أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى النجار - هل الانتحار من حقوق الانسان؟















المزيد.....



هل الانتحار من حقوق الانسان؟


مصطفى النجار

الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 07:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل أصبح الانتحار أمر طبيعى؟
مارغو همنغواي, العارضة الشهيرة التي انتحرت في وقت كانت تجني الكثير من المال, أثارت الكثير من التساؤلات. هل هناك عوامل جينية وراء انتحارها, خصوصاً أنّ جدّها آرنست همنغواي انتحر أيضاً؟ "لا يمكن ربط الانتحار جينياً" يشرح حبّ الله, مضيفاً: "لكنّ صلة الوصل هي التماهي, أي عندما يواجه الفرد صعوبات في الحياة واذا كانت هناك سوابق في العائلة, يكون الانتحار تماهياً كوسيلة للخلاص. لدى الانسان تنازع بين حبّ البقاء ونزعة الموت في المفهوم النفسي. ترتبط نزعة الحيـــاة بعوامــل عــدّة منهــا نفسيّة واجتماعية ومدى استمتاعه بالحياة. عندما تشكّل هذه العوامل سدّاً بحدّ ذاتها, تصبح الحياة مستحيلة, عندئذ يُطرح الموت كخلاص من استحالة العيش. كما انه ينبغي التمييز بين الروحي والمادّي. يرى المادي انه لا جدوى من الحياة لأنّها لا تؤمن ما يريده ويصبح الانتحار لديه اسرع. أما المؤمن فيرى أن انسداد الافق قد يُعوّض في الحياة الثانية والاحصاءات خير دليل الى ذلك. ففي البلدان الاوروبية والغربية تزداد نسبة الانتحار وتتعدى بأضعاف ما يحصل في البلدان الاسلامية".
السود أكثر من البيض
تزداد نسبة الانتحار في البلدان المتطوّرة بينما تنخفض في البلدان النامية, كما أنّ البيض الاميركيين ينتحرون أكثر من السود. لماذا؟ يعزو حبّ الله ذلك الى أنّ علاقة المجتمعات النامية بالحياة علاقة وطيدة أكثر لانها مرتبطة بالحاجات (المال, الغذاء...) البدائية فهم لم يبلغوا المرحلة الذهنية التي تظهر فيها المآزق التي تتطلّب حلولاً فكرية. والدليل أنّ الطب النفسي في اوروبا يضطلع بأهميّة بارزة على عكس الهند مثلاً, ذلك أنه يعالج الاسئلة الفكرية التي تطرحها الحداثة. ويضيف: "نحن نعيش في مجتمع اصبح فيه المال يحقق كل الحاجات الى درجة ان بعض الشرائح المتخمة لم تعد تجد اي سبب للبقاء, او هدف لانها اختزلت الحياة بتلبية الحاجات ليس الا. وهذا سبب انتحار الاغنياء المباشر, أو غير المباشر, عبر افراطهم في الشرب, او تعاطي المخدّرات أو الاسراف في الطعام وغيره".
ومن الأسباب المرضيّة للانتحار الاكتئاب الذي أثبت العلماء أنّ الجينات تلعب دورها في نقله, اضافة الى انفصام الشخصيّّة. وهناك الانتحار الجماعي حيث يقتل الاب عائلته لانه لا يريد أن يتعرّض اولاده لظلم الحياة وقساوتها ثم يقتل نفسه.
يلقي حبّ الله بعضاً من المسؤولية على عاتق الفلاسفة في مجال الوقاية من الانتحار. ويضيف: "عليهم اعطاء مفاتيح ومفاهيم جديدة للحياة بعد تطور العلم. في ما مضى, كان الانتاج الفكري يرافق العلم على عكس اليوم حيث عجز عن مواكبته. تحوّل الانسان في هذا العصر الى عنصر استهلاكي فأصبح يُحصى في الاسواق بمدى استهلاكه. ففي كوريا الجنوبية مثلاً ازدادت نسبة الانتحار بعد التضخم الاقتصادي بصورة لم تشهدها كوريا بتاتاً".
أمّا الوقاية في الشق الاجتماعي, فهي سهلة. يشرح حبّ الله: "نلاحظ في الغرب النسبة الكبيرة من التفكّك الاسري والعائلة هي اصل الشبكة الاجتماعية. غاصت هذه العائلات في نوع من الانطوائية والعزلة. لكنّ السلطات والهيئات قامت بتحريك او ايجاد فسحات في المجتمع (النوادي, الحفلات...) لجمع الناس لئلا تفقد العلاقة الانسانية قيمتها وتؤدي الى المرض".
الجوع لا يقتل
"الجوع لا يقتل" بحسب حبّ الله, لذلك يطاول الانتحار الطبقات الغنية وتلك التي كانت غنيّة ثم طرأ تغير في وضعها الاجتماعي من المنظور الاقتصادي. اقدم بعض أفراد هذه الاسر على الانتحار بسبب تدهور وضعهم الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي. ويضيف حبّ الله: "في جميع الاحوال, يرتبط ذلك بمدى اعطاء الفرد قيمة لشكله الخارجي. اذا كانت القيمة كبيرة فهو سيفقد علاقته بالحياة عند تدهور وضعه الاقتصادي. لكن هنا يضطلع الارشاد والعمل الاجتماعي بدور بارز. كما ينبغي أن تقوم الدولة بتوجيه الفرد وتوضيح وظيفته في المجتمع".
يتولّى المعالجون النفسيّون الشق المرضي. فالعلاجات المضادة للاكتئاب والعلاجات النفسية المكثفة متوافرة وتهدف الى استقراء مشاعر المريض لاعادته الى الحياة. كما أشار حبّ الله الى أنّه تجب توعية الاهل من دون التخويف, ودفعهم الى مدّ جسور التواصل مع المريض.
