أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - درس للعراقيين من ثورة السودان















المزيد.....

درس للعراقيين من ثورة السودان


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 6452 - 2019 / 12 / 31 - 19:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


جُنيههُم ودينارنا
ــــــــــــــــــــ
هناك فرق كبير بين أن تقرأ عن شعب أو أن تذهب لتعايشه, حتى لو كان ذلك لعدة أيام.
كان الكثير من العراقيين قد تعرفوا على السودانيين من خلال وجود هؤلاء في العراق, وبخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية, حيث إزدادت الحاجة إلى الأيدي العاملة وخاصة في قطاع النشاط الخاص. وعرف عن السوداني إخلاصه في العمل وعزة النفس والبعد عن الفهلوة. وبعد أن دخلت المنطقة ثورات العسكر إحتلت بلدان الثورات ومنها السودان أسفل قائمة الفقر. وبعد أن كان جنيهها مثل دينارنا معادلا لثلاثة دنانير وعشرين سنت أصبح بعدها عبارة عن ورقة لا تعادل ثمن الحبر التي أستخدم في طباعتها, ولذلك صرت تراهم في كثير من بلدان العالم. وكان العراق قد سد لهم حاجتهم وسَدَّ بهم حاجته, قبل أن يلج بفعل الحروب والحصار إلى نفس الخانة, فصرت ترى الشباب العراقي يقبلون في العمل في كل المجالات التي أضطر على العمل فيها المصريون والسودانيون من قبله.
منتصف التسعينات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور إبراهيم غندور (وقتها كان عميدا لكلية طب الأسنان في جامعة الخرطوم ثم أصبح وزيرا لخارجية السودان في السنوات الأخيرة من عمر نظام البشير) إشتكى لنا حاجته إلى مدرس لموضوعة الجسور والتيجان الثابتة, وهي الموضوعة التي كنت أدرسها لطلبة كلية طب الأسنان في جامعة بغداد, وذلك قبل العقوبة السياسية التي كان من فقراتها الإثني عشر نقلي من الكلية ومن ثم القبول بطلب إحالتي على التقاعد. (قلت ممازحا صديقا لي شاركني نفس المحنة : الحمد لله أننا كنا قد تزوجنا قبل العقوبة وإلا لمُنِعْنا من الزواج أيضا)
كان الدكتورغندور صديقا مقربا لأخي الدكتور غالب الجاسم نقيب أطباء الأسنان في العراق, فلما عرضا حاجتهما علي لم أتردد عن قبول الطلب, بل إعتبرت ذلك, إضافة إلى الخدمة التي سأتقدم بها, فرصة أيضا للتعرف على شعب تم إلقاءه خارج المدارات الإنسانية, حيث تكالبت على إسترقاق إرادته وحلبه وإفقاره دولا متعددة. فالسودان, كما اليمن, ظلا يمثلان خزانا بشريا لتزويد دول المنطقة, وخاصة السعودية ودول الخليج, بالثروة البشرية التي يتوزع غالبيتها على قطاع الخدمات, ولم يكن أمام الكفاءات السودانية خيار أفضل من الهجرة إلى هذه البلدان حتى تراها وقد فرغت منهم.
أخوان البشير
ـــــــــــــــــــ
كان الأخوان المسلمون قد سيطروا تماما على الحكم من خلال إنقلاب العسكر الذي قاده البشير بالتعاون مع ثعلب السياسة السودانية حسن الترابي, وكان بإمكان هؤلاء أن يباشروا تدريجيا إعادة بناء السودان من جديد, غير أنهم, ولعلة في عقيدتهم وأيديولوجيتهم, إهتموا كثيرا ببناء السلطة, وعجزوا عن مغادرتها إلى بناء الدولة. ثم كانت لهم صلاتهم الإقليمية والدولية بالإتجاه الذي بوبّهم في خانة الإرهاب وجعل رئيسهم نفسه متهما بالتهمة ذاتها وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة بإلقاء القبض عليه وتقديمه إلى المحاكمة, أما على صعيد الداخل فقد بدأ الإنسان السوداني وجنيهَهُ يتدحردان بقوة نحو الأسفل, حيث الإنسان وقد إزداد فقرا, والجنيه وقد إزداد إنخفاضا, وتشابهت قصته مع قصة الدينار العراقي الذي كان يعادل قبل صدام حسين ثلاثة دولارات وخمس الدولار فصار لا يساوي قيمة الورق الذي يطبع عليه.
الموت جوعا
ـــــــــــــــــــــ
سلة الغذاء التي قيل أن بإمكانها أن تشبع القارة الأفريقية برمتها لو أحسن إدارتها صارت تموت من الجوع. وأنا أتوجه إلى الكلية صباحا سألت عميدها السابق د. محمد عباس الذي تفضل علي ونقلني بسيارته إلى الكلية عن الرجل الملقي من وسط ظهره على صخرة : هل من المعقول أن ينام إنسان بهذه الطريقة. أجابني: لا الرجل ليس نائما بل هو ميت والأغلب أنه مات جوعا.
