أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هايل نصر - قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا















المزيد.....



قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا


هايل نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1756 - 2006 / 12 / 6 - 11:56
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


ليس من الغريب أن يقوم قضاة بالتعرض لقضاء هم رجاله, ونقده نقدا شديدا كلما دعت الحاجة لذلك. والمطالبة بإصلاحه. وإنما سيكون الغريب عدم إقدامهم على ذلك في دولة الديمقراطية نظامها, و القانون فيها لا يعلى عليه. وبما أن القضاة اعلم الناس بمؤسستهم القضائية, أي أن أهل مكة أدرى بشعابها حسب القول العربي, فهم الأقدر ميدانيا على طرح الأفكار الإصلاحية, والأولى بمراجعة المطروح منها والنصح بإقرارها أو تعديلها أو رفضها.

ومن المفيد إطلاع القارئ العربي, الطامح كغيره من أبناء المعمورة, لقضاء عادل ونزيه, على بعض أفكار هؤلاء, وخاصة تلك التي بدأت تطرح أخيرا حيث يواجه القضاء مشاكل وتساؤلات هزت صورته لدى المتقاضين والمواطنين العاديين.

وقبل ذلك, ولتكون الصورة كاملة, نرى ضرورة الإشارة السريعة, وبما تسمح به مقالة في صحيفة الكترونية, إلى المراحل التي مر بها القضاء الفرنسي حتى وصوله إلى ما هو عليه اليوم. دون الإشارة إلى المصادر الجرمانية و الرومانية والمسيحية ومصادر القرون الوسطى والنظام القديم, للقانون الفرنسي.

لمحــة تـاريخيـــــة
تعود أصول المؤسسات القضائية الفرنسية الحالية إلى عهد الثورة التي أنجزت في هذا المجال عملا جبارا, أكمل لاحقا من قبل القنصلية والإمبراطورية, بعد أن غيرت ما كان قائما في العهد القديم تغييرا جذريا. حيث تميز ذلك النظام بتنوع وتعدد أنواع المحاكم فيه، فإلى جانب المحاكم الملكية, وجدت محاكم السادة الإقطاعيين, ومحاكم الكنيسة التي اقتصرت اختصاصاتها ـ حتى نهاية ذلك العهد ـ على قضايا الزواج والحالة المدنية. وقد وجدت, زيادة على, ذلك محاكم متخصصة في مجالات معينة مثل المحاكم صاحبة الاختصاص في المواد التجارية، وتلك المتخصصة في المواد البحرية.. ومحاكم من طبيعة إدارية, مثل محكمة المساعدات في المجال الضريبي. وغرفة محاسبات البرلمان في باريس. يضاف إلى هذا كله, وفي قمة التنظيم, البرلمانات (المحاكم) التي كانت تقوم في كل مقاطعة بدور محاكم الاستئناف. وأخيرا مجلس الخصوم القائم إلى جانب الملك. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الوسط الفرنسي, بشكل خاص, كانت تطبق القانون الروماني. وهو قانون مكتوب. في حين أن مناطق الشمال كانت تتبع القانون العرفي المستوحى من التقاليد الجرمانية.

هذا التشابك والتداخل كان يتسبب في مشاكل عديدة أهمها مسائل الاختصاص ومعرفة الجهة صاحبة الولاية في النظر بهذه القضية أو تلك. فمن السلبيات الخطيرة التي كانت تشوب هذا النظام, كما أشار رجال القانون والقضاء الفرنسي: البطء الشديد في سير الدعاوى بسبب التعدد المفرط في الطعون (5 إلى 6 أنواع استئناف متعاقبة). ترسيخ الامتيازات التي كان يتمتع بها بعض المتقاضين من النبلاء ورجال الدين بشكل خاص. التكاليف الباهظة للقضاء, حيث كان يجبر المتقاضون على دفع تكاليف القضاء لقضاتهم.

وفي نهاية هذا العهد كان إصلاح النظام القضائي أمنية عبرت عنها الشكاوى والتظلمات المقدمة إلى هيئة أركان الثورة عام 1789.
استجابة لذلك بدأت الثورة الفرنسية تتخلص من الماضي حيث ألغت في 4 أوت (آب) 1789 القضاء الإقطاعي والامتيازات وتكاليف القضاء، وأبقت بشكل مؤقت على البرلمانات (المحاكم) ليتم إلغاؤها بعد 3 شهور من العام المذكور، و فتح المجال لإقامة هيئات قضائية جديدة.

ومن المعلوم أن القضاء في ذلك العهد لم يكن حكرا على الدولة. فإلى جانب المحاكم الملكية التي كانت تصدر أحكامها باسم الملك كانت تقوم محاكم السادة الإقطاعيين التي تصدر أحكامها باسم السيد الإقطاعي المحلي. والمحاكم الكنسية و تصدر أحكامها باسم رجل الدين ( Evêque ).

وقد عرف التاريخ القضائي الممتد بين القرن السادس عشر والسابع عشر صراعا طويلا بين السلطة الملكية والسادة الإقطاعيين. ليس من أجل إلغاء المحاكم الإقطاعية، ولكن لتعزيز سلطة ونفوذ القضاء الملكي. أي لجعل كلمة الملك هي الأخيرة. باعتباره السيد الوحيد في مجال القضاء. وتعددت المطالب الداعية لجعل القضاء الملكي قضاء استئناف لما تصدره بقية المحاكم من أحكام. وتم إنشاء محاكم لهذه الغاية سميت المحاكم الملكية للإشارة إلى أنها مكلفة بالحكم في الدرجة النهائية باسم الملك. لها ولاية النظر قي أحكام محاكم الإقطاعيين المطعون فيها.

