أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح5 _2














المزيد.....

رواية (السوارية) ح5 _2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6325 - 2019 / 8 / 19 - 15:21
المحور: الادب والفن
    


حدهن واحدة من سيدات المظالم كانت أمنه مطمئنة في دار ليس فيها إلا الأب العجوز وأخ يشتغل في مكينة الماء على شاطئ طبر في غماس، تتدبر أمرها وأمر الأب وعليها كل يوم أن تقطع مسافة تقارب الست كيلومترا في الذهاب ومثلها في الإياب كي ترسل طعام الأخ، قانعة راضية تنتظر النصيب الذي تتأمله في بيت رجل يحترمها ويقدر لها تعب السنين، فهي لم تتعدى العشرين بعد ولكن من يراها يظن أنها تعدن ذلك كثيرا، منذ أن رحلت أمها في سنة (أبو زويعة) وهي الأم والزوجة والأخت والبنت، كان قدرها أن تواجه هذا المصير بعد أن فشل والدها في أن يجد بديلا عن المتوفاة.
حسن شقيقها الذي يصغرها بعام تغرب منذ أعوام ليعمل حارسا ومشغلا في مكينة أل سيد بطي في موسم الشلب لينتظر حصة عينية في أخر الموسم لا تتعدى عدد من الأكياس، أستغل وجود وقت فراغ ممكن أن يستغله في توفير مصدر معيشة أخر فأشترى عدد من النعاج التي ترى قريبا منه، فأضاف تعب أخر لتعبه لعله في يوم ما يستطيع أن يكون قادرا على أن يجد شريكة حياة تقاسمه التعب والألم والهم، لا يفكر في السعادة والحياة المنعمة وجوده هنا وعمله الدائم مع خزلة من الشياه تمثل له قمة الإنجاز والسعادة.
الأمور تبدو روتينية ولا شيء في الأفق يبدو حتى تنقلب حياة حدهن برغم بساطتها وكمية الألم والحل حتى تناهى (للفريج) خبر هز العشيرة وجعلها في حيص بيص، لقد فعلها (مديليل) وهو ابن أحد أبناء عمومة الشايب ابو حسن، فقد (سطى) على منزل أحدى العوائل الي جاورها من عشيرة أخرى وهرب بعد إن اكتشف ذوي البنت التي كانت على علاقة حب معه وعلى عشيرته أن تدفع الثمن، كان هناك خطر على أفراد العشيرة وخاصة من كان سهل الاصطياد مثل حسن وغيره طلبا للثأر، تدخلت بعض العشائر والسادة أل بو مكوطر والسادة أل ياسر وتم الاتفاق على أن (تزف) عشيرة مديليل أربع نساء بواكر جزاء ونكالا عن فعلة مديليل.
الفقراء دوما هم النقطة الأضعف في السلم الأجتماعي القروي وهم وحدهم من يدفع الثمن، كان مدلول أو ما يحبذ أن يطلق عليه الناس اسم مديليل هو من أبناء رؤوس العشيرة، فعلى أبو حسن وأمثاله أن يدفعوا ثمن جريرتهم وإلا سيكونون في موقع أضعف من الضعيف أو يرحلوا من الديار وتكسر عصاهم، هكذا وقع الاختيار على حدهن لتكون فصلية وتساق مثل النعجة إلى رجل لا تعرف حتى أسمه وبلا حتى مراسيم زواج والعار مقرون بها طول العمر، إنها الفصلية التي عليها أن ترضخ لقرار العشيرة فسيقت عصر ذاك اليوم المشؤوم لتصل للمشخاب ولسان حالها يقول (جابوني للمشخاب والدنيا الغروب..... والبرد حش بجلاي وأني بطرك ثوب)، أنظمت حدهن كواحدة ممن أنتزعت إنسانيتهن ووجودهن تحت حكم العشيرة وظلم ذوى القربي دون أن يقول أحد من الذين يدعون البخت والعدل والإنصاف والوجاهة الزائفة (بأي ذنب قتلت.....).
