عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1943 - 2007 / 6 / 11 - 12:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لمن يريد الملك والسلطان
هل كان محمد يريد ملكاً ولمن , وهل كان يريد الملك للعرب أم لقريش , وكيف هو ومن خلال نفوذه كان يقسم العرب من قريش وباقي القبائل العربية , وهل فعلاً خص الأئمة في قريش أم ماذا ؟
{ قلنا فيما تقدم إن الغاية التي ينزع إليها محمد ليست بدينية محضة بل هو يريد أن يحدث نهضة كبرى أو موجة عربية كبرى تكون دينية اجتماعية سياسية يقوم بها العرب في بدء الأمر على أن تكون لهم السيادة فيها على غيرهم من الناس ثم يكون نفعها عاماً شاملاً للناس أجمعين , وقد مر بك قوله للملأ من قريش عند أبي طالب لمّا حضرته الوفاة (( أعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم )) (1) والمخاطب في قوله تملكون هم الملأ من قريش , وإذا جاء الاعتماد على ما جاء في كتب القوم من الأحاديث المأثورة , قلنا : إنه كان يريد في نهضته بالعرب أن يكون الملك والسلطان من ورائها لقريش مباشرة , وللعرب بواسطة قريش , ولنورد ما هنالك من الأدلة على ذلك مقدمين بين يدي ذلك الكلمة التالية :
الناس قسمان :
(الأَثَرة ) بفتحتين اسم من الاستئثار , يقال : استأثر بالشيء على غيره إذا استبد به وخص به نفسه , وضده (الإيثار ) وهو أن يقدم غيره على نفسه , ويخص بالشيء غيره دون نفسه ولنسم صاحب الأثرة بالأثري , وصاحب الإيثار بالإيثاري , فالناس بالنظر إلى هذا في حياتهم الاجتماعية قسمان إمّا أثريون أنانيون وهم القسم الأكثر , وإمّا إيثاريون وهم القسم الأقل النادر 0 وإذا نظرنا إلى محمد بمنظار ما هو مأثور في كتب السير والحديث رأيناه في الذروة العليا من مقام الإيثاريون , ووجدناه قد ترفع /21/ بنفسه عن حطام الدنيا وزخرفها الفاني , واحتقر الماديات كلها , ونظر إليها نظر المقت والازدراء إلا اثنتين منها أخبر هو عن نفسه بحبه إياها (( الطيب والنساء )) , ولم يرد لنفسه إلا ما هو أبدي خالد من تقديس القوم إياه , ومن ذكرهم له بالصلاة والسلام إلى الأبد , لذلك قرن اسمه باسم الله , ولم يجعل الإيمان شهادة واحدة بل شهادتين (( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) , مع أن الدعوة التي قام بها كانت إلى عبادة الله وحده لا شريك له , فكلمة التوحيد (( لا إله إلا الله )) وحدها كافية لذلك , غير أنه جعل اسمه رديفاً لاسم الله ليكون مقدساً مطاعاً عند القوم الذين يريد أن يقودهم إلى خيري الدنيا القصوى , ولم يكتف بذلك بل جعل على المسلمين أن يذكروه عند كل تشهد في صلاتهم التي يصلونها كل يوم خمس مرات , مع أن الصلاة إنما هي عبادة لله ينبغي أن تختص بذكر الله كما قال في القرآن : (( وأقم الصلاة لذكري )) (1) أي لأجل ذكري 0 وكذلك جعل المؤذنين يذكرون اسمه مع اسم الله عند دعوتهم الناس إلى الصلاة في آذانهم , وكل ذلك خارج عن أصل الدعوة التي جاء يدعو بها الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له 0 لم يرد محمد لنفسه ملكاً ولا سلطاناً , بل كل ما أراده لنفسه هو هذا الذي ذكرناه , وهو لعمري خير من ألف ملك وألف سلطان , ولم يطلب غير ذلك أجراً على دعوته التي قام بها إلى الله , وهو كما تراه أجر عظيم لا تطمع فيه ولا تطمع إليه إلا النفوس الكبيرة التي لاتصبو إلى الفانيات ولا تميل إلى الماديات , نعم ! إن محمداً اكتفى بالذكر المقدس الخالد لنفسه , ولكنه /22/ أراد الملك والسلطان لقومه قريش , خصوصاً لذوي قرابته الأدنين منهم 0 وزاد هؤلاء أعني ذوي قرابته الأدنين أن طلب لهم المودة من المسلمين كما جاء في القرآن ( لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ) (2) زيادة على استحقاقهم ما يستحقه سائر قريش من ولاية الملك والسلطان 0 فإن قلت لـََم لم يحصر الملك في ذوي قرابته الأدنين من قريش , قلتُ : إنه في هذه المسألة أيضاً قد راعى المصلحة العامة إلى حد معين , فكره أن يجعل الملك محصوراً في دائرة ضيقة , لأن دائرة الملك كلما كانت أوسع كان وجود أرباب الكناية له أكثر 0
فلذلك جعل الملك عاماً في قريش كلهم على أنه لم يجعله فيهم مطلقاً , بل مقيداً بالشورى واجتماع الرأي على واحد منهم بطريقة البيعة , واكتفى لذوي قرابته بأن جعل لهم ميزة على سائر قريش باختصاصهم بالمودة لهم من المسلمين 0
غير أن هذه المودة التي سألها محمد لذوي قرابته الأدنين قد انجرت فيما بعد إلى ما انتقضت به دعوته إلى عبادة الله وحده لا شريك له , حتى أن الوثنية التي حاربها محمد بسيفه وقرآنه قد عادت إلى ما كانت عليه في الجاهلية بشكل آخر أبشع من الأول , لأن المسلمين صاروا يغالون في مودتهم , وجعلوا يزدادون غلواً على غلو كلما مرّ الزمان , ولقد ساعدهم على الغلو فيها مكايد السياسة من جهة , ومطامع المعيشة من جهة أخرى , فكانت السياسة ترمي في نار غلوهم حطباً , وكانت المطامع تنفخ فيها من كل جانب نفخاً حتى احترق بها دين التوحيد الذي جاء به محمد, لأن المسلمين خرجوا من حدود المودة إلى حدود العبادة /32/ فصاروا يحجون قبورهم كما يحجون بيت الله , وينذرون لهم النذور كما ينذرون لله , بل لم أصادف في حياتي من نذر نذراً لله , وإنما هو لأحد أصحاب هذه القبور , وتراهم يضرعون لهم كما يضرعون لله , ويدعونهم في حاجاتهم كما يدعون الله , ويقولون هم شفعاؤنا عند الله , كما قال المشركون من قبلهم عن أصنامهم هم شفعاؤنا عند الله , إلى غير ذلك من الأمور المنكرة الموجودة اليوم في العراق أكثر من غيره من بلاد المسلمين , ولقد زادوا على المشركين أنهم بنوا على قبورهم المباني الضخمة الفخمة وزينوها بالذهب والفضة وزخرفوها أنواع الزخرف , وأزادوا على هذه الشناعة شناعة أخرى ببكائهم على آل البيت , حيث تراهم إذا جاء محرم يحدون رجالاً ونساء ويقيمون المآتم فيقومون فيها حاسري الصدور يتلدمون بأيديهم على صدورهم التدام الثكالى والنوائح , ومنهم من يضربون على صدورهم أو ظهورهم بالسلاسل , وهم بذلك يتقربون إلى الله , ويعدونه من عبادة الله وقد قلت في مآتمهم هذه من أبيات :
فلو رأيت صدور القوم حاسرة وكلهم قام بالكفــــين ملــتدمـــــا
لقلت قول بريءٍ من جهالتهــــم هذا لعمري بكاء أضحك الأمما
ولقد كانت هذه المودة التي خرجت عن حدودها كما ذكرنا آنفاً منبعاً للفتن , ومبعثاً للحروب بين المسلمين , وللشقاق والنزاع وبذر بذور العداوات المذهبية التي أدت أخيراً إلى انقراض الدولة العباسية وخروج الملك من يد العرب / 24/ كما هو مسطور في كتب التاريخ , وتاليه أن محمداً لو كان يعلم أن أمر هذه المودة التي طلبها لذوي قرابته سيؤول إلى هذه الحالة المنكرة التي نقضت جل دعوته وهدمت بنيان دينه لما سألها ولا أرادها لهم 0
وقد جاء أحاديث في حب آل محمد إذا صحت وجب أن نقول إن محمداً لم يبعثه الله رسولاً ليدعو الناس إلى معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له , ولا ليهديهم إلى صراط مستقيم , ولا ليخرجهم من الظلمات إلى النور بل إنما أرسله ليدعو الناس إلى حب آل بيته , فإن الناس كما تقتضيه تلك الأحاديث لا ينجون من عذاب الله إلا بحبهم ولا يدخلون الجنة إلا بحبهم , ولا ينفعهم الإيمان بالله ولا طاعته إذا لم يموتوا على حب آل محمد , وفي هذا من الغلو في الأثرة ما يقتضي أن محمداً من أشد الأثريين أثرة , وأنه ليس في الذروة العليا من مقام الإيثاريين كما قلنا فيما تقدم 0 ومهما تكن غاية محمد ليست بدينية محضة , ومهما يكن ما يريده لقومه قريش خاصة وللعرب عامة من الملك والسلطان ثابتاً بالأحاديث المأثورة عنه , فإنه من المزري بمقامه الرفيع أن يغلو في دعوة الناس إلى حب آل بيته هذا الغلو الذي يجعل حبهم هو الغاية القصوى من نبوته ورسالته , فالعقل الصريح يجزم بأن هذه الأحاديث موضوعة بعد محمد من قبل أناس تحزبوا لآل محمد لأسباب سياسية وغير سياسية 0
وقد ذهب بعض المفسرين في تفسير ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا مودة في القربى ) مذهباً وجيهاً بالنظر إلى سبب نزول هذه الآية , إذ جاء في سبب نزولها أنه لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله وبينهم قربى , فلما كذبوه ولم يبايعوه /25/ نزلت هذه الآية , فيكون المعنى إلا أن تودوني في القربى , أي في حق القربى ومن أجلها , ففي سببية كما تقول الحب في الله والبغض في الله بمعنى في حقه ومن أجله , يعني أنكم قومي وأحق من أجابني وأطاعني , فإذا قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق القربى , ولا تؤذوني ولا تهيجوا علي , ويؤيد هذا القول استعماله كلمة ( في ) دون ( اللام ) , ولو كان يريد المودة لذوي قرابته لقال إلا المودة للقربى أو لذوي القربى 0
أما الأدلة على جعله الملك لقريش فلنذكر لك ما تيسر منها : فمن ذلك قول محمد : (( الأئمة من قريش )) , وقوله : (( قريش ولاة هذا الأمر )) وقوله : (( قريش أهل إمامة )) , ورواه بعضهم أهل أمانة بالنون , وهو من تحريف الرواة 0 قال الطحاوي قريش أهل أمانة هكذا قرأه علينا المزني بالنون , وإنما هو أهل إمامة بالميم 0 والإمامة هي الخلافة , والإمام الأعظم عند المسلمين هو الخليفة 0 وقد جمع الحافظ ابن حجر طرق هذا الحديث , أعني : (( الأئمة من قريش )) في كتاب سماه (( لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش )) (2) }
(1) سورة طه الآية : 14
(2) سورة الشورى الآية : 23
(1) سورة الشورى الآية : 23
(2) انظر كتب الحديث , كتاب الامارة : كتاب ابن حجر لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش ؛ السيرة الحلبية 1/25-26 0 مناقب قريش 0
* كتاب الشخصية المحمدية أوحل اللغز المقدس , تأليف معروف الرصافي 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
