أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات .. (3)















المزيد.....

من دفاتر الذكريات .. (3)


أحمد الشحماني

الحوار المتمدن-العدد: 6035 - 2018 / 10 / 26 - 03:25
المحور: الادب والفن
    




صديقي الاكاديمي في جامعة بغداد ..

كان لي صديقٌ تجمعني به عشرة عمر طويلة .. لا يوم ولا يومين .. لا سنة ولا سنتين .. عشرة عمر يا روحي تمتد لسنوات وسنوات.
وكنا, وما اروع ما كنا..
كم كنا نلوذ بأيام الصيف في المقاهي والحدائق لنطرد مضايقات الحر ونعانق احاديثنا الممطرة بالأمنيات واحلام الغد المجهول ..
وكم كنا نطرد الجوع بلفات فلافل نتقاسمها مع استكان شاي لكي لا تلاحقنا وتهاجمنا جيوش الجوع القابعة في بطوننا الخاوية ..
كان صديقي مولع بالفتيات حد اللعنة, وكان عندما يرى فتاة حسناء تهتز لها شجيرات روحه ويقفز قلبه ويفر مثل عصفور داهمته فجأة امطار الشتاء ..
ومن شدة ولعه بالفتيات, رُقن قيده الجامعي بسبب علاقة فاشلة مع فتاة نصبت له شركا وتركته يئن طوال الوقت, ولكن لحسن الحظ انقذته لعنة الحرب العراقية الإيرانية (مصائب قوم عند قوم فوائد) حيث صدر قرار من وزارة التعليم العالي آنذاك تعتبر سنة عدم رسوب فكان هذا القرار منقذا له - فمنحته الحياة الجامعية فرصة اضافية (رغم ان الحياة لا تمنح فرصا كثيرة إلا ما ندر – إلا ذو حظ عظيم) ..
* * *
تمكن بعدها صديقي من تجاوز محنته وكنت له خير صديق في وقت الضيق ..
مرت الايام وتجاوز قطار السنين محطاته واكمل صديقي دراساته العليا وعيَّن استاذاً في جامعة بغداد ..
سررتُ له كثيرا وقاسمته هواجس الفرح والغبطة بل وكأني انا من حقق هذا النجاح حتى ان روحي رقصت طربا واحتست كأس الفرح ..
كنت التقيه خلال زياراتي المتباعدة لبغداد وفي كل مرة التقيه نذهب معا لتناول شيئا من الطعام لنتذكر ما مضى من الذكريات القديمة ..
في احدى المرات لمحني رجلٌ طاعن في السن وانا اخرج للتو من غرفة صديقي فبادرني بالتحية وطلب مني ان امنحه بعض الدقائق للتحدث معي ..
وكعادتي في الحياة لم اكن إلا انا بقلبي ومشاعري وإنسانيتي التي جُبلت عليها وعاهدت نفسي ان اكون عونا للناس امد لهم يد المساعدة ويد الخير ما استطعت ..
* * *
قرأتُ في ملامح وجهه علامات الخجل والألم والتوجع .. قلت له خير يا رجل, ما الأمر؟ ..
اجابني قائلا بعد صراع مع الخجل والتوتر: رأيتك خارجاً للتو من زيارة الاستاذ في غرفته - هل تعرفه؟ هل تجمعك به علاقة صداقه؟
اجبته في الحال نعم انه صديقي ما الأمر يا رجل؟
اطلق الرجل تنهيدة ألم وحزن وهو يصارع خجله وملامح القهر ترتسم على وجهه, ثم استدرك وقال: لدي ابني في المرحلة الثالثة – ولعامين متتاليين يرسب فقط في المادة العلمية المختص بها هذا الاستاذ واعني به صديقك - رغم ان ابني متفوق في باقي المواد الدراسية وبدرجات عالية جدا, وان ابني الآن في غاية الحزن والألم وسوف يرقن قيده بسبب هذه المادة ..
سألته للرجل المسن: هل ابنك لديه مشكله في فهم المادة؟ ولماذا لسنتين متتاليتين يرسب فقط في هذه المادة؟ اجابني وكأنه عرف ما اقصده ..
– ابدا بل ان ابني يساعد بقية الطلبة الزملاء في توصيل المعلومة الجيدة في هذه المادة وكل اصدقاءه مسغربين من ذلك ..
حسناً .. لا عليك سأحمل رسالة معاناتك وحزن وألم ابنك معي لأتحدث مع صديقي لنر كيف تسير الأمور ..
* * *
لم استطع مغادرة اروقة كلية بغداد, لأن القضية لا تحتمل تأخيرا ولأن القضية تمثل حالة إنسانية فيها بعض التشعبات والتعقيدات التي ربما استطيع ان اكون حلاً لتشعباتها وتعقيداتها ..
رجعت في الحال اطوي الخطوات بسرعة ولساني حالي يقول لعل الله جعل في زياتي لصديقي منقذا لهذا الطالب ..
طرقت باب غرفة صديقي الذي لم يكن يتوقع رجوعي له بعد ان ودعته قبل دقائق معدودات ..
جلست أمامه .. كان يتحدث مع شخص على التلفون فأنتهزت الفرصة لألملم واصيغ كلماتي وحديثي بشأن قضية هذا الطالب, كيف اخبره, وماذا اقول له؟ ربما سيفاجئني ببعض الأسئلة التقليدية من قبيل: كيف عرفته, وهل لك صلة معه وووووو ...
قاومت جيوش الاسئلة الافتراضية وتشجعت وما ان فرغ صديقي من مكالمته الهاتفية وقال لي مبتسماً الله بالخير. بادلته الأبتسامة وانا اردد الله بالخير, وإن شاء الله خير.