بدأ هذا التطور, لترسيخ القضاء الملكي, في عهد فيليب اوغيست. وتتابع في عهد لويس الحادي عشر. وكان يواجه بمقاومة شديدة من أصحاب النفوذ من الإقطاعيين ورجال الدين. وعلى سبيل المثال سجن كونت أنجو (أخو القديس لويس) أحد المتقاضين لأنه تجرأ على الطعن في حكمه أمام محكمة الملك. كما أمر خوري تيل بقطع اليد اليمنى لأحد المتقاضين لأنه استأنف أمام محكمة الملك حكما يقضي بقطع يده اليسرى.

و مع ذلك فقد ترسخ، في القرون الأخيرة من النظام القديم، المبدأ القائل بأن القضاء الأعلى الوحيد هو قضاء الملك.

وفي ليلة الرابع من آوت (آب) 1789 وضعت الثورة الفرنسية حدا لكل هذه الصراعات التاريخية بإلغائها المحاكم الإقطاعية. ليصبح القضاء حكرا على الدولة. وليبدأ تطور النظام القضائي الفرنسي. ويحصر المؤلفون هذا التطور بثلاثة مراحل أساسية :

ـ المرحلة الأولى من عام 1790 ـ 1810.
ـ المرحلة الثانية تمتد بين عام 1810 إلى 1958 .
ـ المرحلة الثالثة, المرحلة الراهنة من عام 1958 والى يومنا هذا.

المرحلة الأولى : 1790 ـ 1810

أقرت الجمعية التأسيسية قانون 16 و 24 أوت 1790 بعد مناقشات معمقة ومستفيضة. واعتبرته أحد أهم القوانين في التاريخ السياسي الفرنسي. ( Roger Perrot. Institutions judiciaires, 12° édi. Montchrestien, p.7 )

فقد وضع المشرع المبادئ الأساسية التي ما زال بعضها يحكم المؤسسات الحالية مثل: مبدأ فصل السلطات, الذي أصبح مسلمة ومرجعا أساسيا, ليس في فرنسا فقط وإنما في غالبية الأنظمة القضائية في وقتنا الحالي. ومبدأ المساواة أمام القضاء. ومبدأ مجانية القضاء. والقاعدة الأساسية: القضاء على درجتين.

على ضوء المبادئ المذكورة, أنشأت الجمعية التأسيسية مؤسسات قضائية جديدة, مازال بعضها قائما رغم تغير المسميات. ويشار هنا إلى محاكم الأقاليم, التي هي أصل المحاكم الابتدائية الكبرىTribunal de grande instance ). ومحاكم الصلح, التي أصبحت تسمى ابتداء من عام 1958 المحاكم الابتدائية ( Tribunal d instance ). كما أبقت الثورة على المحاكم المكلفة بالنظر في المنازعات التجارية، لأنها تتكون من قضاة منتخبين. لذا أبقاها مشرع عام 1790 تحت اسم المحاكم التجارية.

إصلاحات مكملة :
من الأعمال التشريعية التي جاءت لا كمال قانون 16 و24 آوت 1790 يشار إلى:
1 ـ قانون 27 نوفمبر و 1 ديسمبر المنشئين لمحكمة النقض Cour de Cassation حيث رأت الجمعية التأسيسية ضرورة إنشاء قضاء أعلى يمنع خرق القاعدة القانونية، ويوحد تفسير القانون.
2ـ دستور القنصلية الصادر بتاريخ 23 فريمار للعام الثامن والذي أنشأ مجلس الدولة. لكي يصبح فيما بعد قمة القضاء الإداري.
3ـ قانون 28 بليفيوز للعام الثامن الذي أنشأ مجالس الأقاليم للنظر في المنازعات الإدارية على مستوى المحافظات و لتصبح عام 1953 المحاكم الإدارية.
4ـ قانون 27 فينتوز للعام الثامن المنشئ لمحاكم الاستئناف.

و تجدر الإشارة هنا إلى الإلغاء التدريجي, مع عهد القنصلية، لانتخاب القضاة. حيث أصبح القنصل الأول هو المسؤول عن تعيين قضاة الدوائر.

الإمبراطورية
رسخت الإمبراطورية الإصلاحات التي بدأت في عهد القنصلية. كما ألغت تدريجيا انتخاب القضاة. وترجع الإصلاحات الهامة إلى عهد الإمبراطور الأول نابليون بونابرت. حيث نشأت مجالس قضايا العمال وعقود العمل ( Conseil du prud homme ) التي مازالت قائمة إلى اليوم. وتنحصر اختصاصاتها في مواد عقود العمل.
كما يعود الفضل في إعادة بناء مهنة المحاماة إلى قانون 22 فانتوز للعام السابع.

المرحلــة الثــانيــة: 1810 ـ 1958
يعتبر قانون 20 أفريل (نيسان) 1810, قانون تنظيم القضاء العادي والقضاء الإداري، الميثاق الأساسي للتنظيم القضائي خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. فقد راعى كل الإصلاحات القضائية المنجزة خلال السنوات السابقة. فأقام في كل دائرة محكمة مدنية مكونة من ثلاثة قضاة معينين من قبل الحكومة. ومحكمة استئناف يشمل اختصاصها المكاني عدة ولايات ( محافظات). وفي قمة هذا النظام محكمة النقض.

استقر التنظيم على هذا النحو حتى منتصف القرن العشرين. ولكن هذا الاستقرار لم يمنع حدوث تغيرات هامة حيث ظهر :
1ـ تنوع القضاء بإنشاء محاكم متخصصة.
عمل المشرع الثوري، وبعده مشرع عام 1890، على حصر القضاء في محاكم محددة خوفا من رجوع الإمتيازات القضائية التي سادت العهد القديم، وسماها محاكم القانون العام، وهي المحاكم المدنية. ومحاكم الاستئناف ومحكمة النقض. وزيادة على ذلك، ولأسباب خاصة، أقام محاكم الصلح. والمحاكم التجارية. وبعدها مجالس قضايا العمال. غير أن تغيرات عديدة فرضتها الضرورات اقتضت إقامة محاكم
متخصصة في مجالات معينة، مؤلفة غالبا من قضاة يمثلون مصالح فئات محددة، مثل : لجان الضمان
الاجتماعي. ومحاكم القضايا الزراعية. والمحاكم العسكرية. ومحاكم الأحداث الجزائية. Roger Perrot. Op.cit. p.7
2ـ محاكم إدارية فعلية:
لم يقم القضاء الإداري في الأصل لمقاضاة الإدارة. فقد كان عمال الإدارة لا يستطيعون بصدد مخاصمتهم لسلطة الإدارة التوجه إلى المحاكم. إذ كان عليهم إخطار الوزير الذي كان ينظر في تظلماتهم. ولكن مع تطور دور مجلس الدولة، بفضل القانون الصادر في 24 ماي (آيار) 1872 الذي اعترف له بأهلية إصدار قرارات عليا، أصبح مدعوا لإصدار أحكام حقيقية، ويدين، الإدارة نفسها في الحالات المستوجبة للإدانة.

وقد تزايد عدد المحاكم الإدارية. وأصبحت مجالس الأقاليم المستحدثة في العام الثامن لتسوية المنازعات الإدارية على مستوى الأقاليم، تعرف باسم المحاكم الإدارية، وذلك بمقتضى المرسوم رقم 934ـ53 الصادر في 30 ديسمبر 1953.

وهكذا قام إلى جانب القضاء التقليدي المسمى القضاء العادي، نظام قضائي إداري حقيقي مكلف بالنظر في الدعاوى التي تخاصم الإدارة.

غير أن المعطيات الجديدة والمتطلبات التي عرفتها فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى, أظهرت شيخوخة النظام القضائي الفرنسي, وعدم مقدرته على إقامة عدالة تلبي الطلبات المتزايدة لحلول عاجلة للقضايا العديدة والمشاكل التي أفرزتها تلك المرحلة. ولم يعد القضاء يستطيع مجاراة سرعة وسائل الاتصال، وتميزت الإجراءات بالبطء وارتفاع التكاليف. ولم يخفف من ذلك تعيين قضاة جدد معدين على عجل، ولا التزود ببعض الوسائل الحديثة, التي بقيت مع ذلك عاجزة عن استيعاب المشكلة. ومن هنا جاء اتهام البناء القضائي القائم على أساس قانون 1810 بالعجز وعدم الملائمة.

وفي غياب سياسة قضائية واضحة فضل المشرع المعالجة الجزئية لتحسين الواقع ولكن هذه المعالجة غالبا ما كانت غير فعالة، ومثال ذلك المحاكم المدنية التي كانت مجال إصلاحات متعددة ومتناقضة, طوال الفترة الممتدة بين 1919 و 1958.

المــرحلـة الثــالثــة
عرفت هذه المرحلة بمرحلة تجديد المؤسسات. فقد كان من أهم انشغالات النظام السياسي الجديد الذي استقر عام 1958 إعادة تنظيم القضاء. فدستور أكتوبر للعام المذكور نص على أحكام جديدة بهذا الصدد (المادة 64 و56). وبعد ذلك بقليل, وحتى قبل ترسيخ المؤسسات السياسية الجديدة، جرى تعديل الهيئة القضائية بواسطة أوامر مصحوبة بمراسيم. هذه النصوص لم تكن تعني إلا النظام القضائي العادي، حيث أن النظام القضائي الإداري، الأكثر قربا من الإدارة والأقل تبعية للتقاليد، كان قد عرف العديد من الإصلاحات قبل هذا التاريخ وبالتحديد عام 1953. وبعد ذلك جرت إصلاحات متنوعة ولكنها أقل اتساعا وعمقا مما سبقت الإشارة إليه. فقد جاءت للرد على تحديات مستجدة وللبحث عن حلول لمشكلات معينة. وامتدت لتطال المحاكم و ممثلي القضاء والدعاوى.

1ـ إصلاحات متعلقة بالمحاكم:
لم يلجأ مشرع عام 1958 إلى تغيير البناء القضائي الموروث عن الثورة الفرنسية بكليته وبالعكس من ذلك فإننا نلمس الاستمرارية في مجالات عديدة. فقد غير التسميات، حيث أصبحت المحاكم المدنية تسمى المحاكم الابتدائية الكبرى ( Tribunaux de grande instance ). ومحاكم الصلح المحاكم الإبتدائية (Tribunaux d’instance). والواقع أن التغيير لم يقتصر على التسميات فقط فقد طال طبيعة هذه المحاكم. وجرى تعديل الخريطة القضائية كلها. كما جرى إلغاء المحاكم التي لم تكن تتمتع باختصاصات هامة. وأقيمت وحدات قضائية في إطار جغرافي أكثر اتساعا.

