علاقة الأدب بالفلسفة وعلاقتهما بالواقع المادي .

حسن ابراهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 6201 - 2019 / 4 / 14 - 01:45
المحور: الادب والفن
    

تجدر الإشارة إلى كون الساحتين النقدية ,والثقافية تعجان بمواقف متباينة بخصوص علاقة الأدب بالفلسفة ,لكنه يمكن إجمال هذه المواقف في موقفين . الأول يذهب إلى القول بأنه لا
و جود لأي علاقة بينهما على أساس أن الفلسفة تخاطب العقل ,بينما يخاطب الأدب الوجدان .
إذا كا ن الأمر كذلك بالنسبة للموقف الأول ,فان الموقف الثاني يؤكد على كون الفلسفة رافقت الأدب منذ ظهورهما إبداعا وتنظيرا . 1
ويتضح ذلك بالرجوع إلى الفلسفة اليونانية ,وما جاء من أراء حول الموضوع عند كل من أفلاطون ,وأرسطو على الرغم من كون أفلاطون مزق قصائده الشعرية ,وطرد الشعراء من جمهوريته باعتبار كون الأدب رديف للكذب منتصرا للفلسفة المرادفة للحقيقة والعلم .
كما يظهر ذلك من خلال مواقف أرسطو في كتابيه تحت عنوان "فن الشعر" و"فن الخطابة" بالتركيز على المحاكاة ,والتخييل ,وما يترتب عنهما من صياغة لنصوص أدبية تتضمن أسئلة فلسفية ,ونصوصا فلسفية صيغت بشكل نصوص أدبية كما ظهر عند بعض الفلاسفة كسارتر فيما بعد في روايته تحت عنوان " الغثيان " وعند غيره كنيتشه من خلال كتابه تحت عنوان "هكذا تكلم زرادشت " . 2
معنى هذا أن العديد من الأعمال الفلسفية جاءت في نصوص أدبية تناولت قضايا فلسفية كقضية الوجود ,وغيره حيث صيغت بطرح أسئلة ضمنية فلسفية في شكل كتابات نثرية ,وشعرية ,كما تناولت نصوصا فلسفية من صميم الأدب اعتمادا على الخيال ,وبهدف التأثير في المتلقي بأسلوب تطغى عليه العاطفة ,أكثر مما يحركها العقل .
هذه العلاقة نجد لها منطلقات فيما أنتجه كبار الفلاسفة اليونانيين , و سوف تحضر في التراث الأدبي النقدي العربي من خلال نصوص لفلاسفة عرب كالفارابي ,ابن سينا ,وابن رشد ,كما نجد لها حضورا في أشعار بعض الشعراء كابي العتاهية ,وفي نصوص المتصوفة ,وغيرهم .
ويعود السبب في ذلك إلى ترجمة مؤلفات أرسطو وغيره إلى اللغة العربية وما أنتجه ذلك من تأثير على التراث الثقافي العربي أدبا ونقدا , إذ نجد لذلك تجل في النقد العربي ,وما تناوله من إشكالات ذات صلة بعلاقة اللفظ بالمعنى ,وما ترتب عن الدراسات البلاغية من أراء
ومفاهيم أثرت على السيرورة التاريخية للتراث النقدي الأدبي العربي .
إذا تجاوزنا هذا الطرح الايمكن أن نتحدث عن نظرية ,في إطار الأدب ,أو على الأقل بعض الآراء ,أو بعض المواقف ,أو إشارات ذات صلة بهذه العلاقة ؟
إذا كان الأمر كذلك تجدر الإشارة إلى كون كانط يذهب إلى كون " الفن يخص الذات لا موضوعها " 3
لذلك تحدث عن الانسجام الذاتي بين الفهم والمخيلة باعتباره " أساس كل خبرة جمالية ,ويتجلى ذلك في المعطى الخارجي " 4
وعليه فان مذاق الخمرة لا يعود إلى خصائصها الموضوعية .....بل يعود إلى التركيب الخاص في الحس لذي المتذوق " 5
لذلك يستبعد العقل فيما يتعلق بالذوق باعتباره أداة للسيطرة على المخيلة بسبب انه "في المعرفة تعمل المخيلة لصالح الفهم ,بينما في الفن يعمل الفهم لصالح المخيلة " 6
هذه التوطئة تجعلنا نطرح سؤالا كلاسيكيا مفاده ما علاقة الأدب بمحيطه الخارجي ؟
للإجابة عن هذا السؤال نرى أن العمل الأدبي نتاج شخصي ,غير أنه في نفس الوقت نتاج اجتماعي بحكم كون شخصية الأديب محكومة بمؤثرات خارجية ذات صلة بما هو اقتصادي,
