أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5














المزيد.....

الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6091 - 2018 / 12 / 22 - 17:25
المحور: الادب والفن
    


تنتمي أسرة " حسنة " إلى أمازيغ مراكش الأصليين، ممن يعتقد أنهم أسسوا المدينة على زمن يوسف بن تاشفين. لقد تعرّب لسان أغلب من سكنوا هذه الحاضرة العريقة، بينما أشقاؤهم أهل الريف بقوا إلى يومنا الحاضر يتكلمون " الشلحة ". أسرتها، كانت من الفئة الأخيرة، وقد سكنت ما يُسمى " الدوّار " بالدارجة المحلية؛ وهو تجمع فلاحي صغير شبيه بالمزرعة، أو العزبة باللهجة المصرية. مع ذلك، بقيت المدينة الحمراء مقسومة بين هذين العنصرين الأساسيين. فيما الأقلية اليهودية، المتحصنة بعزلتها في حي الملّاح، ظلت على الهامش. نقطة التقاء العنصرين الأساسيين، رمزياً، شكّلته ساحة جامع الفنا. وليسَ بلا مغزى، بناءً على ما سبق، أن يكون للحي اليهودي مدخلان، مفتوحان على هذه الساحة نفسها.
على الرغم من كون أسرة زوج " حسنة " من أمازيغ ما وراء الأطلس، إلا أنهم كانوا يسجلون عليها نقطتين سلبيتين: الأولى، هيَ احتفاظها بلغتها الأم، وكانت تتكلم بها مع أفراد أسرتها. النقطة الثانية، تمثلت في عدم فهمها اللغة الفرنسية وذلك بسبب زواجها المبكر، الذي حرمها من إكمال الدراسة. وكان من المفترض بأمثالها، ممن وصلوا لنهاية المرحلة الإعدادية، أن يتقنوا الفرنسية. بيْدَ أن أمازيغ المغرب، عموماً، يكرهون لغة المستعمر ويتمسكون بلغة الفاتحين العرب، عدا عن أن الدولة أهملت مناطقهم الريفية سواء من ناحية التعليم أو الخدمات.
راحَ إذاً يتصفّح أوراق الدفتر الكبير، المكتوبة قصصه بعربية متعثرة، وإن تكن تتميز بخصوبة الخيال وصدق التعبير عن الواقع. أحياناً، كان يتلهى بما بين يديه، بتمرير العينين على طاولات المقهى، المتصاعد منها دخان التبغ ورائحته. هنالك جلس الرواد، وغالبيتهم من السيّاح، وكانوا يتسامرون باللغة المستعمرة، المنتصرة. رائحة البحر، تنتشر أيضاً مع كل هبّة ريح هيّنة في ساعة الظهيرة هذه. كان يفكّرُ بصاحبة الدفتر، السهلة المنال جسدياً والعصيّة على التصنيف روحياً. في المقابل، كان سقوطها السريع في علاقة محرّمة مفهوماً، بالنسبة للعشيق على الأقل، كنوع من التمرد أكثر منه تعويضاً عن الحرمان من سني المراهقة ومشاعر الحب الأول وما بينهما من تجارب جنسية محتملة.

***
" الدوّار، في أوقات الحر مساءً، حيث يتنافس على إزعاج ساكنيه الذبابُ والناموس، فيما العقارب تتراكض على الجدران كخيط أسود مشدودة من لدُن مخلوقات الظلمة غير المرئية. من الزريبة، يأتي خوار البقر مع رائحة روثه المختلط بالعبق الحريف لشجرة التين، ثمة أين قبعت البوم بين فروعها جالبةً بنعيبها الشؤمَ لأولئك السكان. صوتٌ آخر، مألوف، يصدر من حجرة نوم منعزلة على طرف الزريبة. كبير الدار، لا يتورع عن ضرب امرأته الشابة المعيّرة إياه بعبارة " عنّين "، الجالبة لعار الرجل أكثر من شحّه وحرصه. يرد هوَ، أنه يقوم بأودها مع الأولاد من خلال عمله المضني في حقله، المترامي الأطراف، وأنه سبب إرهاقه ليلاً.
" بل هوَ عجزك، وبالوسع طلب مساعدة العشّاب لو لم تكن شحيحاً! "، تتحداه ثانية بعبارتها ذات النصل الحاد. المزيد من الضرب، واطّراد الصراخ. نهاراً، في أثناء حديثه مع " عجوزة " ابنته، يتهم امرأته بتسميمه بشكل بطيء: " لقد أكتشف مؤخراً نمو نبات الشوكران، الشبيهة أوراقه بالبقدونس، وذلك في حديقة المنزل المزروعة بالخضار. تبغي الخلاص مني، كي تتزوج مجدداً. إنها قدوة سيئة لبناتها! ".

