أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النهاية كبداية لمشروع قادم/ الجزء الثالث والأخير















المزيد.....

المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النهاية كبداية لمشروع قادم/ الجزء الثالث والأخير


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1629 - 2006 / 8 / 1 - 11:55
المحور: مقابلات و حوارات
    


* التلاقح الكرنفالي
* في فيلم " 16 ساعة في بغداد " زاوجتَ بين المسرح والسينما فقط، ولا نريد أن نتحدث عن أجناس فنية أخر. هل تفيد هذه المزاوجة في العمل السينمائي، وهل أن هذا التلاقح مقصود، خصوصاً وأن لديك إهتمام بالفن التشكيلي الذي يحضر في بعض أعمالك السينمائية آخذين بنظر الإعتبار أن تجربتك الأخيرة قد تركزت على توثيق عدد من التجارب التشكيلية لفناني عراقيين وأجانب؟
- يبدو لي أن الشكل المعماري لمعهد الفنون الجميلة قد عندي خلق عندي فضولاً لأن أتعرف على مجالات فنية أخر، وهي مهمة جداً، وخصوصاً في الفن السينمائي، هذا المجال الواسع الذي يستطيع أن يحتوي أغلب المجالات الفنية، ويتفاعل معها بنجاح كبير. فالشكل المعماري للمعهد يبدأ كالآتي: قسم الموسيقى، ثم المسرح، ثم التشكيل. وهذا يعني عندما تخرج من المسرح لكي تمر على صديقك بالتشكيل، ثم نذهب معاً إلى صديق مشترك في قسم الموسيقى. وغير مرة كنت أنام في الأتيليه وعندما أشم رائحة اللون في المرسم تخلق عندي فضول لكي أرسم، فأقول في نفسي: لماذا لا أمسك الفرشاة وأرسم؟ وهكذا صرت فناناً تشكيلياً، ليس بمعنى الهواية، كلا، لقد أصبحت محترفاً، وكنت أرسم ديكوراتي بنفسي. وفي الموسيقى لم يكن إهتمامي عابراً، ففي قسم الموسيقى كانت هناك العديد من البيانوهات وكنا نتمرن عليها كلما دخلنا إلى هذا القسم، حتى صارت الموسيقى جزءاً من إهتماماتي الرئيسية. فهذا هو السبب الحقيقي الذي جعلني أزاوج بين السينما والتشكيل والموسيقى والغناء أيضاً. في كل أعمالي أهتم بشكل عام بالمسرح والموسيقى والتشكيل فكل هذه العناصر تدخل في العمل السينمائي وأسعى جاهداً لأن أحقق هذه الأشياء التي تضيف للعمل الفني عناصر قوة وجاذبية، وتجعله أكثر ودلالة وجمالاً. وعلى الصعيد الشخصي أنا درست السينما والمسرح، وبالتالي فأنا أنا سينمائي و مسرحي في الوقت نفسه، ولكن عندما أعمل في السينما تكون السينما هي الغالبة في حال توظيفي للمسرح في السينمائي، والعكس صحيح. بعد بضعة أيام لدي عمل مسرحي سأقدمه في الدنمارك، وسأجعل من السينما جزءاً من العمل المسرحي، بمعنى أن السينما ستصبح عنصراً من عناصر العرض المسرحي، ولا تطغى عليه، هذا إضافة إلى إفادتي من التشكيل والفوتو وسواهما من الفنون البصرية الأخر. أنا أحياناً أسمّي أعمالي الفنية " كرنفالاً " أو مصهراًً للفنون البصرية برمتها. في الفيلم التسجيلي " 16 ساعة. . " دخلت إلى قاعة للفن التشكيل في بغداد وكنت أتمنى أن أحقق شيئاً مع الفنانين أكبر من الشيء الذي حققته في الفيلم، ولكن المدة المحددة تحاصرني فلا أستطيع أن أقدّم كل شيء في عمل فني واحد، ولكنني مع ذلك لم أهمل هذه الصالة التشكيلية، بل كانت هناك مشاهد صغيرة وظفتها في الفيلم الذي ضمّ إلى جانب المسرح، التشكيل، والنحت، وبعض اللقاءات الفنية مع الفنانين وبضمنهم الفنان الأمريكي الذي أكد بأن العراقيين يحبون الشعب الأمريكي، لكنهم لا يحبون القوات العسكرية الأمريكية. أحياناً كان الصوت يدخل ويعطي زخماً للحدث نفسه، وهذا العنصر الصوتي لا أستطيع أن أستغني عنه، وإنما أعتبره عنصراً أساسياً من الفيلم ليس لأن له علاقة بالتنظير، وإنما لأنني في الواقع مسرحي، وأعير إهتماماً كبيراً للموسيقى، والتشكيل والفوتو، وهذا هو هدفي من هذا التلاقح الكرنفالي الذي أفخر بأنني قد حققت جزءاً منه في فيلمي التسجيلي" 16 في بغداد في بغداد " أو في أعمالي الفنية الأخر.