ويستغرب حبّ الله مدى تبلّد شعور بلداننا العربية ازاء المشكلات النفسيّة التي هي أصلاً ما يدير الدفّة. فـ"السعادة مثل غيرها نفسيّة" في حين لا تركّز دولنا سوى على الناحية التي يمكن مسّها ضاربةً بعرض الحائط ذلك الفرد الذي يشعر باكتئاب أو حزن أو ظلم أو غياب الحافز, أمور نفسيّة تدفعه, بين ليلة وأخرى, الى الانتحار في غياب تامّ لجهات تفهمه وترعاه.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
ظاهرة الانتحار.. كيف عالجها القرآن

بقلم الباحث عبد الدائم الكحيل
لم أكن أتصور أن عدد حالات الانتحار في العالم تصل إلى أكثر من 800 ألف حالة وذلك كل عام!! وأمام هذا العدد الضخم كان لا بدّ من إجراء العديد من الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة الخطيرة.
ففي كل 40 ثانية هناك شخص ينتحر في مكان ما من هذا العالم! وفي كل عام هنالك مئات الآلاف من الأشخاص يموتون منتحرين في العالم. وفي كل عام يموت 873 ألف إنسان بعمليات انتحار مختلفة (1). إنها بحق ظاهرة تستدعي الوقوف طويلاً والتفكر في أسبابها ومنشئها، بل وكيفية علاجها.
وفي مقالتنا هذه سوف نرى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الانتحار، هذه الأسباب هي نتيجة أبحاث كلّفت ملايين الدولارات، والهدف منها إيجاد علاج ناجع للانتحار، وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي يتم إنفاقها كل عام لعلاج هذه الظاهرة إلا أن إعداد المنتحرين كل عام لا تتغير بل تزداد أحياناً.
وسوف نتساءل أيضاً: هل غفل كتاب الله تعالى وهو الكتاب الذي أنزله الله تفصيلاً لكل شيء، هل غفل عن ذكر هذه الظاهرة وعن ذكر علاج لها؟ بل سوف نقارن العلاج العلمي بالعلاج القرآني لنرى التطابق المذهل، بل لنرى أن القرآن يتفوق على العلماء وأبحاثهم العلمية.
حقائق حول الانتحار
- حسب إحصاءات الأمم المتحدة فإنه في أية لحظة ننظر إلى سكان العالم نجد أن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية. إن أكثر من 90 % من حالات الانتحار يرتبط سبب انتحارهم باضطرابات نفسية وتحديداً الكآبة، أي فقدان الأمل الذي كان موجوداً لديهم (2).
- يعدّ الانتحار السبب الثامن لحالات الموت في الولايات المتحدة الأمريكية.
- الرجال أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً. ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر.
- في 60% من حالات الانتحار يتم استخدام الأسلحة النارية مثل المسدس.
- تشير الدراسات إلى أن قابلية الانتحار لدى الشخص تكبر مع تقدم سنّه، ولذلك نرى بأن هنالك أعداداً معتبرة بين الذين يموتون منتحرين وأعمارهم تتجاوز 65 عاماً. وهؤلاء معظمهم من الرجال.
عوامل تؤدي للانتحار
- إن عنصر الكآبة هو الأوفر حظاً في السيطرة على مشاعر من لديه قابلية للانتحار.
- كذلك مشاعر اليأس لها دور كبير في التمهيد للانتحار.
- إن تكرار محاولات الانتحار أو التفكير في الانتحار هي أسباب قوية لتنفيذ هذا الانتحار فيما بعد.
- إن الإدمان على الكحول والمخدرات قد يكون أحد الأسباب المؤدية للانتحار.
- المعتقد الديني حول الانتحار له دور أساسي في قبول فكرة الانتحار، فعند جهل الإنسان بأن الانتحار محرّم قد يستسهل هذه العملية. وقد يعتبر البعض أن الانتحار هو قرار نبيل للدفاع عن أخطاء أو خسارات كبيرة لا يتحملها العقل.
- فقدان شيء غالٍ أو خسارة كبيرة، وهذا يؤدي لنوع من رد الفعل قد ينتهي بالانتحار.
- عوامل نفسية مثل العزلة أو العدوانية قد تؤدي إلى التفكير بالانتحار.
عوامل الوقاية حسب معطيات العلم الحديث
يؤكد العلماء الذين درسوا آلاف الحالات لأشخاص قد ماتوا منتحرين على ضرورة العناية بمن لديهم اضطرابات نفسية قد تؤدي بهم إلى الانتحار. وضرورة رعايتهم من الناحية الطبية وتوفير الحالة النفسية السليمة لهم.
وبالطبع هؤلاء العلماء لا يعالجون المرض إلا بعد وقوعه، فالطبيب ينتظر ظهور المرض ثم يقوم بدراسته وتحليله وإيجاد العلاج الملائم له. ولكن هؤلاء العلماء لم يتمكنوا بعد من وضع علاج يخفف من حالات الانتحار، لأن الإحصائيات العالمية تظهر أن نسب الانتحار شبه ثابتة وتتأرجح حول معدل قد يصل إلى مليون منتحر كل عام.
أرقام مرعبة!
ولكي لا يظن أحد أننا نبالغ في هذه الأرقام، فإننا نقدم إحدى الإحصائيات الدقيقة جداً والتي تمت عام 2002 في الولايات المتحدة الأمريكية (3) وكان بنتيجتها:
بلغ عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة. عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، و6 آلاف امرأة.
أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً.
