أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - مايكل مور التسجيل السينمائي الساخر يعري نظاما امريكيا يحكمه امراء الظلام















المزيد.....

مايكل مور التسجيل السينمائي الساخر يعري نظاما امريكيا يحكمه امراء الظلام


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 1678 - 2006 / 9 / 19 - 11:10
المحور: الادب والفن
    


معروف ان مايكل مور نجم مثير ومعارض وداعية اول ضد السياسة البوشية. سينمائي محترف، يقدم السينما العابقة باليسارية والانسانوية والرسالية، والحاملة مواقف التحدي والاعتراض. لا يقتصر موقفه على الصورة التي تعرّي ظلمات الواقع بل ينزل الى الارض ويشارك الآخرين تحركاتهم.. وحين تسلم "السعفة الذهب" لمهرجان كانّ قال انه يهديها الى "الشعب العراقي والى كل اولئك الذين يعانون بسببنا، بسبب الولايات المتحدة". صفق الجمهور له 9 دقائق متواصلة، بعد ان كانوا قد صفقوا له 20 دقيقة أثناء عرض فيلمه الوثائقي > الذي يتصدى فيه إلى تبعات 11 سبتمبر في المجتمع الأميركي، وكيف استغلت عصابة «المحافظين الجدد» في البيت البيض والبنتاغون صدمة هجمات 11 سبتمبر من أجل تحقيق مآربها في إعادة رسم خريطة العالم وفقا لأهوائها ومخططاتها الآيديولوجية الخفية.". الفيلم, يسجل مرافعة حادة وموثقة وساخرة ضد أربع سنوات من حكم جورج بوش الابن. وفي هذا الاطار يبدو "فهرنهايت" فيلماً موجهاً الى أميركا... وربما أيضاً الى الناخبين في المعركة الرئاسية الأميركية المقبلة...
وقال مور إن الفيلم يهدف خصوصا إلى إقناع الناخبين الأمريكيين بعدم انتخاب بوش الذي يعتبره أسخف رجل شارك حتى الآن في السباق إلى الرئاسة، ووضع حد لسياسة خارجية خلفت اضطرابات هائلة في العالم يذكر أن هذ ليست لمرة الأولى التي يعبر فيها مور عن رأيه السلبي بسياسة الرئيس الأمريكي، فقد فعلها سابقا لدى استلامه جائزة الأوسكار عن أحسن فيلم وثائقي Bowling for Columbine العام الماضي، عندما راح يكيل الانتقادات للحرب ضد العراق خلال الكلمة التي ألقاها إثر فوزه بالجائزة.

ولدى استلامه الجائزة قال مايكل" نحن نعيش في عالم زائف انتخب رئيسا زائفا يقودنا لحرب ذات أسباب وهمية…نحن ضد الحرب سيد بوش… عار عليك… عار عليك
ولمايكل مور حضور مميز في. الصحافة، التلفزيون، الكتب... بيد أن قوّته الحقيقية في السينما التي يكشف بواسطتها، وعلى نحو تسجيليّ يحمل نظرته الذاتية (هو غالباً وسط افلامه يقود بنفسه التحقيقات ويجري المقابلات مع الناس العاديين أو سواهم في السلطة أو أجهزة الدولة والشرطة)، والدعابة المرّة ماثلة دوماً في أفلامه لأن غايته ليست اصابة المشاهدين بالكآبة أو "خلع الأبواب المفتوحة"، في تعبيره، فحقائق المجتمع الاميركي المرّة معلومة، ومن غير المجدي اظهارها على نحو فائق الجدية والمأسوية. السخرية المريرة سلاح فاعل في يده، حتى وهو يعالج موضوعات اجتماعية قاسية فيلم مور هو اول فيلم تسجيلي يحصل على الجائزة منذ "عالم الصمت" لجاك ايف كوستو والمخرج لوي مال الذي حاز الجائزة نفسها عام .1956 ثمة اختلاف جوهري بين الفيلمين. فالاول يطلق غواصة الاعماق "كاليبسو" في باطن البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، في حين ان شريط مور يطلق العنان للكاميرا كي تغوص عميقا في قلب ظلمات آل بوش. الفرق شاشع ايضا بين المعركة الشرسة التي يلتقط الفيلم الاول صوّرها بين اسماك القرش وكائنات المحيطات المسالمة، وجرائم الحرب التي ارتكبها بوش ضد الافغان ويرتكبها ضد العراقيين

