أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - أسيرُ العَنكَبُوت















المزيد.....

أسيرُ العَنكَبُوت


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 6151 - 2019 / 2 / 20 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


أسيـرُ العَـنكَـبُـوت
بقلم: ادريس الواغيش

لا نختار طرقاتنا في الغالب، وحين تُـرسم لنا نصبح أسرى لها، من هناك جئت لكني لا أعرف أين أصل. قليل من يعرف أن اسم - تاونات- الحقيقي يعود إلى دوار يوجد في "امْتِـيوَة العُـليا"(شرق سبت بُوهُـودَة)، وأن تاونات الحالية (حيث مركز المدينة) كان اسمها القديم "مزيات"، لكثرة أشجار الزيتون فيها وجودة زيوتها، وإن كانت هذه المسألة تحتاج إلى مزيد من التحقيق والتدقيق.
موضعها كهضبة مرتفعة قليلا (أقرب إلى جَـبل) وموقعها الجيوستراتيجي المُـتميز في المنطقة مكَّـنا جنود الجَـيش الفرنسي في فترة استعمار للمغرب من التحكم في مُراقبة هِـضاب "شراكة" غربا و"الحَـيَايْـنة" شرقا وأيضا مسالك بني وليد وقبائل جبالة المُمتدة في الجغرافيا على طول نهر "وَرْغَـة" القادم من جبال الريف شمالا، لذلك جعلها الفرنسيون مركزا عسكريا. أقام بها بعض الأهالي مطاعم على جنبات الطريق المؤدية إلى قبائل كتامة والحسيمة والناظور فيما يشبه "الخِـيَـم" من الثوب والقصدير، وتطوَّرت الأمور إلى أن كبُـرت القرية تدريجيا حتى أصبحت مدينة، ثم تم اعتمادها مركزا لعمالة إقليم تاونات بعد ذلك مع التقسيم الإداري الجديد لسنة 1977م، نظرا لموقعها المُـتميز كنقطة قرب تجمَع مراكز الإقليم الأربعة: طهر السوق، تيسة، غفساي، القرية، وإن حرمتها الطبيعة من موضع جَـيّـد ومنبسط يكفيها للتوسع العُمراني، فلها ما يشفع..!.
من هناك كانت البداية، إذ جاءت أمي باكية ذات طفولة، هذا كل ما حكته لي عن بداية يُـتمها، لكن كيف؟ لا أحد أدري وذهب سرُّها معها، أعرف أن خجلها الشديد كان يمنعها من الإفصاح عن كل التفاصيل. أذكر الآن، أنني كلما مرَرْت من ذاك المكان عبر حافلة المَـساء الوَحيدة أتذكرها، ولا زلت. كانت أمي رحمها الله تكنى ب: "التاوناتية" (نسبة إلى تاونات) وكانت تُـنطق في العامّي( تاونانْت) ومن المرجح أنها كلمة أمازيغية، لأنه لا جذر لها في اللغة العربية. كل من كان يأتي من جهة مختلفة جغرافيا أو إداريا عن منطقتنا المنتمية وقتها إلى عمالة تازة كان الأهالي يسمونه باسمها مثل: التولي(التّـول)، الصنهاجي(صنهاجة)، الريفي(الريف)...إلخ. كانت قبيلتنا تابعة إداريا وقتئذ إلى طهر السوق(مرنيسة)، وهي بدورها كانت تابعة إداريا لإقليم تازة، فيما المنطقة التي جاءت منها أمي تنتمي إلى - تاونات- التي كانت تشكل إلى عهد قريب جُـزءا من عمالة فاس، قبل أن تستقل بدورها وتصبح عمالة وتستقل طهر السوق عن تازة .
كانت نساء "أيلة" تنادينني ب:" ولد التاوناتية"، لم أكن أعرف وأنا صغير السن حينها ما معنى "تاوناتية"، وكنت أخشى أن تكون مسبَّـة مثلا أو شتيمة، خصوصا من بعض النساء الشريرات في قرتنا.
لا أستطيع أن أقدر كم كانت أمي خجولة وكتومة في جانبها العاطفي وانتمائها "التاوناتي"، وكنت أنا منشغلا عن السؤال والنبش في الموضوع ب"القراية" واللعب مع الخلان دون توقف أيام العطل والآحاد، لذلك كل ما كانت تحكيه لي، على قلته، ينمحي في الليالي الباردة وأنساه في مساء الغد، بعد الانتهاء من صيد العصافير الصغيرة.
