أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - جدل التوحيد في قصة يوسف ع















المزيد.....

جدل التوحيد في قصة يوسف ع


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 15:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


التوحيد الإشكالية المعضلة التي عانى منها كل الأنبياء والرسل على طول وعرض الدعوة الربانية للناس، بدأت منذ أن أدرك الإنسان أنه جزء من منظومة وجودية فيها جزء متحكم وجزء متحكم به، وكونه لا يرى ذلك الجزء الفاعل والمؤثر والمسير لحركة الوجود، فأختلف في تصوراته عنها حسب ما يدرك ويفهم ويفسر هذا الإدراك وفقا لما يحيط به ويستشعره، لذا فكل التصورات الذهنية عن تلك القوة القهرية بالضرورة تنوعت وأختلف وقد تكون متناقضة لأنه لا يدرك ماهيتها ولا يعلم سرها، فأخذت عناوين ومسميات عدة، ولكنها جميعا تبلورت حول فكرة (الرب) الفوق أو الرب الذي لا أتصال معه بشكل مباشر، هنا قرر الإنسان وإتقاء لحالة الجهل به أن يبحث عن صلة وصل تربطه بها وبالطريقة التي تضمن قبول تلك القوة له ولفكرته حتى يحمي نفسه منها أو يتقي قوتها أو يستجلب منفعتها، وبأي حال تبقى كلها معالجات ضمن أطار واحد ومعادلة واحدة هي معادلة القوي والضعيف.
لم ينجح هذا الإنسان الحائر في هذه القضية أن يجتمع على معيار واحد له ولا بحث عن صورة واحدة أو تصور مشترك لها، فظاهرة تعدد الأرباب ترجع في أصولها إلى هذا الفشل في إدراك صورة موحدة للرب (يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ) 39، فالتفرقة والمفاضلة بين الأرباب ترجع لعدة عناصر واقعية منها مثلا عدد من يؤمن بالرب نتيجة فرض واقعي له على تبني صورة واحدة له، أو نتيجة التجربة التي تم التعامل بها مع القضية، ولكن كل ذلك لم ينجح أيضا في تبني حلا مقنعا للجميع، فالدوافع النفسية هنا لعبت دور الحقيقة النسبية وليس دافع عقلي يبحث عن الحقيقة كما هي أو قريبا منها (مَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسۡمَآءٗ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ) (40).
من الغريب أن الفكر الإسلامي التاريخي في تعاطيه مع السورة هذه تركز حول القصة ومجريات الحدث دون أن يركز على موضوعية الجدل العقلي فيها، القصص في القرآن ليس المراد منها إمتاع المشاهد بسردية القصة بقدر ما ركز على موضوعية الهدف منها وبحث النتيجة، فتحول الجدل من جدل المضمون إلى جدل الصورة الذهنية، وهذا مما يفرغ الموضوع من محتواه العقلي وإحالة التركيز على الحس بجمالية الشكل.
لقد حول هذا الفهم السطحي مضمون السورة إلى ما يسمى حالة الفرجة السينمائية التي تدغدغ الحواس والنوازع، دون أن يستخدم في الحقيقة أو يسخر الطريقة التي أدار بها الله النص وقدمه، حتى وصل الحال إلى الإفتاء بعدم قراءة السورة من قبل النساء لأنها تثير الشهوات على حد زعمهم، إذا الخلل في الفشل ليس في النص بل بالإعتباطية التي تعامل بها العقل المسلم معها، ليس ذلك تجنيا على الفكر الإسلامي بقدر ما هو حقيقية طرحها الله تعالى في النص وهي عدم النظر إلى الحقائق الوجودية لإدراك حقيقة أن ما أوحي إليهم لم يؤخذ كما يجب، حتى في المواضيع الأكثر حسية ومادية في الواقع (وَكَأَيِّن مِّنۡ ءَايَةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ يَمُرُّونَ عَلَيۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ (105) وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ) (106)، فالتركيز على التعامل العقلي مع الواقع لا يتم فقط من خلال التمسك به بل عليه أن يتحرر أيضا من المشهدية المعتادة إلى تجريد التجربة الحسية أكثر من إدراكها الصورية إلى الإدراك الموضوعي.
