أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح6















المزيد.....

رواية (السوارية) ح6


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6326 - 2019 / 8 / 20 - 21:11
المحور: الادب والفن
    


لم أفهم العيد مذ كنت صغيرا إلا من خلال ما فيه من حرية غابت طول العام لتظهر فجأة وكأن الناس وجدت ما تبحث عنه في هذا الزمان تحديدا، العيد فرصة لي ولغيري من الصغار وقد كنت لا أظن الكبار يشاركوننا بهذا المعنى إلا نادرا، مطلوب منهم في العيد أن يدخلوا في دائرة الاستثناء وإن بدت عليهم نوع من السعادة، هذه السعادة ليست محض شعور ذاتي بقدر ما هي إحساس بأنهم أعطوا لنا ما نحب أو أنهم لم يحرمونا مما يجب، العيد عشته في السوارية كغيري مراجيح ودعبل وزار وبعض المال الذي يتيح لك أن تشبع غريزة الطفولة بين ما هو معقول وما هو غير ذلك، مثلا كنا نلعب طوال أيام السنه لعبة الدعبل ويمكننا أن نركب المراجيح دون أن نشعر بذات الشعور الذي نعيشه في العيد.
السوارية كغيرها من المدن والقصبات تحتفل بالعيد على طريقتها الخاصة غير أن لكل مدينة واقع يصنع طريقة الاحتفال في الوقت الذي تسمح به الإمكانيات أو الحاجات، فليس في مدينتي غير جذوع النخل التي تغرس في الأرض لتتدلى منها الحبال وتكون مرجوحه تشبع رغبات الأطفال في اللهو والاستمتاع، أخرين اتخذوا من العربات التي تجرها الحصن أو الحمير وسيلة أخرى، وهناك من لجأ إلى الألعاب الفردية بين مجموعة من المتبارين ليقضوا أيام العيد بين رابح وخاسر، المهم أن نقتل أيام العيد بغير أن نسمع كلمة عيب أو تأنيب.
العيد ليالي سابقة وليالي لاحقة هكذا كنت نتعامل معه، فهو يبدأ بالترقب أولا والأعداد له والتهيئة حتى نصل إلى ليلة (أم الوصخ)، في هذه الليلة هي نهاية الأعداد للعيد من قبل العائلة والأفراد أنتظارا لقدوم الليلة الجديدة التي تسبق العيد، وفيها تكتمل كل الاستعدادات لصباح جميل ملون إنها ليلة (أم الحلس) فبعد أن يتم أستلام ملابس العيد من الخياط أو الخياطة، والمحظوظين من محل هادي محبوبة حيث تكون الملابس جاهزة ومعها حذاء وجواريب، أو من خارج السوارية لمن أستطاع إلى ذلك سبيلا، يكون موعد حمام السوق بعد ظهر نهار ما قبل العيد ويستمر البعض بالتوافد حتى صباحية العيد.
لم يكن في السوارية حمام شعبي غير حمامين يديرهما سيد جميل وكلاهما في منطقة واحدة تقريبا، الأول وهو الصغير يقع قرب الفلكة وخلف بناية البلدية وأكثر زبائنه من الطبقة الوسطى والموظفين، أما الأخر وهو الكبير فيقع قريبا من شط المشخاب وأيضا خلف البلدية بمسافة، هذا الحمام وبجنبه حمام النسوان التي تديره أم حسين زوجة سيد جميل يشكلان وحده واحدة لكونهما يشتركان في المشعل وهي النار المستخدمة في تسخينه وغلي الماء ووقوعهما جنبا الى جنب بيت السيد المالك لهما.
طقوس الحمام تبدأ من تسليم الأمانات وهي غالبا ما تكون نقود وأشياء مهمة إلى إدارة الحمام ثم الأنتظار للحصول على مكان لنزع الملابس وارتداء (الوزره) تمهيدا للدخول إلى وسط الحمام، هذا بالنسبة للعمومي أما الخصوصي فينتظر الزبون حتى يفرغ أحد الغرف الصغيرة الخاصة وفيها منزع منفصل يغلق من الداخل ومن بعده حمام صغير مهيأ ليكون تحت تصرف الزبون وحده، في وسط الحمام العمومي هناك ما يسمى بـ (الخزنة) وهو حوض الحمام الساخن والذي قليل هم من يستطيع تحمل درجة الحرارة فيه ليغطس مستمتعا بسخونة الماء العالية.
قبل الدخول إلى داخل الحمام والمباشرة بالغسل هناك أمكنة صغيرة تشبه الغرف الصغيرة الطولية تستخدم لعمل (النورة) وهي خليط من النورة والزرنيخ لقلع الشعر من أماكنها الغير مرغوب فيها، هنا تجد أثار النورة بلونها الأبيض الحليبي وكاسات من الألمنيوم مليئة بالمترسب من النورة متناثرة هنا وهناك وأيضا الكثير من الشعر المنتوف في مجاري المياه التي تمر بها، أضافة إلى رائحة الأجساد والمواد الكيمياوية والبخار، لكن الجميع يرتادها وخاصة ليلة العيد، في مقابل هذا المكان هناك أيضا الحمامات المنفردة للسبح بالماء البارد كما يرغب البعض أو نشاهد مرافق صحية بشكلها الغريب عما هو مألوف في البيوت عادة.