يبدأ الفيلم بتقديم يمهد لفتح ملف بطله، جورج و. بوش، بسرد وقائعي مختزل لدراما موقعة الانتخاب من ولاية فلوريدا، التي خاض معركتها، بالنيابة عنه، محاربون غير مجهولين من بينهم جيمس بيكر، وزير الخارجية في إدارة والد "المرشح"، وشقيق المرشح، حاكم الولاية، ومساعدوه، وخاصة سكرتيرة الولاية التي لعبت دوراً هاماً في المناورات التي حسمتها في آخر الأمر المحكمة العليا، التي عين بوش الأب، كما يقول مايكل مور في الفيلم، معظم قضاتها، لتسليم مقاليد حكم الولايات المتحدة للمرشح الذي لم تؤيده أغلبية الناخبين.وفي الفيلم يعرض اللحظة التي يراها مايكل مور أنها بداية “الكابوس” الذي تعيشه أمريكا اليوم حين تحولت على غير توقع نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2000 من النجاح الوشيك للمرشح الديمقراطي، للإعلان فجأة عن انتصار بوش بعد فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، وهي النتائج التي يعترف معظم المراقبين أنها شهدت انتهاكات صارخة. لقد اعتلى جورج بوش إذاً -كما يرى مور- كرسي الرئاسة في غفلة من الزمن .
وبعد هذه المقدمة التي رسمت اسكتشاً ـ ذا دلالة هامة ـ لشخصية البطل. بدأ استعراض أسماء المساهمين في العمل السينمائي الوثائقي من فنيين وفنانين بمن فيهم المعد والمخرج مايكل مور،ثم نرى ظلاما دامسا يلتهم شاشة العرض، ثم يسمع هدير الطائرات المخطوفة وهي ترتطم ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، قبل عرض لقطات للضحايا المفجوعين، مقابل لقطة لبوش وهو يجلس متلبد الاحساس. من اكثر اللحظات حرجا في الفيلم تلك التي يتبلغ فيها بوش خبر الضربة على الولايات المتحدة فيما كان في مدرسة للصغار في فلوريدا بعد سلسلة طويلة من العطل امضاها بعيدا عن البيت الابيض وغالبا في مزرعته في تكساس، "وذلك ببساطة لأن احدا لم يكن معه ليتخذ القرار عنه
وقد أصر بوش على أنه ما أن علم بهجمات القاعدة أثناء اجتماعه بأطفال مدرسة حضانة في فلوريدا، حتى هرول في الحال من الحجرة مندفعاً من أجل إنقاذ البلد..
ولكن الفيلم يؤكد أنه أُخطر بالهجوم على مركز التجارة العالمي قبل أن يدخل حجرة المدرسة، وقد قرر أن يتم تصويره وسط الأطفال كما كان مقرراً من قبل. ونشاهده عندما يبلّغه أحد المسؤولين ـ أندرو كارد ـ بالهجوم على البرج الثاني، ويقول صراحة "نحن نهاجم"، ولكن الرئيس يواصل قراءة "عنزتي الأليفة" لمدة سبع دقائق أخرى، ويلاحظ المشاهد اضطرابه وبلبلته في حركة عينيه (كشخص محشور يبحث عن مرحاض، كما وصفه أحد الكتاب الأميركيين،) حتى أصر مساعدوه على مغادرة المدرسة. ولكنه مكث نصف ساعة أخرى. ولا شك أن هذه اللحظات الحاسمة تكشف الشيء الكثير عما يمكن توقعه من الرئيس الأميركي في خضم أزمة ـ تاريخية، مثل الهجوم على عصب التجارة وسوق الأموال في نيويورك، ورمز القوة العسكرية للقوة العظمى الوحيدة في العالم، البنتاغون. ". وبينما تتوالى اللقطات التي تظهر أفرادا من أسرة ابن لادن وهم يحملون بسرعة في طائرات إلى خارج الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ترتفع بالتدريج نغمة أغنية "علي أن أخرج سريعا من هذا المكان"، على خلفية من موسيقى البوب.

