أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم














المزيد.....

من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 6195 - 2019 / 4 / 8 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


التحقت بفرعية أيت مسري وتتكون من تجمعين سكنين ( تينيرغ و القصبة ) بعد عام أمضيته بفرعية أدخس آرفالن وهي واحة بعيدة و متاخمة لحدود طاطا . والفرعية الحالية هي أقرب فرعية من فرعيات مجموعة مدارس أصديف | تازناخت الى الطريق الرئيسية التي تربط ورزازات بأغادير . ولا تبعد سوى ببضع كيلومترات عن مقر جماعة زناكة بخميس كركدا .
يقال أن كلمة زناكة إنما هو تحريف لكلمة صنهاجة اللثامية ، وهو قول لا أستطيع تأكيده أو تفنيده وقد أخذته من أفواه بعض الفقهاء من أهل الدار ممن عاشرتهم وتوطدت علاقتي بهم . وتنتشر بالمنطقة مدارس قرآنية / التعليم العتيق أشهرها مدرسة إزواطن وتمعروفت .
سبقني الى التدريس بالفرعية المعلم ( أ. م ) وهو من أمازيغ أيت عتاب / ازيلال . ولأنه أقدم مني تواجدا بالقرية ، ويعرف خباياها وأسرار حياة أهلها فقد سرت في ظله أتبع خطاه ، والحق أنه دمث الأخلاق ، ولم أجد في العشرة معه ما يكدر صفو الحياة أو ينغص توالي الأيام . نشترك في الهوية الإثنية ، فأنا كذلك أمازيغي من قبائل أيت حديدو . يحدث أن نصطدم لاختلاف اللهجات الذي يقف حجرة عثراء في وجه التواصل بيننا فنضطر أن نستعين بالعربية الدارجة كحل يسعف الطرفين لكسر الحواجز.
نتخذ سكنا غرفة واحدة قرب حجرات الدرس مبنية من الطين المدكوك ، وهذه عادة السكان بجل قرى الوطن ، وكان أسلافنا من المدرسين يسمونها ( السكنى البطارية ) . فكرة ذكية لإبعاد الغريب عن الدوار وضمان سهولة مراقبته في حركاته وسكناته . ولكننا رضينا بهذا السكن المتواضع وغيرنا يضطر لاتخاذ حجرات الدرس سكنا يفصله برداء بلاستيكي سميك معتم .
بالقرية بئر وحيدة تجتمع عندها النسوة والصبايا لملإ الدلاء بما يحتجن اليه من الماء للشرب والطبخ وغسل الثياب إذا جفت العيون بالوادي . وموعدهن البئر كل مساء يتبادلن فيه أطراف الحديث والسمر بعد شقاء يوم طويل . في أحد الأيام امتثلت لأمر صديقي بأن أمتح الماء من البئر وقد كان الصديق يتكلف بذلك عن طيب خاطر وما انتبهت قط أني ملزم أن أشارك في هذا العمل مادام يعجبه التكفل فيه ويجد فيه ترويحا عن النفس لأنه يخالط الصبايا والنساء . كنت أعلم ان الأهالي يكرهون أن يتواجد الغريب/ المعلم بالمكان ذاته .
حملت الدلاء واتجهت نحو البئر وهي قاب قوسين أو أدنى من الأقسام في ساحة مفتوحة على الخلاء مباشرة تجاورها دور سكنية قليلة . وضعت الدلاء أرضا على حافة البئر وابتعدت أنتظر دوري لكي لا أزعج راحتهن ، واتخذت مسافة تضمن لي مراقبة المكان دون ان أتجاوز حدود الوقار واللباقة . نظراتي لا تزيغ عن الوجوه التي تؤثث الفضاء . توقفت طويلا عند غادة شديدة البياض ، جميلة الوجه ، ممشوقة القد وبارزة النهد وهي النزقة من بين المتحلقات حول البئر . لاحظت أنها ترميني بسهام نظراتها الساحرة التي أحاول أن أتجنبها في خفر العذراء . أخذتِ الدلاء وملأتها ووضعتها أمامي وأنا صامت كالأخرس وكأن الطير فوق رأسي مخافة عين متلصصة . وقفت أمامي تكاد أجسامنا تتلامس