أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - بحر الشهوات مقطع من رواية -قمر باريسي-















المزيد.....

بحر الشهوات مقطع من رواية -قمر باريسي-


احمد جمعة
روائي

(A.juma)


الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


كانت محفوظة وهي ترقد على فراش الشلل تدرك أن الرجل ليس بكامل الرجولة رغم حالة الهيام التي تظهر على وجهه ونظراته واستراقه النظرات المجنونة ، وكان يستغرق الوقت بالساعات وهو يطوف أرجاء المنزل الكبير يقطع الممرات والزوايا والغرف بحثاً عن مخدع يسرق فيه بعض الوقت للمتعة السرية من وراء ظهر الخدم والسواق والزوار، من الأهل والجيران للجسد المحنط الذي مر عليه أكثر من سبعون عاما! وقد تعددت وتطرفت الحسابات لسكان الحي وهم يحصون المرات التي اقتربت فيها ساعتها الأخيرة من دون أن تقع الواقعة المنتظرة ، وبالرغم من هذه الأجواء المسكونة بالترقب والحزن شبه الأبدي، وهو يخيم على أرجاء الدار إلا أن ذلك لم يردع العجوز المتصابي غانم من صبغ شاربه باللون الأسود ومطاردة لطوف من زاوية لأخرى ومن ساعة إلى أخري .
أما لطوف وهي المقطوعة من أية شجرة أو غصن أو حتى مجرد جذر عائلي ، تخشى العودة إلى الشارع وإلى الممرات الليلية السرية وازدراء السكارى والمتسكعين لها، قد ولد جبلاً من الخوف وزرع بداخلها بحراً اسوداً، تداعت كل بقايا الحياة منها ودفعها ذلك إلى أحضان الرجل العجوز لينتشلها من برك المياه الآسنة وغسل المراحيض والاعتناء بنظافة محفوظة، إلى تلقي الأموال من غانم بعد أن يشبع ظمأه من المداعبات وبعد أن تقوم بكل الحيل القذرة والنظيفة وما لم يخطر بالبال لينتهي بعدها بقذف رذاذ سائله الذي أوشك على النضوب.
منذ أن وعت على الحياة وبدا لها جسد الإنسان ينمو وتخرج منه أسرار وطلاسم وتتفاعل الإفرازات ، لا تذكر أنها وصلت مرة في العمر إلى ذروة النشوة وكانت الزفرات التي تنطلق منها عندما كانت تلتقي بعض رجال الحي قبل أن تصل إلى دار محفوظة، هي كل ما كان في وسعها أن تفعله وهذا الخداع رغم الوهم الذي يكتنفه يشعرها بمتعة مشاهدة الرجال يذوبون في نشوتهم وما يخلفونه وراءهم فيما بعد .
ظهرت موهبة الجسد لأول مرة وهي تلتصق بنعوم، وتطلق تلك الزفرات الوجلة، مصحوبة برعشة كالسدادة بعد أن تنطلق من فوهة مكتومة لتستقر النشوة في انبثاق حلمتي المرأة، وكأنهما رأسي رمحين نافذين حتى بعد أن استقرت تلك النشوة في نهاية العنفوان الهمجي، ظلت أوتار الصدر تتمدد إلى اليوم التالي، بعد أن استقرت كل من الفتاتين في داريهما ، تركت الرائحة اللجة المتفجرة من سائل النشوة آثارها على وجهي الفتاتين ، لتفضح كل منهما ألأخرى في المرة التالية التي التقتا فيها .
عندما قطعت الشك والتردد وتجاسرت على الاقتراب من دار نعوم في المرة التالية، كانت دقات قلبها تكاد تكسره لهول الرعشة وهي تتضاعف كلما اقتربت من الدار و بدا هاجس الجسد يحمل أعاصير الشهوة بداخلها لتختلط بالخجل من ذكريات تلك الليلة التي شهدت تراكم الجليد الجسدي وانبعاث علاقة جسدية امتصت كبت السنين ومد البحر الأخضر، وهو يجتاح صمت الخوف من إظهار العواطف الدفينة وينفجر عن المكبوت من اللذة لتستقر نشوة أزلية، هي التي دفعتها إلى الزيارة التالية هذه المرة عند الظهيرة الباردة، حينما لم تستطع معاندة تلك الطفرة من الرغبة المشوبة بالخجل، والخوف رغم إدراكها نبض الأخرى، يشيع من عينيها إلحاح يسكنه الحب إلى رائحة جسد الأخرى وهو يتملص من الخجل، ليقتنص زفرة عابرة تنم عن دعوة للمطارحة المنتظرة .
الظهيرة التي يكتنفها تيار بارد تتخلله رياح شمالية محملة بدثار من الغبار مصحوب برائحة عشب البحر المواجه للممر المطل على دار نعوم ، وقد ترامت منه خطوات لطوف مرتبكة تشحذ الطريق نحو الدار والقلب تصعد نبضاته وتهبط كلما اقتربت من المكان، وراودتها صور تلك الليلة الساخنة والحنين للعسل المحرم يفيض من الأطراف السرية حيث التصقت الأجزاء والأطراف المبعثرة من الأغطية القطنية الملقي على السرير بجسدي المرأتين حتى طلوع الفجر، عندما همت لطوف بالهروب من المكان والاختباء داخل ذاتها ، محتفظة بدفء اللحظة التي بلغت فيها النشوة للمرة الأولى في حياتها، لتعيد الكرة هذا النهار الذي رغم دفئه وغباره والرياح الشمالية التي تثير زوبعة من الارتباك ، فقد تمكنت من قطع المسافة إلى منزل نعوم ممسكة بدقات قلبها وهو يكاد ينشطر بفعل الضربات المتتالية كلما اقتربت من الدار.
النهار الأول الذي بدا مربكا، وشغوفاً وتيسرت فيه الرغبة المحمومة للقاء الأخرى وهي لا تحمل معها غير الخوف والخجل والشغف، وشذرات من تراب الطريق، تخلفه وراءها ، حتى الخوف لم يتغلغل بما يكفي ليصد الرغبة الصارخة وهي تلح على الإسراع، مخلفة أسئلة ذهنية عما إذا كان لديها زائر أو ضيف أو ما يمنع أن تلقي بحملها على الكنبة المستطيلة المطلة على الشرفة البحرية، وقد سدت جزء من زاويتها الجنوبية بسور من الحجارة وطوّق جزء آخر بسلسلة مسننة من الحديد المولولب ليمنع التسلل إلى البحر من اليابسة المحاذية للدار منذ أن امتدت يد البلدية لتطوق اليابسة والبحر وتسد جزء من سطحه، الذي طالما كان الملجأ للشيخ سيار ومن بعده الشيخ خلف عند أوقات التوهج الذهني من الهبوط إلى البحر والسباحة ، أو الاكتفاء بالتفرج من الشرفة على الأفق الممتد من الشرفة حتى البعيد المنظور من هذا الأفق، عندما تهبط الشمس بدورها في المغارب محدثة قوساً من ألوان الشتاء البنفسجية، كل هذا تداعى وانسلخ عن الأفق الطبيعي مع موجات الدفن الترابي للبحر، وزحف ركام المخلفات وسعي الكثيرون إلى انتزاع أطراف من البحر وتآكل الساحل بفعل زحف الردم والدفان وبقايا الملوثات التي تدفع بها عربات البلدية إلى المكان الذي ضاق بالتسلل المدمر مما جعل الطيور والأسماك تهجر المنطقة المحاذية للشرفة البحرية للدار التي تقطنها نعوم، وورثتها من الشيخين الراحلين منذ أمد.
كانت ظهيرة دافئة بعد ركود الرياح الشمالية وبدء تسلل طبقة الرطوبة مع انقشاع الغبار الذي ساد بضعة أيام مع تراجع البرودة في النهار، عندما بلغت لطوف الدار، وقد تسارعت أكثر دقات قلبها ولم تهدأ إلا بعد أن فُتح الباب وطالعها وجه نعوم متورداً رغم الأفق الأسود الذي طال أسفل عينيها وابتسامة مقتضبة سرعان ما توردت بمجرد أن بدت إطلالة وجه لطوف، لتسرع بإزاحة نفسها عن الباب لتدلف الأخرى وسط ارتباك من بعضهما البعض .
ما أن استقرت لطوف وسط البهو الفاصل بين الشرفة والممر إلى غرفة نعوم وفي غفلة من الحيرة والتردد استقرت كل منهما في حضن الأخرى وسط تردد خجول وارتباك الجسدين دون أن يخفي ضوء الظهيرة رغم عتمة الجو الغائم، نشوة الاحتكاك بينهما،إلا أن صمت الأفواه لم يخفي نطق الأجساد وهي ترتعش من النشوة وقد غمرت المكان بوهج ألانتشاء.
- اشعر بالسكينة، أتصدقين ؟ فقد زال الخوف وهدأت دقات القلب التي لم تتوقف منذ سنوات إلا مؤخراَ.
مر الوقت يكتنفه الخمول وتداعت الهمسات بين الفتاتين وهما تسكبان لوعة السنيين من نبض هذه اللحظة المشدودة إلى برزخ النشوة، والتحم الصمت الصارخ بالرغبة المتفجرة من بركان العزلة وجفاف سنيين الغياب عن طرق الأجساد، بعد أن صحت على دفء المكان وقد انتزع من لجة البرد حيث تدثرت الغرفة بحرارة الأجسام المشتاقة إلى حنين بعضها البعض وهي تفرز من تلك المسامات الميتة منذ أزل زغب الجفاف ألذي طمرته مشاعر الوحدة والعزلة ونبذ ألاحتكاك الرجولي عندما لم يكن يشبع الروح والذات في زمن تضاءلت فيه الرجولة واضمحلت المشاعر الفطرية لتصبح الرغبة الجسدية العابرة، هي كل ما ينبئ عنه هذا الحي المكتظ بالعطشى والمنبوذين من قبل زوجاتهم اللواتي رحن يبحثن عن النشوة المصحوبة ببضعة قروش تكفي لسد الجوع وإشباع انزلاق الروح إلى غريزة عابرة وهو ما لم تكن كل من لطوف ونعوم قادرتان على الإتيان به في هذا الحي المكتظ بالمتصابين من الشيوخ والأزواج الباحثين عن تفريغ غرائز الفطرة الملتهبة بعد أن أشبعتها سنيين الحرمان والاجترار مع الزوجات الباحثات بدورهن عن المتع العابرة المصحوبة ببضعة روبيات تسد فضولهن إلى الدنيا.
لم تكن نعوم من هؤلاء النسوة بحكم عزلة الدار والشيخين الراحلين بغرابة ألسنين، ولم تكن لطوف إحداهن وهي القادمة من أسفل العالم السري، إذ لم تختلط ولا مرة بالرجال ولم تذق طعم الجماع إلا ما كانت تقوم به مع نفسها، إلى أن التقطت شائعات الحي عن معجزات نعوم بعد زيارتها لمنزل محفوظة، فانتهزتها فرصة لتقتحم عليها عالمها المتوحد والموحش بحجة البحث عن دواء ليقودها ذلك فيما بعد إلى هذه الحقبة من الانتشاء دون أن تدرك أن هذا الفتح الجسدي سيفجر بركان السموات والأرض من اللذة الأحادية ذات التوحد الأنثوي الملازم للتوحد الروحي ، دار النعيم ببهجته أرجاء المكان الذي عاش فيه الشيخ سيار وترك ثمرته السحرية فيه , وهي الثمرة التي وصفت ذات يوم من بعض سكان الحي من المتنازعين معه على الهيمنة الروحية، بالثمرة الشيطانية ، ولكنها الثمرة التي ولد من رحمها هذا الاندلاق اللاإرادي من مشاعر التوحد الجسدي بين نعوم ولطوف .
تبادلت الألسن والشائعات وسط برد الشتاء وتلبد البحر بصفير موج الرياح، تردد لطوف على دار نعوم ، ومبيتها بالليالي الطوال في غمرة موجة السرقات والحرائق التي عادت مرة أخرى بعد سنوات طويلة لتتكرر وكأن الحي الذي ما أن أوشك على نسيان هذه الموجة أثناء حياة الشيخ سيار عادت وسط صخب وفزع الأهالي، لتنبثق من جديد وسط تبدل المشاعر الدفينة لسكان الحي من البساطة الغريزية وخمول الأحاسيس التي كادت تقترب من الموت ، لتجتر من جديد أنانية فطرية ، يتنازع خلالها السكان انتزاع حصتهم من فتات البيوت الميسرة ومن بقايا المومسات الباحثات عن دخل يومي يكفيهن حاجة السؤال .



#احمد_جمعة (هاشتاغ)       A.juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خريف سنمار الإخباري
- ثقافة الأفيال الضالة؟ رؤية ضد تيار المقاطعة!
- هل تعود الشيوعية إلى أوروبا من باب الكورونا؟
- من رقصة أخيرة على قمرٍ أزرق
- مافيات عربية تغتال الأدباء...
- أزمة الرواية العربية... كشف المستور... ‏جوخة الحارثي نموذجا
- العمل المنزلي في زمن كورونا
- حجرُ النهاية
- العالم يتضامن في وجه الحرب العالمية على كورونا
- في الحجر الثقافي...!
- الفرق بين الله والشيطان أن الله يسأل والشيطان يجيب...
- عربيًا فقط - موت الرواية؟ أم نهاية القارئ؟
- لص القمر سنمار الإخباري
- انتحار الرواية!
- فاسفود ثقافي!
- احذروا أيها القراء .. كتابة رواية كالسفر إلى مجرة
- من رواية -ليلة الفلفل في لوغانو-
- لقاح ضد الكورونا الثقافية!
- نبض الكيبورد في حديقة الكتابة
- رواية يسرا البريطانية - صدرت عن دار الفارابي


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد جمعة - بحر الشهوات مقطع من رواية -قمر باريسي-