أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - لحظة ٌبين انفجارين















المزيد.....

لحظة ٌبين انفجارين


جاسم المعموري

الحوار المتمدن-العدد: 1667 - 2006 / 9 / 8 - 06:40
المحور: الادب والفن
    


إهداء :

((( صديقتي .. أنا صاحبُ همومي , فتحمّـليني .. فأنا .. لم تعد - الى الارض .. الى مكان الانفجار .. الى وطني - قطرة واحدة من دمي , حيث لا أملك شيئا فيه كما تعلمين , الا انني احبه , لكنه بخل علي حتى بقبر يلملم اشلائي .. رغم انني من قوم مؤمنين ازكى من ان يكون لهم قبر على الارض .. اعلم بان للنص عذريته , ولكن نقدك له كتوابل الهند اضفى اليه رائحة زكية .... ))))



كنتُ ابحثُ عن جثتي بين الشظايا والدخان فلم أجدها , فيما راحت عيني تبحثُ عنـّي قبل ان تدوسها عجلاتُ سيارة الاسعاف .. حاولتُ ان أحرك جسدي , إلا أنني لا أجده في متناولي .. لم ينته دويُ الانفجار بعدُ , والشظايا مازالت تتطايرُ بكلِ اتجاهٍ تبحثُ عن ضحاياها , رغمَ إنها عمياءُ لاترى .. بعضٌ من أعضاء جسدي يتطايرُ فوقَ البنايات ِ
المجاورة ِ , وبعضُها على الرصيفِ المقابل .. أرى بعضا ًمن أصابعي وهي تحترقُ , ودخان ٌابيضٌ يتصاعدُ منها .. فيما بدت شفتي السفلى تتدلى من الفك الأسفل الذي فقد بعضا ًمن أسنانه , والذي انفصل َعن رأسي الذي لا أدري أين هو .. إلا أن روحي مازالت عالقة ًبكل ِأعضاء جسدي .. أراها تنبضُ في قلبي الذي تناثرَ الى آلاف القطعِ الصغيرةِ الملتصقةِ على الجدرانِ , وزجاجِ السياراتِ , وبوابةِ جامعِ بُراثا الكبيرة ِ.. ذلك القلبُ الذي طالما اشتهيت ُ
ان المسه عندما كانت مشاعر الالمِ , والخوفِ , والسعادةِ ,والحبِ تتأججُ فيه .. اراهُ اليوم في كل زاويةٍ من زوايا المكان , مكانُ الانفجار , وكأنه يحاول ُأن يبعثَ الحياة َلضمير ٍماتَ , وصارَ عظاما ً ورفاتا , ولكنني لا أستطيعُ ان
ألمسهُ الآن أيضا ًلأن اصابعي مازالت تحترق ودخان ابيض يتصاعد منها .. مازال طعم ُالصلاة نقياً على لساني , ودموعُ الإيمان طرية ًعلى خدي وأنا احاول أن أمسكَ بهذه الشظية المجنونةِ الحاقدة كي لاتروح وتمزق صدرَ ذاك الصبي الذي يبيع الأكياسَ الفارغة على باب الجامع , إلا أنني للأسف الشديد لم أكن أملك يدي , فراحت تلك الشظية
اللعينة , راحت تدورُ على نفسها بسرعة هائلة ولها دويٌ شديد ٌ, وعصف اشد, كعصف الخيزران عندما تهوي
على جسد يعذب , لتمزقَ صدره الناعم الصغير .. أراهُ يطيرُ ويلتصقُ على الجدار , فيما اخذت بقية الشظايا دورها في افتراسه وتقطيعه, بنفس الوقت الذي أردتُ فيه ان أتلقى جسدَ هذه الفتاة قبل سقوطه على الارض , لاخففَ من
شدة إرتطامه بها , ولكي أقوم بتغطيته حيثُ جرده عصفُ الانفجار ِمن كل رداء , تمنيتُ لو انها كانت قريبة ًمن