وزيادة على ذلك, عزز المشرع بشكل كبير دور محاكم الاستئناف. التي أصبحت, منذ ذلك الوقت, المحاكم الوحيدة المختصة في الدرجة الثانية. كما أصبحت محاكم استئناف بالنسبة للمحاكم المتخصصة.

واتسعت الإصلاحات لتطال أيضا المحاكم الإدارية, لتحسين سير عملها. وأهمها تلك التي حملها قانون 31 ديسمبر 1987 تحت رقم 1127ـ87 والتي تم بموجبها إنشاء محاكم الاستئناف الإدارية.

2ـ إصلاحات الملاك القضائي:
انصب الجهد الجوهري لمشرع 1958 على تنظيم مهنة القضاء، حيث لم يعر مشرع 1810 هذه المسألة أهمية كبرى. وبهدف سد هذه الثغرة صدرت بعض النصوص القانونية، منذ بداية هذا القرن،ولكنها لم تكن كافية. فدستور عام 1958 فرض العديد من المبادئ الأساسية. وصدر في 22 ديسمبر من العام المذكور أمران يحمل الأول رقم 1270/58 , متعلق بوضع الهيئة القضائية. والثاني رقم 1271/58 , الحامل للقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. كما أنشأت نصوص عام 1958 المركز الوطني للدراسات القضائية لتكوين القضاة وإعدادهم، ليصبح عام 1970 المدرسة الوطنية للقضاء.

لم يبحث المشرع وضع معاوني القضاء ( Auxiliaires de la Justice ). ولكن قانون 30 ديسمبر 1965 حمل العديد من الإصلاحات بهذا الصدد. وكذلك قوانين 31 ديسمبر 1971 و 31 ديسمبر 1990 الذي ألغى مهنة وكيل الدعاوى ( Avoué) للدرجة الابتدائية. ونظم بشكل أساسي مهنة المحاماة. وضم فئة المستشارين القانونيين ( Conseil juridique) إلى المحامين.

3ـ إصلاحات متعلقة بالدعاوى :
من بين الاهتمامات الرئيسية التي سادت هذه المرحلة, تلك المتعلقة بالإمكانيات المادية للوصول إلى المحاكم, وإتاحة الفرصة للجميع، بمن فيهم من لا يملك الوسائل المادية الكافية. ولهذه الغاية جاء قانون 1972 المعدل بقانون 10 جويليه 1991 لمنح المساعدات القضائية وينظمها.

وفيما يتعلق بتحديث الإجراءات أمام المحاكم صدرت قوانين جديدة بين عام 1958 و 1976 حملت إصلاحات هامة بهذا الصدد.

وأخيرا, يبين الواقع أن كل الإصلاحات التي عرفها القضاء حتى الآن لم تكن نهائية. كما أن العدد الكبير والمتزايد للقضايا المعروضة أمام المحاكم, خلال الـ 15 سنة الماضية، دون أن يرافق ذلك زيادة كافية في الملاك القضائي، أدى، إلى تأخير كبير جدا في البت فيها. وهذه الظاهرة العامة عانت, وتعاني, منها كل أنواع المحاكم على اختلاف درجاتها.

لم يكن هذا التطور المتتابع عبرا لتاريخ الطويل, وتلك الإصلاحات المستمرة, تعتمد أساسا على مشاركة القضاة, بحجة طبيعة ومجال اختصاصهم, والوظيفة الموكولة إليهم.

و نرى اليوم العديد منهم , وعلى أعلى المستويات, يعرضون أرائهم, وحتى انتقاداتهم القاسية, في أعمال خارج إطار المؤسسة القضائية, في كتب. ومقالات. ومقابلات إعلامية الخ.. متعلق بعضها بسير القضاء. الإجراءات الجزائية والمدنية. بتكوين القضاة وواجباتهم الأدبية. وبقضاء التحقيق. وبالنيابة العامة. وهذا ما سنشير إلى بعضه. لأنه يعتبر في نظرنا نوع من المحاكمة يقوم بها بعض رجال القضاء لقضاء هم رجاله. خاصة بعد أحداث قضائية متواترة مست بسمعة القضاء, وجعلته في مركز اهتمام المتقاضين, والإنسان العادي, والسياسي, والإعلامي, والحقوقي..

" فصورة القضاء الفرنسي, من كل وجهات النظر, يرثى لها كما أعلن وزير عدل سابق, وفي بعض الحالات تدعو لليأس. مع أن القضاة, في غالبيتهم العظمى, يعملون بشكل صحيح وبجدية وبإخلاص. ويبذلون كل ما في مقدورهم, رغم عدم ملائمة الشروط الواجبة لعملهم..". ( هنري ناله Henri Nallet في كتاب قضاؤنا. ص. 51 (.

ومن المفيد هنا أن نشير الى استطلاع للرأي قامت به مؤسسة لويس هريس Louis Harris بتاريخ 28 مارس الى 18 افريل 2001 بناء على طلب لجنة البحث: الحقوق والعدالة, على عينة مكونة من 1201 شخص كانت لهم قضايا في القضاء خلال الثلاث سنوات السابقة على تاريخ الاستطلاع . فقد أبدى 73% من المستطلعة أرائهم عن رضاهم عن ملاك القضاء, موظفون وقضاة, فهم مهذبون . محترمون . مؤهلون , نشيطون. واضحون في شروحا تهم وفي والمعلومات التي يقدمونها . 81 % منهم أعلنوا أن القضاة شرفاء . 77% بأنهم مؤهلون. 72 % على درجة عالية من النزاهة.