بعد الأنتهاء من الغسل والجلف والتدليك ومن ثم التنشيف من الماء بواسطة وزر ناشفة غير تلك التي ندخل بها الحمام نجلس في باحة الحمام حيث تركنا ملابسنا معلقة لبضعة من الوقت لشراب الدارسين أو شاي الحامض، بعدها نبدأ باللبس والتهيؤ للخروج ودفع الأجرة التي كانت تتراوح بين الدرهم للكبار والخمسة وعشرين فلس للصغار وقد حل المساء غالبا، ليلة أم الحلس تبدأ من الخروج من الحمام حتى صباح يوم العيد حيث تبدأ فصول جديدة من الإفطار بـ (البحت) وهو طبيخ الرز بالحليب، أو تناول البيض الملون والمسلوق كعادة عند بعض العوائل ثم تلقي العيديات والسلام على الأهل والأقارب في زيارات متبادلة.
تنتهي مراسيم العيد الأولية مع أول ساعات الصباح وما أن تمر حتى يتفرق الجميع كل إلى مبتغاه، فمنهم من يواصل الزيارات والسلام على الاهل والمقربين وخاصة النساء وكبار السن، أو الذهاب إلى المضيف أو الديوانيات بالنسبة للرجال والذين لديهم ألتزامات وتواصل مع عشائرهم، والبعض بذهب للمقاهي حيث الرفاق والأصدقاء ولعب الدومينو، أما نحن من هم تحت سن الخامسة عشر ودون فالمراجيح وأماكن اللعب هو كل ما نفهمه من العيد ولعب العيد وضخبه.
لم أك موفقا في يوم من الأيام في أي من لعبة الدعبل أو الزار، قد لا أفهم أو لم أنجح في أن أدرك أساسيات الفوز أو تقنيات اللعب، لذا كنت دائما أجلس في مقاعد المتفرجين بمجرد أن أخسر ما معي من نقود، شقيقي الأكبر كان من أمهر من لعبهما وبتفوق عدا لحظات أو مرات يفقد فيها الحظ فأكون له معين أما بتزويده ببضع دعابل أو أقرضه ما يمكن أن يبدأ به جولة جديدة من الزار، كنت أيضا لا أحب الركوب في العربات التي تجمع الأطفال على ظهرها للذهاب مثلا إلى القصر والعودة مقابل عشرة فلوس، كما لا تستهويني تجمهر الأطفال والشباب أمام المراجيح ومراقبة من يركب أو يأت مع طفل أو طفله لغرض اللعب.
العيد عندي حقيقيا وقد أستمتع به مرات قليلة عندما أنجح في نصب مرجوحة أمام دارنا وأبدا بإركاب الأطفال بمقابل، ما يزعجني دائما هو فشلي أيضا ببقاء المرجوحة تعمل بأنتظام، فأما أن يسقط الجذع لأنه غير مغروس جيدا في الأرض برغم مما أفعله، أو انقطاع الحبال السيئة الصنع والرديئة والتي أمكننا إحضارها، لذا فدائما ما تكون فرحتي ناقصة وأحيانا تتحول إلى نوع من أنواع الإحباط.
الأكبر مني سنا وخاصة في منطقتنا النزيزة فكانوا هم نجوم العيد وأبطاله حيث لا حدود للحظ معهم أو أحيانا لا حدود للفشل تقربهم، فليح أل راهي وعطية أل مغاص ورزاق أل ملهب وخالي وأخي الكبير كلهم شلة تلعب الزار وأحيانا الورق، أشاهدهم بانفعالات المشجعين وأتمنى أن أحظى بما يحظون به من قدرة على اللعب والفوز، كان فليح أل راهي أكثرهم حظا ورزاق أكثرهم صراخا ومشاكسة فيما كان أبن خالته عطية أكثرهم خسارة مع علي ابن وردة، مجموعة أخرى أقل عمرا منهم أخي الأكبر مني بعام وعباس أل حمادي ورياض أل عطية ومجموعة ممن هم في سنهم يشكلون حلقة أخرى تستبيح الشارع لتلعب ما يتفق عليه مرة لعبة الزار (النرد) ومرة الدعبل، وحين تنتهي الجولات بفوز أحدهم بكل ما عند الأخرين فتوقع حدوث شجار وعراك لتصل للضرب بينهم.
خارج النزيزة تتوزع المراجيح في منطقة قرب شارع السيد وهناك يتجمع الباعة من كل مكان ليعرضوا بضاعتهم البسيطة التي لا تتعدى عن مجموعة من اللعابات للبنات، ومواصيل ودعبل وأحيانا الكعك والكيك والشربت وغيرها من السلع الرخيصة التي تجذب الأطفال، في مجمع المراجيح هنا نجد نوع منها بأحجام كبيرة حبالها متينة بما يتيح للأطفال التسلية والتحليق عاليا بها، أيضا هناك دولاب الهوا وهو عبارة عن مجموعة مقاعد تدور حول محورها وتصعد وتنزل بشكل دائري وكلها مصنوعة من الخشب، تقريبا كل عام أو كل عيد نشهد ذات المشهد ولا جديد يضاف لبرنامج العيد هنا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح5 _2
- رواية (السوارية) ح5 _1
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح6