أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 2















المزيد.....

شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 2


محمد برازي
(Mohamed Brazi)


الحوار المتمدن-العدد: 6288 - 2019 / 7 / 12 - 04:38
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


وعند استعمال الطفل الصغير وبعمر مبكر للشاشات ثنائية الأبعاد لأجهزة الكومبيوتر، ألا يتضارب ذلك فعليا مع أنظمة التعلُّم المعقدة للطفل الصغير، تلك الأنظمة الخاصة بالعلاقات والاستكشاف الحسي والمشاعر؟ فلا أؤمن بأن أجهزة الكومبيوتر يجب أن تكون جزءا من الحياة اليومية للطفل الصغير. أما لو تعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم استعمال جوجل Google أولا وطرح الأسئلة ثانيا (أو حتى عدم طرحها بالمرة)، فما مقدار حب الاستطلاع الذي سيتولّد في داخلهم؟ وماذا عن سرعة تفكيرهم، وعن إبداعهم؟ وما مدى إصرارهم على البحث عن أجوبة لتساؤلاتهم؟

من الملفت للنظر، أننا نادرا ما نجد منزلا من دون تلفزيون أو كومبيوتر، حتى لدى أفقر العائلات. وربما لا يكون هناك ما يكفي من الغذاء في الخزائن، ولكن يُعتبر التلفزيون إلزامي. وعلى الرغم من أن الأهالي الكادحين قد يعللون سبب حيازتهم للتلفزيون أو للكومبيوتر بأنهم لا يملكون الإمكانية المالية لتشغيل مربية بيتية لأطفالهم للإشراف عليهم عند غيابهم عن البيت، ثم يقولون إنّ أطفالهم، بمشاهدتهم للتلفزيون وللكومبيوتر داخل البيت، سيكونون على الأقل في مأمن من كل خطر خارجي. غير أننا علينا أن نتساءل، أي خطر هذا هم في مأمن منه؟ فالكثير مما يتلقوه من التلفزيون أو الكومبيوتر يمكن له تسميم روح الطفل.

ولا توجد وسيلة سهلة لتخفيف العبء الذي تضعه التكنولوجيا على الأطفال. ولو أحببناهم فعلا فلا يمكننا الوقوع في فخ الاستسلام لمجرد أننا لا نعرف من أين نبدأ. ومن إحدى الطرق لاتخاذ الإجراءات إعطاء الأطفال المزيد من «المساحة البيضاء.» فالمساحة البيضاء في أي كتاب هي الفراغ بين السطور المطبوعة، وفي الهوامش، والفسحة الإضافية في بداية كل فصل. وهي تسمح للكلمات بأن «تتنفس،» وتعطي العين مكانا للراحة. وعند قراءة كتاب فلا ينتبه القارئ إلى هذه المساحات البيضاء بالرغم من وجودها، لكن لو اختفت فسوف يلاحظها مباشرة. وهي المفتاح للتصميم الجيد للصفحة.

ومثلما يتطلب الكتاب مساحات بيضاء، فهكذا الأطفال يحتاجون أيضا إلى مساحات من الفراغ من اجل النمو، في مجال محمي من هجمات عصر المعلومات. والمسألة لا تحتاج إلى دهاء لرؤية الآثار المترتبة على عدم وجود المساحة البيضاء. فعندما يجري إغراق الأطفال بوسائل الترفيه، والأشياء المادية، والضغوط الدراسية النظرية، في ظل حياة أسرية غير مستقرة باستمرار، فتشبه المسألة كما لو أن قوة بطاريات مصابيحهم تنضب. فيبهت ضياؤهم تدريجيا، وهم أنفسهم لا يعلمون سبب ذلك. فبطبيعة الحال، لو حرمناهم من الوقت، والمجال، والمرونة اللازمة لنموهم بالسرعة المناسبة التي تلائمهم، لما كان في وسعهم إعادة شحن بطارياتهم.
ويذكرنا الفيلسوف الصيني العريق لاوتسو Lao–Tzu بما يلي: «ليس طين الخزف هو الذي يعطي الجرّة الفائدة المرجوة منها بل حيز الفراغ الموجود في داخلها.» أي بمعنى كلما كبر حيز الفراغ داخل الجرّة زادت فائدتها. وهكذا الأمر مع التربية؛ فلو شبّهنا التحفيز والإرشاد بطين الخزف، فيمكننا إذن تشبيه الوقت الذي يحتاجه الطفل ليكون بمفرده بدون استرشاد هو الفراغ المفيد داخل الجرّة. فالساعات التي يقضيها الطفل مع نفسه في أحلام اليقظة أو فترات الهدوء، والأنشطة غير المبرمجة – ويفضل أن تكون في الهواء الطلق في الطبيعة – تغرس في نفسه الشعور بالأمان والسكينة والاستقلال، وتمنحه الهدوء النفسي اللازم لمواجهة إيقاع الحياة في كل يوم. إذ يزهو الأطفال بالهدوء. فإذا لم يكن هناك ما يلهي الأطفال عن فعاليتهم الرئيسية، فنراهم ينغمسون كليّا بما يفعلونه، غير واعيين تماما بكل ما يحيط بهم. وللأسف، أصبح الهدوء من الكماليات بحيث نادرا ما تتوفر لهم مثل هذه الفرصة للتركيز بدون إزعاج.

فكيف يمكننا، نحن كآباء ومقدمي الرعاية، أن نجد طرقا مبتكرة لإعطاء الأطفال المزيد من الهدوء والمجال؟ هناك بعض المدارس التي يقف فيها بعض المعلمين على باب غرفة الصف مع حقيبة، لنزع جميع الهواتف والحواسيب اللوحية طيلة مدة الدرس لمساعدة الطلاب على التركيز على الدراسة. وهناك أيضا مدارس أخرى ترسل رسائل لأولياء أمور الطلاب تطلب منهم تحديد وقت أقل للترفيه لأولادهم بعد ساعات الدوام المدرسي. ويوعزون طلبهم هذا إلى أن الطلاب سيكمّلون على الأرجح واجباتهم المدرسية وسينامون جيدا. كما يوضحون أنه كلما قلّ تلقيمهم بالعنف من التلفزيون أو ألعاب الفيديو أو الإنترنت قلّ على أثره العراك والتجادل والبلطجة في المدرسة.

وأعرف آخرين تفاوضوا مع إدارة المدرسة لإزالة التكنولوجيا من الفصول الدراسية – وهي معركة شاقة الآن لاسيما أن أجهزة الكومبيوتر صار يُنظر إليها بأنها لا يمكن الاستغناء
عنها. وأعتقد أن هؤلاء المعلمين لديهم حجة سديدة: لأن الأولاد يقضون ساعات طويلة في البيت مُسَمّرين أمام هذه الشاشة أو تلك، فلو قامت المدرسة بعمل الشيء نفسه والسماح لهم بالجلوس أمام الكومبيوتر أثناء النهار في المدرسة أيضا، فهل سيفيد ذلك تعليم الأولاد أو صحتهم البدنية؟ وإذا كانت النتيجة أن يصير الولد مضطرب داخليا ولا يهدأ، وذا سلوك عدواني، وعديم التركيز، فهل سترتقي المدرسة بأهدافها التربوية من خلال كل ذلك؟

في مدينة لوس ألتوس Los Altos في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، يداوم أولاد المدراء التنفيذيين لكبريات شركات التكنولوجيا المتخصصة في مجال الحاسوب مثل شركة جوجل Google، وشركة أبل Apple، وشركة هوليت–باكارد Hewlett–Packard الأمريكية، يداومون كلهم في مدرسة تربوية نموذجية خالية من الحواسيب تسمى مدرسة فالدورف Waldorf School وهي مدرسة قائمة على الفلسفة التربوية لمؤسسها النمساوي رودلف شتاينر Rudolf Steiner. وهو مؤسس علم طبائع البشر Anthroposophy. ويلقى أسلوب تعليمه اليوم قبولا واسعا في عدد من دول العالم لاسيما أوروبا والولايات الأمريكية المتحدة، وتوجد مدرسة فالدورف في مصر أيضا. ويشدد نهجه التربوي على دور الخيال في التعلّم، ويسعى إلى الدمج الكلي للتنمية الفكرية والعلمية والفنية للتلاميذ، ولا يقتصر على المواد العلمية وإنما على المواد العملية والفنية التي يزاول فيها التلاميذ مهارات جديدة ويتعلمون الموسيقى والرسم والرقص. ومن أهداف هذا النهج هو إيقاظ جوانب النشاط البدني والسلوك والمشاعر الإنسانية والنظام الفكري والمعرفي للذهن والجانب الاجتماعي والروحي في داخل كل تلميذ. أي بكلمة أخرى تنمية جميع أبعاد الطفل ومكونات كيانه. فتكتب صحيفة نيويورك تايمز تقريرها عن تلك المدرسة كما يلي:

تشمل الأدوات التعليمية الرئيسة لهذه المدرسة كل شيء ما عدا الأجهزة الإلكترونية، فنجد فيها أدوات تعليمية لأعمال يدوية مثل: أقلام وورق وصنارات حياكة وفي بعض الأحيان طين لصنع الفخار. فلا يمكن إيجاد أي كومبيوتر هناك. ولا شاشات على الإطلاق. فهي غير مسموح بها في الصفوف، حتى أن المدرسة تستقبح استعمالها في البيوت.

لقد هرعت بقية المدارس في أرجاء البلاد بتجهيز صفوفها بأجهزة الكومبيوتر، والكثير من صناع القرارات يثنون على هذه الخطوة وعلى هذا التوجه الإلكتروني ويقولون أنه من الحماقة فعل خلاف ذلك. إلا أن الرأي المعاكس لهذا يمكن إيجاده عند بؤرة الاقتصاد التكنولوجي الإلكتروني، حيث نرى أن بعض الأهالي والتربويين في مدينة لوس ألتوس لديهم رسالة مفادها: أنه لا يمكن الخلط بين الكومبيوترات والمدارس. . . .

والمعلمة كاثي وحيد Cathy Waheed التي كانت سابقا مهندسة حاسبات، تحاول أن تجعل من التعليم أمرا شيّقا للتلاميذ وأيضا ملموسا ومليئا بالمشاعر والأحاسيس إلى حد كبير. وكان الدرس الذي قدمته للتلاميذ في العام الماضي يدور حول الكسور وذلك بجعل الأطفال يجزئون الطعام إلى أجزاء – مثل تفاح وتورتيلا مكسيكية وكعك كاتو أو تورتة – أي بمعنى إلى أرباع أو أنصاف أو أسداس. وقالت: «تناولنا جميع وجباتنا ولمدة ثلاثة أسابيع وذلك عن طريق تجزئة الطعام.» ثم أضافت قائلة: «وعندما أحضرتُ لهم قطعا كافية من الكعك لإطعام كل فرد فيهم ويستمتعوا بتناوله، فماذا تعتقدون، هل سأفوز بعد ذلك بانتباههم لي عندما أشرح الدروس لهم؟». . . .

ويقول المعلم السابق والأستاذ الجامعي في التربية في جامعة فرمان Furman University بولس توماس Paul Thomas ما يلي: «إنّ التعليم تجربة إنسانية. أما التكنولوجيا فتصرف انتباهنا عما نحتاجه من قراءة وكتابة وحساب وتفكير ناقد.». . . . يتبع



#محمد_برازي (هاشتاغ)       Mohamed_Brazi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 3
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 6
- توقعات الآباء الكبيرة
- أبوكريفون يوحنا او كتاب خفايا يوحنا
- شهوات الجسد
- الهرطقه الغنوصة والغنوصيَّة المسيحيّةَ
- العقائد الثابتة
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 5
- الإيمان
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 4
- الاسلام يعلم الكذب النفاق و القتل
- قوة الإيحاء الذاتي
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 3
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام الجزء 2
- الحياة الروحية
- الاهتداء و العبور
- ها أنا أصنع كل شيء جديداً
- معامله المراه ككائن حي في الاسلام
- التوبة
- معتقدات الصابئة بالعواقب والكواكب


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد برازي - شاشات الانعزال عند الاطفال الجزء 2