وتظهر نجمة البوب المغنية بريتني سبيرز وهي تمضغ العلكة لتعبر عن تأييدها للرئيس، فيما تنحني سيدة مفجوعة خارج البيت الأبيض في نوبة بكاء هستيرية على ولدها الذي قتل في العراق.

وعلى خلفية الجدل الدائر بشأن صور الاعتداءات التي تعرض لها سجناء عراقيون يمثل الفيلم ضربة عنيفة أخرى، إذ يعرض لقطات للجنود الأميركيين وهم يسخرون من الموتى ويقفون لالتقاط الصور التذكارية مع معتقلين عراقيين غطيت رؤوسهم بالأكياس.
يلتقط مور خيط قصته الوثائقية التراجيكوميدية إذا صح الوصف، بواقعة أيلول متحرياً ردود أفعالها التي توجت بقرار غزو العراق، على أساس مبررات أثبت الواقع بطلانها. بالرغم من إصرار إدارة بوش على عدم الاعتراف بذلك، حتى الآن. ويعجب المرء كيف حصل مور على تلك اللقطات التي صورت بأمانة الواقع ارتباك الرئيس الأميركي بل ارتباك إدارته بأسرها في اللحظات الأولى بعد وقوع الهجوم غير المتوقع. ولا شك أن هذه اللقطات بالذات التي استخدمها في فيلمه لم يشاهدها المواطن الأميركي على أي شبكة تليفزيونية، وكأنها التقطت خلسة ليستخدمها مايكل مور ببراعة وسخرية لا تخلو في معظم الأحيان من الدعابة، وهي بالتأكيد دعائم موهبته التي يسخرها في الغالب لخدمة قضية تهم المواطن الأميركي العادي. ".
. صحيح ان مايكل مور يرسم صورة كاريكاتورية لجورج بوش، لكنها في خاتمة المطاف صورة واقعية تعلن عن نفسها بالموقف المؤرشف الداعي الى الهزء والسخرية، ولا يأنف اميركيون من وصفها بالبلاهة على نحو قولنا العربي المشهور "من سيمائهم تعرفونهم". في أكثر من موقع ومناسبة يتكشف بوش عن ردود الفعل البلهاء، او العصابية المتوترة، النزقة والفاشية، فضلاً عن كونه دمية في أيدي لاعبين كبار يرسمون سياسة الأطماع الاميركية، النفطية والعسكرية، في أروقة الظلام. هو دمية حقيقية، تحرّكها خيوط مصالح غير منظورة [أضحت منظورة جداً مع شريط مايكل مور الفاضح]، إذ يتبدّى جلياً في المحصّلة ان جورج بوش رئيس بلا رؤيا أو موقف أو قرار، بل حتى بلا شخصية مستقلة ويقتصر دوره على النطق بقرارات يتخذها الآخرون في دهاليز السياسة والاستخبارات المعتمة، من أقطاب إدارته المسعورة أمثال تشيني ووولفويتز ورامسفيلد ورايس وأشكروفت وآخرين ويوضح مايكل مور أن ثمة صورا لم يشاهدها أحد قبل اليوم ومنها مثلا الملف العسكري لجورج بوش. والفيلم يصور الصفقات النفطية التي تقوم خلال الحرب، ويروي يأس بعض الجنود الأميركيين في العراق غير المدركين تماما لسبب وجودهم هناك.

من الناحية الفنية, فإننا هنا, أمام اسلوب مايكل مور المعهود: التوثيق والتوليف الذكي البارع, والسخرية السوداء, والالتفاف على خطاب الآخر (بوش) لتحويله سلاحاً ضده. ثمة لحظات غاية في القوة, ومنها مثلاً, تلك التي يقف فيها مايكل مور نفسه قرب الكونغرس ليسأل نوابه لماذا لا يرسلون ابناءهم الى العراق ليشاركوا في حرب لم يجند فيها سوى ابن سيناتور واحد. اوحين يستجوب مايكل موور غوردن بوبيت، مدير شركة «كالمر ـ إنكوربوريشن»، التي تعد أبرز ممولي الجيش الأميركي بالعتاد والتجهيزات الحربية المختلفة، حول رأيه في حرب العراق، يجيب قائلا: «صراحة لا يوجد أي مكان في العالم يفتح أمامنا المجال لممارسة «البيزنس» بلا حدود، ويتيح لنا فرصا لا مثيل لها للابتكار والتجديد في مجال عملنا، مثل العراق حاليا»!ا وحين يسأل موور بلاين أوبير، مدير شركة متخصصة في صناعة السيارات المصفحة، مقرها أتلانتا، عن توقعاته بخصوص انعكاسات مستقبل الوضع في العراق على عمله كمورّد سيارات مصفحة، يجيبه بلا حياء: «للأسف، أقول لكم، على المدى المنظور، أعتقد أن الوضع سيكون جيدا جدا.. جيدا بالنسبة إلى «البيزنس» الذي نقوم به، لكنه لن يكون وضعا سارا على الإطلاق بالنسبة للناس هناك»! ومثل هذه التصريحات المفاجئة في صراحتها وصفاقتها، مردها أساسا إلى الطابع الفكاهي والمشاكس الذي يغلّف به مايكل موور تحقيقاته، بحيث تبدو الأمور لمن يستجوبهم وكأنها نوع من المزاح، مما يجرّهم إلى التصريح بأشياء لم يكونوا ليقولوها، من دون مواربة، في تحقيق تلفزيوني من النوع «الجاد» أو الكلاسيكي .
في إشارة متعجلة، يومئ مايكل مور إلى أن اهتمام بوش في الأيام القليلة اللاحقة على الأحداث دار حول الدفاع عن مصالحه المالية والعائلية، حتى لو تناقضت مع ما يفترض اتخاذه من إجراءات أمنية وطنية، لكن بوش سوف ينتقل وإدارته على الفور إلى استغلال “الميديا” الأمريكية لبث الرعب والبارانويا في وجدان الشعب الأمريكي ضد ما يطلقون عليه “الإرهاب العالمي”، ليتم تمرير قانون ينتهك الدستور ومبادئ الحريات العامة داخل أمريكا ذاتها، ومن هنا يأتي مغزى عنوان الفيلم “فهرنهايت 11/9” الذي يقتبسه مايكل مور من عنوان رواية “راي برادبري” التي حولها فرانسوا تروفو إلى فيلم “فهرنهايت 451” وهي رواية تحكي عن مجتمع قمعي لا يسمح بتداول الكتب ويحرقها، “وتلك هي درجة الحرارة التي يحترق فيها الورق”، فكأن مور يقول -أو هو يقول ذلك بالفعل- إن أحداث 11/9 كانت هي الأتون التي احترقت فيها الحرية داخل أمريكا وخارجها، وكانت الذريعة التي دفعت في ظلها إدارة بوش أمريكا والعالم كله إلى حربي أفغانستان والعراق، تلك الحرب الدموية الرامية التي خلفت الدمار تحت ستار تصدير الديمقراطية الأمريكية للشعوب المحرومة منها، ليتساءل مايكل مور ما إذا كانت الحرب قد حققت للشعوب تلك الديموقراطية المزعومة، أوا ما إذا كانت قد جعلت أمريكا اكثر أمانا واقل تهديدا من الإرهاب، ومن خلال المونتاج المتوازي يعرض مور صور الدمار جنبا إلى جنب مع احتفال لرجال المال والأعمال في أمريكا الذين يشيدون بما أنجزه “بيزنس” الحرب، ليخطب فيهم بوش: “إن هذا اجتماع لمن يملكون ومن يريدون أن يملكوا أكثر انهم يسمونكم النخبة لكنني أطلق عليكم القاعدة التي استند إليها”.