خالتي عائشة رحمها الله، كانت الأكبر سنا والأكثر جُـرأة وحَـذلقة منها، تعلمت صناعة الفخار من جدّتي وأتقنته، لكنها لم تعمِّـر في الحِـرفة طويلا، بارت سريعا مع ظهور أواني الالمنيوم والبلاستيك. كانت أختها الوحيدة القريبة منها وجدانيا وسكنا، في غياب أخت أخرى تسكن بعيدا وأخ مات مُـبكرا، لذلك عشت بلا"خال"، وكنت أشعر أن لي خالة واحدة مع أن لأمي أختان. الأخت الكبرى كانت غائبة وجدانيا وإن كانت على قيد الحياة، رأيتها مرة واحدة في حياتي ثم نسيت بعد ذلك ملامحها، كان لها بنون وبنات وحفدة وحفيدات كُـثر، لكن لم أعرف منهم إلا ولدين يكبُـراني سنا، أحدُهم يسكن في مكناس والآخر في فاس، مع ذلك ولسبب دفين، كان يسود بيننا جفاء صامت، لا أحد يسأل عن الآخر!.
كان يزورنا من حين لآخر رجل مُـسِـنٌّ في البيت من جهة الأم لكن بشكل نادر ومحتشم من دوار امي الأصلي، كنت أسمع أبي رحمه الله يناديه بالصِّـهر حينا و"النسيب" حينا آخر، وكانت أمّي تقول له "ابن خالي"، أركب الأمور على بعضها فلا أجد لها رابطا ولا أفهم شيئا. لكن الثابت أنه مثل أمي وخالتي وحيدَ أسرته، هكذا عرفت بأن أسرة أمي من جهة أخوالي بعيدة ومنسية من حياتنا، لم أكن أعِـرها أيَّ اهتمام لأسباب تعوَّدت عليها، حتى أنني نسيت أن لأمي عائلة غير عائلة أبي، لكثرة ما كنت أسمعها تشتكي من حُـرقة اليُـتم منذ الصغر، من جهة الأب(أقصد جدي من جهة الأم)الذي توفي مُـبكرا وهي صغيرة ثم تلتها الأم(جدّتي من جهة الأم)، هكذا عشتُ محرُوما من رُؤية الأجداد سواء من جهة الأب أو الأم، علاقة جدّي لأبي بجدي لأمي كانت مُعقدة ويصعب تفكيك خيوطها هي الأخرى، لكثرة ارتباط الجزء فيها بالكل!
عندما بدأت أسافر إلى مكناس وأنا صغير السِّـن، ثم إلى فاس بعد ذلك حين انخرطت طالبا في جامعتها، كنت أمر بالقرب من دوّار أمي الأصلي "امتيوَة"، كان يتراءى لي مُعلقا أسفل جبل يتعالى عن الأرض، بدءا من نهر "ورغة" فيما يشبه برتقالة كبيرة. من هنا بدأت الرَّغبة في زيارة أهل أمي وأرض أجدادها، لكن لأسباب لا أعرفها ظلت القناعة عندي بأن أصولها من دوار "أيلة" أبا وأمًّا، وليست من دوذار"امتيوَة". كنت أسمعها تقول لأبي رحمه الله من حين لآخر: "الله ياخُذ الحق!"، عرفت أن هناك شيئا مكتوما ومستورا عليه من جهة جدي، إلى أن فهمت بأن جدي من جهة الأم لم يأخذ حقه كاملا من الأرض والغلات، حتى لا يستفيد منها" الوارث القادم" الذي قد يتزوج أمي أو خالتي، لذلك تزوج أبي من أمي وتزوج عمّي بخالتي في عَـملية مُنظمة، حتى "لا يستفيد غيرُنا من خَـيرنا"!.
كانت أمي رحمها الله قد أسرت لي سابقا بأسماء بعض خُطابها في لحظة بَـوْح نادر واستثنائي(اثنين تسرَّبت لي أسماؤهم، عرفت أن أحدهم كان مُوَظفا). كان أبي يعدني بزيارة أهل أمي من جهة الجدة عندما كنت صغيرا، ولما كبرت أنا وشاخ هو بدأت أعده بدوري بزيارتهم، وظل هذا الوَعْـدُ مُـؤجلا من الطرفين إلى أن مات مع أبي رحمه الله!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوستالجيا: مُدُنٌ بأسْمَائها...!
- الكَيْنُونة الشعريَّة الخَالصَة
- الأكْفَانُ تُعيدُ الحَياة إلى مِلف حَامِلي الشَّهَادات العُل ...
- كُلية -ظهر المهراز -وشُعبة اللغة العَربية بها يُكَرِّمان جَم ...
- إنهُم يُحَاولون هَزم الحَياة فِينا..!!
- بُوطاهر قَيْدُوم شُعبة اللغة العَربية يُكرَّم بكُلية الآداب ...
- إلهام اسْلامْتي تبدأ مِشوارَها القصَصي ب-وردة...، من قصر الح ...
- السيّد مُحسن الزوَّاق في لقاء صحَافي مع وسَائل الإعلام بفاس
- عَلى مَرْمَى حَجَر مِن الخُوذات
- بَابُ السُّفَرَاء
- قصص قصيرة جدا: مَاسِحُ أحْذِيَة
- شبكة القراءة بالمغرب فرع فاس تفتتح موسمها الثقافي بتكريم الس ...
- قصة قصيرة: تَمَائِمُ البَطْمَة
- سُلالة بيكِيت !
- قصة قصيرة: “ أيْلَة“ عَادَت مِن جَديدُ إليّ
- قصة قصيرة: رُقعَة حَمْرَاء
- في حوار مع الشاعر محمد السّرغيني: القَابضُ على جَمْر الشعر م ...
- مَفاتِنُ الحُروف
- لا صُبَّارَ من حَولي!
- الدّار البَيضاء، كمَا رَأيتُها... !


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - أسيرُ العَنكَبُوت