اجتماعي ,ثقافي وغيرها ,بمعنى أنها محكومة بعوامل خارجية مركبة ,مما يفيد أن العمل الأدبي سوف يكون متأثرا بكل هذه العوامل .
إذن الإنتاج الأدبي له علاقة بالتاريخ ,وقضايا ذات صلة بالمجتمع الذي يعيش فيه الكاتب ,وبالتالي يصعب الحديث عن نص أدبي غير محكوم بهذه الشروط ,من ثم نقول بأنه عمل فردي وجماعي في نفس الوقت ,إن الأدب بهذا المعنى مرتبط بجميع الأنشطة الإنسانية بحيث يستلهمها ,ويعيد إنتاجها في أجناس أدبية معينة .
لقد فضلت استعمال كلمة إنتاج وليس الخلق باعتبار كلمة الخلق كلمة ميتافيزيقية تشير إلى الخلق من عدم ,بينما الإنتاج الأدبي مرتبط بشروط معينة تعتبر قاعدة مادية يتأسس النص الأدبي على ضوئها ولذلك لا بد من حضور نصوص أخرى ,وتجارب أخرى في كل نص 7
غير أن مستويات حضور ها تختلف من نص إلى أخر.
من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى كون الموقف من الفن يتغير بتغير العصور ,وحسب المثقفين والأدباء وعيه فادا كان موقف الشاعر الجاهلي هو وصف الواقع ,فإن موقف الأديب في العصور التي جاءت بعده وبفعل المتغيرات التي عرفها الواقع نفسه بسبب ذلك أصبح للشاعر موقفا مغايرا يسعى بواسطته إلى تغيير الواقع بالمساهمة بأعماله من منطلق مسؤوليته ,وتوظيف إنتاجه الفني الأدبي في إطار ممارسة الصراع الذي يفرزه الواقع نفسه ,إذ لم يقتصر الكاتب على تغيير موقفه تجاه الأجناس الأدبية فقط بقدر ما تجاوز ذلك إلى تأسيس موقف تجاه الواقع المادي من منطلق كونه يحمل رسالة وملتزما بقضايا شعبه .
هكذا ارتبط تغيير الأدب بتغيير القيم والمواقف التي تتأسس وفقا للصراع الذي يفرزه الواقع ,والذي أساسه الصراع الذي تعرفه التشكيلة الاجتماعية ,وبما أن للأدب تأثير في الواقع أصبح الشاعر ,والكاتب ملزما بتضمين مواقفه ضمن القصائد الشعرية ,وضمن نصوص نثرية باستعمال الرمز والإيحاء ,وما إلى ذلك مما يجعل من النص الأدبي إضافة إلى قيمته المهيمنة نصا يحمل رسالة من منطلق الالتزام بقضايا مصيرية للشعوب العربية ,وغيرها .
وعليه فإذا كان السياسي يمكن له تغيير الواقع من منطلق سياسي ,فان الأديب أيضا يمكن له أن يغيره من منظور أدبي خاضع لتطور وفقا لمنطق تطور الواقع نفسه .
إذن فالأدب له علاقة بالواقع ,هذا الأخير لابد له من تأثير على الأديب ,وكما يؤثر الواقع على الأديب أيضا يؤثر على الفيلسوف وعليه "فالدهشة التي تسهم في فعل الفلسفة هي نفسها التي تنتج الأدب والشعر " 8
هناك إذن خيوط ترتبط فيما بينها ,وتساهم في إعادة تشكيل ذاتها أدبيا ,كما أنها قد تعيد إنتاج ذاتها فلسفيا ,ولذلك في إطار علاقة الأدب بالفلسفة احتضنت مجموعة من النصوص الأدبية تساؤلات فلسفية لا من حيث الموضوع فقط ,ولكن أيضا من حيث علاقتها بالمنهج ,ومن ثم يمكن أن يعطى معنى لبناء نص بتوفير شرط الجمال الذي لا يمكن الاستغناء عنه .

1 مقال تحت عنوان الفلسفة والبلاغة د جورج كثورة مجلة الفكر العربي عدد 46 ص 201
alfalaq .com2 مقال تحت عنوان العلاقة بين الفلسفة والادب لفاطمة الحاحي موق 3 مقال تحت عنوان الأدب والفن والفلسفة د محمد شيا مجلة الفكر العربي العدد 25 ص 127
4 نفسه ص 127
5 نفسه ص 127
6 نفسه ص 127
7 سمسيائيات النص الأدبي أنور المرتجي ص 45
8 مقال تحت عنوان الأدب والفن والفلسفة د محمد شيا مجلة الفكر العربي العدد 25 ص 132

#حسن_ابراهيمي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل