أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3














المزيد.....

ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6367 - 2019 / 10 / 2 - 00:51
المحور: الادب والفن
    


عقب وفاة امرأته، صار موسي يطيل في مناوبات الحراسة الليلية كما لو كان يهرب من ذكرياته الأليمة. كون العتمة هيَ ملاذ الأشباح الشريرة، التي تتجول خصوصاً بين المطبخ والحديقة حتى مطلع أولى خيوط الفجر، لم ترَ فاتي مناصاً من أن تلوذ بحجرة النوم، المنعزلة على طرف أرض الديار، مستمدةً بعض الطمأنينة من وجود الصغيرة إلى جانبها على الفراش.
في حقيقة الحال، ما كانت العمّة العانس وحيدةً في الدار. إذ عرفنا أن امرأة أخيها، الأولى، تشاركهم في العيش بالمنزل مذ بضعة أعوام. حجرة الزوجين، كانت تلي باب الدار من جهة اليمين، تقابلها كوّة التنّور، المهيمن عليها فروع شجرة مشمش بلدي. لقد أودعت " عَيْشو " الطفلَ بأثر الآخر إلى ظلمة القبر، ثم فقدت الأمل بالإنجاب بعد حادث إجهاض. لتتحول بعدئذٍ إلى ما يشبه شبحاً من الأشباح، ولو أنها تفيق عادةً مع صياح الديوك للمساهمة بأشغال البيت. أصبحت بعد ولادة " ليلو " أكثر سوداوية، مع أنها المفترض أن تكون قد سُعدت بموت ضرّتها المسكينة. وخافت العمّة على الصغيرة من امرأة الأب، لدرجة ابعادها عن مجال عينيها؛ هذا برغم أنها محمية بخرزة زرقاء كبيرة، تمّ شكلها في مقدمة كتفها الدقيق الأيمن. في خلال النهار، حينَ تؤدي أعمال المطبخ، كانت فاتي تبقي الطفلة قريبةً منها. كانت تدعها في ظلال التينة، في مهدها المصنوع من خيزران رقيق، مجدول، مبطّن بوسادة كبيرة محشوة ريشاً. في كل مرةٍ كانت تنزلق الخرزة إلى وراء الكتف، تتناهض العمة المتطيّرة إلى إصلاح وضعيتها.
" لا تبالغي بخشيتكِ، لأنّ عيشو تُشل رعباً لمجرد ظهور رجلها في البيت "، قالت لها ذات مرة زوجةُ حسينو، وجيهَ العائلة، المعروفةُ ب " أمّو ". هزّت العمةُ رأسها بحركة العارف، ثم تكلمت بصوتٍ خفيض ونبرة من ترسّخ فيه اعتقادٌ ثابت بفكرة الشر، الموشك على الانقضاض: " أمو يا أختي، من خسر كل شيء لا يخاف أحداً ".

***
حين ولدت ليلو، ما كان عُمر عمتها ليتجاوز الثلاثين. إلا إنه سنّ العنوسة؛ كون الفتيات يتزوجن باكراً جداً، حدّ أن البعض منهن كانت ما تني تبول في فراشها. زوجة ابن العم، الذي حلّ معها في الشام مؤخراً، كانت تبدو من ذلك الصنف من الفتيات. ولكن شملكان هذه، سرعان ما أظهرت نضجاً ملحوظاً كما لو كانت امرأة لها ماضٍ طويل مع رجلها. جدَّ الأمرُ لما أمرَ سيّدُ الدار شقيقتَهُ بأن تُخلي حجرة المؤن من محتوياتها كي تصبح مأوىً مؤقتاً للضيفين. إذاك، اقترحت فاتي بغير قليل من التردد: " لو أننا نفرش لهما في الإيوان، بما أن الوقتَ صيفٌ..؟ "
" هل أضعتِ عقلك تماماً، يا مخبولة! "، قاطعها شقيقها بشيء من الحدّة قبل أن يعطيها ظهره ويمضي. منذ الليلة الأولى، تناهى إلى سمع الآنسة العانس صوتٌ غريب من الخارج، فتوهمت أولاً أنها كانت تحلم. إذ تكرر الصوتُ، متبوعاً بنوع من القهقهة، حقَّ للعمة المتطيّرة الشكَ بكون الأمر يتعلق بأحد الأشباح الشريرة. شيئاً فشيئاً، انجلى ذلك الشك أيضاً: بلى، لقد كانت تلك شهقاتُ لذة المرأة الصغيرة وهيَ ترتطم بجدران حجرة المؤن. عند ذلك، أدركت العمة كم كانت مخبولة حقاً حينَ فكّرت أن تفرشَ للضيفين في الإيوان، الملتصق بحجرة نومها.

