أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 10















المزيد.....

إختفاء رباب ماردين 10


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


فراش من دم

عندما عدت الى غرفتي في ذلك المساء، لم أستطع صرف أفكاري وهواجسي التي استولت على كل كياني. كان جسمي كله يرتعد. إنها النتيجة التي يصيبني بها حسام ماردين كل مرة. الآن كنت متأكّدة تماما من كونه رجلا غير عادي وغير مرغوب فيه.
ما أوقحه!
كيف يجرؤ على التدخّل في ما لا يعنيه؟! وكيف بحق السماء أدرك ما همسه وسام في أذني؟ وهل كان يتتبعنا دون أن أنتبه؟ ولماذا يحذرني من وسام؟
تعجبت كثيرا من حسام. ولم يكن تعجبي هذا أكثر من تعجبي من تصرف وسام معي. لماذا يدعوني الى غرفته؟ إنه لم يفعل ذلك من قبل.
قررت أن لا ألبي دعوته وبقيت في غرفتي طوال الليل غارقة في لجة أفكاري.
وفي صباح اليوم التالي، حين كنت أتناول فطوري، فوجئت بوسام وهو يدخل غرفة الطعام. جلس في مكانه والخيبة تكسو ملامح وجهه، ثم قال: "أهكذا تخذلينني يا لينة؟"
"وهل أنا قصرت معك في شيء؟" سألته بجدية بالغة.
"لماذا لم تأتي إليّ بالأمس؟ لقد انتظرتك."
"لم أقُل إني سآتي. ثم لماذا تدعوني الى غرفتك بهذه الطريقة؟"
"أي طريقة؟"
"لا أدري. ولكني وجدت دعوتك غريبة... ومريبة."
"أردت فقط رؤيتك بعيدا عن الأنظار، ما العيب في ذلك؟ ثم... أنت... لا تثقين بي؟"
نظرت اليه وكلمات حسام ترددت في ذهني. ‘لا تثقي برجل لا تعرفينه‘. أحقا أنا أعرف وسام؟ ‘كوني حذرة. هناك أشياء لا تعرفينها‘، قال حسام. ولكن...
هل أنا حقا أعرف كل شيء؟؟
"لينة..." صوت وسام أيقظني من أفكاري.
"هه؟"
"سألتك إن كنت تثقين بي؟" كرّر بشيء من القلق.
"طبعا، طبعا أثق بك." أجبته.
تأمل وجهي بدقة، ثم قال: "على كل حال، إن كنت قد أخطأت في تصرفي معك... فأنا أعتذر. لم أقصد شيئا."
"حسنا. لا عليك. دعنا من ذلك."
في الأيام التي تلت، وجدت علاقتي بوسام ماردين تتوطد أكثر، وكلمات أخيه لم تعُد تتردد في ذهني، فكثرت لقاءاتنا. كنا نلتقي على شاطئ البحر او ملعب كرة المضرب او على ظهر الحصان. وكان الوقت يجري بنا سريعا ونحن معا، فنفترق قبل أن تكتمل أحاديثنا وتسكت ضحكاتنا.
في تلك الفترة، بت أحسّ بشيء غريب لا أعرف تفسيره ولا تأكيده، ولكنني كنت أحس كأن شخصا ما يلاحقنا ويراقبنا أنا ووسام. كان ذلك عجيبا. في البدء، قلت لنفسي إنه مجرد وهم. وعبثا حاولت تجاهل الأمر. ثم فكرت أن أخبر وسام، إلا أنني تراجعت في كل مرة. إنه شعور غبيّ، غير واضح، قلت في نفسي.
وذات يوم، حين كنت ألعب كرة المضرب مع وسام، انتبهت لوجود شخص ما يراقبنا من نافذة إحدى الغرف المطلّة على الملعب. إنها كانت السيدة نخايلة. وكانت واقفة أمام النافذة وتمسك الستار بيدها... وتراقبنا. استبدت بي الدهشة وتسلّل الى نفسي شعور مبهم بالخوف. ظننت أنني رأيت على وجهها، رغم المسافة بيننا، ملامح غريبة... ومريبة. وكأنها حاقدة... او ربما غاضبة. لم أعرف تفسيرها. عرفت فقط أنني لم أرَ السيدة نخايلة بهذه الملامح من قبل.
"ما بك؟" سألني وسام، بعد أن تسمرت في مكاني وأنا أحدّق نحو النافذة. "هل أنت بخير؟" استغرب مني.
"أليست هذه نافذة غرفة السيدة نخايلة؟" سألته وأنا أشير الى تلك النافذة.
"نعم." أجابني بعد تأمل بسيط نحوها. ثم أضاف: "لِمَ تسألين؟"
"كأن السيدة نخايلة كانت تراقبنا. إنها كانت واقفة هناك منذ لحظات تتأملنا."
"حقا؟" استغرب وسام.
"إنها بدت غريبة التعبير. وكأنها... كأنها ليست السيدة نخايلة التي نعرفها." قلت بقلق.
نظر اليّ وسام بعجب، ثم تأمل نحو النافذة مرة أخرى. قلت بعد لحظة: "لماذا تفعل ذلك؟ أليس ذلك غريبا؟"
"ولِم أنت قلقة؟"
"لا أدري. ولكنني منذ مدة وأحسّ كأن أحدا يلاحقنا ويراقبنا، الا أنني لم أتوقع أن تكون السيدة نخايلة هي من تفعلها. ماذا تريد؟ لماذا تفعل ذلك؟"
"أنت تضخمين الأمر، يا عزيزتي. لا تقلقي هكذا. ربما كانت تغلق النافذة فحسب."
"ولكن..."
لم أكمل. شيء ما أوقفني عند هذا الحد. ربما هو الخوف... وربما الريبة. كنت أعلم أنها لم تكن تغلق النافذة فحسب، فقد رأيتها واقفة هناك لحظات طويلة، تراقبنا، وملامحها غريبة التعبير. ولكنني لم أستطِع أن أشارك وسام في ذلك. لم أكن مستعدة بعد لأقاسمه أفكاري ومشاعري. ربما تكون كلمات أخيه التي عاودت ذهني في تلك اللحظة هي التي منعتني من فعل ذلك. عليّ أن أكون حذرة. فأنا لا أعلم ما الذي حصل، وما قد يكون ما يزال يحصل في هذا البيت.
حاولت إخفاء اضطرابي، فقلت: "ربما تكون على حق."
..............................................................

