محي الدين والجبة على سبيل المثال عن تلك البشاعات العمرانية لا على سبيل الحصر. والعشوائيات لم تقتصر على الأطراف كما هو شائع بل هي تبدأ من قلب مدينة دمشق وتنتهي عند الضواحي.. كالميدان والمزة 86 والمنطقة الصناعية والدويلعة ونهر عيشة ودف الشوك والتضامن كل أحياء قاسيون العلوية وغيرها وغيرها من عشوائيات قلب العاصمة دمشق.
ثقافة دمشق لم يعد لها علاقة بالثقافة أيضا، ورغم حسن نية بعض الشباب الذين ساهموا في الأغنية، إلا أنهم عبروا عن هذا الحطام الثقافي الذي يذكرك بالقصدية والافتعال والتمثيل "العفوي" والقباحة الممكيجة التي كانت تسم الفعاليات الثقافية التي كانت تدار مباشرة من قبل السلطة السياسية والأمنية في المناسبات القومية، يصرخ المغني ياشام بدون أي نكهة ولا تفهم تماما المشاعر المتضمنة فيها.. تماما مثل أيام زمان لأن غير المفهوم هو المسموح فقط..ممنوع التعبير عن الشعور الداخلي الحقيقي.. فتأتي الأغنية صرخة بلهاء لاتقول لك شيئا.. ثم تأتي الفتاة لتقلد داليدا وبلكنة أيضا لاتتقن العربية جيدا .. مثل داليدا التي كانت تعبر عبر هذه الأغنية عن اغتراب اختياري لأجيال سابقة عن بلدهم، وهي مشاعر لاعلاقة لها بالأحداث المحيطة بهؤلاء الشباب التي أدت إلى اللجوء والنزوح والموت وليس إلى الاغتراب والحنين الجميل لبلدي! فبدت أكثر بلاهة من السابقة.
يقول لنا الفيديو إذن، لا جديد تحت الشمس في سورية الآن .. اختلفت الوسائل فقط.. كانت تدمر المدن بالتطاول على القانون والفساد وخصخصة المجالات العامة وتسليم إدارة المدن الهندسية والتخطيطية للمخابرات، والآن تدمر بالمدافع وراجمات الصواريخ. وكذلك كانت الثقافة ومازالت تدمر بقمع الحريات وترويج التفاهة وتخريب الذائقة والفساد أيضا واعتقال الفنانين والمثقفين وملاحقتهم وتسليم رقبتهم وأرزاقهم لعديمي الموهبة ممن يجيدون الولاء ولعق الأحذية.
شكرا للشباب لحسن النية ولكن ماهكذا تساق المدن.