على الجانب الآخر، هناك القاعدة الجماهيرية الغفيرة، حيث يبحث “الباعة المتجولون” “للحرب عن تجنيد الشباب في الأوساط الفقيرة التي تسود فيها البطالة وكأنهم مرتزقة وليسوا جنودا يذهبون إلى حرب وطنية بحق، ، وفي اكثر مشاهد الفيلم تأثيرا من الناحية العاطفية، يقابل مور امرأة من بلدته ومسقط رأسه “فلينت” في ولاية ميتشيجان، وكنا قد رأينا هذه المرأة من قبل وهي تؤيد ذهاب ابنها إلى الحرب في فخر، لكننا ونحن نراها في نهاية الفيلم تكون فقدت ابنها، وتقرأ لنا سطورا من رسالته الأخيرة إليها: “ماذا جرى لبوش؟ انه يحاول تقليد أبيه.. إنني أتمنى حقا لو أن هذا الرجل لا يتم انتخابه مرة أخرى”، وتلك تماما هي الكلمات التي تكاد أن تدور في عقل مايكل مور ويؤكد عليها طوال الفيلم. إن ذلك هو ما يجعل بعض النقاد ينظر إلى الفيلم باعتباره دعاية انتخابية “ضد” بوش، لكن من اجل من؟ إن مايكل مور يؤكد أيضا هجومه على الديمقراطيين وتخاذلهم في الوقوف أمام مجموعة المحافظين الجدد
. التسجيلي في خدمة التوليفي، والتوليفي استعادة لصور ومشاهد ارشيفية. هذه هي لعبة مايكل مور الحاذقة في فيلمه. فالفيلم ليس مجرد منشور سياسي ضد اليمين الاميركي المتطرف بل هو ايضا قراءة بالصور لواقع تحاول الصورة السائدة ان تحجبه. هنا ينجح مور في شكل مدهش. بساطة تفكك التعقيد، وسذاجة تسخر من تذاكي السلطة، وانسان اميركي بسيط يحاول ان يكتشف ويكشف احدى اشد اللحظات قذارة في التاريخ السياسي الاميركي المعاصر.
. وينتهي الفيلم بالاتفاق للمرة الوحيدة مع الرئيس الاميركي في ان الخدعة يجب ان لا تتكرر. بين البداية السوداء والنهاية المتفائلة عالم ينبني ويتهدم داخل لعبة المزج المدهشة بين التسجيل والمونتاج. ربما كان هذا المزج هو العلامة الخاصة التي يصنعها مايكل مور في فيلمه عن بوش. الفيلم ليس تسجيليا الا بمقدار ما يلعب التسجيل دور الخلفية الانسانية للصور والمواقف التي تم توليفها، كما انه ليس توليفا الا بمقدار ما يلعب المونتاج دور واجهه يتم تفكيكها وكشف لعبتها الداخلية، في سياق واقع مأسوي تصنعه عصابة امراء الظلام التي استولت على البيت الابيض. بالاضافة الى التركيبة الاحتكارية لشركات النفط وشركات اعادة الاعمار، التي دفعت الى شن الحرب على العراق.
إنه فيلم يريد تسخيف وتعرية بوش ولكنه ينشد السلام وفق ما أكد مور، مضيفا في اقتباس عن الرئيس الراحل ابراهام لنكولن: >.
في أي حال، صنع مايكل مور فيلمه بملايين قليلة عادت عليه بعشرات الملايين من الدولارات. هذه هي عبقرية السينما: فن رأسمالي يصنعه يساريون. هؤلاء هم اليساريون الجدد.
‏ مايكل مور (خمسون عاماً تقريباً) هو ابن عامل بسيط من مدينة فلينت الكئيبة ناحية ميشيغن حيث تهيمن مصانع "جنرال موتورز" وحيث صوّر مشاهد فيلمه الأول "روجر وأنا"، الوثائقي المخصّص لمعالجة النتائج المأسوية لانتقال المصنع الى المكسيك، من بطالة وبؤس اجتماعي وتهديم للبنية الاجتماعية. وعبر هذا الفيلم دعا مور الى اكتشاف الوجه الآخر من "المعجزة الاميركية الاقتصادية". ولفت الفيلم انظار الاميركيين ووزعته شركة "وارنر" في الصالات حيث عرف نجاحاً ضخماً
ويعبر مايكل مور عن آرائه الناقدة على موقعه على الانترنت، وعبر رسائله الى شبكة ضخمة من المسجلين في بريده الالكتروني، وعبر كتاب او فيلم يصدر سنة بعد سنة ويزيد من المعجبين به.ولا يزال كتابه الاخير الذي يهاجم فيه بوش وعنوانه (يا صديقي، اين اصبحت بلادي؟) الذي صدر في تشرين الاول الماضي يحتل واجهات المكتبات، وقد بقي على لائحة اروع القصص التي تنشرها صحيفة «نيويورك تايمز» لمدة 25 اسبوعا.