فالسرد القصصي وإن كان ضروريا لتسهيل مهمة النص في الوصول إلى العقل بالعبرة منها كتجربة تعلم البشر الخلاصة التي يجب أن يفهمها، لكن هناك دوما ما هو أهم من العبرة الحدثية، أي عبرة الحدث بذاته، عبرة لماذا ساق الله هذه الصورة تحديدا (لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَةٞ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ مَا كَانَ حَدِيثٗا يُفۡتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ كُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لِّقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ) (111)، فالإشارة الكلية لعبرة الحدث كما عبر عنها النص ليس بقيمة التجربة (تجربة يوسف وأخوته) بل تتعدى للتجربة الكلية التي حددها النص بشكل جلي، ألا وهي تصديق المحاججة والجدل للذي (بين يديه)، أي الدعوة لوحدانية الله وإبطال فكرة الأرباب المتعددون.
فلسفة جدل التوحيد في هذه السورة تركز على كشف أسرار قد تبدو مغيبة لعقول البعض، منها أن الله سبحانه وتعالى المدبر لأمور البشر دون أن يشرح الأسباب، ولكن عادة ما تكتشف العلل الكامنة من خلال النتائج، فيكون أستنباط العلة وفهمها متعلق بإكتمال النتيجة النهائية للصورة التي يطرحها النص كقصة، مثلا تأوي السجود الذي بدأت به السورة لم يكتمل تأويله حتى الأنتهاء تماما من الحدث (إِذۡ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ إِنِّي رَأَيۡتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوۡكَبٗا وَٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ) (4)، مع علم يعقوب ع بالنتيجة لكنه طلب من يوسف أن لا يقصص على أخوته الرؤيا (قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَأَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) (86).
النقطة الأخرى التي أعتمدتها السورة أن طريقة تقديم الحجة لا بد أن تتناسب مع العقلية المخاطبة وتتشعب في عرض الصورة، حتى يكون بإمكان حتى العقل البسيط أن يتجاوب معها ويلتقط الإشارة الحسية والذهنية معا من خلال الربط بين الحدث وبين الغائية منه، فلو تم تقديم الحجة والمحاججة خالية من دليل يجذب المستمع أو المتلقي لا يمكن أن نجد تأثير واضح وتتحول قيمتها إلى عرض جاف سرعان ما سيكون منسيا، التذكير والتلميح والسرد ولغة العرض كلها تساعد في توصيل الحجة والمحاججة دون أن يشعر المتلقي أنه أمام درس غيبي جاف ومجرد (ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوٓاْ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ يَمۡكُرُونَ) (102)، فبرغم أن المتلقي الأول وهم بالتأكيد المسلمون الأوائل لم يكن لهم أو عندهم صورة تقريبية دقيقة أو معلومة عن أحداث قصة يوسف لبعد المكان والزمان بينهم، لكن طريقة العرض وعملية توصيل الفكرة كما ورد في السورة نجحت في إقناعه بأنه يعيش وسط أجواء محسوسة ليس في الخيال الذهني بل وحتى في المشاركة الوجدانية بالحدث ومعه، وهذه النقطة بالذات جعلت من المتلقي عنصر إيجابي في الرواية ومتفاعل معها.