* التلفزيون وسيلة بلا ذاكرة
* فيما يتعلق بـ " الذاكرة البصرية " كان غودار يقول " إن السينما هي الذاكرة والتلفزيون هو النسيان " كيف تتعاطى مع التلفزيون، ألا يوجد عملاً تلفزيونياً ممكن أن يصمد مدة عشر سنوات أو خمس عشرة سنة؟ هل كل ما يصنع في التلفزيون يهمل ويلقى في سلة المهملات؟ ما هي وجهة نظرك الخاصة في هذا الإتجاه؟ وهل أن الأعمال التلفازية تذهب إلى الذاكرة المطفأة بعد العرض الأول؟
- دعني أبداً من القول بأن التلفزيون يقع خارج إطار الطقس الجماعي، وربما يعتبر جهازاً رخيصاً. فحينما تدخل قاعة سينما، وفي منتصف العرض تنهض لكي تغادر هذه القاعة سينظر إليك الجمهور نظرة إزدراء لأن كسرت هذا الطقس شبه المقدّس، ولكن حينما تجلس لكي تشاهد التلفزيون يمكنك أن تطفئه أو تهمله في أي وقت، فالتلفزيون ليس طقوس مقدسة، وأحياناً ربما يعرض التلفزيون فيلماً مهماً يستحق المشاهدة، لكنك تمسك بالريموت كونترول وتغيّر القنوات بحسب مزاجك الذي لا ينتبه إلى افلام أو برامج قد تكون مهمة فعلاً، ولكن لكون مسألة مشاهدة التلفزيون هي مسألة مزاجية فأنت قد تترك فيلماً جيداً وتذهب لمشاهدة البورنو أو برنامجاً رياضياً أو طبياً وما إلى ذلك، الأمر الذي جعل من التلفزيون وسيلة رخيصة. وبالمقابل تستطيع أن تجعل من التلفزيون جهازاً مهماً عندما تقرر مشاهدة الأشياء الإبداعية والجميلة والمفيدة. ولا يمكننا أن نتغافل عن نظرة المبدع المتعالية على الاشياء الرخيصة. هذه الأشياء برمتها هي التي جعلت من التلفزيون وسيلة بلا ذاكرة. هناك محطات كثيرة تقدم أفلاماً جيدة، لكنها تعتمد على الدعاية في قطع الفيلم ولأسباب مادية، أي أنها تسخّر الفيلم من أجل الحصول على الأرباح المتأتية من الإعلانات التي تؤرق المشاهد في أثناء مشاهدتة للأفلام أو المسلسلات الجيدة. وهناك من لا يوافق على عرض هذه الدعايات التي تفسد متعة مشاهدة الفيلم، غير أن القنوات تفكر بالربح المادي أولاً، ولا تعير شأنا لتذمرات المشاهد أو إعتراضاته التي تذهب مع أدراج الرياح. وهذا لا يعني أن السينما لا تفكر بالربح المادي، كلا فهي في جزء كبير منها صناعة وتجارة، ولكن السينما لا تخرّب على الإطلاق. أنا أومن بأن أي إنجاز فني للبشرية ينطوي على التنوع والثراء، ولكن عندما يعطي قيمة للعمل الفني مثل السينما وأجوائها وطقوسها، وأنا أنحاز للسينما في هذا