ومن بين الانتقادات المتكررة الموجهة للمؤسسة القضائية: تعقيدها. وتعقيد الإجراءات. وان كان هدف هذه الأخيرة ضمان قضاء ذي قيمة عالية. مع أن الإجراءات وجدت لحماية حقوق الإنسان.
فالقضاء الفرنسي, حسب هيربر دال Hurbert Dalle رئيس المحكمة الابتدائية الكبرى بايفري , قضاء "بطيء. مكلف. معقد. وغير مفهوم ". والمواطن يطلب قضاء من نوعية عالية. سريع. مؤهل. وفعّال . ووصول هذا المواطن لقاضيه الطبيعي حق مطلق. كفلته له الاتفاقية الأوروبية لحماية الحقوق والحريات. ( D.S. Larivière. H. Dalle. Notre justice, Robert Laffont, 2002 ).

ويعلن النائب العام لمحكمة النقض الفرنسية في كتابه " دعوى القضاء" أننا عندما نتحدث عن القضاء نتحدث عن تجربتنا. عن قلقنا. عن أملنا. وقد ركز قي كتابه المذكور على المواضيع التالية:

• النقص في عدد القضاة. في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المتقاضين بشكل كبير جدا.
• النظام القضائي الفرنسي المتكون من نظامين قضائيين منفصل كل منهما عن الأخر: قضاء يهتم بقضايا المواطنين (القضاء العادي) وآخر يهتم بمنازعات الدولة (القضاء الإداري).
• ميزانية القضاء الراكدة وغير الكافية.
• عدم وضوح الحدود الفاصلة بين قاضي الحكم وقاضي النيابة.
• المساواة بين أسلحة الاتهام والدفاع غير واقعية.
• الإجراءات الجزائية مهملة وسرها غير مصان.
معتبرا أن إصلاح القضاء يمر عبر إصلاح الدولة.

وحتى يؤسس آراءه المتعلقة بالإصلاح القضائي ـ التي يمكن اعتبارها جذرية لأنها تطال مؤسسات راسخة في التاريخ الفرنسي وفي ثقافة الفرنسيين, ولم يسبق التعرض لها بإصلاح عميق, على هذا المستوى ـ يعود النائب العام المذكور للتاريخ البعيد والقريب وبالتحديد إلى جنرالين: نابليون وديغول. معتبرا أنهما يشتركان في ميزة أساسية هي الحذر من القضاة والمحامين "gens de robe " لأنهم لا يستطيعون أن يقوموا, كما لا يجب أن يقوموا, إلا بدور محدود في حياة الوطن الذي جعله القدر مرهون لقوة السلاح وللقوة الاقتصادية وللتأثير الدبلوماسي . فبالنسبة لهذين الجنرالين, كما يرى, تقع المسائل الحقيقية فوق مقدرة هؤلاء بسبب غياب معنى الدولة (le sens de l’Etat ) عند غالبيتهم. ولم يكن عند أي من الجنرالين سلطة قضائية مستقلة عنهما فكان على القضاء, الذي هو من مكونات السيادة, أن ينحني أمام الدولة. ومع ذلك فقد تجلت عبقريتهما في البناء المؤسساتي القضائي الذي ساهم بشكل واسع في بناء الصرح القضائي الذي مازال قائما إلى يومنا هذا. وكما يلاحظ الكاتب المذكور فان الحذر المشار إليه طبع وما زال يطبع هذا الصرح بطابعه. فرق تسد. مبدأ متبع من قبل كل من يريد التفرد بالسلطة. ومنه, كما يؤكد الكاتب, تم خلق قضاء إداري خاص بالمنازعات المتعلقة بالإدارة. ونظام قضائي جديد بإنشاء المجلس الدستوري عام 1958.

فللقضاء العادي justice judiciaire مهمته: حماية الحريات الفردية ومعاقبة المجرمين والحكم في المنازعات بين الأفراد. ملتزم باستقلالية في مواجهة السلطات العامة.
والقضاء الإداري مخصص ليأخذ في الاعتبار أساسا المصلحة العامة في منازعات الدولة وهئياتها. ويهتم بالخدمة العامة. فمعنى الدولة هو الفضيلة الأساسية لأعضائه.

والقضاء الدستوري مخصص لمجال ضيق جدا ولكنه أساسي من اجل التوازن الدستوري للدولة
هذا التقسيم للقضاء كما يرى الكاتب لم يعرف تقريبا معارضة تذكر. ولكن الآن بدأ البعض من أصحاب الأفكار يطرح السؤال التالي ما هي ضرورة الاحتفاظ بمثل هذا التقسيم القضائي ؟ وفي المقابل لا يجد أنصار التقسيم المذكور أسبابا يبنون عليها إجاباتهم سوى أن السابقين كانوا يجدون في الظروف القائمة آنذاك ضرورة للتقسيم القضائي. فالعادة تخلق الوظيفة.

مسألة تكوين القضاة والنقص الحالي في عددهم مسألة تطرح نفسها بحدة هذه الأيام. وخاصة بعد قضية اوترو Outreau . فقد انصب البحث على الدور الذي تقوم به مدرسة تكوين القضاة "المدرسة الوطنية للقضاء "Ecole Nationale de la Magistrature EMN" القائمة في مدينة بوردو.
هدف المدرسة كما حددته المادة 14 من مرسوم 1958 هو تأمين التكوين المهني للقضاة في طور التكوين auditeur de justice . وابتداء من قانون 17 جويليه 1970 أصبح للمدرسة كذلك مهمة تأمين التكوين المتواصل للقضاة العاملين.