وشعرتُ بأنفاسها الحارة واللاهثة تلفح مسام وجهي . ورأيت حلمتي نهديها تنتفضان تحت ثوبها الشفاف دون صدرية . بدأت أرتعد من قشعريرة باردة خوفا وخجلا . بحركات عفوية متناسقة نزعتْ من جيدها سلسلة فضية تتدلى على صدرها حيث تملأ وتزين منه " وادي الملوك " ، ومن أصبعها الدقيق خاتما . وضعتهما في راحة يدي دون أن تنبس ببنت شفة . أخرستني المفاجأة . لم أرفض الهدية وما كان لي أن أجرح كبرياءها ، ولم تسعفني الجرأة لأشكرها وأطيب خاطرها ولم تكن هي تنتظر مني ردا . انسحبت في دلال وغنج ونظراتي معلقة بها .
عدت الى السكنى أحمل الدلاء . مرقت الى الداخل وقد كان صديقي حينها بالقسم ( هو يدرس الأول والثاني وانا أدرس المستوى الثالث مزدوج ) . أعددت الشاي وانتظرت أن يزف موعد خروج التلاميذ . حضر صديقي واحتسينا الشاي واكلنا خبزا وزيتا . نهض الى طاولة مدرسية استعملها كمكتب للقراءة والكتابة . وقع بصره على السلسلة والخاتم فالتقطهما في عصبية لم يستطع اخفاءها . سألني عن سر هذه الحلي . بحسن نية ذكرت له بتفصيل قصة الصبية قرب البئر . وأنا اسرد القصة أرى علامات الدهشة والذهول ترتسم على محياه الذي يعلوه شحوب وامتقاع فتتغير اسارير وجهه الذي شوهته نذوب حارقة غائرة منذ الطفولة . استشاط غضبا . استفسرته عن السبب ، فأكد لي أنه أهدى صبية من القرية هذه الحلي عينها ، وبفعلتها هذه تعلن أنها تفضلني . تطور الأمر الى مشادة كلامية بيننا وتوعد ني وهددني بمغادرة الغرفة الى سكن داخل الدوار . نفذ وعده في اليوم الموالي وكأنه رتب أموره منذ مدة وتحين الفرصة السانحة . كم أحزنني رحيله لأني فقدت مؤنسا وزميلا . علمت أنه وجد سكنا عبارة عن دكان بقالة استغنى عنه صاحبه . غرفة على شكل مثلث دون نوافذ يطل بابه على الحقول . وربما أراد التقرب من حبيبة القلب . رغم كل ذلك استمرت صداقتنا وتبادلنا الزيارات . ومن نافلة القول أن الصبية دأبت على إرسال الخبز لي وفي احايين كثيرة لبنا وحليبا سائغا ....وأكدت لي ان صديقي كان يسكن تلك الغرفة فيما مضى ...



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا صديقنا ( ميمون ألهموس ) من أشاوس أيت مرغاد
- في حضرة عرافة
- طقس الشاي وقدسيته
- الحل بين عناد رحل أيت مرغاد وتأويل النادل لسداد ثمن البراد
- تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى
- من ذكريات التتلمذة / قصعة الكسكس
- من ذكريات التتلمذة بمدرسة تاشويت / التلاميذ وقصعة الطعام
- هوامش على هامش الحكم على زعماء حراك أحراش الريف
- جرادة....أنشودة الرغيف الأسود
- من ذكرى أبي عشق الراديو/ المذياع
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي / أريج القهوة ولواعج العذرية
- من ذكرى أبي / ديك - تاحمدجوت -
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي ( المغرب )
- الخطوة الأولى نحو المدرسة
- اللقاء الأخير
- الجمرة الخبيثة عراب موسم الخطوبة بإملشيل
- من ذكرى أبي الدراجة الهوائية
- من مذكرات معلم / وريث حمل ثقيل
- التزيين في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين
- وشاية كاذبة تستنفر الإذاعة و نيابة التعليم بميدلت .


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم