أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فارس إيغو - العرب والتراث: معضلة وجودية














المزيد.....

العرب والتراث: معضلة وجودية


فارس إيغو

الحوار المتمدن-العدد: 6266 - 2019 / 6 / 20 - 14:09
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سواء أحببنا أو كرهنا، علينا أن نتعامل مع التراث ونشتغل عليه بطريقة تاريخية بعيداً عن العواطف والروح التمجيدية، وكذلك دون اللجوء الى جلد الذات، وهذا شيئ طبيعي، لا يمكن لأي إنسان أن ينفصل كلياً عن تراثه، لكن المشكلة هي أننا، اليوم، نحيا في التراث ولا يحيا التراث فينا كما يقول المفكر المغربي عبد الله بلقزيز. فلذلك، علينا أن نتخلى عن عقلية التأصيل التي تنخر وتشل التفكير المبدع والخلاق، كلما طرحت مسألة معينة، يبدأ العقل الجمعي العربي في البحث عن نظائر وأشباه لتلك المسألة في تراثنا، فإن لم يجد تأصيلاً لها في التراث، حكم بالتبديع والتجهيل والتكفير على كل من يقترح حلولاً من خارج هذا التراث (1).
كيف نتعامل مع التراث
هناك معضلة كبرى في الجواب عن هذا السؤال، وهذه المعضلة تتمثل في أن لنا إرثاً ثقيلاً عجزنا عن تدبيره وتدبره بعقلانية ووفقاً لحاجاتنا المتجددة والمعاصرة على مدى قرنين ونيف منذ لحظة الوعي بـ (الفارق) الحضاري الذي يفصل حالنا وحال أوروبا الناهضة والصاعدة بقوة.
ويمكننا تصنيف الإجابات الى ثلاثة كبرى:
(1) بين من يقول بالقطيعة المطلقة مع التراث والاندماج بقيم الحضارة الجديدة (أدونيس، عبد الله العروي)؛
(2) ومن يقول بفرز وغربلة التراث، فالقطيعة عند هؤلاء غير ممكنة لا في اتجاه الماضي ولا الحاضر الذي تهيمن عليه قيم الحداثة الغربية، وعلينا الاستناد الى مواقف وأفكار في الماضي تعتبر نويات ودرجة من درجات تطور المفاهيم الحديثة، مثل العقلانية والكونية والتأويلية؛ والأسماء في هذا الخط الفكري في التعامل مع التراث، منهم من المغرب المفكر الراحل محمد عابد الجابري وعبد الإله بلقزيز، ومن تونس هناك ناجية الوريمي، وآخرين غيرهم.
(3) وهناك أخيراً، الاتجاه الديني الذي يقول باستعادة التراث كاملاً قبل أن يجري تحريفه على يد السلطة السياسية، وإعادة انتاجه وتفعيله لأسلمة منتجات الحداثة وليس لتحديث الفكر الإسلامي؛ ويختلف أصحاب هذا الاتجاه في تحديد لحظة الانحراف عن الخط العقائدي السليم، بين عام 656 م وتحول الخلافة الى ملك عضوض مع الخليفة الاموي الأول معاوية بن أبو سفيان بالنسبة للبعض، وعام 1924 وقرار الغاء الخلافة العثمانية من قبل مصطفى كمال أتاتورك بالنسبة للآخرين.
لكن، بالرغم من وجود الخيارين الاولين على الساحة الثقافية، يبقى الخيار الثالث هو المهيمن بالرغم من لاتاريخيته ولاعقلانيته وبقاؤه يتلاعب بمشاعر المؤمنين البسطاء، وبقي العرب والمسلمون في قراراتهم المصيرية أسرى للماضي ومستهلكين شرهين للسلع والمنتجات على موائد المنتجين الكبار في العالم، وأولهم وليس آخرهم الغرب....

الماضي يلقي بظلاله على حاضرنا
يتطلب فحص ضميرنا التاريخي أن ندرس تراثنا بطريقة موضوعية وناقدة، وليس بصورة انبهارية ذاهلة. إن أولى المراجعات وأصعبها هي المراجعة التاريخية للتراث، ومن دونها سنظل عالقين بثياب الماضي، وسيبقى الماضي شبحاً يطل علينا في كل لحظة. من هنا أهمية إعادة كتابة التاريخ، ليس فقط كأمجاد ومفاخر وكشوفات، بل أيضاً، تاريخ حروب وفتن كبرى وفتن صغرى وغزوات للشعوب الأخرى ومجازر في حق القريب منا والبعيد عنا وامتحان للعقول والضمائر واستتابات ونفي وتهجير وقتل للمخالفين في السياسة وفي العقيدة وفي الرأي أحياناً، وعندها ترتاح روح السهروردي القتيل (1154 ـ 1191) صاحب "حكمة الإشراق" في مستقرها الأخير، والذي قتلته وشاية فقهاء عصره وكان المؤدب والمعلم لإبن القائد صلاح الدين الايوبي، فكتبوا اليه رسالة يقولون فيها: "ادرك ولدك وإلا تتلف عقيدته"، فأمر صلاح الدين باحضار السهروردي وقتله في قلعة حلب، وهو القائل:
أبداً تحن إليكم الأرواح
ووصالكم ريحانها والراحُ
وقلوبٌ أهل ودادكم تشتاقكم
والى لذيذ وصالكم ترتاحُ
يا صاح ليس على المحبّ صباحُ
لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى
كتمانهم فنما الغرام فباحوا
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم
وكذا دماء البائحين تباحُ.....
الحاضر هو المعبر الضروري بين الماضي والمستقبل
تعتقد الباحثة التونسية ناجية الوريمي صاحبة الأطروحة الشهيرة في "الإئتلاف والإختلاف: ثنائية السائد والمهمش في الفكر الإسلامي القديم" (2004)، بأنه يجب أن تقوم علاقة وطيدة بين الماضي والحاضر، بين التراث والحداثة، وهذه العلاقة لا يمكن أن تكون صحية، ولا يمكن أن تكون منتجة، إلا إذا قمنا "بتشريح" هذا التراث، إلا إذا قمنا بتفكيك نصوص التراث التي لا تزال الى اليوم تتحكم فينا، تتحكم في قسمٍ هام من المعاصرين المسلمين والذين يحاولون أن يفرضوها علينا، على اعتبار أنها تنتمي الى فترات من التاريخ اعتبروها مرجعية، وهذه الفترات التاريخية تمارس سلطاتها على المعاصرين بأشكال متعددة. علينا أن نفكك الأسس التي تقام عليها هذه السلطة، إن كل الاختيارات الماضية التي ما تزال تتمتع بالسلطة الى اليوم، هي في نهاية الأمر منتج تاريخي، منتج بشري أنتج في سياقات تاريخية معينة أدى وظائف معينة، وعندما ننبه الى هذه الأبعاد الي تُغيب، كل ما نفعله أننا ننبه الى تاريخيتها، نحن نحاول فهمها ضمن سياقاتها التاريخية، نحن نعترف بها على اعتبارها اجتهاداً بشرياً في نهاية الأمر، ولا نريد أن ننقص من قيمتها، ولكن لا نريد أن تمارس علينا سلطة ما أنزل الله بها من سلطان (2).
وفي الخلاصة، الحاضر الذي هو معبر المستقبل الضروري، وهو أيضاً الجسر الذي لا بد منه للعبور الى الماضي وكشف أغواره.
(1) محمد الشيخ "هاجس التأصيل في الفكر الفلسفي العربي المعاصر"، محاضرة موضوعة على اليوتوب بتاريخ 06/06/2016، على الرابط التالي:
https://youtu.be/GahIusNSx-E
(2) حوار مع د. ناجية الوريمي، حاورها د. نادر الحمامي، وتم نشر هذا الحوار لأول مرة في آذار 2018، موجود على الرابط الالكتروني:
https://youtu.be/tLB2pbdfCtI



#فارس_إيغو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يمكننا تسمية عصرنا الحالي؟
- الأصولي ومفهوم الرهاب والتطهّر
- الشعب ضد الديموقراطية أو الديموقراطية ضد الشعب
- بين استراتيجيات الإصلاح النهضوي للشيخ وداعية الليبرالية، وال ...
- المفارقة العالمية العولمية
- من المحيط الى الخليج: رياح منعشة تهب علينا من جبال الاطلس
- هل تصبح العلمانية ضحية التحديث والعلمنة؟
- عصر الاستهلاك االكبير
- كيف أخفقت النهضة العربية
- هل فعلاً مجتمعاتنا العربية غير جاهزة للديموقراطية؟
- لماذا انهزم الربيع العربي
- بين النوايا الخضراء المشبوهة والسترات الصفراء المحرومة
- كيف الخروج من هوّة التأخر؟
- العرب والإخفاق الحضاري المزمن
- العرب والحداثة والتحديث
- اللقاء الصدمة مع الحضارة الاوروبية الصاعدة
- الظرفية التاريخية المعاصرة في العالم العربي وأهمية العامل ال ...
- ثقافة الماينبغيات والخطاب العربي الغارق في المثل الأفلاطونية
- لماذا ينجح الواعظ الديني حيث يفشل المثقف الحديث
- لينين والعمل العلمي الذي أسسه ماركس


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فارس إيغو - العرب والتراث: معضلة وجودية