في مساء نفس ذلك اليوم، رأيتها عند السيدة ماردين عندما ذهبت لفحصها الليلي، وكان وجهها قد استعاد ملامحه المألوفة، وكأن شيئا لم يكن. انسحبَت من الغرفة بهدوء، كعادتها، فقررت أن أسأل السيدة ماردين، بعد أن فحصتها وأعطيتها دواءها: "هل تعمل السيدة نخايلة هنا منذ وقت طويل؟"
"نعم، منذ أكثر من ثلاثين عاما. أذكر أنها جاءت قبل ولادة وسام بسنة او سنتين. كانت ما تزال شابة ودون خبرة، ولكنها سرعان ما أثبتت جدارتها وإخلاصها. إنها كانت مربية أولادي ومدبرة المنزل. لا أعلم ماذا كنت سأفعل من دونها. إنها امرأة رائعة."
"فعلا... تبدو مخلصة لك الى حد كبير، واهتمامها بصحتك وراحتك لا يخفى على احد."
"أنا ممتنّة لها بحق."
"وهل بقيت دون زواج طوال هذا الوقت؟"
"المسكينة ضحّت من أجلنا كثيرا. يمكننا القول إنها تزوّجت من عائلتنا. لا شيء سوى ذلك."
فهمت من كلامها أن السيدة نخايلة لم تتزوّج قط. ولكنني تذكّرت أن السيدة أخشيد أخبرتني مرة أنها تركت لفترة وتزوجت ثم عادت.
فسألتها بفضول: "وهل بقيت معكم طوال الوقت؟"
"في الحقيقة، لقد تركت البيت مرة لظروف عائلية ثم عادت. كم كنت محبطة بدونها! ظننت أنها لن تعود. ولكنني سررت بعودتها بعد مدة ليست طويلة. ومنذ ذلك الوقت وهي معنا. لم تعد لها عائلة غيرنا."
ترى ما الذي تخفيه السيدة نخايلة؟
إنها امرأة غامضة... صموتة... وكتومة. ولكن... هل هي خطيرة؟؟ لا أنسى أن وسام قال عنها ذلك مرة على مسمعي. فهل يعرف شيئا ما عنها دفعه لقول ذلك؟؟ ولماذا تراقبنا أنا ووسام؟ ما الذي تريده؟ وهل لها علاقة باختفاء رباب؟؟!
كانت هذه أول مرة يخطر لي أنها قد تكون على علاقة باختفاء رباب.
قرّرت أن أتحرّى عنها أكثر. وفي اليوم التالي، التقيت بالسيدة أخشيد في الحديقة. كانت السيدة أخشيد من النساء النادرات اللاتي لا يتحدثن عن الآخرين كثيرا، وإن تحدثت فلا تقول إلا الخير. كانت سيدة ناعمة الطبع وعذبة الحديث. ربما لهذا كنت أشعر بالراحة عند حديثي معها، وأحيانا كانت تنتابني رغبة قوية في كشف حقيقتي أمامها. ولكنني كنت أمسك نفسي بشدة، ثم أشعر أن هذه المرأة تشكل أكبر خطر لي في هذا البيت، فهي التي تكاد أن تجعلني أكشف حقيقتي.
بادرتها بسؤالي: "هل لاحظت تغيرا في تصرف السيدة نخايلة في الآونة الأخيرة؟"
"تغير؟؟" استغربت السيدة أخشيد. "كيف؟"
"لا أدري كيف أفسر لك. أحس بشيء غريب فيها في الآونة الأخيرة. حتى أنها لم تعد تجلس معنا كثيرا كما كانت تفعل سابقا، ألم تلاحظي ذلك؟"
"هذا صحيح، ولكنني لا أستغرب من ذلك كثيرا. أحيانا أحس أنها تحب الانفراد بنفسها، ثم تعود وتشاركنا. يجب أن ندعها لحريتها. إنها طيبة القلب وتكاد تكون جزءا من العائلة." ثم ابتسمت قليلا واستطردت قائلة: "ربما يكون عيبها الوحيد هو حبها الشديد لوسام. محظوظ جدا هذا الشاب! فهو يكسب محبة الجميع بسهولة، ومن المؤسف أن ذلك يكون على حساب أخيه وأخته."
استغربت من كلامها، فسألت: "وهل تحبه السيدة نخايلة بشكل خاص؟"
"أكثر من الجميع. أحيانا أحسّ أنها تراقبه من فرط حرصها عليه."
"تراقبه؟!"
مالت إليّ قليلا وهمست: "هل أقول لك سرا؟ لقد رأيتها عدة مرات وهي تلاحقكما عندما تكونان معا. مسكينة! إنها تداري عليه وكأنه الابن الذي لم تلده في حياتها."
إزدادت دهشتي لسماع قولها. لماذا تهتم بأمره الى هذا الحد؟
هل كانت تراقبه هو؟ ام ربما... تراقبني أنا؟؟! ربما اكتشفت حقيقتي وبدأت تراقبني؟؟
أحسست بقشعريرة الخوف تسري في جسدي. لم أكن أراها مثل السيدة أخشيد طيبة القلب وحريصة على ابنها الذي لم تلده. فملامحها وهي تراقبنا من تلك النافذة لم تفارقني للحظة.
ولكن كلامها أكّد لي أنها حقا كانت تراقبنا... لسبب ما!
...............................................