أما عدد الشباب بين هؤلاء (15-24 سنة) فقد بلغ 4000 منحراً.
وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأنه في أمريكا هنالك شخص يقتل نفسه كل ربع ساعة!!
وفي هذه الإحصائية تبين بأن هنالك 17 ألف إنسان قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدسهم.
وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم.
أكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا.
وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً.
ويمكن القول وسطياً بأنه في كل عام يُقتل 100 ألف شخص بحوادث مختلفة مثل حوادث السيارات وغيرها، وبالمقابل نجد أن 30 ألف شخص يقتلون أنفسهم، فتأمل هذه النسبة العالية جداً للذين يقدمون على الانتحار.
والعجيب في هذا التقرير أن هنالك 5 ملايين أمريكي حاولوا قتل أنفسهم!!!
وعلى الرغم من الوسائل المتطورة التي تبذل في سبيل معالجة هذا الداء فإن نسبة الانتحار زادت 60 بالمئة خلال النصف القرن الماضي! (4).
لقد كان الاعتقاد السائد قديماً أن أشخاصاً محددين فقط لديهم ميول نحو الانتحار، ولكن أثبتت الحقائق العلمية أن كل إنسان لديه إمكانية الإقدام على الانتحار فيما لو توفرت الظروف المناسبة. كما كان الاعتقاد السائد أن الحديث مع الشخص الذي ينوي الانتحار حول انتحاره سيشجعه على الانتحار أكثر، ولكن الدراسات أظهرت العكس، أي أن الحديث عن عواقب الانتحار ونتائجه الخطيرة وآلامه يمكن أن تمنع عملية الانتحار(5).
والسؤال: ماذا عن كتاب الله تعالى؟
ولذلك نجد أن القرآن العظيم لم يهمل هذه الظاهرة، فقد أعطى أهمية كبرى حول هذا الأمر وعلاجه فتحدث بكل بساطة ووضوح عن هذا الأمر. بل أمرنا أن نحافظ على أنفسنا ولا نقتلها فقال: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29]. إنه أمر إلهي يجب ألا نخالفه.
ولكن هل يكفي هذا الأمر لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة؟ لا، لأن الدراسات الحديثة تؤكد على ضرورة بث الأمل لدى أولئك اليائسين المقدمين على الانتحار، وضرورة معاملتهم معاملة رحيمة. ولذلك نرى مئات المواقع والمراكز قد خصصت لعلاج ومواساة من لديه ميل نحو الانتحار أو يحاول ذلك.
ولذلك فقد أتبع الله تعالى أمره هذا بخبر سار لكل مؤمن، يقول تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29]، إنه نداء مفعم بالرحمة والتفاؤل والأمل. ولكن لماذا هذا النداء؟
إذا علمنا بأن معظم حالات الانتحار سببها فقدان الأمل من كل شيء عندها ندرك أهمية الحديث عن الرحمة في هذا الموضع بالذات.
ولكن هل يكفي الحديث عن الرحمة والأمل؟ لا، لأن بعض الناس لا يستجيبون لنداء الرحمة، ولا بدّ من تخويفهم من عواقب الانتحار. ويؤكد العلماء في أبحاثهم عن منع الانتحار أنه لا بدّ من تعريف الأشخاص ذوي الميول الانتحارية إلى خطورة عملهم وعواقبه وأنه عمل مؤلم وينتهي بعواقب مأساوية.
وهذه الطريقة ذات فعالية كبيرة في منعهم من الانتحار. وهذا ما فعله القرآن، يقول تعالى في الآية التالية مباشرة: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)[النساء: 30]. وتأمل معي هذا العقاب الإلهي: (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا)إنها بحق نتيجة مرعبة لكل من يحاول أن يقتل نفسه.
من هنا ندرك أن القرآن العظيم لم يغفل عن هذه الظاهرة بل عالجها العلاج الأمثل. ولذلك نجد أن أخفض نسبة للانتحار هي في العالم الإسلامي!!! وذلك بسبب تعاليم القرآن الكريم. بينما يعاني الغرب من عدم وجود تعاليم تمنعه من الإقدام على الانتحار فتجد نسبة الانتحار عالية لديهم.
بين الأسطورة والعلم والقرآن
عندما نزل القرآن العظيم كانت هنالك مجموعة من المعتقدات عند الشعوب، ومن هذه المعتقدات أنه لا ينبغي الحديث عن الانتحار لأن ذلك سيشجع على الانتحار (5) ولو كان القرآن كلام محمد صلى الله عليه وسلم وأنه قد جمعه من الأساطير السائدة في عصره كما يدعي بعضهم، إذن كان الأجدر به ألا يتحدث عن الانتحار! استجابة للأسطورة التي تمنع الحديث عن هذه الظاهرة.
ولو كان القرآن كلام بشر كما يدعون إذن كيف علم بأن العلاج الفعال للانتحار هو إعطاء جرعة من الرحمة والأمل للشخص وإعطائه بنفس الوقت جرعة من الخوف من عواقب هذه العملية؟ كيف علم هذا البشر بعلاج الانتحار قبل أن يكشفه العلماء بأربعة عشر قرناً؟؟
إن وجود هذه الحقائق العلمية دليل صادق لكل من لديه شك بأن القرآن كتاب صادر من عند الله القائل: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان: 6].
لنقرأ النص الإلهي كاملاً ونتأمل ما فيه من خطاب مليئ بالرحمة، يقول تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)[النساء: 26-31].
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
المنتحرون العرب ... مَن المسؤول؟
د. محمد جابر الأنصاري
ظاهرة الانتحار لا تتفشى في الأمة بسبب هزائمها الخارجية على يد الأعداء الخارجين، مهما كانت فداحة الهزائم وضراوة الأعداء.
ظاهرة الانتحار تعبير عن نزيف وتشقق داخلي يُباعد بين خلايا النفس الجماعية للأمة، فتصبح كل خلية بمعزل عن الأخرى، وينتابها الشعور بأنها قد تم التخلي عنها، قد تم هجرها، قد حوصرت وتقطعت شرايين اتصالها بالخلايا الشقيقة في النسيج الداخلي المحيط بها ... عندها تبدأ رحلة الانتحار ... كما تتساقط الأوراق الصفراء من الشجرة الأم .. وما الانتحار في نهاية الأمر؟
هو ذروة الحرب الأهلية داخل النفس الانسانية .. والتعبير النهائي عن تدمير جزء من الذات الواحدة للجزء الآخر منها.
وهذه الحرب الأهلية تبدأ عندما تشعر النفس إن الأهل قد تخلوا عنها ولكل نفس أهلها الذين تعتبرهم أهلاً .. فالانسان العادي أهله أسرته .. والانسان ذو الشعور الوطني أهله مواطنوه .. والانسان المفكر أهله حاملو فكرته ... والانسان الداعية أهله جند دعوته .. والانسان المقاتل أهله جند رايته ...
وطالما أن «أهل» كل نفس انسانية بهذا المعنى محيطون بها احاطة السوار بالمعصم .. وهي ثابتة بينهم في موقعها الطبيعي الذي ارتضته لنفسها وارتضاه أهلها لهان فإن أية معارك خارجية لا يمكن أن تؤثر فيها داخلياً .. ولا يمكن أن تفتح لها جبهة صراع داخلي، بل على العكس من ذلك يدفعها التحدي الخارجي على يد الأعداء الخارجيين إلى مزيد من التلاحم مع خلاياها الشقيقة في النسيج الداخلي للجماعة والأهل.
ـ مسيرة الانتحار:
من هنا فإن ظاهرة الانتحار لا تتفشى في أمة مندفعة إلى قتال أعدائها، مصممة على التصدي لهم، مهما كانت ضراوة المعارك.
مسيرة الانتحار تبدأ عندما تدخل الجماعة في حالة أطلق عليها في القاموس السياسي والصحفي العربي: «حالة اللا سلم واللا حرب».
اللا سلم واللا حرب هي أفضل بيئة لتفريخ الانتحار والمنتحرين. وإذا ما قررت جهة قضائية عربية ملاحقة قضايا الانتحار الأخيرة في العالم العربي، والبحث عن الجاني الحقيقي، فإني أتقدم برفع الدعوى على .. كائن مشبوه اسمه: اللا سلم واللا حرب!
قبل اللا سلم واللا حرب لم نكن نسمع بحوادث انتحار في عالمنا العربي ومنذ أقبل علينا هذا الكائن أقبل معه الانتحار من المشير عبدالحكيم عامر إلى عبدالكريم الجندي إلى تيسير سبول إلى خليل حاوي إلى راشد الخاطر .. على اختلاف المواقع والمواهب والمسببات التفصيلية والخلفيات الجزئية.
في ظل اللا سلم واللا حرب، أي اللا استقرار واللا معركة، يبدأ النسيج الداخلي لخلايا الأمة بالتفسخ .. فتريد بعض الخلايا أن تحارب بأي ثمن ... وتجنح بعض الخلايا إلى أن تسالم بأي ثمن .. وتبقى معظم الخلايا في حالة اللا مبالاة .. (وهذه الخلايا أيضاً تتفسخ وهي لا تدري متوهمة أن اللا مبالاة ستنقذها من حتمية القرار. فتقرر لها الأحداث الهاجمة مصيرها وهي تتفرج على سكين الجزار).
في هذا التيه المتشعب الاتجاهات بين محاربة ومسالمة ولا مبالاة تدخل كل خلية صحراءها المنعزلة الخاصة بها .. وتتقطع طرق التواصل والتعاطف والتعاون بينها وبين خلاياها الشقيقة الأخرى .. وتبدأ تنسح من إفرازاتها الذاتية المرضية شرنقتها المغلقة من جميع الاتجاهات بلا أبواب ولا نوافذ ولا سبل سالكة باتجاه الآخرين من الأهل، وما تلك الشرنقة في حقيقة الأمر سوى حبل الانتحار وكفن النهاية.
ـ قافلة منعزلة تائهة!
في ظل هذه القطيعة للذات عن أهلها، بمفهوم «الأهل» الذي أشرنا إليه في البداية، تصبح النفس الانسانية كالجسم الذي فقد حصانته الأساسية المركزية ضد الجراثيم والعدوى.
أما الحادث المباشر المؤدي عادة لتنفيذ الانتحار، والذي يتصور الناس أنه هو السبب، فليس في حقيقة الأمر سوى القشة التي قصمت ظهر البعير .. البعير الحامل لأثقال الحياة، المحتمل لصراعاتها داخل النفس الانسانية.
وتبقى حالة القطيعة التي وقعت فيها النفس هي السبب الحقيقي .. أما الحادث المباشر فلم يكن سوى قاطع الطريق الذي هجم على قافلة منعزلة تائهة في الصحراء فوضع حداً لسفرتها الضالة التعسة. فالنفس في الحياة قافلة مسير يتحدد مصيرها بخارطة السير.
وجوهر الشعور بهذه القطيعة لدى الفرد الذي يحمل مشروع الانتحار في حقيبته النفسية الداخلية، هو إحساسه الملح، الفادح بأنه قد تم التخلي عنه من أقرب المقربين إليه .. من عزوته وعصبته وأهل نصرته .. من الذين ظل يتصور مدى العمر أنهم معه وأنه معهم، بغض النظر عن الأساس الموضوعي لهذا الشعور. المهم أنه شعور قائم في النفس بقوة ومسيطر عليها (تأمل مثلاً في علاقة المشير عامر بالرئيس عبدالناصر .. كيف بدأت واستمرت .. وكيف انتهت بعودة عبدالناصر إلى القيادة، أي إلى الأهل، بالمعنى الذي حددناه وبقاء المشير بعيداً عن «أهله» «في الظل» أي في القطيعة، على طريق الانتحار .. مع تضخم أحاسه بأن أقرب المقربين قد تخلى عنه .. ).
وعلى كثرة عوامل الانتحار وتشابكها، فإني أرى بأن الإحساس بالتخلي هذا من جانب أحب الناس إلينا، هو العامل المشترك والقاسم الأعظم بين مختلف حالات الانتحار .. من المحب الذي ينتحر لأن حبيبته قد تخلت عنه .. إلى القائد الذي ينتحر لأن رئيسه وجنده قد تخلوا عنه إلى الشاعر الذي ينتحر لأنه يتصور بأن أمته قد تخلت عن مبادئها التي هي مبادئه وجوهر كيانه .. بعبارة أخرى أنه «التمزق في علاقة الذات بالجماعة» كما اتضح في الارهاصات الأدبية لانتحار تيسير السبول ـ (راجع دراسة خليل الشيخ).
ـ «مهيار وجه خانه عاشقوه!»
هذا الشطر الشعري للشاعر أودنيس في ديوانه «أغاني مهيار الدمشقي» يمكن أن نستعيره من موضعه، لنلخص به العامل المشترك في كل انتحار أو مشروع انتحار.
«مهيار وجه خانه عاشقوه .. » تلك هي خلاصة القضية .. ولنلاحظ أن الذين خانوا مهيار هم «عاشقوه» وليس «أعداؤه» فخيانة الأعداء تحصيل حاصل .. أما خيانة العاشقين .. فذلك ما تقتل النفس نفسها من أجله!
والعاشقون كما قلنا ليسوا هم أهل الصبابة الغرامية بالضرورة فهم ما شئت بالنسبة لمن شئت .. من الجند للقائد .. إلى القراء المخلصين للكاتب ... إلى المواطنين للوطن .. إلى الدعاة لصاحب الدعوة.
والمنتحرون العرب تكاثروا .. لا لأن العدو متطاول، ولكن لأن الحبيب متخاذل .. !!
* * *
من بين المنتحرين العرب الأربعة الذين ذكرتهم في بداية المقال، أعرف «خليل حاوني» عن كثب وبشكل شبه حميم.
عرفته أيام الجامعة، كنت طالباً وكان أستاذاً، وعرفته بعد ذلك صديقاً ومحاوراً، وكتبت نقداً لبعض أشعاره في مجلة «الآداب» وغيرها، وتنامت بيننا صداقة مودة مع صداقة الفكر.
وليس هنا مجال الاسهاب عن خليل حاوي الانسان والشاعر الذي أعرف.
ولكني فقط سألمح إلى خليل حاوي كمشروع انتحار .. كان مصدر الألم لخليل حاوي على الدوام هو ذلك الاشكال الصميمي الذي عبر عنه أدونيس بعبارة: «مهيار وجه خانه عاشقوه» ..
وبالنسبة لخليل حاوي فقد «عشق» هؤلاء:
1 ـ عشاق الشعر واهل النقد والفكر، أي الأدباء والمفكرون العرب بعامة.
2 ـ الأمة العربية بحضاراتها الشاهقة التي ظل خليل يؤمن بأنها ستنبعث من جديد، بعد عصور الجليد، حية موحدة فاعلة .. وقد تخطى خليل بهذا الإيمان مسيحيته التقليدية الموروثة، كما تخطى التزامه القومي السوري، وراهن على العروبة بكل ما يملك من أعصاب شاعرية متوترة، ونفس جبلية عنيدة وحساسية مفرطة وأخلاقية مستقيمة كحد السيف ..
3 ـ أهل ضيعته الجبلية الذين عمل معهم «بناءً»في صباه ومطلع شبابه قبل أن يلتقح بركب الدراسة متأخراً بعض الشيء (ولكنه نال الدكتوراه في الأدب من جامعة كيمبردج غير متأخر) وقد ظل خليل معتزاً بهل الضيعة الجبلية لا عن تفاخر محلي إقليمي ولكنه ظل يعتبرهم رمزاً للأصالة اللبنانية الضائعة في وجه طغيان الموجة التجارية السياحية الانخلاعية التي أغرقت بيروت وصارت تزحف إلى الجبل. وكان خليل يتحدى دائماً النماذج الانخلاعية في الفكر والسياسة والتجارة والأخلاق والحياة الجامعية، بنماذج الأصالة الجبلية .. وكانت كلمة السر دائماً في حربه هي «الأصالة» في كل شيء .. ضد «الزيف» في كل شيء .. ومنه تعلمنا المعنى الحضاري لهذه الكلمات.
وباختصار، فقد كان «أهل» خليل: أدباء العربية، والأمة العربية، والضيعة الجبلية الأصيلة.
ـ رسالة انتحاره:
وتساقط هؤلاء الأهل، في نظر خليل، واحداً بعد الآخر .. أدباء العربية ذهبوا أيدي سبا بين خائف ومتواطئ وسمسار ولم يبق إلاّ النادر من أهل الشعر الأصيل والفكر الأصيل الذي عاش من أجله خليل.
و «تعهرت اللغة» كما قال في رسالة انتحاره .. أصبحت تُباع وتُشترى .. وفقدت شرف الصدق.
