أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة















المزيد.....

[4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 6096 - 2018 / 12 / 27 - 02:26
المحور: الادب والفن
    


4 . أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس
إلى الأخوين نعيم وسليمان يوسف والرّاعي

كانت شمسُ حزيران تحرقُ جلودنا ونحنُ نحصدُ باقات العدس، لا نستطيعُ أن نحصدَهُ لشدّةِ تشابكِهِ معَ الخرنوبِ والسَّيِّلِ والكاروشِ والقُنْجرّة والزِّيؤان والبَرْبُورِ والشُّوقلّة والشَّوكِ والبلّقِ العين والعُقَّيدة والخطميّة والقَلْقِ والحِمْحِمِ*. بصعوبةٍ كنّا نميّزُ "شيقانِ" العدسِ من تلافيفِ الأشواكِ والأعشابِ البرّيّة الَّتي كانتْ تخنقُ العدسَ، فما كنّا نستطيعُ أن نحصدَهُ بلا هذه الأشواك والأعشاب!
ظللْتُ أفكِّرُ بطريقةٍ ناجحة للتخلّصِ من حصادِ العدسِ تحتَ شمسِ حزيرانِ القائظة، بعدَ أنْ قضيتُ شهوراً في تدريسِ مادَّة اللَّغة الانكليزيّة، ما كان جسدي النَّحيل يساعدُني على تحمُّلِ الحصادِ مثلَ أخويَّ، أحياناً كانا يستعملان القيناغات** في أصابعهما تفادياً من دخولِ الأشواكِ إلى أصابعِهما، جرّبْتُ أكثر من مرَّةٍ استعمالَ القيناغاتِ، لكنّها كانت تسقطُ من أصابعي الرَّفيعة، فكانت الأشواكُ تأخذُ طريقها إلى أصابعي. حصادُ العدسِ بعدَ فصلينِ من التَّدريسِ، أشغالٌ شاقَّة، لم يبرحْ من ذاكرتي موضوع التورُّط في الحصادِ لأسابيع في مشروعٍ باِلكاد يغطِّي انتاجُهُ سهرةً عامرة، ورحْتُ أفكِّرُ بطريقةٍ سريعةٍ لوضعِ حدٍّ للتخلُّصِ من حصادِ العدسِ والأشواكِ حتّى لو ضحَّيتُ بحصّتي من الإنتاجِ!
فجأةً وجدْتُ على تخومِ أشواكِنا وعدسِنا راعياً يسرحُ معَ أغنامِهِ، حوله قطيعٌ كبير من الأغنامِ، فهتفَ قلبي لمشاهدتِهِ، فخطرَ على بالي مباشرةً اقناعهُ بشراءِ العدسِ بدلاً من أن نتعذَّبَ في حصادِهِ أيّاماً من دونِ فائدة مُحرزة!
تقدَّمْتُ نحوَهُ وسلّمْتُ عليه، كانَتْ لغتي الكرديّة تسعفُني لخوضِ هكذا حواراتٍ، وعندما أدخلْتُهُ في معمعاناتِ مخطَّطي بدأتُ أشرحُ لهُ فوائدَ عدسِنا وفوائدَ الأعشابِ الكثيفة المتداخلة بين العدسِ، فوائد كبيرة تساعدُ على زيادةِ درِّ حليبِ أغنامِهِ، وبدأتُ أعرضُ عليه بيعَ العدسِ جملةً وتفصيلاً بما فيه العدس الَّذي كنّا قد حصدناه منذُ يومين.
غمغمَ حديثه في البداية، لكنِّي أدخلْتُهُ في لبِّ الحوارِ فابتعدَ عن الغمغمةِ وبدأ يدخلُ في حيثياتِ الحوارِ، فقدَّمْتُ له عرضاً بحيث لو تراجعْتُ إلى أقلِّ من النِّصف بكثير يتحمَّسُ للإقدامِ على شرائِهِ، كانَ أخويَّ أثناءَ محاورتي مع الرَّاعي غائصَين في حصادِ العدسِ بهمَّةٍ لا تلينُ، وما كانا يعرفان أنَّني على وشكِ أن أبيعَ العدسَ، كان الرَّاعي يرتدي شروالاً وقميصاً خاكيَّاً وعلى كتفِهِ جمداني مخطَّط بالأحمرِ والأبيضِ تتدلَّى نهاياته على صدرِهِ، وعندما أصبحنا متقاربين نحوَ السِّعرِ، سألني هل أهلكَ سيوافقونَ على بيعِ العدس؟ فقلْتُ له ولو! أنا مخوَّل ببيعِهِ، ولنا حقلٌ آخر من الشّعيرِ أستطيعُ أنْ أقنعَهم ببيعِ الشّعيرِ أيضاً، فقالَ، دعنا الآنَ من الشّعيرِ وخلّينا بالعدسِ!
لفَتَ تأخُّري انتباه أخي الكبير، فسألَ أخي الآخر، لماذا تأخَّرَ صبري يا ترى، ما هذا الموضوع الهامّ الَّذي يحاورُ فيه هذا الرَّاعي، ولماذا لا يأتي ويحصدُ معنا، أليسَ شريكاً معنا في الحصادِ والإنتاجِ؟!
اسأله ماذا يفعلُ معَ الرَّاعي.
ناداني أخي، متسائلاً فيما إذا لديّ حديثاً ما هامَّاً معَ الرَّاعي؟
لحظة لو سمحت، استأذنْتُ من الرَّاعي، وتوجَّهْتُ نحوَ أخويَّ وأخذتُهما جانباً، أشرحُ لهما مخطَّطي في مسألةِ بيعِ العدسِ قائماً بما فيه المحصود، فسألتُ أخي، ما هو السِّعر الَّذي يناسبُكَ لو استطعْتُ أن أقنعَ الرّاعي بشرائِهِ؟
فقالَ لي وأنتَ بكم ممكن أن تبيعَ العدس وكم ستكونُ حصَّتي؟
بحدودِ ألفين ليرة سورية أو أكثرَ بقليل، ستكونُ حصَّتُكَ أكثر من ألف ليرة.
لكنَّنا ثلاثة، لو بعْتَ العدسَ بألفين لم يحصل كل واحد منّا على ألف ليرة.
لا تقلق، ستحصلُ، لأنّني لا أريدُ حصّتي من البيعِ، أريدُ أن أقدِّمَ حصّتي لكما هديّة، فقال لي لو تستطيع أن تقنعَهُ بشراءِ العدسِ بأكثر من ألفين ليرة سنبيعُهُ في الحال.
لحظات وسأعودُ إليكما، عدْتُ إلى الرَّاعي باسماً، فابستمَ هو الآخر، قائلاً، أراكَ مبتسماً!
لأنَّ حظَّكَ رائع.
لماذا؟
لأنّني استطعْتُ أنْ أقنعَ اخوتي ببيعِ العدسِ بثمنٍ رخيص جدّاً، فقد قلتُ لهما أنَّ أوضاعَكَ الاقتصاديّة ليستْ على مايرام، مشيراً إلى أنَّ العدسَ لا يساوي قيمةَ حصادِهِ، فلِمَ لا نبيعُهُ لهذا الرَّاعي المسكين بثمنٍ رخيص كعلفٍ لأغنامِهِ؟
وهل استطعْتَ أن تخفِّضَ السِّعرَ كثيراً؟
طبعاً.
وبكم اتَّفقتم.
بحدودِ أربعة آلاف ليرة.
تمتمَ، لكن ألا ترى أنَّ العدسَ لا يساوي أربعةَ آلاف ليرة؟
لا تقلق، لأنَّني أستطيعُ أن أضغطَ عليهم أكثر، وأخفِّضَ السّعر إلى ثلاثة آلاف ليرة.
أوافق على شرائِه بثلاثةِ آلاف.
حالما، قدَّمَ موافقتَهُ، صافحْتُهُ وهزَزْتُ يدَهُ كموافقة نهائيّة، ثمَّ طلبْتُ من أخي أنْ يلتقطَ صورةً وأنا أصافحَهُ وأهزُّ يدَهُ، اندهشَ الرَّاعي لقدومِ أخي وتوجيه عدسة الكاميرة نحوَهُ، قائلاً للراعي أنظرْ إلى الكاميرة، فقالَ ماذا حصل، قلْتُ له لا تقلق، أخي يريدُ أنْ يلتقطَ لنا صورةً تذكارية على البيعِ، أخرجَ الرَّاعي محفظته، وأعطاني المبلغ عدَّاً ونقداً، أعدْتُ إليه مائة ليرة سوري "خير دين"، كمكافأة على اتفاقِنا، فَرَحَ لموقفي، ثمَّ وزّعْتُ المبلغَ على أخويّ بالتَّساوي.
فيما كانَ أخي الكبير يقبضُ حصَّتَهُ ويضعُها في جيبِهِ، تساءَلَ ضاحكاً:
انّي أندهشُ على أفكارِكَ وحلولِكَ السَّريعة، بأيَّةِ طريقةٍ استطعْتَ أنْ تقنعَ الرَّاعي ببيعِ العدسِ بهذه السّرعة وبهذا السِّعرِ الغالي، وأريدُ أن أفهم، ماذا استفدْتَ أنتَ من كلِّ هذه العمليّة؟!
ضحكْتُ من أعماقي، وفيما كنْتُ أبيِّن له أنَّني الرَّابح الأكبر، دخلَتْ أغنامُ الرَّاعي في الحقلِ، لملمنا حاجاتنا من الحقلِ، موجّهين أنظارنا نحو ظلالِ المنزلِ، تاركين خلفنا الأغنام ترعى العدسَ بنهمٍ كبير.
على ماذا كنتَ تقهقهُ وقدْ خرجْتَ من المولدِ بلا حمّص، وبأيِّ منظورٍ أنتَ الرَّابحُ الأكبر؟
أنا الرَّابحُ الأكبر، لأنَّني ببيعِ العدسِ تخلَّصْتُ من همِّ حصادِ العدسِ لأسابيع، اليوم سأستلمُ قيمة ساعاتي الإضافيّة من التَّدريسِ، سأشتري بها صندوقاً من عرقِ الرَّيّان وصندوقين من بيرة بردى، سنحتفلُ أنا وأصدقائي بمناسبةِ بيعِ العدسِ، سنسهرُ اللَّيلَ كلّه، وغداً سأنامُ حتّى منتصفِ النَّهارِ، متخلِّصاً من حصادِ العدسِ، طالما أصبحَ في ذمَّةِ الأغنامِ!
ضحكَ أخويَّ ضحكاً طازجاً، وعندَ المساءِ قامَ العرقُ ركباً، وفيما كنْتُ أسردُ للأصدقاءِ مهاراتي في بيعِ العدسِ والأشواكِ، تعالَتْ قهقهاتنا عابرةً نسائمَ اللَّيلِ العليل!


