أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - هتيريا الرجولة














المزيد.....

هتيريا الرجولة


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3284 - 2011 / 2 / 21 - 02:29
المحور: المجتمع المدني
    


هستيريا الرجولة
يقال: الطفل ضحية رجولته، والرجل الشرقي مقتله في ذكورته.
كن رجلْ !!.. كن رجلْ !!..كن رجلْ !!.. لازمة تعودت آذان الأطفال على سماعها من آباء اعتادوا ترديدها على مسامع الأحداث، بمناسبة وبدونها، جملة فعلية آمرة هجومية قاسية، تُطلق على هواهنها تارة بلغة التهكم والسخرية، وفي أخرى بجدية غاضبة من تصرفات أطفال في مراحل عمرية متقدمة، ولا يتوقف طنينها حتى عند بلوغهم مراحل الشباب، ولا يملّ الآباء والأمهات والأعمام والأخوال والإخوة الأكبر سنا، مع أي موقف أو مناسبة، من تكرار عبارتها التي لا يعرف لها أكثرية الأطفال معنى أو قيمة، ولا يدرون كيف الوصول إلى كنه تلك الرجولة، التي يحلم الآباء ويبذلون الجهود المضنية كي تتشكل ملامحها في شخصيات أبنائهم وتنمو وتتنمى فيهم، و يزداد نضجهم، ويتلقّح فهمهم ويترقى شعورهم عن مستوى الطفولة المعتادة المستغرقة في اللهو واللعب، فيتحصنوا من الميوعة وآثار التّخنث، ويصبحوا كأطفال عمرو بن كلثوم الأشداء الأقوياء قبل الأوان، كما جاء في معلقته:
اذا بلغ الفطام لنا صبي تنخ له الجبابر ساجدينا.
وهكذا يبقى الطفل ملاحق بمصطلح الرجولة، ويقف الكل في وجهه عند الشباب يريدون منه أن يكون "راجلْ"، أي أن يتأهل ويكف عن تأمل جمال البنات السافرات والمتحجبات من وراء سواد زجاج نطاراته. وقد جرت العادة على أن ينعت الطفل بصفة "أنت دابا راجل" عندما يحسن التصرف في موقف من المواقف التي تعودها الناس أن لا تصدر إلا من الرجال، وكثيرا ما كانت نفس الصفة تسلب من نفس الطفل ويبالغ في لومه وتبكيته والمقارنة بينه وبين الرجال، حينما يتصرف بمنطق وسجية الأطفال الطبيعية، ما يستضعف فيه الشخصية، ويشكك في قدراته، وحتى في جنسه، وهل هو فعلا رجل أو غير ذلك؟؟ فتدفعه الحيرة إلى تحسس أعضائه التناسلية للتأكد والاطمئنان على أنه رجل، في خلط خطير بين الذكورة التي هي تصنيف وحظ من رب العالمين يبدأ منذ الميلاد.. والرجولة التي هي صفة مكتسبة تصنعها التربية ومواقف الحياة، واللتان تاه الكبار قبل الصغار في معناهما و الموازنة بين مفهوميهما الحقيقيين اللذين عاش ويعيش أطفال مجتمعاتنا، مأساتهما بسبب تعنت أكثرية الآباء واستماتتهم على تلقين الصغار -منذ نعومة أظفارهم- معايير الرجولة، كما يرونها هم ويعشقونها، والمبنية على الهيمنة والسيطرة والزعامة والفرض الذي يكفل لهم فعل أي شيء و في أي وقت وفي أي مكان، لأن العالم في رأيهم لا يقبل إلا هذا النوع من الرجولة الكلاسيكية، ويرفضون الرجولة الحقة التي هي صفة لأعلى مراتب الكمال والرشد والنضج .. صفة لتمام العقل ونضج الفكر والثبات في مواطن الحق، هذه الرجولة التي لا تفرض على الأطفال التخلي عن طفولتهم مبكرا، ولا تلزمهم مصارعة كل مشاعر خوفهم البريء وألمهم الطفولي، ولا تطالبهم بأن يكافحوا حنانهم وشغفهم للعناق وقبلات امتنان الأمهات.
إن هذا الأسلوب التربوي المتخلف المقتصر كلية على التلقين والنصح والأوامر والنواهي والزجر والردع وتوجيه اللوم القاسي، بغية تدريب الأطفال على الرجولة، لن يؤتي ثماره المرجوة، ولن يحظى معه الأبناء، براحة البال والاطمئنان النفسي، لأنه أسلوب لا يؤثر سلبا على نمط حيات الأطفال الاجتماعية فقط، بل يمتد ليطال صحتهم الجسدية والنفسية كما أثبتت ذلك الكثير من الدراسات، لاعتماده على قيم تربوية لا تحترم المشاعر والأعمار، وتجعل الطفل ينفصل عن ذاته الحقيقية ويعيش بذات زائفة تم تركيبها وبناؤها ضمن قيم أبوية ومفاهيم بطركية للرجولة، يخسر معها الطفل طفولته دون أن يربح الرجول، كما خلصت بعض الدراسات الاجتماعية الحديثة إلى النتيجة الميلودرامية، وهي أن مقتل الطفولة في مجتمعاتنا كامن في الرجولة.
فإذا أراد الآباء أن تتشكل في أبنائهم، ملامح الرجولة الحقيقية بكل معانيها التي لا تقتصر على الذكور دون الإناث، لأنها ليست مجرد تركيب تشريحي أو وظائف فسيولوجية، ولكنها مجموعة مواقف ومسؤوليات وصفات تواتر الاتفاق عليها مثل: القوة والعدل والرحمة والمروءة والشهامة والشجاعة والتضحية والصدق والتسامح والعفو والرعاية والقيادة والحماية، عليهم أن يعملوا بصبر ومثابرة على ترسيخ وتأسيس هوية أطفالهم، وتقويم أخلاقهم بالرفق واليسر والتدرج دون استعجال لنمو مفتعل، يختزل الطفولة، ويحرم الأطفال من المشاعر والعواطف الطفولية الأساسية في بناء الشخصية كما حدث مع الأجيال السابقة والتي كانت ضحية سوء فهم لمعنى الرجولة.
وأختم مقالتي بقولة الإمام علي: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته" ففي السنوات الأولى من عمر الإنسان تتشكل ملامح شخصيته، وتنغرس بذور صفاتها الأساسية.