حدهن وحده من ضحايا مجتمع قام على قاعدة الاستغلال بدون حد، كل شيء قابل لأن يكون حلالا لمجرد أن الكبار يمكنهم سحق الصغار بدون وخزة ضمير، الدين الأخلاق الإنسانية كلها تختفي حين يريد سادة المجتمع أن يبنوا عرفا لهم، ولكن حين يكون ذلك فيه مصلحة العرف تتحول تلك الوحوش البشرية إلى ملائكة يحاربون من أجل الفضيلة ومن أجل الله الذي يسكن بين ساقيهم مرة وبين جيوبهم التي لا تشبع مرة أخرى، لقد قتلوا حدهن وقتلوا الشيخ الكبير وقتلوا حسن في صفقة الشيطان مع إبليس لينجو مدلول الذي زوج أخواته الستة بعد ذلك، لينظمن إلى قوافل المسعدات المحصنات ذوات النسب العالي، الغريب أيضا أن المجرم مديليل تزوج ثلاث مرات وفي كل مرة يدفع أفراد العشيرة ثمن نزوته الموبوءة بالظلم والاحتقار.
السوارية القرية المدينة البسيطة الوادعة والأليفة في نظر الكثيرين ببساطة كل شيء فيها وتلقائية التفاعل بين الناس، لا تبدو هكذا في عين من يراها بنظرة الفاحص الخبير، مجتمع مركب ومعقد وطبقي بامتياز خالي من روح التعاون الطبيعي يصل في حده إلى الوحشية القاتلة وهو يبدو وكأنه نتاج طبيعة الناس وثقافتهم، إنه نتاج ثقافة الاستحواذ والطمع والجشع وعدم الاكتراث بالطبيعة وهذه الصفات لا يمكن أن يصنعها الناس البسطاء وحتى لا يفهموها، فهم دائما ضحايا وحطب لها لا نفس ولا حراك والتسليم لله، من صنع هذا المجتمع اللا متوازن هم أصحاب المال أولا يدفعون بمن سيكون حصان عربتهم إلى الناس ممن يدع النسب والحسب.
في زمن تسواهن وحسنه وحدهن والمئات التي يسحقهن ظلم هذا المجتمع المنحل أخلاقيا، نجد بنات أل فلان وسليلات فلان ونسوان حجي علان لا يرين الشمس ولا الشمس تراهن، الحجة الجاهزة دوما أن وجه المرأة عورة وصوتها فضيحة وخروجها من بيتها أم المصائب، عليه من أراد أن يبني مجتمع طهارة وقيم أن لا يدع حتى عصافير الشجر أن ترى طرف ثوبها، هذا الفهم طبعا لا يجد معارضة من رجل تسواهن ولا من أبو حسنه ولا حتى من أغتصب حدهن بدون إرادتها ورضاها، بل يؤمنون به حد ما يؤمنون بالله، لكن فقط خارج بيتهم وخارج مسؤوليتهم والمتكلم له تجارب كثيرة حين يتسلل مثل الثعلب إلى قن دجاج ليختار أيهن أكثر شحما ولحما.
السوارية مدينة قرية ناس مجتمع ولد مريضا في مقام تطلب فيه الشفاعة من صاحبها حتى ينال الشفاء، لكنه أبدا لم يطلب ذلك ولن يطلبه لأن في مرضه مصلحة وفي شفاءه حرمان، مدينة بريفها مع بضع مئات من الرجال والنساء تمنح البلد سنويا مئات بل ألاف الأطنان من أفخر أنواع الرز لتحتل أسم الشهرة الذي لا يدانى، يعيش البعض من ناسها تحت خط الفقر الأدنى وكأنه حيوان مجذوم لا صاحب له ولا عين تراه كعائلة علاية التي تقابل دار جدي وغيرها المئات مرض وفقر وجهل وحرمان في جرداغ لا يقي حر صيف ولا برد شتاء.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية (السوارية) ح5 _1
- رواية (السوارية) ح4 _2
- رواية (السوارية) ح4 _1
- رواية (السوارية) ح3 _2
- رواية (السوارية) ح3 _1
- أختلاجات في عرض الحقيقة
- رواية (السوارية) ح3
- رواية (السوارية) ح2 _2
- لعنة ال لو
- رواية (السوارية) ح2
- رواية (السوارية) ح1
- القانون بين وجوبية التطبيق ورغبة الخارجين عنه.
- العبودية وامتهان كرامة الإنسان
- هل لنا أن نجعل الدين ديمقراطيا في الواقع؟
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج1
- مشروع إعادة بناء الدولة العراقية _ خطط ومناهج ج2
- أساليب النهج الكهنوتي في رسم دائرة الوعي الديني
- العقل الجمعي بين الوعي المختار وهوس الجماعة
- الحاجة الفعلية للديمقراطية وحصاد الربيع العربي
- الأستحمار الفكري والمعرفي وعلاقته بمفهوم العقل الجمعي


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس علي العلي - رواية (السوارية) ح5 _2