حددت المادة 16 من مرسوم 1958 شروط الدخول لهذه المدرسة فهي: شروط عامة تتعلق بالجنسية. التمتع بالأهلية المدنية. و شرط الأخلاق والسلوك الحسن. و شروط خاصة تتعلق بالتحصيل العلمي , كالحصول على شهادة المتريز في الحقوق .. وإضافة لطريق التعيين عن طريق المدرسة المذكورة, وأمام الحاجة الملحة لزيادة عدد القضاة, جرى منذ عدة سنوات اللجوء إلى التوظيف عن طريق المسابقات من داخل الملاك ومن خارجه.

لم تسلم هذه المدرسة, لحساسية مهمتها, من النقد. فقد أشار احد خرجيها, فيليب بيلجيرPhilippe Bilger المحامي العام لدى محكمة الجنايات بباريس, إلى ضرورة إصلاحها. فالدارسة فيها غير كافية. وغير منفتحة ومتعددة حتى تتمكن من الوصول إلى التكوين الكامل والفعلي لطلابها. الدراسة فيها لا تتضمن محاضرات تقنية , وفهم للواقع الاجتماعي, وتحقيقات نفسية. فالدراسات, والتدريبات الكلاسيكية المعتمدة حاليا غير مجدية بالقدر المطلوب. فالأمر هنا ليس مجرد استطالة للدراسة الجامعية. وإنما متعلق بتكوين قضاة. وهذا ما يتطلب تغييرا كاملا وجذريا في المنظور. فليس المطلوب فقط التركيز على النظرية المتفق عليها في هذا المجال, وإنما على التفكير الناتج عن الملاحظة وعن التعليم التطبيقي. فالمدرسة المذكورة في وضعها الحالي مدرسة كلاسيكية منغلقة على نفسها . (pour la justice, p. 25 et s.) .

وقد رأى الرئيس الأول لمحكمة النقض ضرورة تذكير القضاة بعد تخرجهم وطيلة حياتهم المهنية والخاصة بالواجبات الأدبية فخصص, كما أعلن, مؤلفا كاملا لهذه الغاية. فالموضوع في قلب الأحداث حاليا. ليس في فرنسا فقط ولكن كذلك في أوروبا وفي بقية الأنظمة العالمية. ففي فرنسا بالتحديد عرفت الأحداث السياسية ـ القضائية لعام 2003 بشكل خاص اتهام بعض القضاة المتورطين بقضايا استعمال النفوذ, بالفساد, أو بالحصول على منافع بشكل غير مشروع . " دعت الضرورة إلى التحدث للقضاة وبإلحاح عن الواجبات المهنية وكذلك الشخصية المفروضة عليهم. ومع ذلك فهؤلاء عدديا محدودون جدا ويمثلون حالات معزولة. مثل هذا السلوك, الذي يمكن تضخيمه من قبل وسائل الأعلام, له انعكاسات رمزية على الرأي العام وقوية جدا وتلحق ضررا كبيرا ومباشرا بسمعة المؤسسة القضائية بأكملها", ( la déonologie des magistrats, P.1 ).

وفيما يتعلق بقاضي التحقيق هناك جدل حاد بين أنصار بقائه وأنصار إلغائه من النظام القضائي الفرنسي. فهو القاضي الأكثر إثارة للجدل في عالم القضاء. ففيه تجتمع المتناقضات. ألا يعتبر، وهو الشخص الأقوى في فرنسا، مجرد أداة في الجهاز الزجري. حامي الحريات الفردية . أليس هو من يرسل للسجون المكتظة بمساجين لم تجر محاكمتهم والمفترض في هذه الحالة أنهم أبرياء ؟ . هذا الشخص المعروف المجهول من يكون في الواقع ؟ وضمن أي إطار تقع تدخلاته ؟ ( رينود فان ريمبارك قاضي التحقيق Renaud Van Ruymbeke. Le juge d’instruction, puf ).

قاضي التحقيق قاضي يتبع النظام القضائي العادي، ويقيم نظاما قضائيا خاصا : فهو لا يحاكم مرتكبي الجرائم ، ولكنه يحقق في القضايا الجزائية المحالة إليه . يتمتع بسلطات هامة وخاصة في مسائل الحبس الاحتياطي. هذه الامتيازات الممنوحة له لا تمارس إلا ضمن القواعد القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية . وهي الإجراءات التي تحاول التوفيق بين هاجس تأمين حماية النظام العام وبين ضمان الحريات الفردية في مواجهة السلطات الزجرية , وتعكس صورة الديمقراطية التي تستوحي وجودها منها . وقد كتب أحد الحقوقيين الإنكليز " تبعية العدالة والحرية لتعريف الجريمة أقل من تبعيتها لطبيعة الإجراءات الإدارية أو القضائية العادية المتخذة لإخضاع الضنين للعدالة ". ( مشار إليه في المرجع السابق).

فازدواجية شخصيته تبين التناقض الحقيقي في عالم القضاء . تناقض يستمد مصدره من تعريفه الخاص لهذا القاضي. فرغم تمتعه بسلطات تلحق الأذى بالحريات، فهو نفسه من يمثل بوجوده ضمانة أساسية لها، بصفته قاض يتمتع باستقلال كامل يضمنه الدستور، في مواجهة السلطة التنفيذية.