***
في أثناء القراءة، كانت تمتد نحوه يدُ أحد المتسولين أو يد بائع من الباعة المتجولين مع بضاعته. وإنه كذلك، إذا بيدٍ توضع على كتفه هذه المرة، في نعومة ورفق. رفع رأسه، لحظة هيمنت صاحبة اليد على موقفه وراء الطاولة، والمظلل بشمسية كبيرة مخططة بشتى الألوان. قالت له عن فم مبتسم: " أنا خطيبة حامي. إننا التقينا مرةً قبل حوالي عامين، إذا كنتَ تذكر؟ ". أومأ إيجاباً، ماداً لها يده بالتحية. كانت فتاة شقراء ذات سحنة حسنة القسمات، متمتعة أيضاً بقامة فارعة ورشيقة. حين رآها في تلك المرة الوحيدة، كانت تضع حجاباً قاتماً. مثلما أن النظارات الطبية أخفت وقتئذٍ اللون الأخضر لعينيها البربريتين، المائلتين قليلاً. كذلك لم تكن لهجتها صريحة، منطلقة، كما هيَ الآن.
" أودّ أن نتكلم قليلاً. لو سمحَ وقتك، طبعاً؟ "، استأنفت كلامها بنفس اللهجة. للوهلة الأولى، أعتقدَ أن الموضوع يتعلق بعشيقته، كونهما تعملان في ذات الفندق. إلا أنها استطردت وكأنما حزرت فكرته: " الموضوع يتعلق بحامي، لأنني أعرف أنكما صديقان حميمان ". كونه قد خرجَ تواً من مأزقٍ محرج، كاد أن يقوّض حياته العائلية، فلم يجد من الحكمة أن يستمع لها في هذا المقهى، المنفتح على مدخل المرسى. هنا أيضاً، ساعده حدسُ الفتاة الحسناء. حتى قبل أن تسمع رداً، عادت لتشير إلى الناحية اليمنى للساحة، مقترحةً المشي باتجاه القلعة البحرية ( أو ‘ السقالة ‘ حَسَب التعبير المحليّ ). أجابها أخيراً، غيرَ مبالٍ سوى بإشباع فضوله: " فلنذهب إذاً.. ".

***
وأخيراً أيضاً، سيفتَحُ الدفترَ الآخر، الخاص بأوراق السيرة، كي يواصل الكتابة ولكن بصيغة المتكلم. إذ أدرك القارئُ، ولا ريب، أن هذا الفصل الختاميّ هوَ امتدادٌ لما سبقه من الحكاية، المروية على لسان محقق السيرة ( على لساني أنا بالطبع )، وكان يحمل عنوانَ " شيرين وفرهاد ". فلنعُد إذاً لبقية الحكاية



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 4
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 3
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 2
- الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 1
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 5
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 4
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 3
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 2
- من أجل نصف كرون
- شيرين وفرهاد: الفصل السابع 1
- لقيط
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 5
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 4
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 3
- غسق أزرق
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 2
- شيرين وفرهاد: الفصل السادس 1
- شيرين وفرهاد: بقية الفصل الخامس
- تورغينيف وعصره/ القسم الخامس
- شيرين وفرهاد: الفصل الخامس 2


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصراطُ متساقطاً: فصل الختام 5