أما الأمة العربية فنعرف ما حلَّ بها. وإذا كان المواطنون العاديون اليوم يشعرون بعبء المأساة .. فإن خليل كان يُذبح كل يوم بألف سكين بين سقوط الكلمة، وسقوط الأمة، وانحسار الأصالة الجبلية.
ثم جاءت ثالثة الاثافي، كما كشف طبيبه في حديث خاص بعد شهور من انتحاره، بحادث سرقة بيته العائلي القديم في ضيعته الجبلية! وكما ذكر الطبيب، فإن هذا الحادث كان له وقع الكارثة عليه «معنوياً» .. حدث هذا قبل انتحار خليل بأيام. وكان ذلك يعني آخر غدر من آخر أهل .. أفبعد كل هذا الإيمان بالأصالة الجبلية يسرق بيت خليل حاوي في ضيعته .. من أحد أبناء الضيعة؟!
مَن بقي إذن من «الأهل» لدى خليل حاوي؟ على صعيد الشعر والكلمة: المتنبي اشتراه كافور.
وعلى صعيد القومية: إسرائيل اصطادت كافور باسم السلام .. وعلى صعيد الضيعة .. انتحرت الأصالة بسرقة بيت الشاعر، وبقاء بيت السمسار عامراً!
ولم يبق غير الانتحار. فالأحبة شطر النفس وعندما يذهب شطر يسقط الشطر الآخر. هكذا ـ إذن ـ لا ينتحر منتحر إلا بفجيعته في أعز مَن يحب وفي آخر مَن يحب، ولا تخلو رسالة منتحر من مغزى: «مهيار وجه خانه عاشقوه».
فيأيها المحبون كونوا حيث أنتم من أحبابكم، زمن تساقط الأحباب، كي لا يكثر في أمتنا الانتحار .. فهي لم تعرف في تاريخها عادة الانتحار .. لم تعرفها من قبل، قط!
نعم .. لاحظ المستشرقون باستغراب أن الأمة العربية المسلمة لم تعرف في تاريخها ظاهرة الانتحار كما عرفتها الأمم الأخرى ..
ولا غرابة في الأمر، فالاسلام حرم قتل النفس .. إلاّ بالحق.
وتدل الإحصاءات العالمية المقارنة إلى وقت قريب على أن البلدان الاسلامية تتميز بانخفاض نسبة المنتحرين فيها قياساً بسواها من بلدان العالم الثالث المماثلة لها في المعيشة ونوع المشكلات.
وقد كتب سامي الجندي في كتابه «عرب ويهود» عن أول حادث انتحار في مرحلة ما بعد حزيران، وهو حادث انتحار المشير عامر، بقوله:
«كان حادثاً استثنائياً ونذيراً بتحول ذهني غير معهود في طبيعة هذه المنطقة»وقد صدق الكاتب حقاً في حدسه هذا.
فطبيعة منطقتنا العربية الاسلامية هي طبيعة توحيد على كافة مستويات الوجود والحياة، من توحيد الخالق الأعظم سبحانه إلى التوحد مع الأهل والعشيرة .. أهل العقيدة، وعشيرة الوطن الكبير.
وبفضل التوحيد، في وجه الثنائية وصراع الأضداد، تشيع في صميم الفرد والجماعة حالة من الاتساق والطمأنينة الداخلية، والانسجام مع النفس، تخفت بفضلها حدة التوتر النفسي والعقلي، وتغدو الحضارة حضارة انسجام وتوفيق، لا حضارة صراعات، وتضمحل لذلك ظاهرة الانتحار. (وهذا طبعاً في الأحوال الطبيعية لحضارتنا، لا في الوضع الراهن).
والمستشرقون الذين فسروا اختفاء المسرح التراجيدي من الحضارة العربية بأنه قصور في الخيال الفني، لم يدركوا جيداً أن التوحيد ينقض التراجيديا، أي صراع الأضداد في الوجود، وهي الفكرة الأساسية لمسرح التراجيديا».
وهكذا يمكننا القول إن اختفاء فن التراجيديا في تاريخ الاسلام، هو مظهر آخر لغياب ظاهرة الانتحار في المجتمعات الاسلامية.
فالاسلام، في العقيدة وفي السلوك الفردي والجماعي، يرفض الثنائية أو التعددية من مانوية فارسية أو تراجيديا أغريقية، ويطرح التوحيد، بديلاً لصراع العناصر المتضادة في الوجود، فيتآلف الفرد مع الكون، ويتآلف مع «الأهل» ومع المجموع البشري ككل، فتتلاشى بذور الانتحار لديه منذ البداية ولا يتعرض لامتحان تراجيدي.
أضف إلى ذلك أن الاسلام يعني في جوهره الكوني الوجودي العميق الاستسلام الحكيم لارادة الله في كل شيء: (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا) والاستسلام للارادة الالهية فيما لا نقدر عليه. ولا نستطيع تغييره هو لب الحكمة الكونية، فهل بامكان فرد واحد، في لحظة زمنية، تغيير طبيعة الكون وسنن التاريخ وقوانينه الفاعلة منذ آلاف السنوات؟ وماذا سيجدي انتحاره في تغيير ذلك كله؟
وعندما يتحدث المفكرون المعاصرون عن «حتمية التاريخ» و «حتمية القوانين الطبيعية»، فإنهم يقولون للفرد الانساني، بلغة مختلفة لفظاًً، ما قاله الاسلام للانسان من قبل: «هناك ارادة عليا في الكون فوق رغباتك وآمالك. وعليك أن تدرك بوضوح الخط الفاصل بين ما تستطيع تغييره وما لا تستطيع». والاستسلام للارادة الإلهية في الاسلام هو غير الاستسلام للظلم والخطأ والجور. فهذه مظاهر ضد الارادة الإلهية والمسلم المعتمد كلياً على تلك الارادة ولا يخشى إلاّ الله يتحول حرباً على مظاهر الظلم والجور. وإذا كان الانسان متيقناً أن الله معه، وانّه مع إرادة الله، فمن يستطيع أن يقف في وجهه؟.