ستوكهولم: كانون الأوَّل (ديسمبر) 2007


هوامش:
*الخرنوب والسَّيِّل والكاروش والقُنْجرِّة والزِّيؤان والبَرْبُور والشُّوقلّة والشَّوك والبلّق العين والعُقَّيدة والخطميّة والقَلْق والحِمْحم: من الأعشاب والحبوب والزُّهور البرّيّة.
** قيناغات: مفردها قيناغة، يتمُّ ارتداؤها بأصابعِ اليدِ اليسرى كي تحمي الأصابع من الشَّوك أثناءَ الحصادِ بالمنجل.



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- [3]. الكرافيتة والقنّب، قصّة قصيرة
- [2]. الّذكرى السَّنويّة، قصّة قصيرة
- [1]. فراخ العصافير، قصّة قصيرة
- [10]. استمراريّة القهقهات الصَّاخبة، قصَّة قصيرة
- [9]. وللزهور طقوسها أيضاً! ، قصّة قصيرة
- [8]. مشاهد من الطُّفولة، قصّة قصيرة
- [7]. احمرار السَواقي، قصّة قصيرة
- [6]. اللّص والقطّة، قصّة قصيرة
- [5]. قتل النَّاطور الحمامة، قصّة قصيرة
- [4]. حالات اِنفلاقيّة قُبَيْلَ الإمتحان قصّة قصيرة
- 3 رنين جرس المدرسة، قصّة قصيرة
- 2 . امطري علينا شيئاً يا سماء! قصّة قصيرة
- المجموعة القصصية الأولى، احتراق حافات الروح، استهلال، [1] اح ...
- خمس مجموعات قصصية المجلّد الأول، مدخل للقصص
- تصفّح العدد السّادس من مجلة السَّلام الدولية الصادرة في ستوك ...
- حملة تضامن مع الشاعرة المبدعة فاطمة ناعوت
- صباح الخير يا مالفا أيّها المرفرف فوق تاج الإرتقاء في سماء ا ...
- إصدار جديد للأديب التَّشكيلي السُّوري صبري يوسف بعنوان: ديري ...
- طفولةٌ مزدانةٌ بأريجِ النّعناعِ البرّي
- كتابةُ الشِّعرِ إنغماسٌ عميق في رحابِ أحزانِنا وأفراحنا


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - [4]. أنا والرَّاعي ومهارتي بِبَيعِ العدس، قصّة قصيرة