أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2














المزيد.....

حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6495 - 2020 / 2 / 20 - 21:14
المحور: الادب والفن
    


غبَّ مغادرة السيارة حدودَ المدينة، اعتباراً من عقدة الربوة، اقتحمت أنوفَ ركابها رائحةُ الريف، الحرّيفة والأليفة في آنٍ معاً. دفقٌ من النور، انسكبَ أيضاً خِلَل بلور العربة، ليضيء أفكارَ أولئك الأقارب، الذاهبة في كل اتجاه. عيشو، وكانت تحاول استعادة المرة الأخيرة، التي وجدت فيها نفسها على هذا الطريق، استرعى نظرها أطلالُ دشمة عسكرية، برز منها مدفعٌ مائل إلى جانب ـ كعكاز الرجل العاجز ـ وكان يلمع بلونٍ فضيّ تحت أشعة الشمس. بصرُ شقيقها الكبير، بدَوره، ذهبَ إلى تلك الناحية؛ ولكن مع فكرةٍ سرعان ما نقلها إلى قريبه، قائد السيارة: " يلوحُ أن معركة حصلت على مدخل الشام من جهة وادي بردى، برغم أن العرب والانكليز دخلوا المدينة من جهة حوران؟ "
أجابَ صالح: " ربما. في خلال سيري بالعربة على طريق حوران، رأيتُ أشلاء الكثير من عتاد الجيش التركيّ بالنظر إلى أن جل معاركه جرت هناك "
" لعل الأتراك دمروا هذا الموقع قبيل انسحابهم، لئلا يستفيد منه الآخرون "، عقّبَ موسي. اكتفى قائد السيارة بهز رأسه، وكان يضيق ذرعاً من أحاديث الحرب والسياسة.
لقد عُرف صالح كرجل لا يستطيعُ مقاومة شيئين في الحياة؛ المرأة والخمر. هذا عُزيَ لطبيعته الاجتماعية المنفتحة، فضلاً عن ميله إلى الظهور بشكل أنيق. لكن إلى طبعه الطريف ولسانه العذب، أحيلت مهارته في جذب الجنس اللطيف. كان يُنظر إليه في الحارة كزير نساء، برغم أن مغامراته كانت تتم في أماكن أخرى. مع أنه أشيعَ، في المقابل، عن شدة تعلقه بامرأة من حي الصالحية وأنها أجبرته على عقد قرانهما لدى الشيخ كي تضمن الحياة الآخرة. هذا الموضوع، أقلق بشدة والدته حتى أنها ذكرته مرةً أمام سارة، نافخةً بقنوط: " يقال أنها تكبره كثيراً، والأدهى أن زوجها كان صديقاً مقرباً لأبيه ".

***
كمن يبحث عن برهانٍ لتلك الأقاويل، إذا بقائد السيارة يلحظ وقوفَ امرأة على جانب الطريق، وكانت ممسكة بيد طفلة صغيرة. خففَ السرعة، وما لبثَ أن وقفَ على مقربة منها. لوحَ لها يده عبرَ نافذة السيارة، بينما ركابها أيضاً يشرأبون برؤوسهم إلى ناحيتها. من هيئتها، كان واضحاً أنها امرأة نصرانية. اقتربت من ناحية السائق في ثقة، وأعلمته أنها تبغي الذهاب إلى الزبداني. ثم استدركت، فسألته عن تكلفة السفر. رد بنبرة منغّمة بالإغراء: " لن أكلفك شيئاً، لأن اليوم عطلتي ". ثم أردفَ، موضحاً أمام نظرات المرأة الحذرة: " هؤلاء أقاربي، وهم في طريقهم إلى الزبداني في زيارة عائلية ". أوسعت لها النسوة مكاناً في المقعد الخلفيّ، وما أسرعَ أن افتتحنَ حديثاً معها.
" يُشاع أن هواء بر الشام ما زال مسموماً بوباء الريح الأسود، أهذا حقّ؟ "، اقتحم سؤالُ سلطانة حديثَ النسوة وكانت تجلسُ وراء السائق مباشرةً. من الجهة المقابلة، الملتصقة أيضاً بباب السيارة، جاءها جوابُ المرأة الغريبة: " هواء الجبل نقيّ، لكن ثمة وباء لا يقل سوءاً ابتلينا به في الفترة الأخيرة: إنه قاطع طريق، يُدعى حمو جمّو "
" أهوَ من أهالي المنطقة؟ "، استفهمت عيشو. مررت الغريبة يدها على رأس الطفلة، المستلقية في حضنها، قبل أن ترد بالقول: " لا أحد يعرف شيئاً عنه، سوى أنه يقود عصابة من جماعته الأكراد المتوحشين! "
" الأكراد ليسوا متوحشين، لمجرد أن ثلة منهم امتهنت قطعَ الطريق "، تدخلت سارة في النقاش. ثم تابعت، فذكرت لمواطنتها أنها أيضاً من الزبداني متزوجة بزعيم الحي الكرديّ منذ قرابة الثلاثين عاماً. صالح، وكان يتابع الحديثَ، لحظ عبرَ المرآة الصغيرة أن علامات الحذر استفاقت مجدداً على سحنة المرأة الغريبة. عض على شفتيه أسفاً، وراحَ يفكّر بطريقة مناسبة لترميم الوضع. إنه كان يأملُ بترك الأقارب أمام منزل السيدة أديبة، ومن ثم في خلال متابعة الطريق تجاذبَ الحديث بحرية مع الراكبة الغريبة.
زفرَ أخيراً كلمته، بينما كان يحدق بالمرأة من خلال المرآة: " لعلمك يا سيدتي، أن عصابة مماثلة روعت الحي الكرديّ طوال فترة الحرب، وأفرادها كانوا من ساكنيه. الأشرار موجودون في جميع الملل، وقد فاضوا في زمن الحرب بسبب المجاعة العامة "
" صدقت، وإنني قصدتُ بالمتوحشين أفرادَ عصابة حمو جمّو، تحديداً "، ردت المرأة بنبرة غلبَ عليها الحَرَج. هز صالح رأسه راضياً، وما عتمَ أن تبسمَ للمرأة لما رمقته بنظرة سريعة لكنها أقل قلقاً وحذراً. عيشو، الجالسة لصق المرأة الغريبة، تبسمت في داخلها وهيَ تتابع ذلك الحوار الصامت مع زير النساء. في التالي، سامحت هذا الأخير على تعريضه بعصابة زوجها، مدركةً أنه أعطى بها مثلاً كي يُرضي المرأة. لحُسن الحظ، أن سلطانة كانت تتابع إذاك الطريقَ ولم تنبته على ما يبدو لبقية الحديث. وإلا لأرعبت الراكبة الغريبة بالقول، أن امرأة زعيم العصابة، التي أشار إليها شقيقها صالح، موجودة معهم في السيارة!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 1
- مزحة، جريمة مزدوجة ومتورطون ثلاثة
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن/ 2
- نادية لطفي؛ الوجه الجميل للفن
- عصير الحصرم 77
- المنزل المنحوس
- حديث عن عائشة: الفصل السابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل السادس
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل السادس
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الخامس
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 2
- حديث عن عائشة: الفصل الخامس/ 1
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 5
- حديث عن عائشة: الفصل الرابع/ 4
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الرابع
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثالث
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: مستهل الفصل الثاني
- حديث عن عائشة: بقية الفصل الأول


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - حديث عن عائشة: الفصل الثامن/ 2