ـ هؤلاء الجند .. مَن هم؟
وهكذا تتحول التضحية بالذات لدى المسلم إلى مقارعة الظلم والخطأ لنيل الشهادة، ويتحول الاستسلام العميق للارادة الإلهية إلى قوة هائلة تدفع المسلم إلى ساحة النضال بارادة لا تلين وعزم لا يعرف التراجع:
(وإن جندنا لهم الغالبون). ومَن هم هؤلاء الجند المتقدون على الانتصار والغلب؟ هم الذين استسلموا بداية لارادة الله استسلاماً كاملاً فحررهم هذا الاستسلام الكوني العميق من كل عبودية وقيد في هذه الدنيا المتقلبة المتغيرة، المحدودة، وهذا معنى: إن قبول القدر هو الحرية الحقيقية!
وهكذا تتحدد العلاقة،وتتوازن المعادلة بين الاستسلام لارادة الله، من ناحية، والقدرة على التغيير والعمل والنضال من ناحية أخرى.
وتأتي الآية القائلة: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) والحديث القائل: «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده ... الخ» ليكملا الوجه الآخر للآية السابقة: (قل لن يصيبنا إلاّ ما كتب الله لنا)، ويصبح القدر هو الحرية.
وفي ظل هذا التوازن بين الاعتماد على الله، والاقتدار في الحياة لا تجد بذور الانتحار مجالاً للنفاذ إلى نفس المسلم.
ـ الاسلام والتضحية بالنفس:
وإذا كان علماء النفس يذهبون إلى القول أن التضحية بالنفس أي النزعة الانتحارية، كامنة في أعماق الانسان وتبرز في أوقات التأزم والأخطار والمهانات، فإن الاستشهاد في الاسلام هو الذي يلبي نداء التضحية بالنفس ويحول النزعة الانتحارية إلى قوة نضالية فاعلة ..
وإذا كان الانسان مستعداً للتضحية بنفسه .. فلماذا لا يدمر بهذه التضحية عدوه أو قيوده .. بدل تدمير ذاته؟
لماذا لا يستشهد .. بدل أن ينتحر؟
هذا سؤال جوهري وأساسي وحتمي أمام كل نفس عربية تشعر اليوم بعمق الكارثة وتطمح إلى التضحية بذاتها للرد على المهانة.
وقد لاحظت من رسائل القراء وتعليقاتهم في عدد كبير من الجرائد والمجلات العربية، على حوادث الانتحار العربية الأخيرة، إن الفكرة الجامعة بينهم هي رفض الانتحار وتقديم الاستشهاد بديلاً مشرفاً عنه. لماذا ندمر أنفسنا .. ولا ندمر عدونا طالما قررنا أن نموت؟
ذلك سؤال في منتهى البساطة والعفوية .. وفي منتهى الصواب والعمق.
والاجابة السليمة عليه تتطلب ألا يجد الانسان العربي نفسه دائماً بين عدو متطاول وحبيب متخاذل .. وأن يشد الأحبة العرب ـ أحبة الحق وأحبة الحياة وأحبة الكرامة ـ ازر بعضهم بعضاً ..
وإذا كان يراد دفع أمتنا إلى الانتحار، فإنها تستطيع الرد بالاستشهاد .. فعندما لا يكون خيار إلا بين أن يذبحك عدوك وأنت نائم في دارك، وبين أن تنتحر في دارك من شدة القهر، وبين أن تقاتل وتموت وأنت واقف في واجهة الدار ..
فهل من داع لإضاعة الوقت في البحث عن الخيار الأسلم؟
إنّ الجواب الحتمي، في هذه الحالة، أوضح من الشمس في رائعة النهار. وكل عربي يحمل اليوم مشروع انتحار، عليه أن يتذكر بأنه قادر على.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الانتحار عبر الانترنت!
جاء في تقرير بثته وكالة رويترز العالمية للأنباء فى مطلع 2005، أن سبعة يابانيين شبان في مقتبل العمر قد أقدموا على الانتحار، وكان الشيء المشترك بينهم إدمانهم للإنترنت. كما أشار التقرير إلى ظاهرة جديدة بدأت في الانتشار في الآونة الأخيرة في اليابان وفي دول أخرى في الغرب، هي ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت، حيث سجلت اليابان وحدها عدد حالات انتحار معظمها بين الشباب الذين تعارفوا من خلال برامج المحادثة أو غرف الدردشة.
انتشرت ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت من خلال دعوات يبعث بها الشباب يحثون فيها الآخرين على الاقدام على الانتحار، وقد اتضح أن عدداً من اليابانيين الذين يعانون من الاكتئاب والذين يتراسلون عبر الإنترنت قد قرروا أن يضعوا حداً لمشاكلهم النفسية وذلك بالتخلص من حياتهم بالانتحار الجماعي.
وقد دفعت هذه الظاهرة عدداً من شركات الاعلانات والدعاية إلى تقديم العديد من النصائح والارشادات والمساعدات للشباب الذين يدخلون الى المواقع الموجودة على شبكة الإنترنت وتشجيع الشباب على عدم الاشتراك في حفلات الانتحار الجماعي.