وتمت ترجمة كتابه النقدي السابق (الرجال البيض الاغبياء) الى 24 لغة، وبيعت اكثر من ثلاثة ملايين نسخة منه في كل انحاء العالم. يرصد الكتاب نقاط الخلل في سياسات اميركا وفي ثقافتها السياسية، ويرى ان اشد ترجمة للخلل تتمثل في انتخاب جورج بوش رئيسا، فيسمّيه اللص وليس الرئيس،

كذلك لقي فيلمه الوثائقي «بولينغ فور كولومبين» الذي ينتقد فيه شغف الاميركيين بالاسلحة النارية، رواجا كبيرا. ويعتبر «دي في دي» الفيلم الذي صدر اخيرا بين اكثر الافلام مبيعا. وقد عالج الفلم المذبحة التي قام بها طالبان في كلية كولومباين كمفتاح لموضوع أكبر عن حب الأميركي للسلاح، عن مجتمع قائم على تشرّب العنف وممارسته و - على أكثر من صعيد - مباركتـه ما يتيح للأفكار والمجموعات المتطرفة، تلك التي تشرّب منها القاتلان أفكارهما، النمو مستفيدين من جو الحرية المتاح. ويقارن مور الظاهرة الأميركية باللا-ظاهرة الكندية: شعب متشابه الأصول، كونه يتكوّن من قاعدة من المهاجرين البيض في بلديـن انشئا على حطام أقوام أخرى، ليكتشف أن البلد المجاور تماماً يخلو من بذور العنف على نحو شبه تام.
وفي تحقيقه يكتشف مور أن الخوف الذي يعيش فيه الأميركيون قد يكون المسؤول الأول. ومن بين أفضل المشاهد التي يتضمنها الفيلم تلك المقابلة التي ينشدها المخرج مع شارلتون هستون، الممثل السابق وأحد أكبر دعاة التسلح الفردي في اميركا، الذي يبدو قبل إجراء الحوار غير مدرك موقف مور منه قبل أن يطلب من المخرج وفريقه مغادرة دارته فوراً



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخرج البوسني امير كوستوريكا عالم سينمائي، يتجاور فيه الواق ...
- المخرج الياباني الكبير شوهي امامورا
- عسس الهواء
- في ذكراها الخامسة .... بوش يبدد «مكاسبه» من تفجيرات أيلول
- سينما المقاومة عبر تجربة جان شمعون اللبناني ومي المصري الفلس ...
- السينما في موريتانيا - 2
- 1 - السينما في موريتانيا
- السينما في المغرب -8
- السينما في المغرب -7
- السينما في المغرب -6
- السينما في المغرب - 5
- السينما في المغرب - 4
- 3 - السينما في المغرب
- 2 - السينما في المغرب
- السينما في المغرب:البدايات
- أندلس الحنين
- السينما في الجزائر - 8
- السينما في الجزائر - 7
- السينما في الجزائر - 6
- السينما في الجزائر - 5


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - مايكل مور التسجيل السينمائي الساخر يعري نظاما امريكيا يحكمه امراء الظلام