لم اتأخر في لملمة الكلمات بل اقتحمت حواجز الخجل الكونكريتية واخبرته بكامل القصة التي حدثني بها والد هذا الطالب الجامعي لكي اعرف إن كان هناك ثمة حل يمكن أن اساهم إنسانيا في صياغته وما مدى صحة الحكاية وهل بإمكاني ان اجد عند صديقي الاكاديمي جواباً مقنعاً لفشل هذا الطالب بتلك المادة الدراسية؟ .
* * *
ما ان انهيت سرد الحكاية حتى فاجئني صديقي وهو يلوك بكلماته الباردة وبكل تجاهل لمهنيته وإنسانيته واكاديميته ..
ــــ نعم انا من رسبته ولا اريد له النجاح ..
ــــ ماذا؟ قاطعته متفاجئاً ..
ــــ اجابني مرة ثانية قائلا: انا من رسبته ..
ــــ هل سبب رسوبه لأنه غير مجدٍ بمادتك الدراسية؟
ــــ لا ابدا – ليس الأمر كذلك ..
ــــ اذن ماذا لو سمحت, احببت فقط ان اعرف السبب إن كان ذلك لا يزعجبك يا صديقي ..
ــــ تمتم وقال: بسبب وجود علاقة عاطفية له مع طالبة من قسم آخر ..
ــــ علاقة عاطفية لديه مع طالبة؟! طيب وما المشكلة .. وما الضير في ذلك؟
ــــ هل الطالبة تعرفها .. تخصها .. مسؤول انت عنها؟ .. تساءلت أنا لأعرف ما يدور في خلده
ــــ لا ابدا لا اعرفها, ولا اخصها, ولست مسؤولا عنها, ولكني لمحته عدة مرات وهو يجالس تلك الفتاة في نادي الكلية وهذا ما اثار مشاعر الإنتقام في داخلي تجاهه ..
ــــ اثار جوابه عاصفة من الغضب والإستياء في داخلي, فبادرته متسائلاً ..
ــــ وهل انت يا صديقي تعمل أستاذاً جامعياً في كلية عراقية ام تمارس مهنة رجل دين وواعظ في مسجد؟
ــــ لم يتحمل صديقي سؤالي الصريح اللاذع, فأمتعض وقال هذا شأن خاص لا مجال للجدل فيه ..
ــــ فركت راحة يدي بألم وحزن وغضب وانا اغادره مستاءً متألماً, متسائلا في قرارة نفسي (إذا كان هذا صديقي الأكاديمي المتعلم الذي احسبهُ مثالا يقتدى به واتوسم فيه علامة مضيئة في مجتمع يؤمن بالحرية الشخصية, وحرية الأختيار, وحرية الفكر, والديموقراطية فكيف يكون حال الاميين والمتعصبين وخريجي السجون)..

لا هواي ربطت ...!



#أحمد_الشحماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برهم صالح وعادل عبد المهدي وحكاية وطن
- أنا لستُ يوسف
- من دفاتر الذكريات ... (2)
- الطغاة والفاسدون يتشابهون في سلوكياتهم
- المتباكون
- الناخب العراقي بين العاطفة والعقل
- الحقيقة المؤلمة . .
- الثلوج هي بكاء الطبيعة بدموع بيضاء
- مارين لوبن وعاصفة الإستياء اليهودي . .!
- دونالد ترمب وبداية المشوار. . .!
- «باراك أوباما في دائرة الأتهام» . . .
- خالد العبيدي . . . «لقد كنت متأخرا في هجومك»
- كونوا نيلسون مانديلا . . .!
- تراتيل في معبد السياسة العراقية المضحكة . . . !
- السياسة في العراق ولعبة الحية والدرج . . .!
- ماذا تعني استقالة وزراء التيار الصدري . . ؟
- هل سيصلح العبادي ما افسدته العملية السياسية . . .؟!
- أيها المتظاهرون: الدموع لا تمسحها مناديل الكلمات . . !
- كامل سواري . . . وصلاة الفقراء. . .!
- جمهورية المنطقة الخضراء في العراق الفيدرالي الجديد. . . نقطة ...


المزيد.....




- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الشحماني - من دفاتر الذكريات .. (3)