في اليوم التالي، استيقظ البيت على صراخ وعويل.
نظرت الى الساعة، فإذا بها تشير الى السادسة صباحا. لبست الروب فوق ثيابي وهرولت الى الطابق الأول، حيث مصدر الصراخ. وحين وصلت، وجدت التفافا بالقرب من غرفة السيدة ماردين، فخطر لي في الحال أن شيئا ما مريعا قد أصابها. إلا أنني حين وصلت الى المكان، رأيتها جالسة في مقعدها دون أذى، والسيدة نخايلة في غرفتها المجاورة نائمة في فراش من دم.


يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إختفاء رباب ماردين 9
- إختفاء رباب ماردين 8
- إختفاء رباب ماردين 7
- اختفاء رباب ماردين 6
- الرجل غير العادي
- إختفاء رباب ماردين 4
- اختفاء رباب ماردين 3
- شيء من دفء- قصة قصيرة
- إختفاء رباب ماردين 2
- اختفاء رباب ماردين 1
- المستعجلة
- أنا أحس
- حديقة مفتقدة
- دراجة نارية صغيرة
- ليلة خائبة
- جدي
- الحب والعاصفة 23
- كلمات حب في القمامة
- رحلتي الى باريس
- تساؤلات بريئة- الجزء الثاني


المزيد.....




- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...
- فيلم السرب 2024 بطولة احمد السقا كامل HD علي ايجي بست | EgyB ...
- أستراليا تستضيف المسابقة الدولية للمؤلفين الناطقين بالروسية ...
- بعد إطلاق صندوق -Big Time-.. مروان حامد يقيم الشراكة الفنية ...
- انطلاق مهرجان أفلام السعودية في مدينة الظهران
- “شاهد الحقيقة كامله hd”موعد عرض مسلسل المتوحش الحلقة 32 مترج ...
- -سترة العترة-.. مصادر إعلامية تكشف أسباب إنهاء دور الفنانة ا ...
- قصيدة (مصاصين الدم)الاهداء الى الشعب الفلسطينى .الشاعر مدحت ...
- هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟
- إلغاء حفل النجمة الروسية -السوبرانو- آنا نيتريبكو بسبب -مؤتم ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - إختفاء رباب ماردين 10