لم يعد ذلك الأمر غريبا في السودان, فالفقر الشديد ضرب أطنابه, ولم يعد في سلة الغذاء ما يسد رمق الكثير من السودانيين الذين ينخرهم الجوع. أما السلطة المتعبة بحروب الداخل فلم يكن بإستطاعتها تقديم أي شيء ما عدا الحديث عن التآمر الصهيوني الأمبريالي ضد ثورة البشير وأعوانه من الأخوان.
السوداني في مشهده الآخر
ــــــــــــــــــــ
على الطرف الآخر كانت الأغلبية من السودانيين, رغم فقرهم وعوزهم متشبثين في الحياة ومتطلعين إلى غدٍ أفضل, وكان ممكنا الإعتقاد أن شعبا كهذا لن يصبر على ضيم طويلا. نظام الأخوان أوصلهم إلى نقطة الإنفجار. البلد الذي تقرأ على سطحه الرضوخ كان يغلي في داخله. والأمر قد تشابه كثيرا مع أخيه في العراق. حاجات الإنسان الأساسية لم يعد بالإمكان تلبيتها, والموت جوعا لم يعد غريبا, والنظام السياسي لم تكن بنيته تسمح على البناء والعطاء وما عاد بإمكانه فعل أي شيء غير صب اللعنة على الإمبريالية والصهيونية والتحليق على جناحي نظرية المؤامرة.
السودانيون والعراقيون
ــــــــــــــــــــــــــــــ
إنفجر السودانيون وإنفجر العراقيون بعدهم .. قد تختلف بعض الأسباب وقد تتفارق الحكايات, لكن الإحباط واليأس والجوع وعملية الخداع بإسم الدين كانت كلها عوامل متشابهة. في البداية ظنت السلطة السودانية أن بإمكانها التعامل سريعا مع المئات الذين نزلوا إلى الشوارع غير أن المئات صاروا ألوفا والألوف راحت تتكاثر سريعا.
وكما في العراق كذلك في السودان القبلي, السلطة في البداية كانت في صف والمتظاهرون كانوا في صفٍ آخر. لكن الأمر لم يبقَ على حالهة الإنشطار الواضح إلى نصفين متضادين. كثير من أهل السلطة كان لهم أخوة وأقارب وأصدقاء من بين المتظاهرين لذلك لم تعد قوات السلطة متماسكة وتحول البعض منها من موقف الإنحياز إلى السلطة إلى الوقوف ضدها.
شقيق البشير شرح الأمر في حديث لقناة فضائية كالتالي: ذات صباح شعر البشير أن حراسه أنفسهم بدأوا يتململون. أولئك الأشداء الذين كانوا يفدونه بنفوسهم صاروا يتأخرون على تلبية أوامره. أحس في النهاية أن النهاية قادمة فلم يكن أمامه غير أن يريح ويرتاح.
ليست القصة العراقيية شبيهة التفاصيل تماما مع أختها السودانية, لكن الأهم في القصتين أن ثمة سلاح مدمر إستعمله كلا الشعبين .. السلمية. لو أن المتظاهرين حولوها إلى ساحة عنف لتماثلت الساحتان مع الساحتين السورية والليبية. كان ممكنا للثورة العراقية أن تحقق أهدافها بذات السياقات السياقات السودانية وأن يسير الأمر إلى نفس الخاتمة.
ولكن ...
ــــــــــــ
في السودان ظل العامل الإقليمي والدولي مًحيدا لذلك لم تجد السلطة ما تسد به حاجتها إلى تشغيل نظرية المؤامرة. صار الشعب وقواته المسلحة, وحتى بعض سياسي النظام على جهة في حين بقيَ البشير مع البشير.
قصة العراق بدأت تأخذ منحى آخر. دخول أمريكا على خط الصراع بدأ يربك المشهد سريعا. كان ذلك هو الذي تحتاجه المليشيات لتشغيل نظرية المؤامرة وتحشيد أنصارها من جديد حتى لا تفلت أغلبيته للوقوف مع المتظاهرين.
فجأة صار لأعداء الله قضية.
وفجأة عادت الحياة لنظرية المؤامرة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أيها المسيحيون .. أعيادكم هي أعياد كل العراقيين فلتستمروا به ...
- تريد غزال تأخذ أرنب
- الغضب المتحضر
- الإستحمار الإيراني
- موقف المناطق الغربية من العراق من ثورة تشرين العظيمة ضد النظ ...
- الحراك العراقي .. هل هو ثورة أم حركة إصلاح .. ؟
- عادل عبد المهدي .. هل ما زال هناك وقت لقلبة رابعة
- الذي يحدث في العراق .. ماذا ولماذا
- وجه لعدة وجوه
- النظام الطائفي في العراق .. مفاهيم وإرهاصات
- العلم العراقي ذلك السلاح المعجزة
- بإمكان الديمقراطية العراقية أن تنتظر قليلا
- البحث عن وطن
- ثلاثة إسلامات .. دولة علي ودولة معاوية .. (7)
- صدام والسامرائي .. مرحلة البدايات
- الأرض بتتكلم عراقي .. الأرض .. الأرض
- عادل عبدالمهدي .. هش فقتل ونش فذبح
- إستدراك ضروري ..
- هل شارك السامرائي ناظم كزار محاولته الإنقلابية* ؟
- ثلاثة إسلامات .. (6) الغزو العربي لفارس والغزو الفارسي ...


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - درس للعراقيين من ثورة السودان