مركز الانفجار لكي يتقطع جسدها الى قطع ٍصغيرة جدا كي لا احتاج للبحث عن غطاء له.. بينما يريد ُرأسُ ذلك الشيخ الطاعن في السن ذو اللحية المحترقة شيبا ً , والمخضبة بدماء مازالت تفورُ , ان يحط على السلك الحديدي الذي بدأ يبرزُ من عمق الترسانة الكونكريتية لعمود يتحطم , وكأنه يبحث عن رمح لكي يتعلق عليه , وهو يولي وجهه صوب دمشق , كأن راسه راس الحسين , وكأن السلك الحديدي رمح يزيد .. دمي ماانفك يصلي كلما نظرت اليه .. اشهد الا اله الا الله وحده لا شريك له ..احدى الشظايا تمر من فوقه ملتهبة وهي تولول وتقول : مازال حيا .. مازال حيا .. واشهد ان محمدا عبده ورسوله .. كل الشظايا تتجه صوب دمي حتى النار والدخان : مازال حيا .. مازال حيا .. اللهم صلي على محمد وال محمد .. دماءُ الضحايا , واشلاءها بما فيها الضحية الذي فجرَ نفسه اختلطت
بشكل يستحيلُ عزلها عن بعضها البعض , وكأنها تريد أن تقولَ أن الضحية َواحد ٌوإن تعدد المجرمون .. وخارطة ٌللعراق على حائط قد انهدم تواً غارقة ًبدماء ٍحارة والنار تلتهمها .. مازلت في طريقي للبحث عن بقايا عيني التي داست عليها سيارة الاسعاف .. سائق ُالاسعاف يحاولُ الابتعاد عني , كي لا يواجهني لاسباب أجهلها .. صرختُ به ان يقف جانبا ً.. كان هو الموجود ُالوحيد الذي يستطيع رؤيتي وسماعي لأسباب اجهلها ايضا.. قلت له إنها عيني
التي دست عليها فلم يعرني اي اهتمام .. إعتقدتُ بأنه لم يسمعني بسبب دوي الانفجار المستمر لكن سرعان ما تبين لي أنه يريد إيهامي بأنه لا يسمع .. إنها عيني التي بها أرى وأبكي ولي بها مآرب اخرى .. التفت الي منزعجا ًوقال :
ان هذا كله من تداعيات المصالحة الوطنية .. فقلتُ له لذا يجب ان نموت جميعا كي لا يبقى احد يتصالح مع القاتل الا نفسه ! .. نظر إلي كمن ينظر الى قاتل ابيه .. الشظايا الملتهبة بنار الحقد والطائفية تخترق جميع نوافذ سيارته الا انها لم تصبه بأذى فهي تعلم من تريد ان تقتل رغم انها عمياء لاترى .. اسمع دمي يصلي .. السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته .. بدأ دعاة الارهاب والمصالحة الوطنية يتساقطون واحدا تلو الاخر وهم ينظرون الى دمي في خشوعه .. عيني الاخرى الملقاة ُعلى الرصيف الاخر تراقب ُالوضعَ عن كثبٍ دون ان يلتفتَ اليها احد ... انها تعمل كجاسوسٍ خبيث يتخفى بين القش , أو في شروخ الجدران , أو على أسطح المنازل , أو على شجر النخيل .. إنها تبدو كعدسة كاميرا معطوبة لاتعمل , إلا انها في الحقيقة كانت ترى كل ما يدور على الرصيف والرصيف المقابل , وما بينهما من خفايا الامور.. بقايا من لحظة سقطت من حضن الزمن منغمسة ًبالحزن ,ومتشحة بالدهشة , فاغرة ً فاها , ناغرة جراحها , تريد ان تتجاوز كينونتها , فتسرع في خطاها , الا انها كانت بطيئة جدا , حتى تجسد
التاريخ كله فيها , لتسقط اخرُ الشظايا على الرصيف بعد ان اخترقت ومزقت الكثير من الاجساد , وهي منقعة بدماء حارة تسيل وتقطر على جوانبها , تهتز من ثقل الجريمة , ليسودَ هدوء ٌ قليل ٌ يعقبه ُأنين الجرحى الذي بدأ يعلو قبل وصول المسعفين مكان الانفجار .. كنت أتمنى لو ان احدا ًما يسمع أنيني او صرخاتي .. أريدُ أن أبعد الأحياء عن مكان الانفجار , لأني كنت أعلم ان هناك انفجارا اخر يدبرُ أثناء ذلك , فسيارة الاسعاف كانت مليئة بالمتفجرات , لكن صوت المسعفين الذين اخذوا يصرخون ويهرولون الى المكان قد غطى على صرخاتي .. رغم ان لساني في طريقه ليلتصق على احدى مكبرات الصوت المعلقة في اعلى منارة الجامع حيث تأخذه احدى الشظايا الى هناك لانها عمياء
لاترى .. لم ادرك بعدُ انني في لحظة مرور الى عالم اخر مختلف تماما بكل تفاصيله عن عالم غارق بالجريمة .. وبعد بقية من بقايا لحظة يأسف الزمن على انفلاتها منه لتهيم تائهة بعهرها , ماشية على حل شعرها , متسببة بالعار والشنارعلى دينها , وامتها , وتاريخها , وزمانها إهتز الرصيف بشدة , ودارَ على نفسه , كمن يتلوى من شدة
الالم , ليرتفعَ بسرعة ٍخارقة الى عنان السماء , ولترتفع معه عيني , وكل بقايا جسدي , ودمي , ودماء الضحايا , وأوصال سيارة الاسعاف , والغبارُ , والدخان , وقطع خرافية الاشكال من الخرسانة , وكسر الطابوق , وابرياء
اخرون من المنكوبين والمسعفين وكل شيء كان قد استقرَ توا ًعلى ارض الانفجار الاول , ليسود صمتٌ رهيب , ونحن جميعا نـَسبحُ في الأعلى , أرى وجه ولدي الذي ولد قبل شهرين , وهويقتربُ .. يحاولُ ان يلمسَ وجهي .. وجوه اخرى راحت تسبح حوله .. تقترب ُ .. تبتعدُ .. تتقارب ُ وتتباعد .. وجه امي .. ابي .. جدي .. حبيبتي .. بوابة الجامع التي طالما كنت اطيل النظر في نقوشها وزخارفها وآياتها .. (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ) .. قصائدي تلك التي كنت أمدح بها نبي الرحمة والمحبة والسلام , وأذكر ببعضها بطلولة ولده الحسين , ونكران ذاته من أجل ربه , تنيرُ حروفها كما النجوم , تعانقُ روحي , في الوقت ذاته الذي اخذ الانفجار يشكل صورا ًلوجوه أعرفها , وأخرى أجهلها , كان أبرزها وجوها شيطانية لدعاة الارهاب , وأربابه , وأدواته , إلا أنني منشغل عن ذلك كله بهمساتٍ غريبة , تبعثُ في روحي بهجة ًلا توصفُ , وتحاول ُان تدلني على سر الراحة الأبدية .. لمسات باردة تضمد الجراح , وتطفيء الالم , وصلوات دافئة تكفكف الدموع , وتطرد الخوف .. وعطر زكي غريب لم اشمه في حياتي يتغلغل في اعماق روحي , واصوات ملائكية تنثر السلام والمحبة , وتفرش الفضاء بالزهور ..ودمي يصلي.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. فيما الانفجار لم ينته بعد , والشظايا الطائشات تشيعني , وهي مازالت تتطاير بكل اتجاه , تبحث عن ضحاياها , رغم انها عمياء لا ترى .. ولاتراني ..



#جاسم_المعموري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهديد المثقفين العرب تهديد لوجود الامة ووجدانها
- نداء عاجل الى الوطن وقادته وزعماءه
- قررتُ أن أنام
- أمنية ٌ في مهب الريح
- حبيبتي .. لا تحزني
- مصر بين مخالب الطائفية والارهاب
- سوزان ياسيدة الاطفال
- العراق بين الارهاب والانقلاب العسكري
- الطريق السبعون السريع
- الصقر المهيب الحزين
- معاناة المرأة العراقية .. من المسؤول ؟
- حبيبتي والعراق
- الإغتيال .. اسلوب من ..؟
- من الذي يغتال اعيادنا ؟
- ومن يدمر الامة غير حكامها
- الشهيدان
- اعواد ثقاب
- قبليني


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المعموري - لحظة ٌبين انفجارين