وعلى أثر الضجة التي أثارها انتشار ظاهرة الانتحار عبر الإنترنت في اليابان اقترح أطباء نفسيون أن يكتب الشباب الذي يعاني من الاكتئاب مذكراتهم وتجاربهم الفاشلة التي دفعتهم إلى التفكير في الانتحار، ولقد وجد الأطباء بعد تحليلهم لبعض هذه المذكرات والتجارب الفاشلة أنه من المنتظر ان يتزايد عدد حالات الانتحار الجماعي عبر الإنترنت في الأعوام التالية نتيجة ارتباط التقنية بالمشاكل التي يعاني منها الشباب، الأمر الذي جعل بعض الأطباء يقومون بإنشاء مواقع على الإنترنت يحللون فيها للآباء والأمهات الحالات النفسية التي قد تدفع الشباب الصغير إلى الاقدام على الانتحار.
وجاء في تقرير رويترز، أن حالات الانتحار عبر الإنترنت تحولت إلى ظاهرة في العالم في أوائل عام 2003. وأن حوالي 34 شخصاً أقدموا على الانتحار بهذه الطريقة التي انتشرت في اليابان أكثر من انتشارها في بقية أنحاء العالم.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية ... جدة تشهد تحركاً لمناقشة قضايا الانتحار
جدة - ياسر الأبنوي الحياة - 06/11/06
يشهد مستشفى الأمل في جدة بعد غد الأربعاء انطلاقة حملة «جدد حياتك» لطرق المساعدة في الحد من الانتحار، بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، بالتعاون مع إدارة الصحة النفسية والخدمة الاجتماعية في صحة جدة، وبرعاية مدير الشؤون الصحية في المحافظة عبدالرحمن خياط.
وأوضحت مساعدة مدير إدارة الخدمة الاجتماعية والصحة النفسية في جدة الدكتورة حياة الغامدي أن شعار الحملة الذي اعتمدته الشؤون الصحية «جدد حياتك»، يعد دعوة عامة للجميع لمحاولة التغيير الدائم في الحياة، والتخلص من الرتابة والروتين اللذين يؤثران في حال الإنسان النفسية وأفكاره العامة.
وأضافت الدكتورة الغامدي، أن هذا الشعار يعتبر كذلك دعوة للجميع لتبني الأفكار الإيجابية، والبعد عن السلبية في التعاطي مع الحياة بمزيد من التفاؤل كما يحثنا الدين الإسلامي، وامتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «تفاءلوا بالخير تجدوه» وأخذه منهاجاً حياتياً لنا دوماً.
وكشفت عن عزم إدارتها استحداث لجنة بحثية نفسية واجتماعية تكون مرجعاً للإدارة وللمهتمين بهذه الجوانب، في حال الحاجة للبحوث والدراسات والتقارير المؤكدة. ولفتت إلى خلو الساحة من بحوث وتقارير مؤكدة عن عدد حالات الانتحار، ويمكن من خلالها التعرف على مدى إمكان اعتبارها ظاهرة اجتماعية أو مجرد حالات فردية.
وقالت الدكتورة الغامدي: «لا يمكننا الحكم على مدى انتشار ظاهرة الانتحار من دون الاستناد إلى دراسات علمية مؤكدة. إذ أن كل ما يوجد على السطح حول هذه الظاهرة لا تعدو كونها مجموعة أخبار تنشرها الصحف هنا وهناك، أو حوادث فردية تسجلها مراكز الشرطة أو دور الرعاية الصحية، ولهذا السبب أيضاً لا يمكننا التحديد هل الفئة الأكثر انتحاراً هي فئة الشبان أم الفتيات أم كبار السن، وهل الحالات التي تسجل هي في الغالب حالات تشمل غير السعوديين أم لا».
وحول موضوع الانتحار بين الشبان والفتيات السعوديات، وهل يمكن اعتباره ظاهرة اجتماعية من وجهة نظرها، قالت: «لا يمكن اعتباره ظاهرة بحسب اطلاعي والأمر المسجل في الغالب هو محاولات لانتحار أكثر منه حالات تم فيها الانتحار فعلاً». ولفتت إلى أن سبب كثرة الحديث عن القضايا النفسية وحالات الانتحار في الوقت الحالي يعود إلى ظهورها على السطح، وكشف وسائل الإعلام عنها علانية، بينما كانت هذه القضايا في وقت سابق مغيبة وغير ظاهرة للعلن، مؤكدة أن ظهور بعض الحالات إلى العلن، وتفاعل الجهات المسؤولة معها له أثر كبير في تخفيف مثل هذه الحالات.
وأشارت الدكتورة الغامدي إلى دور الإعلام في الجانب الاجتماعي والنفسي، قائلة «إن دور الإعلام مهم وإيجابي، ولابد من تفعيل العلاقة بينه وبين المؤسسات الاجتماعية والنفسية على مستوى أوسع، للوصول فعلاً إلى معالجة كل ظاهرة قبل استفحالها».



#مصطفى_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تزيد المعونات الأمريكية فقراً .. وهل تمنع الحروب؟!!
- العلم من غير أخلاق لا ينفع
- الحرب داخل غرفة الأخبار العربيّة
- مجزرة بيت حانون أخر مقطوعة دموية للعدو
- براءة من الله ورسوله
- هيومن رايتس ووتش واسرائيل
- تحديات جديدة وعقبات غريبة أمام الاقتصاد المصرى
- اسرائيل بين فلسطين ولبنان
- الصهيونية كلمة الإرهاب
- اعتداء على الرسول
- حماس ومزاعم الجيش الجديد
- نوادر التعليم المصري
- الاغتصاب جريمة الشعوب
- جرائم المخابرات
- عبادة.. ولكن..!
- تاريخ الحراميه
- من قتل شيرين؟
- أحلام فترة النقاهة
- واحد اتنين البت رايحه فين
- الحرية على النهج العالمي الجديد


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى النجار - هل الانتحار من حقوق الانسان؟