أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عباس علي العلي - نحن والقانون















المزيد.....

نحن والقانون


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5210 - 2016 / 7 / 1 - 21:32
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


نحن والقانون

لا شك أن المجتمع الذي لا تديره القوانين ولا يخضع لضوابط محترمة منه لا يمكن أن نطلق عليه مجتمع إنساني، حتى قطعان الحيوانات ومملكة الحشرات تخضع إلى نظام يسمح من جهة لها بالاحتفاظ بالتوازن الضروري البيني اللازم للديمومة الحياتية، ويحميها من عبث السلوكيات المنحرفة لبعض أفرادها المهزوزين من جهة أخرى، القانون هو العصا الذاتية التي أخترعها الإنسان ليؤدب نفسه إن فكر أو عمل على تخريب وجوده الخاص والعام، من هنا فالقانون يجب أن يحترم ليس لأنه قوة وسلطة مخيفة ومرعبة فقط لا ولكن لأنه هو خياره الحر وهو من صاغه وأوجب على نفسه الألتزام به، القانون ضمانة البقاء كما هو ضمانة الانتظام السليم الذي يمنح المجتمع القدرة على التطور.
فكلما ركز المجتمع جهوده في تطوير القانون وتمكينه من رسم رؤية له تعتمد أولا على إنشاء بنية تحتية قانونية قادرة على أن تتحسس كل التحولات والتغيرات الطبيعية والحتمية يكون قد نجح في ضمان أمنه وسلامة أعضاءه، وبالتالي فأهمية القانون لا تقل أبدا عن أهمية أهتمامه بالمعرفة والعلم والثقافة والفنون لأن جميع هذه المسميات تشترك بعنوان واحد هو حماية وحفظ الوجود الإنساني وتطويره لبلوغ السعادة بمعناها العام التكامل بين الإنسان وواقعه الوجودي، إذن حماية المنظومة القانونية هو حماية للوجود الإنساني الأجتماعي القيمي والفوقي له.
في المجتمعات التي تؤمن بدور القانون في صياغة واقعها وتؤمن بدوره الإيجابي في رفد الحياة بالديمومة والتطور، يتحول القانون إلى مدرسة أخلاقية تعلم الفرد واجبه الطبيعي وتشارك مع كل المؤسسات التربوية والتعلمية مهمة الحفاظ على الإنسان الواعي وزيادة الوعي الأجتماعي بقضيته، على العكس من المجتمعات التي تستورد القانون دون فحص ودون أن تعرف نتائجه المستقبلية على النسيج الاجتماعي ومؤثراته البنيوية، وتستغله أداة للقمع وكبح الميل التطوري الإنساني من خلال الإيمان بأن القانون هو سيف السلطة لتنفيذ إرادتها، إنما تعزل بين الفرد والقانون بحجاب مانع وتجعل منهما في علاقة شائكة متنافرة قد تنتج سلوكيات وتصرفات وثقافة تتسم بالعنف والتمرد والخروج عن قضية المجتمع العامة، وتبني أهداف شخصية تشظي المكون الاجتماعي ويكون سببا لإنهيارات متلاحقة في البناء التكويني للمجتمع.
القضية المهمة هنا أذن ليست قضية قانون وقضاء ومؤسسة حاكمة فقط، بل هي قضية تكامل في الوظيفة وتكامل في الدور الإنساني الذي يلعبه القانون والقضاء في خدمة التطور وتعزيز واقع الأنتماء الاجتماعي وسيادة علاقات إنسانية ترسم صورة مجتمع حي وحر ومتكامل وقادر على حماية وجوده، ولكي يكون هذا المجتمع بمستوى المسئولية عليه أن يؤمن بجملة قضايا مهمة يمكن حصرها بما يلي
• إشاعة مفهوم أن القانون خادم للمجتمع وليس سيفا مسلطا على الرقاب وأن الهدف من وجوده حمايته من تصرف منحرف وتأمين سلامة الأفراد من خطر التخريب، هذه الثقافة يجب أن تقترن بواقع تطبيقي مما يعني إعادة النظر في فلسفة الجريمة والعقاب وأستبدال مظاهر العنف والقسوة بأفكار بنائية إيجابية تؤهل الفرد الذي أرتكب الخطأ لأن يسترد ثقته بالمجتمع وثقة المجتمع به.
• ضرورة الأهتمام بالبنية التحتية للمؤسسة القانونية والقضائية من خلال توفير إمكانيات البحث والتطوير والتأليف والنشر وتأهيل الكادر المساعد والكادر الوسطي بين الفرد والمؤسسة القانونية، وفي تهيئة الوسائل العملية لإشراك الأفراد والجمعات في مناقشة القانون الساري واقتراح التعديلات وتطوير بنود أصبحت لا تتلاءم مع واقع المجتمع ورؤيته الخاصة، كما يجب الأهتمام المتزايد بالمكتبة القانونية سواء بالتأليف والنشر والتوزيع ودعم الكتاب والمؤلف لينهض بدوره في تطوير العقلية القانونية وإشاعة ثقافة أجتماعية تتعامل مع القانون على أنه ميزان وصورة لحراكية المجتمع وتطوره.
• فصل المؤسسة القضائية تماما عن السلطات الأخرى في المجتمع والتركيز دستوريا على سيادة القانون العادل والمنصف والإيجابي الذي يسعى لتطوير مؤسسات المجتمع وتعزيز رقابته عليها حماية للأمن الأجتماعي، وأن نمنح المؤسسة القانونية التشريعية منها والتي تصوغ وتقترح مشروعات القوانين الحرية في البحث والتطوير وخلق قواعد قانونية ذات خصائص تجمع بين العملي والعلمي ولا تتأثر بإنعكاسات المدارس الفقهية إلا في حدود ما يضمن لها النجاح في المهمة العلمية فقط.
• إعادة النظر بالفلسفة القانونية القائمة والراهنة والتي نشأت في ظل ظروف أجتماعية وسياسية وثقافية مرتبطة بمرحلتها، وتكليف ثلة من الأكاديميين والحضاريين من أهل الاختصاص والمعرفة من حقوقيين ورجل قضاء وفلاسفة واجتماعين وعلماء نفس ومختصي ثقافة وعلم الإنسان والسيسيولوجيا أن يشكلوا منظومة فكرية مؤسسة لوضع فلسفة جديدة للمنظومة والفكر القانوني المعاصر، ولضمان نجاح هذه المحاولة أن نعزل قوى التسلط الاجتماعي والديني التي تعتز وتقاتل من اجل إبقاء ظلالها على الواقع القانوني والعدلي والقضائي من أن تتدخل في صياغة هذه الرؤية والفلسفة والأطار العملي لدور القانون في المجتمع مستقبلا وحاضرا.
لقد بلغ العجز والفشل القانوني ذروته عندما عجز عن مكافحة الميول الأنحرافية والجريمة في الوسط الاجتماعي وتزايد الانتهاكات الفردية والجماعية له، في حين نجحت مجتمعات ودول تؤمن بحق الإنسان في الحياة أن تقلص من مستويات الجريمة وبالذات الخطرة منها إلى أدنى مستوياتها، وأدى ذلك إلى أغلاق المؤسسات الإصلاحية والسجون بعد أن أمن الإنسان بحقيقة القانون وهدفه الأجتماعي، بفضل نوعية وشكلية وروح القانون الذي يحمي الفرد قبل أن يحمي المجتمع، وعندما أشيعت ثقافة أن القانون حارسنا الشخصي وليس عصا السلطة التي تضرب بها بقسوة، وعندما أستبدلت هذه المجتمعات مفهوم العقوبة والأقتصاص من المخطئ إلى مفهوم إعادة بناء الإنسان من خلال إعادة التوازن الطبيعي الذاتي له، وتحويل الميول السلبية فيها إلى عناصر إيجابية وتنمية روح المدنية في العقول والأفكار الفردية.
في الأخر يبقى القانون هو روح المجتمع وأداته المناسبة لترويج مفهوم البقاء للصحيح والأصح، وترسيخ مبدأ أن الفرد هو إنسان واحد ككيان محترم من ضمن مفهوم المجتمع إنسان كيان مشترك ومحترم أيضا، أي تحويل الشعور الأناني من شكله الفردي المتمثل بالذات الفردية إلى مفهوم جمعي بعنوان "نحن"، وجعل أن مفهوم مصلحة المجتمع أصلا هي مصلحة فردية أيضا بالنتيجة وبالواقع، القانون الإيجابي هو الذي يكافح مسببات الجريمة قبل أن تقع وقبل أن تمنح فرصة للتبلور والحدوث لا أن يكون قصاص من فرد خضع وأستجاب لظروف اجتماعية وحاضنة ساعدته على أرتكاب فعلها بغياب القانون، وغياب الرقابة الإيجابية التي تمنعه أو تحد من الوقوع في شراك العمل المخالف.
القانون المثالي هو قانون الحفظ لا قانون الأجتثاث بعد الحدوث، الجريمة عندما تقع وإن كانت قليلة الأهمية والأثر ستبقى علامة سلبية وتترك بصمة على الإنسان، في حين أن منع حدوثها والعمل على حفظ المجتمع من تداعيات الإنحراف أولى بكثير وأهم من مكافحة الجريمة والانحراف بعد تفشيهما، العمل الأستباقي يحتاج إلى قانون بأبعاد نفسية وأجتماعية وثقافية وتربوية وليس فقط بأبعاد عقوبة وجزاء، هذا الفكر الفلسفي لا يصنعه مجتمع يؤمن فقط بالجنة والنار ولا يؤمن بأن في الحياة جنة ونار حقيقية، ولنتذكر جميعا القول الخالد من أمن العقوبة أساء الأدب والأمان من العقوبة لا يأت بالتلويح بها في وجه الفرد بل بتهيئة الوعي وصناعة عقل يؤمن بالرادع الذاتي وبثقافة الإنسان صنيع وعيه لا صنيع ظروفه.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس وإشكالية الهوية
- محاربة الفساد السياسي يبدأ من تصحيح العلاقات الأجتماعية
- وهم المشروع الإسلامي بين مطرقة فشل التجربة وسندان العجز عن ا ...
- وهم المشروع الإسلامي بين مطرقة فشل التجربة وسندان العجز عن ا ...
- المتدين وفلسفة الأخلاق والتفاضل
- خالتي العجوز ونبوءة المطر
- العراق وأزمة الهوية.
- البيان المدني
- انا لون الرماد ...طز بالحجر
- نحن والعمة بريطانيا
- كوميديا السارق والسارقة باللون الاحمر والاخضر
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح4
- إسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح 2
- أسلام معاصر ومسلمون تحت الوصاية ح1
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح3
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح1
- الحجاب والخداع الفقهي باستغلال النص. ح2
- ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح3
- لو أصبحت رئيسا للوزراء هذه خطواتي الأولى...ج2
- ماذا نريد من الله ... الكلمة الأخيرة.ح2


المزيد.....




- الجيش الأمريكي يعلق على اعتقال جندي أمريكي في روسيا
- صحيفة إسرائيلية: السجون لم تعد تتسع للمعتقلين الفلسطينيين
- NBC: اعتقال عسكري أمريكي في روسيا
- إعدام دفعة جديد من المدانين بـ-جرائم إرهابية- في العراق
- عاجل | مكتب نتنياهو: مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار العملية ...
- اليونيسيف تحذر : الهجوم البري على رفح الفلسطينية سيهدد 600 أ ...
- نائب رئيس حماس: تبادل الأسرى والمحتجزين سيتم على 3 مراحل
- الأمم المتحدة تدعو إلى تجنب التصعيد بعد إعلان موسكو عن تدريب ...
- غزة.. فرحة عارمة بين أوساط النازحين في رفح بعد إعلان حماس قب ...
- الاتحاد الأوروبي: أمر الإخلاء الإسرائيلي لسكان رفح ينذر بمزي ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عباس علي العلي - نحن والقانون