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوف كا، ربي يتماغ.
- بلاد الدل تنهجر.
- جوع كلبك يتبعك
- ثقافة التقليد.
- على هامش تطبيق مدونة السير.
- غربة درب
- عابد الجابري واستفزاز الصغيرات.
- عشق حي قديم.
- وإذا بوعزبزي يوما أراد الحياة...
- صراعات الأديان
- الغضب
- لماذا يبكي الآباء عند تزويج بناتهم؟؟؟
- مشاهد حياتية مستفزة(الحلقة3)
- مشاهد حياتية مستفزة الحلقة 2
- مشاهد حياتية مستفزة, الحلقة الأولى,
- عيد العمال بنكهة جديدة
- اليوم العالمي للصحافة
- احتفالات عيد العمال
- على هامش المصادقة على مدونة السير الجديجة
- قصار القامة عظماء الهامة


المزيد.....




- الأمم المتحدة: معدل الفقر في فلسطين بلغ 58.4%
- -لن نقبل أن نصبح وطنا بديلا-.. ميقاتي: لبنان تحمل العبء الأك ...
- دعما -لاستقرار لبنان- و-تحديات استضافة اللاجئين-.. مساعدات أ ...
- الاتحاد الأوروبي سيقدم دعما -لاستقرار- لبنان ومكافحة عمليات ...
- آخر تطورات احتجاجات الجامعات بأمريكا مع تصاعد الاعتقالات
- توقع بإدراج إسرائيل الشهر المقبل على القائمة السوداء للأمم ا ...
- بعثة أوروبية تتوجه إلى لبنان بدعم بقيمة مليار يورو لوقف تدفق ...
- إعدام سعوديين أدينا بخيانة الوطن وتأييد الفكر الإرهابي
- اليونيسف: رفح تمتلئ بالمقابر والأطفال يُقتلون بشكل ممنهج لكن ...
- اتهام روسيا أمام لجنة حقوق الإنسان بقصف مستشفى بشمال سوريا ع ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - هتيريا الرجولة