والسؤال المطروح هو هل تبرر المرحلة التمهيدية من الدعوى الجزائية, التي تبدأ بالتحقيق وتنتهي بيوم المحاكمة, تدخل قاضي التحقيق ؟ .

في الواقع ليست كل الأنظمة الديمقراطية تعترف بمؤسسة قاضي التحقيق . فبعض البلدان وبشكل خاص الأنكلو - سكسونية تحيل التحقيق كاملا إلى الشرطة منذ البداية وإلى يوم الجلسة المقررة للحكم . ويجري بانتظام الرجوع إلى القاضي الذي ينحصر دوره بالنطق بمدى ملائمة إجراءات التحقيق التي تمس الحريات الفردية ، ( مثل وضع الهواتف تحت المراقبة ) والحكم في قضايا التوقيف .

وبلدان أخرى تسند مهمة إدارة التحقيقات وتوجيه الإجراءات التي تجريها الشرطة لقضاة مستقلين عن السلطة التنفيذية . فيؤلفون النيابة العامة الممثلة بنائب الجمهورية ومعاونيه.غير أن العديد من الدول، على غرار فرنسا تذهب أبعد من ذلك عندما يقوم النائب بتوجيه سير التحقيق. ويستطيع في التحقيقات المعقدة إحالتها لقاضي التحقيق الذي يقوم بعد إكمال مهمته بإحالتها للمحكمة إذا رأى وجها لذلك.

وإذا كانت ألمانيا قد تخلت عن قاضي التحقيق فإن هذا الأخير موجود في إيطاليا وأسبانيا والبرتغال والبلدان المنخفضة وبلجيكا ولكسمبورغ. وكذلك في دول المغرب (الجزائر وتونس ..) وفي إفريقيا السوداء التي خضعت للهيمنة الفرنسية.

أما فيما يتعلق بالنيابة العامة, يدعو وزير العدل السابق روبير بادينتار Robert Badintaer , والنائب العام لدى محكمة النقض المذكور أعلاه في نقدهما الجذري, لإلغاء منصب قاضي التحقيق. ويقترحان " تجميع النيابة والتحقيق لتبسيط التنظيم القضائي". وضرورة إعادة بناء الإجراءات الجزائية دون إبطاء.

ويعلن النائب العام لدى محكمة الاستئناف بتولوز أن مسألة النيابة العامة, حاليا، مسألة مطروحة بحدة. نظرا لاتصالها بالسلطة التنفيذية والهيئة القضائية في الدولة الديموقراطية. متسائلا هل هي كما كانت بدساتير 1790. " وكالة للسلطة التنفيذية " لدى المحاكم ؟ . أليست بالأحرى، حسب تعبير الرئيس الأول بيير تريش، هي " حد مشترك بين السلطة السياسية والقضاة " ؟. أم أن الأمر متعلق بهيئة متخصصة لدى الهيئة القضائية ؟. هذه أسئلة على قدر كبير من الأهمية . فحرية التعبير المتاحة لقاضي النيابة العامة, عندما يباشر الملاحقات القضائية, أو عندما يحفظ قضية معينة، تبررها الإجابات التي يحددها لها. وتتبع مدى الثقة التي يراها المواطنون في تجرده ( Jean Vollf, le Ministère public, PUF.

والمقصود، حسب تعبير السيد ميشال جيول، " المحافظة على النظام الأصل الذي نحن ورثته، والذهاب بإصلاحه إلى النهاية، أي ترقية النيابة لتكون علاقتها بالسلطة واضحة أتم الوضوح. وظروفها منتظمة ومحمية. وتحديث عملها بشكل جذري. وتوسيع تدخلها ". مثل هذا التحديث للنيابة العامة تنعكس فائدته على المؤسسة القضائية بأكملها.

قطع الصلة بين النيابة العامة ووزارة العدل, كما يطالب بعض القضاة, يصدم بشكل عميق المفاهيم المؤسساتية وحتى الدستورية للغالبية البرلمانية. ويعلن السيد هنري ناله انه من خلال مناقشاته مع غالبية السياسيين, بشتى توجهاتهم, تبين أنهم ينتمون لمفهوم خاص للحقوق والقانون. يمكن تلخيصه على انه مفهوم "جمهوري بنسخته الديغولية". فبالنسبة لهم لا ينتج الحق إلا عن القانون الذي يصوت عليه البرلمان, وليس عن هيئة أخرى كالمجلس الدستوري, أو القاضي, أو مجلس القضاء. أما الهيئة (وليس السلطة ) القضائية تبقى الفم الذي ينطق بالقانون الصادر عن الدولة الذي يمثلها رئيس الجمهورية المنتخب من قبل الشعب بالاقتراع المباشر. والحكومة تحدد السياسة الجزائية للوطن. ويعود لوزير العدل فيها garde des sceaux تأمين تطبيقها. (المرجع السابق ص. 54).وتجد الإشارة إلى أن مصطلح السلطة ". Pouvoir »" القضائية لم يظهر إلا في دساتير 1791 و1795 1848. حيث كان التأثير الدستوري ضعيف. أما دستور 1985 فقد استعمل كلمة الهيئة « autorité » القضائية وليس السلطة القضائية.

في الواقع, ليست العلاقة التي تربط النائب العام بوزارة العدل هي التي تثير الإشكاليات, ولكن ما يثيرها هي العلاقة بين النيابة وقضاء الحكم, باستثناء محكمة النقض حيث المحامون العامون الذين ليس لديهم مهام الملاحقة هم المدافعون عن القانون. كما أعلن احد قضاة النيابة.

ويرى النائب العام الحالي لدى محكمة النقض الذي يعتبر النيابة العامة صوت المجتمع لدى المحاكم أن عليها أن تدافع, من جهة, عن القواعد الثقافية التي قامت عليها الحياة المشتركة للمواطنين. ومن جهة ثانية, عن تطور الأفكار. فالدفاع عن القواعد الثقافية المشتركة يعني الأخذ بعين الاعتبار الدولة ومؤسساتنا وكذلك الأفراد. إذ على النيابة المساهمة, كمهمة أولى, في الدفاع بقوة عن وحدة الدولة وأمنها ضد الإرهاب والجريمة المنظمة والفساد وكل أنواع العنف. وعن التنظيم المؤسساتي للمجتمع. وعلى النيابة أن تكون مقتنعة بما فبه الكفاية بان الوطن ليس مجرد تجمع أفراد يعيشون على أرضه, ولكن جماعة ضاربة جذورها في أعماق تاريخنا وجغرافيتنا. ومؤسساتنا هي ثمرة كل ذلك. وعلينا حمايتها. وأخيرا, على النيابة, كما يرى, وطبقا لمقدمة دستور 27 أكتوبر 1946 أن تأخذ في الاعتبار الفرد, في حريته, و كرامته, وبشكل خاص ضعفه. ودور النيابة في الدفاع عن الضعفاء دور تقليدي. والمقصود بالضعيف هنا هو من وضعته ظروف الحياة في درجة متدنية في سلم الحياة الاجتماعية.

استقلالية النيابة كما أشار الكاتب في كلمته أمام الجلسة العامة للعام القضائي المنعقدة بتاريخ 9 جانفي 1998 . يجب أن ينظر إليها كضرورة في مواجهة الضغوط التي يمكن أن تمارس عليها. مهمة النيابة هو شرح, في كل دعوى, للقضاة وللمواطنين ما يفرضه التطبيق الجيد للقانون. وما هي التعديلات المبتغاة .
فان كانت النيابة أداة اتهام عام أصبحت حاليا, شيئا فشيئا, عاملا تربويا. وهي محامي المجتمع. محامي القانون. محامي التقدم الاجتماعي. وعلى الإصلاحات الجارية حاليا ان تعطي لمواطنينا مؤسسة قضائية, وبشكل خاص نيابة عامة, تتجاوب مع أمانيهم من حيث النوعية والسرعة والتبسيط واستقلالية الفكر والإنسانية.

ومثل العديد من القضاة في مختلف درجات القضاء, تساءل القاضي المذكور عن فائدة الاحتفاظ بنظامين قضائيين يتقاسمان المنازعات ويوزعان الاختصاص بينهما. وهذا ما لا يتلاءم مع المعايير الأوربية. ويقرر بأنه يقف بحزم إلى جانب قضاء واحد مبني على إصلاح جذري.

فعلى فرنسا, كما يقترح, أن تقوم بتكييف مؤسساتها القضائية مع المتطلبات الأوربية. وأن تتزود بسلطة قضائية تأخذ شرعيتها من الشعب مباشرة مثل ما هو الحال عليه بالنسبة للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
وما هو ضرورة ملحة الآن هو أن ينصب التفكير على توحيد المؤسسات القضائية. وإصلاح النيابة. والإجراءات الجزائية. وتعريف هدف العقوبة. وفي نهاية الأمر خلق سلطة قضائية فعلية.

فالسلطة القضائية حلمت طويلا, حسب الكاتب, بان تكون موازية للسلطة التنفيذية ذات القوة الكبرى. لكن القضاء لم يصل مطلقا عبر تاريخه, وحتى الآن, لتأمين تفوقه. وكان عليه دائما الخضوع للهيئة السياسية. حكومة القضاة لم توجد مطلقا في فرنسا. وخضوع القضاء للتنفيذية لم ينتج عن الصدفة التاريخية.

ويورد هنا قول كرمشي Gramsci بان «الأزمة تقوم عند موت العجوز في الوقت الذي لا يكون فيه الجنين مستعد بعد للولادة". فالنظام القضائي الفرنسي الموروث عن الإمبراطورية قد يموت قبل أن يقدم نموذجا جديدا. (ص. 18).

وما أحوجنا نحن العرب أن نسمع كلمة من قضاتنا عن قضائنا في القرن الواحد والعشرين.



#هايل_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محامي الشيطان. مبالغة لفظية, أم إلزام مهني؟
- في معنى المواطنية
- حول علم السياسة
- اضافات عربية على الديمقراطية
- هجرة. التفاف على الوعود, وتسوية هزيلة
- هجرة ولتذهب القيم للجحيم!!!
- المنطقة العربية . منطقة تصد وممانعة للديمقراطية
- محامو تولوز. اخلاق مهنية عالية
- وهم أيضا من دعاة حقوق الإنسان !!!
- وهم أيضا دعاة حقوق إنسان !!!
- مثقفون ولكن ...
- حول دولة القانون
- حق اللجوء في فرنسا
- حق الدفاع في المواد الجزائية 2
- التطاول على القضاء 2
- التطاول على القضاء
- هجرة -منتقاة- وليست مفروضة 2
- هجرة - منتقاة- وليست- مفروضة
- حول حق الدفاع في المواد الجزائية - في القانون الجزائي الفرنس ...
- الاقتياد إلى الحدود


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هايل نصر - قضاة يقاضون قضاءهم فرنسا