***
عدا عن ذلك، ما كان ثمة مؤاخذة على مسلك الضيفة. بل إنّ فاتي راحت تشكر ربها في كل آونة، وهيَ ترى مدى حدب المرأة الصغيرة على ليلو. هكذا صار بإمكانها ترك الطفلة بيدٍ أمينة، والتفرغ لمشاغل المنزل المتعددة والمرهقة. لأنّ " تلك الشريرة "، كما اعتادت على وصف زوجة أخيها، استغلت مقدم شملكان كي تشدّ رأسها بمنديل وتتمارض طوال الوقت مع تنهدات وحسرات وتأوهات. بعد أيام قليلة، سألت فاتي الضيفةَ أن تطلّ من نافذة حجرة النوم التحتانية، " كي تَرَيْ ماذا تفعل ابنة زنكَلي؟ ". المرأة الصغيرة، لاحَ من ملامحها أنها كما لو كانت أمام أحجية. عندئذٍ تابعت الأخرى ضاحكة، " آه أنتِ من ماردين، ولا تعلمين من هم أولاد زنكَلي..؟ ". ثم راحت تتدفق بالحديث، عمن دَعَتهم بالأقارب المزعومين: " تركوا يا أختي دينَ أسلافهم النصرانيّ وصاروا مسلمين، ثم لحقَ بعضهم بنا إلى الشام. برغم كونهم قد سكنوا في زقاق آخر، يتصل رأسه بالوادي، فلا أستبعدُ أن يتزاوجوا يوماً معنا فيختلط دمهم بدمنا! ". لقد كانت هذه نبوءة؛ وأكثر مَن يتنبئون هم الأطفال، ومَن في حكمهم من الكبار خفيفي العقول: إنّ الابن البكر للضيفة، الذي سيأتي إلى الدنيا بعد نصف دزينة من الأولاد الميتين، سيقترن أولاً بإحدى بنات آل لحّو؛ المُشَنَّعين مثلما علمنا بلقب " زنكَلي ".
بلغَ من محبة فاتي لامرأة ابن عمها، أن شاءت مفاتحة موسي بأمر تنازلها لهما عن حجرتها، " لعلمك، يا أخي، أن حجرة المؤن صغيرة ". فرد عليها شقيقها، ملوحاً يده في يأس: " والله عقلك هوَ الصغير! لقد أخبرتك، أيتها الخَرِفة، أن إقامتهما مؤقتة لدينا "
" وكيف سيعودان إلى الوطن، بعدما تجشموا كل تلك الصعاب للوصول إلى الشام؟ "، ردّت في غير قليل من الجزع. أجابها شقيقها، مبتسماً هذه المرة: " أراكِ انقلبتِ إلى إنسانة مضيافة، مع أنك لا تطيقين امرأتي بحال من الأحوال وهيَ صاحبة البيت "
" كيف تقول أنها صاحبة البيت؟ بل هيَ خادمة بين قدميك، يا آغا! "
" على أي حال، اطمئني بالاً. أنا أفكّر بقطعة الأرض الفارغة، التي في جانب منزلنا من جهة الزقاق. سيبني أوسمان بيته هناك، لو لم يكن لديه فكرة أخرى "
" وهل يرفض أرضاً بالمجان بين أهله، ابن عمنا الأخرق؟ "
" تماماً كما أنتِ أسميْتِهِ؛ فإنه أخرق فعلاً: كل ساعة يأتي بفكرة جديدة. عرضتُ عليه النزول معي إلى البستان، ليعمل ناطوراً. إلا أنه قال لي ببساطة، أن الليل خلقه الله للراحة وتأمل القمر الجميل! منذ مقدمه للشام، تعرّفَ فوراً على خلان السوء ويمضي الليالي بصحبتهم في السكر والعربدة ". قالت فاتي وهيَ ما تزال تأمل خيراً: " أخبرتني امرأته، أنه ينوي شراء كرّوسة للعمل عليها بين الحارة وسوق الجمعة ". هز شقيقها كتفه باستهانة، كمن يؤكد أنه لم يعد الأمر ليعنيه بحال من الأحوال.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 1
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 5
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 4
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 3
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 2
- ليلى والذئاب: الفصل الأول/ 1
- عاشوريات
- عصير الحصرم 76
- عصير الحصرم 75
- عصير الحصرم 74
- عصير الحصرم 73
- غرائب اللغات 2
- عصير الحصرم 72
- واقع، حلم ثم كابوس
- الصعلوك
- مدوّنات: إخباريون وقناصل/ القسم الثاني
- الحطّاب العجوز
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 7
- تاجرُ موغادور: كلمة الختام من المحقق 6


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - ليلى والذئاب: الفصل الثاني/ 3