إن النجاح في تقديم العرض العقلي من خلال أدوات حسية كان منهجا ونسقا بنائيا في كل سور القرآن الكريم، مما يجعل المتلقي والقارئ والدارس يتسائل عن الهدف من كل ذلك وحدود ما يريده النص، دون أن يخضع لعملية حشو الفكرة حشوا دون تفاعل (قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) (108)، فالدعوة هنا أساسها عقلي (على بصيرة) ورؤيا ومنهج مختار ودقيق، ولم تكن السورة مجرد قصة تخبر بأشياء تاريخية فقط عن قوم ما دعاهم نبيهم للإيمان فأمن من أمن وكفر من كفر، بل وضعت منهجا عقليا ونفسيا مشتركا في الوصول لعرض الدعوة والأنحياز لها، على أنها دعوة حقيقية بما قدمت من صورة حسية للحدث ونتائجه ومجرياته، الدين أو النص الديني مطالب ليس فقط بالدعوة والنجاح بها بأي طريقة كانت، هنا مطالب النص الديني أن يفعل القبول العقلي أولا وقبل كل شيء، لأن الدين الذي لا يقبله العقل بيقينية صادقة سرعان ما يتحول للضد مع أي طارئ يعترض طريق العقل.
ما يمكننا أن نسطره هنا أن جدل التوحيد كخط أساسي في منهجية القرآن هو ما يعرف بالجدل الإيجابي، الجدل من أجل الموضوع لا الجدل التناقضي على البحث عن النقائص والفراغات في الفكرة أو حولها، جدل يشترك الأثنان فيه العارض والمتلقي في الوصول به إلى مشتركات عقلية الغرض منها الوقوف على صورة أقرب ما تكون للحقيقية، وبذلك تميز النص القرآني بعيدا عن الروحانية والقداسة التي تطغى على البعض حين يتناوله في الدراسة أو التدبر أنه نص متفاعل، بمعنى أن قربه من ملامسة طبيعة الإنسان وفهم عوامل الأثر والمؤثر فيه، حولت ذلك النص إلى عنصر إيجابي في حياته (رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ) (101)، اللحاق بالصالحين هو هدف حقيقي لكل إنسان وهو أيضا قانون البقاء الوجودي الذي يحكم مقتضيات العقل عنده، فلا أحد يرغب أو يتمنى أن لا يكون صالحا إلا من كان في عقله ما يشين إنسانيته، فهو لا يرى الجانب الإيجابي ولا يرغب به فهو بالنتيجة قد عاكس سير الطبيعة البشرية ليتحول لخاسر وفاسد وعدمي.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في القرأن حقائق مغيبة وأفتراءات تاري ...
- مصاديق مصطلح الكتاب.. قراءة في سورة هود
- الدعوة الدينية وأساليب الجدل العقلي في سورة يونس
- لماذا الكاظمي رئيسا...
- الأستنباط المنطقي منهج الأنبياء وأولي الأمر في الكشف عن موضو ...
- الراهنية الزمكانية في النص القرآني واثرها في ترتيب الحكم الش ...
- رواية (حساء الوطواط) ح19
- الدين وفلسفة الوجه الأخر.
- حقيقة صلاة الجماعة في الإسلام...لا فرض ولا سنة.
- دور الكذب كعامل النفسي في هلاك القرى
- دروس رمضانية قرآنية في سورة الأعراف.
- رواية (حساء الوطواط) ح18
- دروس قرآنية من وحي رمضان.
- رواية (حساء الوطواط) ح17
- رواية (حساء الوطواط) ح16
- رواية (حساء الوطواط) ح15
- رواية (حساء الوطواط) ح14
- رواية (حساء الوطواط) ح13
- هل تنجح الفلسفة في تنوير العقل الديني التاريخي ج1
- الحب والموت بين وجودنا الأول ووجودنا الراهن


المزيد.....




- أثار مخاوف من استخدامه -سلاح حرب-.. كلب آلي ينفث اللهب حوالي ...
- كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير ...
- جهاز التلقين وما قرأه بايدن خلال خطاب يثير تفاعلا
- الأثر الليبي في نشيد مشاة البحرية الأمريكية!
- الفاشر، مدينة محاصرة وتحذيرات من كارثة وشيكة
- احتجاجات حرب غزة: ماذا تعني الانتفاضة؟
- شاهد: دمار في إحدى محطات الطاقة الأوكرانية بسبب القصف الروسي ...
- نفوق 26 حوتا على الساحل الغربي لأستراليا
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بها
- الجيش الأمريكي يختبر مسيّرة على هيئة طائرة تزود برشاشات سريع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - جدل التوحيد في قصة يوسف ع