أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - شاشات الانعزال عند الاطفال















المزيد.....

شاشات الانعزال عند الاطفال


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 04:38
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


ليس من السهل تعديل الاعوجاج في جذع شجرة البلوط الذي كان ينمو عندما كانت شجيرة. مثل اسكتلندي
باستطاعة أطفال القرن الحادي والعشرين الإبحار في عوالم بعيدة بواسطة وحدات تحكم ألعاب الفيديو، لكنهم من ناحية أخرى غير مسلحين بفهم واستيعاب العالم الحقيقي خارج نافذة غرفتهم. فتصطادهم الخيارات الكثيرة لوسائل اللهو والترفيه المثيرة والآسرة فور توجيه أبصارهم نحوها.

ونعلم كوالدين وكمعلمين بأن استعمال التقنيات الحديثة زيادة عن اللزوم لها نتائج سيئة على الأولاد. وكلنا قد سمع بقصص مروعة عن الاعتداء الإلكتروني، والمواقع الإباحية المتاحة، والنصابين الجنسيين على الإنترنت. وباستطاعة الوالدين القيام بوضع ضوابط على ما يشاهده أولادهم وتقليل وقت حصولهم على الإنترنت، لكن، ماذا عن التقنيات عندما تصبح هي بحد ذاتها مضرّة للطفولة؟

وفي المملكة المتحدة، يلفت انتباهنا محرر قسم التربية في صحيفة ديلي تلغراف البريطانية كرايم باتون Graeme Paton إلى ظاهرة تنذر بالخطر، فيقول:

هناك أرقام متزايدة لأطفال تنقصهم مهارة تحريك الذراعين والأصابع اللازمة للّعب بالمكعبات وذلك بسبب «إدمان» الأولاد على استعمال حاسبات تابلت (الأجهزة اللوحية) والهواتف الذكية، وفقا لما يفيد به المعلمون.
ويتمكن العديد من الأطفال الذين لا تتراوح أعمارهم سوى ثلاثة أو أربعة سنوات من «ضرب» الشاشة بأصابعهم لتقليب الصفحات، لكن ليس لديهم سوى القليل بل حتى انعدام وجود المهارة في استعمال أصابعهم بعد قضاء ساعات متسمرين أمام الجهاز اللوحي الإلكتروني. . . .

وحذر أيضا أعضاء من رابطة المعلمين والمحاضرين من أن بعض الأطفال الأكبر سنا غير قادرين على إكمال امتحان تقليدي باستعمال ورقة وقلم وذلك لأن ذاكرتهم قد تآكلت بفعل التعرض المفرط لشاشات الأجهزة الإلكترونية. فدعوا الآباء لاتخاذ إجراءات صارمة على استخدام الكومبيوتر اللوحي وأيضا إيقاف شبكة واي فاي للإنترنت ليلا وذلك للفت انتباههم إلى حجم هذه المشكلة.

تقول التربوية روندا كيليسبي Rhonda Gillespie المتخصصة في تعليم أطفال الحضانة والأطفال الحديثي المشي التي عملت في حقل تعليم مرحلة الطفولة المبكرة على مدى عقود، سألتها عن رأيها في موضوع الأطفال والأجهزة الإلكترونية، فأخبرتني بقصتها عما رأته شخصيا كما يلي:

لقد رأيت أثرا مدمرا على الأطفال على مدى السنوات العشرين الماضية. لأن الأجهزة الإلكترونية تهاجم الأساس الضروري للتنمية التربوية السليمة.

وعندما كنت طفلة، كان الحيّ الذي نسكنه آمنا ولعبت مع أصدقائي خارج الدار كل يوم. وكنا نستعمل الإبداع والخيال، وتعزيز مهاراتنا لحل المشاكل وتمتعت أجسامنا بالصحة الجيدة. أما الزمن الذي صار ابني يشبّ فيه، فنادرا ما كنت أرى أطفال الحيّ يلعبون خارج الدار. فتغير الاتجاه، وصار يُنظر إلى الهواء الطلق خارج الدار بأنه غير آمن.

واضطررت في ذلك الوقت إلى العودة إلى العمل بدوام كامل، مما يعني دوام نهاري طويل وبالتالي أوقات مسائية قصيرة للعب في الهواء الطلق خارج الدار والاستمتاع مع ابني. وأكبر غلطة قمت بها كانت شراء أول جهاز كومبيوتر لألعاب الفيديو له. فقمتُ في البداية بوضع قواعد لاستعماله وبتحديد وقت اللعب، ولكن مع تقدم الوقت، زادت ساعات استعمال لوحة أزرار التحكّم باللعبة.

بدا الأمر لي في البداية وكأن فيه فوائد كثيرة: فصار لابني اتصالات عديدة عبر الإنترنت مع أولاد من جميع أنحاء العالم، وبإمكانه التآلف مع أبناء جيله حتى لو حصل اتصالهم بالإنترنت عن طريق المصادفة. وأصبح لاعبا جيدا في بعض الألعاب الإلكترونية وزادت ثقته في النفس. وكنت اعتقد دائما بأنه سيأتي يوم يجد فيه أصدقاء يلعب معهم في الحيّ، لأنه كان يلاقي دائما صعوبة في الاندماج الاجتماعي، أما شركات ألعاب الفيديو فغالبا ما يروّجون منتجاتهم بأنها بمثابة مدّ جسور لبناء العلاقات. إلا أنني أشعر الآن بأنه حُرِم من فرصة تنمية القابلية لديه في إقامة علاقات سليمة.

وعمر ابني الآن سبعة عشر عاما. وله القابلية على إرسال رسائل ومحادثات نصيّة طوال اليوم، أما عندما يكون مع الناس فلا يعرف ماذا يقول أو كيف يبدأ بالمحادثة. ويقول بأنه يرتاح عند التحدث إلى الناس على الكومبيوتر ويفضله على التحدث المباشر مع الناس تحاشيا للمواقف المهددة أو المخيفة. غير أن الجانب الآخر من الموضوع هو أنه لم يتعلم كيفية التعامل مع تلك اللحظات المحرجة في الطفولة التي تشكل فرصا للنمو وللحصول على الخبرات. فلو لم يكن لديه خيار «أصدقاء» الإنترنت، فهل كان سيتعلم مهارات اجتماعية أفضل؟

إنّ أحد الأجزاء المهمة لمرحلة الطفولة هو تعلّم حل المشاكل، وصياغة أساليب ذاتية للتعامل مع المواقف المتنوعة وحلولا لقضايا الحياة اليومية. فبالرغم من أن الحياة أصبحت أسهل بفضل التكنولوجيا، إلا أنها عملت أيضا على جعل الأولاد يجهلون متطلبات عملية النجاح، وهي: العمل الجاد والدؤوب والصبر. لقد خلقنا جيلا يتوقع الحصول على كل شيء بشكل فوري ومن دون جهود. فأذكر على سبيل المثال عندما كنتُ في المدرسة، كنت أقضي عدة أشهر في كتابة تقارير ورقية عن بحوث معينة، مع العديد من الرحلات إلى المكتبة، وقضاء ساعات للدراسة وجمع البيانات بعد التحقق منها. أما الآن فباستطاعة ابني عمل التقرير نفسه في غضون ساعات قليلة، على جهاز الكومبيوتر، دون عنصر التحقّق أو الإثبات.

ثم إنّ سهولة منال شاشات الأجهزة الإلكترونية سبّبت انخفاضا كبيرا في خاصية المرونة لدى الأولاد وفي سرعة استجابتهم للمتغيرات، وأضعفت حرية الإرادة، وقلّلت الرغبة في العمل الشاق، وعملت على تلاشي مشاعر الافتخار بإنجاز أو إتمام مهمة ما. أما الاندماج الاجتماعي لدى الأولاد فهو آخذ في الانقراض.

جميعنا يعلم بمقدار الضرر الذي يصيب الصحة البدنية كلما زادت مشاهدة الشاشات والجلوس أمامها، لاسيما البصر والسمع والوزن. غير أننا يجب أن نفكر أيضا بالضرر الذي يصيب روح الطفل. فالكثير من الأطفال فقدوا القدرة على التواصل مع إنسان حيّ أمامهم لأن الأمر يتطلب منهم استجابة لفظية فيها تفكير ومشاعر وأخذ وردّ. وتتزايد أعداد الأطفال الذين يصلون مدارس التمهيدي من الذين يعانون من صعوبات في الكلام؛ وبعضهم لا يتكلم إطلاقا. ولما كانت هذه الحالة يمكن تشخيصها ضمن اضطرابات مرض التوحُّد، فكم من الأطفال جرى تصنيفهم على أنهم مصابين بهذا المرض عندما لم يكن لديهم ببساطة فرصة للتعلم على الاندماج البشري!

وفي برنامج كسر الدائرة Breaking The Cycle الذي أقيمه في مجالس المدارس لترويج المسامحة والغفران بين الطلاب، أتكلم أحيانا مع بعض الطلاب في عمر المراهقة وأرى بأنهم لا يعرفون حتى من هم يكونون – أي بمعنى ما هو حقيقي عن أنفسهم وما هو وهمي. فقد أمضوا سنوات نشأتهم متقمصين مختلف «الشخصيات الشهيرة» أو يستعملون «أيقونات» لشخصيات جبارة وهمية لتمثيلهم عند المحادثات عبر الإنترنت وكعلامة مميزة لهم – تلك الأيقونات التي تمثل مختلف العوالم
الخيالية الوهمية – ولو تمكنوا من جعل هؤلاء الأبطال الصوريين الوهميين أكثر بريقا وجرأة مما يأمله أي إنسان عادي، لوجب علينا أن لا نتفاجأ بالنتيجة من أنهم سوف يكرهون أنفسهم عندما يقارنون أنفسهم مع هؤلاء الأبطال الوهميين ويصطدمون بواقعهم الحقيقي. وهذا يؤدي إلى اليأس والاكتئاب، وفي حالات كثيرة جدا، إلى الانتحار.

إنّ خطورة الإدمان على ألعاب الفيديو، وفي العديد من المستويات، هي كخطورة تعاطي المخدرات أو الكحول. ويمكن لها أن ترغم الأطفال وتدخلهم في عوالم مظلمة شريرة بشكل غير مسبوق، مع صعوبة الخروج منها. فلا غرابة من العدد الكبير لحالات إطلاق النار في المدارس التي ينفذها أشخاص شغوفون بألعاب الفيديو. ويبدو أنهم غير قادرين على التفريق بين ألعاب الفيديو العنيفة والدموية وبين النتائج المترتبة عن جرائم القتل في العالم الحقيقي، وغير قادرين على الشعور بالأسف على أفعالهم أو التعاطف مع ضحاياهم. فمن جهة ترانا غالبا ما نُصدم عند سماعنا لخبر عن التجنيد القسري للأطفال في جيوش دول العالم الثالث. غير أنه قد يصعب علينا رؤية ميليشيات الشباب وهم ينشئون في عقر دارنا، متأثرين بالوحشية الدموية نفسها التي عند الأطفال في جيوش دول العالم الثالث البعيدين عنا كل البعد.

ونرى الآن الجيل الأول من لاعبي الفيديو بلغوا سن الرشد وخرجوا من مرحلة التربية، ولم يتغلب الكثير منهم على إدمانهم على ألعاب الفيديو. فبمجرد وصول الآباء البيت من العمل يختفون في عالم الخيال العنيف ليلعبوا تلك الألعاب. لأنهم عندما كانوا في مرحلة البلوغ وقعوا في فخ هذه الألعاب؛ ويقضون ساعات في عالم مشابه لعالمنا تماما لكنه وهمي ويسرق ويضيّع منهم الوقت الذي من المفروض أن يقضوه على التواصل مع واقع أطفالهم – مثل لعبة المطاردة بالركض أو رمي الكرة ومسكها أو قراءة قصة قبل النوم.
إنّ التكنولوجيا الإلكترونية تؤثر على الناس من جميع الأعمار، والسبب بكل بساطة هو أنها تحوّل اهتماماتنا ومراعاتنا للآخرين من مشاعر إنسانية إلى مشاعر آلية جامدة مثل المكائن. وتخرب بالأخص الأطفال الصغار، الذين اعتادوا على الاعتماد على الكبار المقربين منهم للاسترشاد بهم ولاتخاذهم كقدوة لهم في حياتهم. ويتطرق التربوي كيم جون بين Kim John Payne إلى هذه النقطة في كتابه الذي يحمل عنوان Simplicity Parenting أي بمعنى (بساطة الدور التربوي للوالدين) فيقول:

إنّ عالم الحواسيب الراحل ورائد علم الذكاء الاصطناعي الأستاذ الجامعي الأمريكي في معهد ماساتشوست للتكنولوجيا جوزيف فايسنباوم Joseph Weizenbaum أخذ يتساءل عن مدى ملاءمة تكنولوجيا الحاسوب للأطفال الصغار. وصار يتساءل مشككا عما إذا كنا فعلا نريد تعريض أطفالنا الصغار إلى عقول اصطناعية بدون قيم إنسانية ليس فيها منطق سليم أيضا. فكان جوزيف يؤمن بوجود صفات بشرية فائقة مثل الاندماج والاستجابة والتفاعل لا يمكن أبدا أن تنسخها المكائن والأجهزة؛ والمثال الذي ضربه على ذلك كان كالآتي: « تلاقي عيون الأب والأم بعدما يلقيان نظرة إلى طفلهما النائم في سريره.» ..... يتبع



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 2
- شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 3
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 6
- توقعات الآباء الكبيرة
- أبوكريفون يوحنا او كتاب خفايا يوحنا
- شهوات الجسد
- الهرطقه الغنوصة والغنوصيَّة المسيحيّةَ
- العقائد الثابتة
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 5
- الإيمان
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 4
- الاسلام يعلم الكذب النفاق و القتل
- قوة الإيحاء الذاتي
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 3
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 2
- الحياة الروحية
- الاهتداء و العبور
- ها أنا أصنع كل شيء جديداً
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام
- التوبة


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - شاشات الانعزال عند الاطفال