الجانب، ولا أدافع عن التلفزيون، كما أنحاز لهذه الشريحة من الفنانين الذين يكرسون أعمارهم للفن الحقيقي، وهذه الشريحة ليست قليلة، بل هم سلالة يتوارثون الإبداع من جيل إلى آخر. إن لكل شيء مكانة الحقيقي، وإلا لما كانت هناك حاجة للمتاحف، فالتحف والنوادر الفنية لا بد أن يحتضها مكان مثل " اللوفر " ولا يمكن لك أن تضع الأشياء القيّمة في مكان رخيص لا قيمة إعتبارية له. هناك أعمال تقدّم في التلفزيون، ولكن هذه الأعمال لا تغري الفنان السينمائي لأنها مسطحة، وسريعة الزوال. فعندما تشاهد فيلماً في السينما تقول إن هذا الفيلم هو ليس نفس الفيلم الذي رأيته على الشاشة الصغيرة لأن الجانب التقني الفيزيائي أو الكيميائي أو الذي له علاقة بالتكوين يخربه التلفزيون بحيث يجعله مسطحاً، وكأن الشخصية جالسة بالقرب منك، بينما يميل الإنسان بطبيعته إلى مشاهدة الأعمال السينمائية في أجواء وطقوس محددة لا توفرها إلا السينما المحتفية بعتمتها.
* كيف نشيع ظاهرة الفيلم التسجيلي إذاً، أليس التلفاز من وجهة نظرك مجاله الحيوي. هناك المئات من الأفلام الوثائقية التي لا تحتملها صالات السينما، ألا يمكن إستيعابها من خلال الشاشة الفضية؟
- أنا لم أنكر فضل التلفاز، لأن هذا الجهاز ممكن إستثماره، وتطويعه. وطبعا أنا لا أستطيع، ولا يمكن لي أن أقارن بين الأرتي الأمانية والفرنسية وأية قناة تلفازية أخرى. هناك قنوات متخصصة مثل الـ " أم تي في " التي تقدم موسيقى فقط. هذه القنوات المهمة تغريني، وتغري أي مخرج مبدع وسأكون ممتناً لو أنها قدمت أي فيلم من أفلامي التسجيلية. أنا بالمناسبة لا أسعى إلى الوصول إلى هذه القنوات المهمة جداً، لأنني بالأساس ليس لدي مثل هذا الحلم أو هذا الوهم بحيث أتمنى العالم كله سوف يشاهد أفلامي الوثائقية أو الروائية، لأنني مؤمن بأن لكل شريحة إجتماعية، أو لكل مجموعة بشرية في العالم لديها إهتمام خاص، ولديها قنوات إعلامية خاصة ومفضلة. وهذا التنوع الموجود في التلفزيون هو مثل التنوع الموجود في السينما. فأحياناً تذهب إلى السينما لكي تشاهد فيلماً كوميدياً أو درامياً أو أكشن. والتلفاز يقدم نفس الشيء، ولكن إذا أستعمل التلفاز بشكل صحيح ربما يغريني وأقدم فيه فيلمي التسجيلي أو الروائي، ولكن على المخرجين ألا يتوهموا بأن أفلامهم ستصل مئة بالمئة إلى الجمهور سواء عن طريق السينما أو التلفزيون.
* النهايات الحادّة
* يبدو أن نهايات أفلامك مدروسة كما في " بيت النمل والناس " و " زينب "، و " نشيد الإنشاد " 16 ساعة في بغداد " و " يوم القدر ". كيف تتعاطى مع فن النهايات، وهل تعوّل على النهاية كضربة أو صدمة أو لحظة تنويرية، أم أنها تأتي كجزء من بناء سينمائي متكامل؟
- أنا دائماً أعتبر النهاية كبداية لمشروع قادم، لأنني أسعى دائماً ألا تكون النهايات مبتورة أو حادة أو تعطي رسالة أو جواباً ما، وهذا ليس من إبتكاري، وإنما هناك الكثير من المخرجين الذين يدعون نهاية أفلامهم مفتوحة، بمعنى أنها تعطي للمشاهد خيالاً، وتمنحه الفرصة لأن يكملها هو، لأن كل مشاهد عندما يخرج من السينما تبقى أحداث الفيلم موجودة في ذاكرته، ويصبح هو وكأنه واحداً من شخصيات الفيلم. ذات مرة شاهدت فيلماً جميلاً، وحينما إنتهى الفيلم خرجت من الصالة، لكنني فجأة قلت في نفسي: لماذا تركت صالة السينما وخرجت إلى العالم الواقعي، وفعلاً تمنيت لو كان بوسعي أن أعود إلى الصالة ناسياً أن ما كنت أشاهده كان فيلماً وليس أحداثاً حقيقية. أن المخرج القادر على أن يمنحك هذا الإحساس يجب أن نرفع له القبعة، ونصيخ السمع لما يقول جيداً، فكائن من هذا النوع لا يدعك تميز بين الواقع الإفتراضي والواقع الحقيقي. في الأفلام الهوليوودية يجب أن تكون النهاية حادة، لأن قوانين وشروط الفيلم الهوليوودي لا تسمح بالنهاية السائبة أو المفتوحة. فإذا كان البطل شريراً فيجب أن يُقتل لكي يفرح المشاهدون. وهذا طبعاً حل سلبي، ولهذا فأنا أكره في السينما الهوليوودية بشكل خاص كون النهاية حادة جداً، لأنها لا تريد للمشاهد أن يخرج من الفيلم حزيناً، وإنما تريده أن يخرج فرحاً ومنتشياً، ثم تنسى الفيلم بعد مدة قصيرة لأنه أزاح عنك عناء التفكير، والمشاركة الوجدانية، ولم يترك لك لغزاً لكي تحلّه، أو معضلة يجب أن تفكر فيها. أن جزءاً مهما من هاجس الثقافة الأمريكية السينمائية على وجه التحديد هو أن المشاهد يجب أن يتمتع في أثناء المشاهدة خصوصاً بعد عمل يوم شاق بكامله. فالمخرج الأمريكي لا يريد أن يضيف لعنائك عناءً آخر. أنا طبعاً أنحاز إلى أن يظل عقل المشاهد منهمكاً في التفكير والتحليل، وأعتبر هذا الإنحياز للعقل هو نوع من الرعاية التي يقدّمها المخرج لعقل مشاهده.
* كيف إنبثقت في ذهنك فكرة فيلمك الجديد المعنوّن "www.Gelgamish.21 "، وما هي مراحل تطورها خصوصاً وأن هناك شخصيتين أحدهما وهو الفنان باسم الحجّار يعمل ويصوّر في العراق، والثاني هو أنت تعمل وتصوّر في الدنمارك. هل لك أن تحيطنا علماً بثيمة الفيلم، وما هي الصعوبات التي واجهتكما، ومتى ستضع لمساتك الأخيرة على هذا الفيلم؟
- أنا في الحقيقة من خلال تواصلي عبر الماسينجر مع أحد الفنانين الشباب وهو باسم الحجار إستطعت أن أقنعه بفكرة العمل. وقبل أن تبرق هذه الفكرة في ذهني كنت أتواصل مع باسم الإنسان والفنان الذي أعتبره شخصية فنية مثابرة ومجتهدة، وقد أحببته لأنه متعلّق جداً بتجربته الفنية، ومؤمن بالرسالة السينمائية التي إرتضى أن يحملها على عاتقه. ذات مرة عبّر لي بمرارة بالغة عن الوحدة التي بات يعاني منها في بغداد، إذ تصوّر أنه هو الفنان الوحيد الذي سوف يبقى في بغداد بعد أن غادرها الكثير من المثقفين والفنانين العراقيين، وأن البقية الباقية منهم لديهم الرغبة الجامحة لأن يتركوا بغداد بسبب المعاناة الطويلة التي ليس لها حد، وقد وصل الحال ببعضهم إلى الإحساس باليأس، والقرف، والخراب، أما هو فرغم المرارة يريد أن يبقى في هذه المدينة لكي يكون شاهداً على خرابها. لقد تركت هذه الكلمة في نفسي نوعاً من الأسى والحزن ودفعني هذا التوصيف الحاد لمشاعره الداخلية إلى أن أقترح عليه أن ننجز شيئاً ما أنا وهو. طبعاً من الصعب القول أنني أريد أن أتعاطف معه، بل دعني أقول أريد أن أتضامن معه لانه في مكان صعب، ومعقد، ومأساوي. فلكي أتواصل معه، وأخلق شيئاً مشتركاً بيني وبينه، كأن يكون حلماً مشتركاً مثلاً. هكذا ولدت الفكرة، وإتفقنا على مواعيد محددة نلتقي فيها على الماسينجر، ونتحاور، شرط أن يكون حوارنا حول أشياء كثيرة، فنية وإنسانية، تهمنا نحن الإثنين. فكلانا عنده أحلام يسعى إلى تحقيقها في مجال الفن سواء في بغداد أو في كوبنهاغن. كما طلبت منه أن نتحدث عن علاقتنا مع المكان، فهو يتحدث عن مدينة الموت " بغداد " وهي فعلاً مدينة موت الآن، أو أصبحت خطيرة جداً على الإنسان الذي لا يدري متى يلقى مصيره المحتوم. ( أحد الأصدقاء العائدين إلى بغداد وضع نفسه في عداد الخسائر، وحينما عاد قال أنقذتني المصادفات. ) وأنا أتحدث عن كوبنهاغن، مدينة الوحشة والبرد والضباب. كانت تصوِّر هذه الحوارات كاميرتان، واحدة موجودة إلى جانب باسم الحجار في بغداد، والثانية موجودة إلى جانبي في كوبنهاغن. وقد وزعت الأدوار كالآتي: أنا أسندت لنفسي دور كلكامش الذي يسعى إلى التأبد وإمتلاك الحياة، ويصل إلى أقاصي الدنيا بحثاً عن نبتة الخلود، أما دور أنكيدو فقد أسندته إلى باسم الحجار، وأغلب حواراته تدور حول الموت خصوصاً وأنه يعيش في مدينة الموت الآن. وذات مرة قلت لباسم أن يتلبس شخصية أنكيدو ويسمي نفسه أنكيدو الحجار مثلاً، ويبدأ في التجوال في شوارع بغداد وأسواقها وهي تئن تحت دوّي الطائرات وهديرها المرعب. لقد أن أردت منه أن يقدّم المدينة من داخلها رغم قساوة الحياة اليومية هناك. كلكامش أو طارق هاشم في كوبنهاغن الذي تبتلعه العتمة والأنفاق والبرد والوحشة المحيطة به من الجهات الأربع. وإقترحت أن يكون الحوار بيننا متوازياً، بالإضافة إلى خط متوازٍ آخر بين مدينتين حاضرتين في الوقت نفسه، وهما بغداد وكوبنهاغن. وأردت أن تكون هذه الحوارات ذات طابع وجداني، تتناول الحياة اليومية بكل إشكالاتها العويصة، وتتطرق إلى أحلامنا الضائعة أو المبتورة التي نحاول أن نحققها في هذا العمل. طبعاً أنهيت هذا الفيلم بموت أنكيدو. لقد تمرَّنا على تأدية دور كلكامش وأنكيدو كثيراً عبر الماسينجر، وأحياناً كنت أعطيه ملاحظات قد تبدو غريبة لأهله وذويه الذين يرونه وهو يخلع ملابسه، ويتعرّى تنفيذا لأوامر تأتيه في عز الليل من مخرج يعيش في الطرف الآخر من العالم، كنا كأننا نتمرن على عمل مسرحي قادم سنقدمه ذات يوم في كوبنهاغن، أو في بغدا. وقد وظفت عنصر المسرح في السينما، والذي لا يمكن أن أهمله في موضوع ينطوي على القدر الكبير من التصعيد الدرامي، كما أننا، نحن الإثنين، متورطان بحب المسرح، ونعشق الأداء الملحمي، لكن هذا الأداء المسرحي لن يطغى على حساب السينما. وفي واحدة من الحوارات سالته: متى تصور مشهد الموت؟ قال لم أحسم هذا الأمر بعد. فقلت له إذا أردت أن تصوّر هذا المشهد فعليك أن تذهب إلى نهر دجلة. دُهش باسم، وسألني سؤالاً غريباً قال: " أنت تريدني يوم لو تريدني دوم؟" أي بمعنى أنه لا يستطيع أن يصل إلى ضفاف نهر دجلة، وإذا وصل إلى ضفة النهر فمن المحتمل أن يُقتل خصوصاً إذا كان حاملاً كاميرا سينمائية! لأن حاملي هذه الكاميرات قد يكونوا من المسلّحين الذين يطلقلون النار على جانب الكرخ، وهذا الجانب من النهر محتل من قبل القطعات الأمريكية التي قد تطلق النار على أي شخص يثير الشبهات. قلت له أنني أتمنى فقط أن أرى أنكيدو مسجى في بطن زورق قديم عائم في منتصف نهر دجلة. أما أنا في تلك الساعة تحديداً، كنت في قلب كوبنهاغن، وفي منتصف ليلة رأس السنة عندما إحترقت سماء المدينة بالمفرقعات وكأنها الحرب قد إشتعلت. وأنا، في الحقيقة، كنت أريد أن أقول بأن الفرح ممتزج بشيء آخر له علاقة بالموت.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن-: أريد فضاءً ...
- المخرج السينمائي طارق هاشم للحوار المتمدن :أحتاج الصدمة لكي ...
- المخرجة الإيرانية سبيدة فارسي: لا أؤمن كثيراً بالحدود التي ت ...
- بيان قمة الدول الثماني الكبرى يُنحي باللائمة على القوى المتط ...
- المخرج الإيراني محمد شيرواني للحوار المتمدن: السينما هي الذا ...
- كولم تويبن يفوز بجائزة إمباك الأدبية عن رواية المعلّم
- العدد الثالث من مجلة - سومر - والإحتفاء برائد التنوير التركم ...
- الفنان طلال عبد الرحمن قائد فرقة سومر الموسيقية: الغربيون يغ ...
- باسم العزاوي الفائز بالجائزة الذهبية يتحدث عن صناعة الصورة ا ...
- اليميني المحافظ فيليبي كالديرون، زعيم حزب الحركة الوطنية
- الفنان العراقي كريم حسين يخرج من عزلته التي دامت عشر سنوات ف ...
- عازف العود المنفرد أحمد مختار: الموسيقى من وجهة نظري عنصر أس ...
- أسبوع الموسيقى العراقية في لندن
- ظلال الصمت لعبد الله المحيسن وإشكالية الريادة الزمنية: هيمنة ...
- أضرار لاحقة للمخرج المصري الألماني سمير نصر: العربي ليس حزام ...
- شريط- ماروك - لليلى مراكشي: تقنيات ناجحة، وأداء متميز، ونهاي ...
- في فيلمه الجديد انتقم ولكن من أجل عين واحدة المخرج الإسرائيل ...
- المخرج رشيد مشهراوي يبدد قسوة الإنتظار الثقيل بالكوميديا الس ...
- اختتام الدورة السادسة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- تجليات الأسلوب اليوغند ستيلي في - أصابع كاووش - التعبيرية


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المخرج السينمائي طارق هاشم ل - الحوار المتمدن -: أعتبر النهاية كبداية لمشروع قادم/ الجزء الثالث والأخير